بوابة الثانوية العامة المصرية

بوابة الثانوية العامة المصرية (https://www.thanwya.com/vb/index.php)
-   أرشيف المنتدى (https://www.thanwya.com/vb/forumdisplay.php?f=513)
-   -   التعليم الابتدائي مفتاح التفوق اليابان (https://www.thanwya.com/vb/showthread.php?t=76790)

رضا حسب الله 28-09-2008 01:55 PM

التعليم الابتدائي مفتاح التفوق اليابان
 
التعليم الابتدائي مفتاح التفوق اليابان

بقلم: نيكولاس كريستوف - مجلة نيويورك تايمز..
ما سر تفوق المدارس اليابانية الابتدائية عن مثيلاتهالدينا؟
إنها كلمة واحدة وهي «القيادة»، فالأطفال يديرون شؤون فصولهم إلى حدتنظيف الحمامات الخاصة بالمدرسة. لقد آلوا على أنفسهم أن يستفيدوا من كل شيءيتعلمونه ويجعلون منه نبراساً لهم في حياتهم وسلوكهم.

دق جرس انتهاء الفسحةالمدرسية، فانطلق الطلبة بمدرسة تاكيهار الابتدائية مسرعين من فناء المدرسة نحوفصولهم؛ ليعودوا في لحظات قصيرة مدججين بالمكانس والمسَّاحات وقطع القماش اللازمةللتنظيف. وبدأ العمل على الفور في أروقة المدرسة التي ضجت بصياح الأولاد والبناتأثناء قيامهم بإخلاء المكان من مخلفات العلب الفارغة.

أما دورات المياة فنظفالأولاد جدرانها البيضاء وتسابق بعضهم فيما بينهم في مسحها بقطع القماش المبللة،وإعادة ترتيب المكان بوجه عام بعد جمع المهملات.

وحيث إن المدارس اليابانية لايعمل بها أي بواب أو حاجب، لذا فقد أصبح على الطلبة القيام بمهام تنظيف النوافذوالأرضيات بأنفسهم. ومن ثم يُعِدُّ الطلبة - بما فيهم أطفال الصفوف الأولى - أدواتالمسح والتنظيف ليقوموا بهذه المهمة كل يوم لمدة عشرين دقيقة.

بعد ذلك يدق جرسالمدرسة مرة أخرى ليعلن أنه قد حان الوقت لما يسمى «بجلسة الاعتراف»، فيقوم فتىطويل نحيل من طلبة الصف السادس، ممن يتولون قيادة إحدى جماعات التنظيف، بجمع أعضاءفريقه لإجراء مناقشة بخصوص عمل فترة الظهيرة، وقد دار بينهم الحوار التالي:

q سأل قائد الجماعة فريقه قائلاً: «هل قمنا بعملنا على ما يرام اليوم؟

ط أجابالآخرون «نعم».

ط فرد القائد «وهل أحسنا استخدام وقتنا تماماً؟».

ط أجابالآخرون «نعم».

ط واختتم تساؤله قائلاً «وهل أعدنا كل الأدوات إلىأماكنها؟»

ط فجاءه الرد بالإيجاب.



لكن هذا الجو المفعم بتهنئة الذات قطعه صوتضمير إحدى الفتيات الخجولات وتدعى سيرا، وتبلغ من العمر أحد عشر عاماً، حيث قالت« الواقع أننا لم نضع المكانس في مكانها بشكل أنيق». وقد أومأ باقي الأطفال برؤوسهممقرين بذنبهم، واكتست وجوههم للحظات مسحة من الكآبة بسبب هذا التقصير.

مما سبقيتضح لنا الجانب الذي نفتقده غالباً، ويتميز به التعليم الابتدائي في شرق آسيا. وتشتهر المدارس الابتدائية في اليابان، وسنغافورة، وكوريا الجنوبية بأنها الأفضلعالمياً بسبب أدائها العلمي المتميز. ومع ذلك فالشيء المهم، وخصوصاً في اليابان، لايتمثل في تخريج أطفال بارعين أذكياء بقدر ما هو الاهتمام بتخريج أطفال جيدينومسؤولين ومنظمين. فالبرنامج بأسره يهدف إلى تعليم الأطفال العمل معاً والتعاون علىحل المشكلات، وهذا البرنامج يؤتي على وجه العموم بثماره. وبصفتي أحد المقيمينبمدينة طوكيو على مدى العامين ونصف العام الأخيرين، لم يكن المكان يروق لي ولايجذبني كمحل لإقامتي ومعيشتي، يرجع هذا إلى ازدحامه الشديد وإثارته للإزعاج والضجر. بيد أنني مقتنع أن الشعب الياباني الآن بشكل عام هو ألطف الشعوب، وأكثرها تحملاًللمسؤولية في العالم. وقد وصفتهم بالألطف تحديداً دون سائر الأوصاف الأخرى من صداقةوسعادة ومرح، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى النظام التعليمي لديهم.

