آخر قصيدة للفنان المبدع الأسطورة " فاروق جويدة " نبض الأمة
و هى رسالة على لسانه إلى جورج بوش
عنوانها " ارحل و عارك فى يديك "
لأول مرة على النت كاملة
أرجو من السادة الأعضاء قراءتها كاملة
حتى لا تفوتكم لذة الاستمتاع بها
فهى حقا علامة بارزة فى الشعر المعاصر
و هذا إلقاء الاستاذ فى برنامج العاشرة مساءا
جزء 1
اضغط هنا
جزء 2
اضغط هنا
جزء 3
اضغط هنا
كل الذي أخفيته يبدو عليك
فاخلع ثيابك وارتحل
اعتدت أن تمضي أمام الناس دوماً عارياً
فارحل وعارك في يديك
لا تنتظر طفلاً يتيماً
بابتسامته البريئة
أن يُـقبّـل وجنتيك
لا تنتظر عصفورة بيضاء
تغفو في ثيابك
ربما سكنت إليك
لا تنتظر أماً تـُطاردها دموع الراحلين
لعلها تبكي عليك
لا تنتظر صفحاً جميلاً
فالدماء السودُ مازالت تلوث راحتيك
وعلى يديك
دماء شعب آمنٍ
مهما توارت
لن يُـفارق مـُقلتيك
كل الصغار
الضائعين على بحار الدم في بغداد
صاروا وشم عارِ في جبينك
كلما أخفيته
يبدو عليك
كل الشواهد
فوق غزة والجليل الآن
تحمل سُخطها الدامي وتلعن والديك
ماذا تبقى
من حشود الموت في بغداد قولى
لم يعد شيء لديك
هذي نهايتك الحزينة
بين أطنان الخرائب
والدمار يلف غزة
والليالي السود شاهدة عليك
فارحل وعارك في يديك
الآن ترحل غير مأسوف عليك
ارحل وعارك في يديك
انظر إلى صمت المساجد
والمنابر
تشتكي
ويصيح في أرجائها شبح الدمار
انظر إلى بغداد
تنعي أهلها
ويطوف فيها الموت
من دارِ لدار
الآن ترحل
عن ثرى بغداد خلف جنودك القتلى
وعارك أي عار
مهما اعتذرت أمام شعبك
لن يُـفيد الاعتذار
ولمن يكون الاعتذار ... ؟
للأرض ... للطرقات ... للأحياء
للموتى ... وللمدن العتيقة ... للصغار
لمن يكون الاعتذار ...؟
لمواكب التاريخ
للأرض الحزينة ... للشواطيء ... للقفار
لعيون طفل مات في عينيه ضوء الصبح
واختنق النهار
لدموع أم لم تزل تبكي وحيداً
صار طيفاً ساكناً فوق الجدار
لمواكب غابت
و اضناها مع الأيام طول الانتظار
لمن يكون الاعتذار ...؟
لأماكن تبكي على أطلالها
ومدائن سارت بقايا من غبار
لله ... حين تنام في قبر وحيداً
والجحيم تلال نار
ارحل وعارك في يديك
لا شيء يبكي في رحيلك
رغم أن الناس تبكي عادةً عند الرحيل
لا شيء يبدو في وداعك
لا غناء ... ولا دموع .. ولا صهيل
مالي أرى الأشجار صامتة
وأضواء الشوارع أغلقت أحداقها
واستسلمت لليل والصمت الطويل
مالي أرى الأنفاس خافتةً
ووجه الصبح مكتئباً
وأحلاماً بلون الموت ترقد خلف وهم مستحيل
اسمع جنودك في ثرى بغداد
ينتحبون في هلع
فهذا قاتل ينعي القتيل
جثث الجنود على المفارق
بين مأجور يعربد
أو مـُصاب يدفن العلم الذليل
ماذا تركت الآن في بغداد من ذكرى
على وجه الجداول
غير دمع كلما اختنقت يسيل
صمت الشواطيء
وحشة المدن الحزينة
بؤس أطفال صغار
أمهات في الثرى الدامي
صراخ أو عويل
طفل يفتش في ظلام الليل
عن بيت توارى
يسأل الأطلال في فزع ولا يجد الدليل
سرب النخيل
على ضفاف النهر يصرخ
هل ترى شاهدت يوما
غضبة الشطآن من قهر النخيل
الآن ترحل
عن ثرى بغداد تحمل عارك المسكون بالنصر المزيف
حلمك الواهي الهزيل
ارحل وعارك في يديك
إلى الجحيم و انت تنتظر النهاية
الكون فى عينيك كان مواكب للشر
الافق يهرب و السفينة تختفى
و الشموع السود تلهث خلف قافلة الوداع
ثم يحترف التنطع و البلادة و الخداع
أن تعيد عقارب الساعات يوما للوراء
و انت تخفى من حياتك صحة سوداء
فكيف تحلم ان ترى عند النهاية
الأمس مات و لن تعيدك للهداية
فكيف تنجو من دماء الابرياء
