![]() |
النداء الثالث للمؤمنين في القرآن
النداء الثالث للمؤمنين في القرآن
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [سورة البقرة: 172]. الطَّيِّبات: جمع طَيِّب، يُقال: طابَ الشَّيء يطيب طَيِّبًا، فهو طيِّب؛ قال تعالى: ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا * وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ﴾ [النساء: 3، 4]، وأصل الطيِّب: ما تستلذه الحَوَاس، وما تستلذه النفس. والطعام الطيب في الشرع: ما كان متناوَلًا؛ من حيث ما يجوز، وبقدر ما يجوز، ومن المكان الذي يجوز، والطيب من الإنسان: مَن تَعَرَّى مِن نَجاسة الجهل والفسق، وقبائح الأعمال، وتحلَّى بالعلم والإيمان ومحاسن الأعمال، وإياهم قصد سبحانه بقوله: ﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ ﴾ [النحل: 32]. ﴿ وصَعِيدًا طيبًا ﴾؛ أي: ترابًا لا نجاسة به، وسُمِّي الاستنجاء استطابة؛ لما فيه من التَّطَيُّب والتَّطَهُّر، وقيل: الأطْيَبان: الأكل، والنِّكاح، وطعام مطيبة للنفس، إذا طابت به النفس[1]. خاطب الله عز وجل في الآية 168 من سورة البقرة جميع البشر أن يأكلوا مما أحله الله من الطيبات، حال كونه مستطابًا في نفسه، غير ضار بالأبدان والعقول، ثم نهاهم أن يقتدوا بآثار الشيطان فيما يُزينه من المعاصي والفواحش والمنكرات، ونهاهم أن يَتَّبِعُوا خطواته، وأنه عظيم العداوة، وعداوته ظاهرة لا تخفى على عاقل، كما نهاهم أن يفتروا على الله بتحريم ما أحل أو تحليل ما حرَّم، وخاطب الله المؤمنين؛ لأنهم الذين ينتفعون بالتوجيهات الربانية، والمعنى: كلوا يا أيها المؤمنون من المستلذات، وما طاب لكم من الرزق الحلال الذي رزقكم الله إياه، ﴿ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [البقرة: 172]؛ أي: واشكروا اللهَ على نِعَمِه التي لا تُحْصَى إن كنتم تَخصونه بالعبادة، ولا تعبدون أحدًا سواه[2]. معنى الآية الكريمة: نادَى الجَبَّاُر عَزَّ وَجَلَّ عباده المؤمنين: يا أيها الذين آمنوا بالله ربًّا وإلهًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولًا، كلوا من طيبات ما رزقناكم، واشكروا الله رَبَّكم على ما أنعم عليكم من حلال اللحوم، ولا تُحرموها كما حرَّمها مُقلدة المشركين، فإنه تعالى لَمْ يُحَرِّم عليكم إلا أكْلَ المَيْتَة والدَّمَ، ولَحْمَ الخِنْزيرِ، وما أُهِلَّ به لغيره تعالى، ومع هذا مَن ألجأتْه الضرورة، فخاف على نفسه الهلاك، فأكل، فلا إثم عليه، بشرط ألا يكون في سَفَره باغيًا على المسلمين، ولا عادِيًا بطريق يقطعها عليهم؛ لأن الله غفور لأوليائه التائبين، رحيم بهم، لا يتركهم في ضِيقٍ ولا حَرَجٍ[3]. أخرج مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا أيها الناس إنَّ الله طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلا طَيِّبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [المؤمنون: 51]، وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [البقرة: 172]، ثم ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أشْعَثَ أغْبَر، يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السماء: يا رَب، يا رَب، ومَطْعَمه حَرام، ومَشْرَبه حرام، ومَلْبَسه حرام، وغُذِي بالحرام، فَأَنَّى يُسْتَجابُ لَهُ؟)