وها هي مزيوهنزاوا، إحدى الممرضات العاملات بمدرسة في مدينة يوكوهاما تطالع غرفة أحد المدرسينالعتيقة وتقول «لو كان لدينا هنا حرّاس أو خدم لكانت هذه المدرسة تشع بريقاً، إلاأنه من المهم للغاية أن نزرع في أولادنا المسؤولية، ونعلمهم أن ينظفوا المكان الذييستعملونه، فهذا هو أحد أهداف التعليم. وأعتقد أننا بهذه الطريقة نعلِّم أبناءناكيفية الاعتناء بالأشياء».
إن عملية التأهيل الاجتماعي التي بدأت في المدارسشكلت بعمق المجتمع الياباني، وجعلت كل شخص جزءاً لا يتجزأ من المجتمع.

والحقيقةأن معظم الناس الذين يراقبون النظام التعليمي الياباني يتحمسون له للغاية، إلااليابانيين، وهذا أمر غريب يحتاج إلى إيضاح. ففي الوقت الذي يبدو فيه أن الولاياتالمتحدة الأمريكية تتجه نحو نظام تعليمي أكثر تنظيماً، وأكثر عودة للأسس التعليمية،ويتسم بالالتزام بزي مدرسي، بعد أن صادق الرئيس كلينتون على هذا الأمر، نجد أناليابان تتجه نحو البعد عن هذا النموذج. ويشكو اليابانيون من أن نظامهم التعليميالمدرسي نسقي وصارم بشكل يضر للغاية بعملية الإبداع. وتعج الصحف اليابانية بقصصالاستئساد على الطلبة الضعفاء، والتلاميذ الذين يرفضون الذهاب للمدرسة، بل واستبعدأحد النقاد اليابانيين نتائج الاختبار الممتازة التي يحققها الطلبة اليابانيون،واعتبرها نتاج عمليات تعليم لا حصر لها ينفذها الطلبة على غرار ما تفعل حيواناتالفقمة (عجل البحر) المدربة.

والواقع أنه أصبح واضحاً تماماً أن نظام التعليم فياليابان قد بدأ يتداعى في مدارس الأحداث العالية (مدارس تشتمل على الصفين السابعوالثامن من المرحلة الابتدائية، وعلى السنة الأولى من المرحلة الثانوية) مروراً بعدذلك بسنوات الجامعة. فالمدارس الثانوية تشبه غالباً أواني الطبخ التي تعمل بالضغط،حيث يعتاد الطلبة حفظ أكبر قدر من الحقائق والمعلومات دون أن يتعلموا في الواقعكيفية التفكير. (على الجانب الآخر تقوم أمي بتدريس مادة تاريخ الفن في إحدىالجامعات الأمريكية، وتقول إنها قد التقت بكثير من الطلبة الذين لا يعرفون الحقائقالأساسية ولا حتى كيف يفكرون!).
على أية حال، فإن الانتقادات الموجهة لنظامالتعليم في اليابان جانبها الصواب فيما يتعلق بالمدارس الابتدائية. فتلك المدارس لاتستخدم الزي المدرسي أو القواعد الصارمة، بل إنها تغرس الحماس والإبداع اللذينتدمرهما فيما بعد مدارس الأحداث العالية بكل ما في وسعها. إن مأساة النظام التعليميفي اليابان أن يخرّج طلبة من الصف الخامس يتسمون بالابتهاج، والقدرة على التحدثبطلاقة، لكنهم يصبحون في مدارس الأحداث العالية طلبة متشائمين تماماً.

أين الخطأإذن؟ إن كثيراً من اللوم يلقى على نظام الالتحاق بالكليات، حيث يعتمد مستقبل الشاببأسره على أدائه في اختبارات القبول.