من فزع الصغار و صرخة الشهداء
أن فى التاريخ أمجادا لبعض الأغبياء
فوق شواهد الموتى و سكان القبور
أشلاء غزة و الدمار سفينة سوداء
و الحقد الدفين على الوجوه
من عبث الضلال و أوصياء الزور
فالرصاص يطل من جثث الشوارع
حزن المساجد و المنابر تشتكى
صلواته الخرساء من زمن الضلالة و الفجور
أن تبدى أمام الناس شيئا من ندم
فيدياك غارقتان فى أنهار دم
و طفل جائع من ألف عام لم ينم
جثث النخيل على الضفاف
و قد تبدل حالها و استسلمت
شطآن غزة كيف شردها الخراب
و مات فى أحشائها أحلى نغم
وطن عريق كان أرضا للبطولة
الآن يروى الهاربون من الجحيم
حكاية الذئب الذى أكل الغنم
كان القطيع ينام سكرانا من النفط المعتق
و العطايا و الهدايا و النعم
منذ الأزل كانوا يسمون العرب
عبدوا العجول و توجوا الاصنام
يقضون نصف الليل فى وكر البغايا
يشربون الوهم فى سفح الهرم
أسكرته روائح الزمن اللقيط
كانت و رب الناس من خير الأمم
يحكون كيف تفرعن الذئب القبيح
سجن الصغار مع الكبار و طارد الأحياء و الموتى
و أفتى الناس زورا فى الحرم
طبائع الأيام فينا و الذمم
الأمة الخرساء تركع دائما للغاصبين
أطفال غزة يرسمون على ثراها
ألف وجه للرحيل و ألف وجه للألم
الموت حاصرهم
فناموا فى القبور و عانقوا اشلاءهم
أطلق الفئران ليلا فى المدينة
فى صمتها تنعى المدينة غرقت مع الطوفان
و الراكعون على الكراسى
يضحكون مع النهاية
لا ضمير و لا حياء و لا ندم
الذئب يجلس خلف قلعته المهيبة
و الأمة الخرساء تروى قصة الذئب الذى
خدع القطيع
و مارس الفحشاء و اغتصب الغنم
ما زلت تنظر الجنود العائدين
صاروا على وجه الزمان خريطة صماء
تروى ما ارتكبت من المآسى و المذابح
كيف للأشلاء يوما أن تسامح
و بين سفاح تطارده الفضائح
فى موكب التاريخ سيطل وجهك
الآن تسكر و النبيذ الأسود
سطرها جنون الحقد و العدوان
فى كل عصر سوف تبدو قصة مجهولة العنوان
فى كل عهد سوف تبدو صورة للزيف و التضلضل و البهتان
فى كل عصر
سوف يبدو وجهك الموصوم بالكذب الرخيص
فكيف ترجو العفو و الغفران
قولى بربك كيف تنجو الآن
من هذا الهوان
ما أسؤ الانسان حين
يبيع سر الله للشيطان
فى قصرك الريفى سوف
يزورك القتلى بلا استئذان
و ترى الجنود الراحلين
شريط أحزان على الجدران
يتدفقون من النوافذ من
حقول الموت أفواجا على الميدان
يتسللون من الحدائق و الفنادق
من جحور الارض كالطوفان
ستدور وحدك فى جنون
تسأل الناس الأمان
و كل ما فى الأرض حولك يعلن العصيان
الناس و الطرقات و الشهداء و القتلى
عويل البحر و الشطآن
الان لا جيش ولا بطش و لا سلطان
و تعود تسأل عن رجالك أين راحوا
كيف فر الاهل و الاصحاب و الجيران
يرتد صوت الموت يجتاح المدينة
بعد ان سرقوا المزاد و كان ما قد كان
ستطل خلف الافق قافلة من الاحزان
حشد الجنود العائدين على جناح الموت
صور الضحايا و الدماء السود
تنزف بكل مكان
أطلال بغداد الحزينة صرخة امرأة
تقاوم خسة السجان
صوت الشهيد على رواب القدس يقرأ
فى شوق تعانق مريم العذارء
و أين الشيخ و القديس و الرهبان
يتطاهر العربى و الغربى و القبطى و البوذى
حين استوى فى الارض خلق الله
كان العدل صوت الله فى الاديان
فى التوراة و الانجيل و القرآن
الله جل جلاله فى كل شئ
كرم الانسان
لا فرق فى لون ولا دين
و لا لغة و لا أوطان
الشمس و القمر البديع
على سماء الحب يلتقيان
العدل و الحق المثابر و الضمي
ر هدى لكل زمان
كل الذى فى الكون يقرأ سوة الانسان
فالله وحدنا و فرق بيينا الطغيان
فالارض كل الارض ساخطة عليك