[4]. ثم بَيَّنَ الله لهم واسْتَثْنَى من ذلك أشياءَ مُحَرَّمَة، وذَكَرها لهم وهي المَيْتة، والدم، ولحم الخنزير، وما أُهِلَّ بِه لِغَيْرِ اللهِ. فالمَيْتَة بفتح الميم: الحيوان تزول حياته دون *** شرعي، وفي القرآن: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ﴾ [المائدة: 3]. والمِيتَة بكسر الميم: الحال التي تقع على الموت، يقال: مات فلان مِيتَة رَضِيَّة. والمَوْت: ضد الحياة، والمُوات بضم الميم: الموت الذي يقع على الدواب، والمَوات بفتح الميم: الأرض التي لم تُزرَع، ولا تُعَمر، ولا جَرَى عليها مِلك لأحد)[5]. والمَيْت والمَيْتة بفتح الميم وسكون الياء: هو ما مات قَطْعًا، وانتهتْ حياتُه. والمَيِّت والمَيِّتَة بتشديد الياء، هو ما لم يمُت بعدُ، ولكنَّه آيِلٌ أمْرُه إلى المَوْت، هكذا يرى أرباب اللغة، واستشهدوا بقوله تعالى:﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ﴾ [الزمر: 30]، وهذا دليل على إطلاق مَيِّت بالتشديد على مَن لَمْ يَمُتْ بَعْدُ، كما استشهدوا بقول الشاعر الجاهِلِي عدي بن الرَّعْلاء الغسَّاني: ليس مَن ماتَ فاسْتَراحَ بِمَيِّتٍ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إنَّما المَيِّتُ مَيِّتُ الأحْياءِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إنَّما المَيِّتُ مَن يَعِيشُ كَئِيبًا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif كاسِفًا بالُه قَليلَ الرَّجاءِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif والمَيْتة: ما مات من الحيوان حتف أنفه بدون تذكية، وأذِن النبي صلى الله عليه وسلم في أكل السَّمَك والجَراد، وهما من المَيْتة، لحديث: (أُحِلَّ لنا مَيْتتانِ: الحُوتُ، والجَرَادُ، ودمان: الكَبِدُ والطُّحالُ)، وحَرَّمَ أكْلَ كُلِّ ذِي نابٍ مِنَ السِّباعِ، وَذِي مِخْلَبٍ مِن الطيور، لحديث: (نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السِّباع، وذي مِخْلَبٍ مِن الطُّيور). والدم؛ أس: الدمُ المَسْفُوح السائل لا المُختلط باللحم. الخِنْزِير: حيوان خَبيث معروف يأكل العذرة، ولا يَغار على أُنْثَاه. ما أُهِلَّ بِه لغير اللهِ: رفع الصوت باسم مَن تُذْبَح له مِن الآلِهَة[6]. الإهْلال: هو رَفْعُ الصَّوْت عند رؤية الهِلال، ثم استعمل لكل صوت، وبه شُبِّه إهْلال الصَّبِي، وقوله: (وما أُهِلَّ به لِغَيْرِ اللهِ)؛ أي: ما ذُكِر عليه غير اسم الله، وهو ما كان يُذْبَح لأجل الأصْنام، وقيل: الإهلال والتَّهْليل أن يقول: (لا إله إلا الله)، ومنه الإهلال بالحَجِّ[7]. فهذه أصول المُحرمات الأربعة، وأما المُنخنقة، والمَوْقُوذة، والمُترَدية، والنَّطِيحَة، وما أكل السَّبُع، وما ذُبِح على النُّصُب؛ فهي متفرعة من تلك الأصول، وهي مذكورة في فواتح سورة المائدة، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ﴾ [المائدة: 1] في أول سورة المائدة وما تلاها. [1] المفردات في غريب القرآن؛ الراغب الأصفهاني. [2] صفوة التفاسير؛ الصابوني، ج1. [3] أيسر التفاسير؛ الجزائري، ج 1، ص83. [4] رواه مسلم رحمه الله تعالى. [5] المعجم الوجيز. [6] أيسر التفاسير الجزائري. [7] معاني القرآن وإعرابه؛ الزجاج. |
جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 04:58 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.