وتحدد هذه الاختبارات مصير الطالب في نهايةدراسته، فإما أن يصبح مديراً لشركة ما، وإما أن يصبح مشغل مخرطة، ولا توجد أمامهعادة فرصة أخرى. ومن ثم يدفع الآباء والمعلمون على السواء أبناءهم المراهقين إلىمدارس تعتمد على حشو الدماغ بالمعلومات وعلى الحفظ الذي لا نهاية له؛ لكي يبلوابلاء حسناً في الاختبارات، وذلك دونما التركيز على ما هو مهم أو مفيد. فالمهم - بمنتهى البساطة - هو التركيز على ما يأتي في الاختبارات. ففي مادة اللغة الإنجليزية - على سبيل المثال - نجد أن الاختبارات تركز على القواعد بدلاً من التركيز على فنونالاتصال والمحادثة، وهو الأمر الذي يجعل خريجي المدارس العليا اليابانية بوسعهم حلأي سؤال في اختبار تحريري، في الوقت الذي يصعب عليهم اجتياز اللغة الإنجليزيةمحادثة رغم دراستهم اللغة الإنجليزية لمدة ست سنوات.

إن إلمامي وتعرفي على نظامالتعليم الياباني جاء بشكل شخصي وصحفي أيضاً. فقد أمضى طفلي فترة الروضة بالمدرسةاليابانية، وأتم ابني الأكبر مرحلة التمهيدي، وكان عليّ أنا وزوجتي أن نقرر هلسنبقي عليهم في النظام التعليمي الياباني أم سنلحقهم بمدرسة دولية؟

وقد قال ليابني «جريجوري» بكل أسى «بابا، أود الالتحاق بمدرسة يابانية فستكون أكثر متعة». وقدقللت من أهمية الأمر وأسقطته من اعتباري قليلاً حيث إن جريجوري يعتقد - على ما يبدو - أن الإنجليزية لغة ميتة أو مهجورة مثل اللغة اللاتينية، لا يتحدثها إلا الآباءوالأجداد والعجائز من كبار السن، وقد ارتبطت هذه اللغة في ذهنه غالباً بالأوامرالمتعلقة بالذهاب للنوم وإنهاء الطعام الموجود في طبقه. أما اللغة اليابانية كمايراها ويدركها فهي اللغة التي يتحدثها الأطفال.

ولكي أتصور ما يتوجب عليّ فعلهقمت بقدر من البحث فزرت المدارس، وتحدثت إلى أولياء الأمور، وفكرت ملياً فيما إذاكانت المدرسة الابتدائية اليابانية ستحول ابني إلى عبقرية فذه أم إلى مجرد إنسانأوتوماتيكي يعمل بطريقة روتينية أو آلية!

وقد صنَّفَتْ أحدث الاختبارات الدوليةالطلبة اليابانيين في جميع الصفوف الدراسية ضمن أفضل الطلبة في العالم، وذلك جنباًإلى جنب مع طلبة سنغافورة وكوريا الجنوبية، وعلى النقيض نجد أن طلبة الولاياتالمتحدة في الصف الرابع فقط كانوا على ما يرام، وفيما عدا ذلك سجلوا تراجعاً فيتصنيفهم.

إن وصف نموذج المدارس اليابانية بأنها أشبه بالمؤسسات الصناعيةالصغيرة، التي تستخدم العمال بأجور منخفضة وأحوال غير صحية يكاد يكون دقيقاً للغايةبالنسبة للصفوف العليا، في الوقت الذي يعد وصفاً خاطئاً بالنسبة للمدارسالابتدائية. فالطلبة اليابانيون المبتدئون في عملية الإدلاء بأصواتهم في الاقتراعاتيميلون على الأرجح إلى التعبير عن استمتاعهم بالمدرسة أكثر من نظرائهم من الطلبةالأمريكيين. وسأطلعكم هنا على فصل الصف الثاني الذي دخلته بمدرسة تاكيهارالابتدائية، الواقعة بمدينة أوميا الصغيرة على بعد 200 ميل جنوب غرب طوكيو، الواقعأنني أزور مدينة أوميا بانتظام على مدى عامين، ولذلك فإنني أعرف كثيراً من المعلمينوأولياء الأمور هناك، وعلى أية حال فإن ما عثرت عليه في المدرسة كان أمراً نموذجياًبكل المقاييس. فقد رأيت ولدين يتصارعان على الأرض، وولدين يمسكان بيد المعلم أثناءتحدثه إلى فتاة أخرى. أما باقي الطلبة فكانوا يهرولون ويصيحون في كل مكان ممزقينبوجه عام صورة المدارس اليابانية كمؤسسات منظمة بشكل صارم. وهذا الفصل - بكل تأكيد - لم يكن في حصة دراسية وإنما كان في وقت الفسحة، وما أكثرها طوال اليوم! ويمضيالطلبة اليابانيون في المدارس الابتدائية وقتاً أطول مما يمضيه نظراؤهم الأمريكيون،كما أنهم يستمتعون بفسح وعطلات أكثر من الأمريكيين، ومع ذلك فعندما استؤنف وقتالدراسة، توارى جو الفوضى المرحة قليلاً.

