![]() |
كرامة الاستقامة
حُروف أمل، وكلمات ثبات، وجُمَل اطمئنان، أخص بها - إخواني وأخواتي - الذين يمسِّكون بالكتاب والسنة في زمن فتن تهجم من كل باب، بل من منافذ النسيم وشقوق القطرات، أشد على أيديهم: الثباتَ الثباتَ!
فقد أمر الله تعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بأن يستقيم على دِينه وما أمَره به؛ قال تعالى: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾ [هود: 112]؛ أي: استقِمْ على دين ربك، والعمل به، والدعاء إليه كما أمرت[1]. وقوله تعالى: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾ [هود: 112] الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولغيره، وقيل: له، والمراد أمته. والاستقامة: الاستمرار في جهة واحدة من غير أخذٍ في جهة اليمين والشِّمال[2]. وقد بشَّر الله المستقيمين على أمره والقائمين بدينه، فقال سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 30]، وقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الأحقاف: 13]؛ فالاستقامةُ على دين الله وطاعته كرامةٌ وأي كرامة، "وإن الله لم يكرم عبده بكرامة أعظم من موافقته فيما يحبه ويرضاه، وهو طاعتُه وطاعة رسوله، وموالاة أوليائه، ومعاداة أعدائه"[3]. "وإنما غاية الكرامة: لزوم الاستقامة، فلم يكرم اللهُ عبدًا بمثلِ أن يعينه على ما يحبه ويرضاه، ويزيده مما يقربه إليه، ويرفع به درجته"[4]. فلا غرابة أن يكون أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا مُقلِّب القلوب، ثبِّتْ قلبي على دِينك))[5]. • فمن الكرامة: أن تستمر في محافظتك على صلاة الجماعة، والحرص عليها، مع موجةِ تهاونٍ فيمن حولك. • ومن الكرامة: أن تغدو لصلاة الفجر في المسجد جماعة يوميًّا إلا لعذر. • ومن الكرامة: أن يبقى الأذان للصلاة يشدك، فتترك ما في يدك، وتجيب نداء ربك، وإن انشغل الآخرون بنداءات أُخَرَ. • ومن الكرامة: أن تلزم وِرْدَك من القرآن، ولا تأخذك عنه وسائل التواصل، وملهيات الأيام. • ومن الكرامة: أن تداوم على الأذكار والأوراد المشروعة، في أوقاتها، وتجاهد نفسك في عدم تركها أو تناسيها. • ومن الكرامة: استمرارك في صوم نافلةٍ سِرْتَ عليه من الأسبوع أو الشهر، ولو امتلأت أذنك تثبيطًا. • ومن الكرامة: أن تثبت على نافلة الليل، وإن قَلَّت أو ثقلت، ولا تنقطع عنها بقواطع الزمان التي كثرت. • ومن الكرامة: إن كنت من أهل ركعتي الضحى أن تقوم لها وبها، ولا تقبل أن يخطفك عنها خاطف. • ومن الكرامة: ألا يراوح صدرك همُّ دعوتك وأمتك، وإن قلَّ ما في يدك، وعجَزت عن تحقيق هدفِك. • ومن الكرامة: محافظتك على هيئتك الإسلامية غير متجاوز ولا متهاون. • ومن الكرامة: أن تبقى لحيتُك في وجهك دون تعرُّض لجرف أو شذب حاديها: "أعفوا، وفِّروا، أرخوا..." وأخواتها. • ومن الكرامة - لكِ أُخيتي -: أن يبقى جلبابك رمزَك، وسترك كما هو ساترًا بغير زينة ولا تطوير ومعاصرة تذهب بمقصده. • ومن الكرامة: أن تبقَيْ زوجة قائمة بحقوق زوجها؛ طاعة لربها، غير مبالية بهمزات ولمزات يزفها الشيطان. • ومن الكرامة: ألا ينفك عن المرأة المستقيمة المؤمنة الحياءُ، رامية بدعوات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب خلف حياتها. • ومن الكرامة العظيمة: ألا يهتز تعظيم النصوص الشرعية في قلبك، وإن اهتزت ألباب بموجات تحرُّر مزعوم، واستنارة سراب موهوم. • ومن الكرامة: بقاؤك متلمسًا - كعادتك - السنَّة النبوية، حريصًا على تطبيقها في مدخلك ومخرجك، ومضجَعك وممشاك، وأخذك ومنعك، وكل شأنك، ما استطعت إلى ذلك سبيلاً. • ومن الكرامة: سموُّ أخلاقك، ورقي تعاملك مع من عرفت ومن لم تعرف؛ اقتداءً بنبيك وقدوتك صلى الله عليه وسلم. • ومن الكرامة وأي كرامة: أن تبقى متمسكًا عاضًّا بالنواجذ على عقيدتك الصافية، ومنهجك السليم، عقيدة أهل السنَّة والجماعة، ولو كنت وحدك. • ومن الكرامة: ملازمتك تحري رضا الوالدين والبر بهما؛ سعيًا لرضا الله الخالق سبحانه وتعالى. • ومن الكرامة: ألا يتوقف حرصك على حقوق الآخرين، والقيام بواجبك نحوهم، وعلى رأسهم أهل بيتك. • ومن الكرامة: أن يعيش معك ويلازم فؤادك حتى وفاتك حبُّك لِما يحب الله تعالى، وبُغضك لما يُبغض الله تعالى، وإن تغيَّر الأشكالُ والأسماء. • ومن الكرامة: أن تواليَ أولياء الله، وتعاديَ أعداءه، وإن تقلَّبتِ الأيام، وتغيَّرت النظريات، وهجمت الدعوات المعسولة بحرفِ الولاء والبراء عن مسارِه. • ومن الكرامة: أن تستمر في الدعاء بالثبات والاستقامة ما بقيَتْ فيك حياة، وتطلبها بإلحاحٍ ممن بيده القلوبُ، ومقلبها. "فأعظم الكرامة: لزوم الاستقامة"[6]؛ كما قرر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وكما قال أبو علي الجوزجاني: كن طالبًا للاستقامة، لا طالبًا للكرامة؛ فإن نفسك منجبلةٌ على طلب الكرامة، وربك يطلب منك الاستقامة[7]. اللهم يا مقلب القلوب، ثبِّتْ قلوبنا على دينك، وتوفَّنا وأنت راضٍ عنا، وألحقنا بالصالحين! وصلى الله وسلم على النبي الكريم وآله وصحبه أجمعين. والحمد لله رب العالمين. [1] تفسير البغوي - طبعة إحياء التراث (2/ 468). [2] الجامع لأحكام القرآن - القرطبي - (9/ 107). [3] أمراض القلوب وشفاؤها - ابن تيمية (ص: 49). [4] الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان - ابن تيمية (ص: 187). [5] الصحيحة - الألباني - رقم 2091. [6] مدارج السالكين - ابن القيم (2/ 106). [7] مجموع الفتاوى (11/ 320). |
جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 04:34 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.