وقد يبدو أمراً متناقضاً أن يسمحبالفوضى في الفصول الدراسية خصوصاً إذا كانت أهداف التعليم في اليابان تتمثل فيتعزيز وتشجيع النظام. إلا أن المعلمين يحاولون تعليم الطلبة الانضباط الذاتي فيالمقام الأول، ومن ثم نجدهم متسامحين بشكل متميز بشأن سوء السلوك بل والتحدي الصريحلهم. وفي مدرسة تاكيهار، جذبتني طفلة متحمسة من الصف الرابع من ذراعي بشكل لافتللنظر بينما كنت أحاول التحدث مع مدير المدرسة في الفناء، أما هدفها فكان يتمثل فيرغبتها في أن أشاركها ما يسمى بلعبة الكرة الناعمة، لكن تصرفها غير المناسب هذايستوجب رداً فورياً من مدير أي مدرسة في أمريكا، لكن مدير المدرسة الياباني لم يفعلأي شيء، بل سرعان ما انقضت الطفلة عليه وجذبته من ذراعيه بقوة جعلته يتراجع إلىالخلف، فما كان منه إلا أن طلب منها التوقف عن ذلك، لكنها استمرت في سلوكها فاضطرإلى الصبر عليها.

إن المدارس الابتدائية اليابانية تغرس في الطالب إحساساًمتعاظماً بالمجتمع، ويتم ذلك عادة من خلال الإبقاء على أفراد الفصل الواحد معاًلمدة عامين، وكذلك المعلم المستمر معهم للفترة نفسها أيضاً، ويتحقق لهم هذا الأمرمن خلال إشعار الطلبة بالمسؤولية، علاوة على ذلك نجد أن المعلمين في الفصولالدراسية اليابانية لا ينظر إليهم على أنهم الرؤساء، على الأقل بمفهوم الكلمة فيالولايات المتحدة. فالطلبة اليابانيون حينما يرتكبون خطأً ما لا يقوم المعلمونبتصحيح الخطأ، إنما يوكلون هذا الأمر إلى طلبة آخرين، ولا يعاقب المعلمون الطلبةالذين يسيئون التصرف، بل يفضلون أن يجعلوا باقي الطلبة يوبخون المخطئ بما يجعلهيشعر بالذنب.

ومثل هذه المعالجة البارعة هي أساس ومفتاح التعليم الابتدائي وقبلالابتدائي في اليابان، والمعلمون في هذه المعالجة يتميزون بالبراعةالفائقة.

وهكذا نجد أنه منذ بداية السنوات الأولى في الدراسة يتولى الأطفال تحملالمسؤوليات المختلفة، فيقوم الطلبة بإحضار وجبة الغداء من مطبخ المدرسة إلى الفصلويتولون تقديمها لكل فرد، ثم يقومون بتنظيف المكان تماماً بعد ذلك. ويتبادل الأطفالفيما بينهم وبشكل دوري وظيفة مراقب الفصل المنوط به تحقيق النظام في الفصل وجمعالطلبة، ومناقشة أي شؤون مدرسية تخصهم. والمراد من هذه الفكرة هو تعليم الأطفالالقيادة وربما - وهذا هو الأهم - تعليمهم المتابعة، لأن هذا الأمر سيخلق حتماًنوعاً من المشاركة العاطفية مع من يتولى مسؤولية تهدئة فصل هائج.
وفي الصفالسادس بمدرسة آسو الابتدائية بمدينة أوميا على سبيل المثال، تشاجر فتى وفتاة علىمن يتولى مهمة السيطرة على الفصل.

وكان ايساتو تكيوشي - معلم الفصل - جالساً علىكرسيه في مؤخرة الفصل يراقب الطالبين وهما يناديان الأسماء ويصفان الطلبة، ويجرياننظرة خاطفة على قائمة الأسئلة اليومية: «هل أحد متأخر عن المدرسة اليوم؟ هل أحدمصاب بالإنفلونزا؟ هل أحضر أحدكم علبة مناديل؟» وعندما انتهت جميع الإجراءاتالتمهيدية تقدم تكيوشي، وبتوجيه من مراقبي الفصل، تبادل المعلم والطلبة انحناءةالتحية وقال تكيوشي لطلبته «صباح الخير.

إن تأكيد تعليم المسؤولية للتلاميذيصدم أحياناً الأمريكيين ويذهلهم. ففي مدارس الحضانة (الروضة) والتمهيدي اليابانيةنجد غالباً بعض الأدوات الحادة كالمقصات والسكاكين المسننة موضوعة في كل مكان فيالمدرسة. ويتم تكليف الطلبة بجملة مهام للقيام بها مثل تحديد الأشياء التي يتملصقها في كل أنحاء المدرسة. ويقول تاموتسو واكيموتو - مدير مدرسة آسو الابتدائية -: «نحن نترك الأبناء ليقرروا بأنفسهم أهدافهم، وإن كان هذا لا يمنع المعلمين منالمساعدة بتقديم الاقتراحات لهم. ويُعقد اجتماع مدرسي كل أسبوعين نناقش فيه الأهدافالمرجوة ونتخير أحدها، ثم نعقد جلسة اعتراف للتحدث عن الأشياء التي لم يتم إنجازهاعلى ما يرام.

فعلى سبيل المثال، لوحظ أن صنابير المياه تنقط كثيراً من الماء فيالفترة الأخيرة، وعليه قرر الأولاد أن يجعلوا هدفهم هو إغلاق الصنابير بإحكام حينمايستخدمونها.

ويتولى الطلبة في كل فصل وظائف ومهام أخرى أقل. فالطلبة في مجموعةاللعب - على سبيل المثال - يقررون الألعاب التي تُجرى، ومن سيكون في كل فريق، أمامجموعة الدراسة فتتولى قيادة الفصل حينما يتغيب المعلم، ذلك لأنه لا يوجد معلمونبدلاء في المدارس اليابانية، ومن ثم يتولى الطلبة مهمة الاهتمام بأنفسهم.

ويقولواكيموتو - مدير مدرسة آسو الابتدائية - «إذا كان المعلم غير موجود يقوم الطلبةبعمل النشرات والواجبات المنزلية. وبالنسبة لطلبة الصف الأول والثاني يتعين عليناأن ننصب عليهم معلماً، وذلك لقلقنا عليهم كطلبة صغار، أما الأولاد الكبار فيدرسونواجباتهم بهدوء».
وأضاف واكيموتو قائلاً «أما إذا تغيب المعلم لمدة شهر أو أكثرلسبب ما، فإننا نوفر بديلاً له بالطبع.
ولا يقتصر تحميل الطلبة المسؤولية علىمجالات الأنشطة غير المنهجية وإنما يمتد إلى الدروس أيضاً.

فحينما يطرح المعلمسؤالاً على الطلبة، يرفعون أيديهم للإجابة، فيتخير المعلم أحد الطلبة فإذا ما أجابإجابة خاطئة، يتولى طالب آخر على الفور إخباره بذلك، بعد ذلك يدعو المعلم الطلبةلمناقشة القضية أو السؤال المطروح. وحينما يغض الطلبة الطرف عن خطأ ما، أو يبدوأنهم يسيرون في المسار الخطأ، يقوم المعلم بإعادة توجيههم من خلال طرح مزيد منالأسئلة.

في اليوم التالي، كتب الأستاذ شنجي نيشي مسألة رياضية على سبورةالمدرسة لطلبة الصف الخامس بمدرسة آسو الابتدائية. تقول المسألة «قطاع من شجرة طولهمتر، ويزن 1.2كيلو غرام. فما وزن 3.3 متر من الشجرة نفسها؟ أجب عن السؤال، وقربالكسر العشري إلى رقم صحيح موضحاً كيفية التوصل إلى الناتج؟.

بعد ذلك بدأالأستاذ نيشي يتجول في غرفة الفصل في الوقت الذي انقسم أعضاء الفصل إلى مجموعاتصغيرة، كل مجموعة تضم نحو أربعة طلاب يحاولون التوصل إلى الحل، ثم قامت كل مجموعةبكتابة الحل على السبورة. وهذه المجموعات الصغيرة تعد وحدة التعليم الأساسية في كلفصل تقريباً في اليابان. وتسير معظم مجموعات فصل الأستاذ نيشي على ما يرام، لكنإحداها بداخلها نوع من الصراع، وتضم فتاة صغيرة تدعى تشنامي تشان، وتعد هذه الفتاةالألمع والأبرز في مجموعتها، وقد حلت المسألة بسرعة وحاولت عرضها على الآخرين قائلة «لقد توصلت إلى الحل دعونا نتقدم على الفور للإجابة». فما كان من أحد الطلبةالمجتمعين على طاولة المجموعة إلا أن عبر عن امتعاضه وانزعاجه من طبيعتها المسيطرة،وقال لها إنني أفكر في حلها بطريقة أخرى فتمهلي.

والحقيقة أنه كان في الخطوةالأخيرة لحل مماثل لما طرحته زميلته تشنامي تشان، لكنه قام بمحو خطوات الحل التيتوصل إليها وآثر محاولة تصور طريقة أخرى لحل المسألة، وذلك حفظاً لماء وجهه إثربطئه في الإجابة. وقد اجتهد الفتى في كتابة معادلات مختلفة قدر المستطاع عن معادلاتتشنامي تشان، وقد توصل أثناء هذه العملية إلى فهم وإدراك ممتاز للمسألةالمطروحة.

وسجلت كل مجموعة الحل الذي توصلت إليه على السبورة وكان 3.96 كيلوغرام، لكن بعض المجموعات وجدت بعد ذلك صعوبة في تحويل الكسر العشري إلى الحلالنهائي الصحيح وهو 4 كيلو غرامات. علاوة على ذلك، فقد استخدمت كل مجموعة معادلاتمختلفة للتوصل إلى الناتج. وقامت كل مجموعة بشرح ناتجها، وكان كل فرد من أعضاءالمجموعة يشارك بجزء في هذا الشرح، ويعلن استعداده للإجابة عن أي سؤال للطلبة الذينتحمسوا بدورهم لإمطاره بوابل من الأسئلة.

وقد تساءل أحد الطلبة «من أين استخلصتالرقم 4؟» وحينما انتقد طالب آخر طريقة حل إحدى المجموعات، دعاه الأستاذ نيشي إلىالمثول أمام الجميع وتدوين المعادلات التي يعتقد أنها صحيحة. فتقدم الطالب بكل ثقةوبدأ يكتب باهتياج شديد وسرعان ما ارتبك وضل طريقه، فقال بعد أن تراجع إلى مقعدهوفكر ملياً «إنها صعبة للغاية».

وتتميز المدارس اليابانية بميزة أخرى غريبةالأطوار وتتمثل في الحماس الزائد لكلٍّ من الطلبة والمعلمين على السواء بخصوص تعليمالقيم. ويبدي المعلمون أحياناً بشاشة وعذوبة تجعل أشد الناس تفاؤلاً يتضاءل أمامهم. وتعج الفصول بالشعارات المبهجة مثل «سنبذل ما في وسعنا في كل شيء» أو «كن نشيطاًومرحاً وودوداً ومعيناً للآخرين»، ويضع كل طالب نصب عينيه أهدافاً يتمنى تحقيقهاخلال العام.

ويعكس التركيز على الشعارات والأهداف اختلافاً أساسياً بين منظورأمريكا وآسيا للتعليم.
وقد أظهرت استطلاعات الرأي أن الآسيويين يرون أن التميزالأكاديمي أو العلمي يتأتى في المقام الأول من الاجتهاد، بينما يميل الأمريكيون إلىأن ينسبوا التفوق للذكاء الفطري. ونتيجة لذلك يحفز أولياء الأمور اليابانيونأطفالهم على الاجتهاد «والأطفال بدورهم يحفزون أنفسهم» لاعتقادهم بأن ذلك سيحققفروقاً واختلافاً جوهرياً.

وترى إحدى هيئات البحث البارزة أن الأطفال في آسيايبلون بلاء حسناً في المدارس، ويعود ذلك إلى حد كبير إلى أن أولياء الأمور يحددونلأولادهم أهدافاً كبيرة يسعى أطفالهم بعد ذلك لاستيعابها وتحقيقها، بينما يترددأولياء الأمور الأمريكيون في تحفيز ودفع أبنائهم كثيراً للاجتهاد.

ومن ثمفأولياء الأمور اليابانيون يحددون معايير مرتفعة، بينما يكتفي أولياء الأمورالأمريكيون بمعايير منخفضة: وفي كلتا الحالتين نجد أن الأولاد مضطرون إلى الوفاءبما يطلب منهم.

ومن بين الوسائل الجــوهرية لرفــع مستوى الأطفال في اليابان فيالبيت والمدرسة نجد ما يســــمى بـ «هانسي» وهي كلمة ذات معان مختلفة، إذ تعني «الخزي»، أو« الاعتذار» أو «الأسف العميق». فحينما يرتكب الأطفال خطأ ما، يفترض أنيعبروا عن أسفهم العميق، وفي بعض المدارس توجد جلسات اعتذار، أما فكرة الجلساتفتقوم على مبدأ مؤداه أن اعتراف الطلبة بأخطائهم وتقصيرهم هو السبيل الوحيد للتغلبعلى جوانب النقص والضعف. ولذلك ينتهي كل يوم دراسي في مدرسة تاكيهار الابتدائيةباجتماع للفصل وجرعة هانسي أو اعتذار.

وفي فصل الصف الثالث، أعلنت الفتاتانالمراقبتان - في ذلك اليوم - عن بدء اجتماع الانصراف من المدرسة، لكن الاجتماع حفلبضوضاء وصخب شديدين فما كان من المعلم إلا أن تراجع للوراء رافضاً إنقاذ المراقبتينمن ورطتهما. فقالت إحدى الفتاتين مناشدة زملاءها «من فضلكم، نرجو التزام الهدوء» وبدأت الجلبة تنخفض قليلاً، فقالت المراقبة الأخرى «دعونا نتأكد من أننا حققناأهدافنا اليوم. هل دخلنا فصولنا على وجه السرعة حينما دق الجرس؟».

وعلى الفوررفع الطلبة أيديهم علامة الإيجاب فعاودت المراقبة السؤال «وهل قمنا بعملية التنظيفبمنتهى الجدية؟»، فجاءت الإجابة مرة أخرى بالإيجاب. وواصلت المراقبة تصفح قائمةالمراجعة بيد أن الشخص الوحيد الذي على ما يبدو أنه أخطأ في مرامه كان كازوا كونالذي نسى كتابه في البيت، ومن ثم وقف كازوا كون أمام زملائه وعبر عن أسفه واعتذارهللفصل قائلاً «سأحرص على ألا أترك أي شيء في البيت منذ الآن».

والواقع أن تلكالجدية - التي لا نجدها إلا في محافل الدروس الدينية - أشبه بالتمثيلية التحذيريةالتي سرعان ما تزول مع نهاية اليوم الدراسي، بل إنها تتحول إلى نوع من السخرية فيمدارس الأحداث العالية. لكن هذه الجدية تعاود الظهور مرة أخرى في مرحلة البلوغوتسود إلى حد ما في المجتمع الياباني.

وهذا هو السبب في أن التهكم لا يحققالمرجو منه غالباً في اليابان، ولا يثير الضحك، بل يثير الحيرة فقط.

ونصل إلىوسيلة أخرى من الوسائل التي تتبعها المدارس اليابانية لزرع الإحساس بالجماعةوالمجتمع، وكذلك لخلق مهارات علمية غير عادية، وتتمثل هذه الوسيلة ببساطة فيالإبقاء على الطلبة في الفصول لفترة أطول. ولذلك يمضي طلبة المدارس الابتدائية فيجميع أنحاء شرق آسيا عدد ساعات دراسية أطول من التي يمضيها الأمريكيون في مدارسهم،ويتمتعون أيضاً بعطلات مدرسية أقل، لدرجة أن الطالب الياباني أو الصيني العادي يفوقنظيره الأمريكي في فترات الدراسة بما يوازي سنة دراسية، وذلك مع نهاية الصف السادسالابتدائي.

فعطلة مدرسة تاكيهار الصيفية - على سبيل المثال - تستمر ستة أسابيعفقط، من منتصف شهر يوليو حتى نهاية شهر أغسطس، ويمنح الطلبة واجبا منزليا لإتمامهخلال هذه الفترة.

وهناك نقطة أخرى مهمة تتميز بها المدارس اليابانية وتتمثل فيالقيمة العقلية للتعليم الياباني، الذي يلقى احتراماً واسعاً في الدراسات الدولية. فبرنامج دراسة الرياضيات والعلوم الدولي الثالث، الذي يقوم بمقارنة إنجازات الطلبةفي 45 دولة منذ عام 1990، ويعد أحد برامج البحث الشاملة للغاية، دعا خبراءالرياضيات لدراسة السجلات المدرسية (دفاتر علامات الطلاب) لمادة الرياضيات لطلبةالصف الرابع في دول عديدة، ثم تصنيف هذه المعدلات. وقد قال الخبراء إن 30% من دروسالرياضيات اليابانية ذات نوعية مرتفعة، و57% منها متوسطة المستوى، و13% ذات نوعيةمنخفضة، بينما لم يجد الخبراء في الرياضيات التي تُدرس في الولايات المتحدة أيمستوى مرتفع النوعية، ووجدوا أن 13% من الدروس ذات نوعية متوسطة و87% منها ذاتنوعية منخفضة!
وبالطبع هناك بعض المدارس الابتدائية في الولايات المتحدة تتمتعبنفس مستوى المعلمين الممتازين، والالتزام بالتعليم الأخلاقي المتوافرين في المدارساليابانية، لكن هذه المدارس غالباً ما تكون مؤسسات خاصة ومكلِّفة. وعلى النقيض منذلك، نجد أن المدارس الابتدائية اليابانية تقدم فرصاً متساوية بشكل مميز لـ 99% منالأطفال المقيدين بالمدارس الابتدائية الحكومية، ولا توجد فروق تذكر بين المدارسالموجودة في المناطق الغنية وتلك الموجودة في المناطق الفقيرة كالذي يحدث فيأمريكا.

أما أحد أسباب جودة التعليم في اليابان فتكمن في جذب مهنة التعليم لأفضلالعناصر البشرية. ويظهر احترام المعلمين في اليابان في استطلاعات الرأي، حيث يحتلالمعلمون مكانة تفوق منزلة المهندسين، أو المسؤولين في إدارة المدينة.

ويتلقىالمعلمون أيضاً رواتب طيبة للغاية، وتفوق رواتبهم عموماً دخول الصيادلة والمهندسين،ومن ثم نجد أن هناك خمسة متقدمين لكل وظيفة تعليمية شاغرة في العامالواحد.

وعندما تعرفت على هذه الجوانب الخاصة بالتعليم الياباني، وقمت بزيارةالفصول الدراسية هناك، تأثرت بذلك للغاية. بيد أنني تحدثت مع زملائي في مسألة إلحاقابني بمدرسة يابانية فتعرفت على رأيين، أحدهما لزملائي الأمريكيين الذين استحسنواالفكرة واعتبروها فكرة عظيمة، والأخرى لزملائي اليابانيين الذين اعتقد معظمهم أننيمجنون. ولقد حدثتهم بأن العلماء الغربيين يعتبرون أن المدارس اليابانية الابتدائيةقد تكون الأفضل في العالم بأسره، فما كان منهم إلا أن حملقوا فيّ كما لو كنتمجنوناً!

أما أعظم ما بهرني في المدارس اليابانية فلم يكن مزاياها العلمية، بلجديتها التي لم ترق للبعض. فقد تستطيع بعض المدارس الأخرى في أماكن أخرى من العالمأن تناظر المدارس الابتدائية اليابانية من الناحية العلمية، بل وقد يتمتع الطلبة فيهذه المدارس بروح الجماعة أيضاً، ولكن يظل من الصعب أن تعثر على مدرسة تتمتع بنفسالروح التي وجدتها في مدرسة يوكوهاما؛ حيث قام أحد الأفراد بارتكاب حماقة استخدامبخاخ الدهان على حائط مجاور للمدرسة. فكان هذا الأمر بمنزلة ورطة ضخمة!

والواقعأن تصرف أي مدرسة أمريكية تجاه مثل هذا الأمر سيتسم إما بالتجاهل وإما بإرسال أحدالحراس لمعالجة الأمر، أما في يوكوهاما فقد تبنى المعلمون موقفاً مختلفاً يستحق أنتؤلف فيه مجلدات من الكتب، تدور كلها عن أهداف التعليم الابتدائي الياباني.

يقولكنتشي ناكامورا، مدير المدرسة «حاولنا أولاً أن نتعرف على مَنْ فعل هذا التصرفلكننا لم نكتشفه، وبدلاً من أن نواصل التحقيق إلى ما لانهاية، فكرنا في جعلالمعلمين ينظفون الحائط، وقد يتعلم الطلبة شيئاً ما أيضاً من هذا السلوك. ومن ثمقمنا نحن المعلمين باختيار وقت عودة الأولاد من مدارسهم لنشرع في عملية التنظيف،وبذلك يتيسر لهم رؤيتنا أثناء مرورهم بجوار الجدار المذكور، وفي أعقاب ذلك خرجناجميعاً وبدأنا في حك الدهان المؤذي، وقد كان عملاً شاقاً، ولكننا نجحنا في النهايةفي التخلص من الدهان بعد أن انضمت إلينا حفنة من الطلبة أثناء العمل.

والواقعأنني أعتقد أن من قام برش الدهان سيشعر بالندم والأسف الشديد بعد أن يشهد ما قام بهالجميع من أجل إزالة آثار فعلته الكريهة!

ayman615 28-09-2008 02:16 PM

هنيئا لهم تقدمهم

سيف سالم 28-09-2008 04:27 PM

يعني المطلوب ايه
المقال لم يقل شئ عن الغش الجماعي بين معلمي اليابان ودوره في هذا التقدم


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 09:09 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.