اللهم أزل حيرتنا .. وقر أعيننا باليقين .. آمين
بسم الله الرحمن الرحيم "اللهم افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين" اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقوا قولي ..الحمد لله الذي خلقنا بحكمته ، وسوانا بحكمته ، ووضع لنا منهجاً بحكمته ، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ثم أما بعد ..
عندما مررت بهذا الموضوع القيم .. والذي يشغل بال الكثيرين من الذين يعملون عقولهم في الدين ولا يقبلونه قوالب جامدة بل يريدون المنطق والتفكير المنهجي العلمي وهؤلاء من أمثال أختي الفاضلة صاحبة الموضوع عندما يتوصلون للاقتناع يكون كالجبل الراسخ الذي لا يحركه محرك ولا يغيره مغير ..
القضية التي بين أيدينا من القضايا التي شغلت العلماء أنفسهم حتى قتلوها بحثاً وخرجوا بما يقر العين ويقنع العقل وهو ما سأسوقه إليكم في نقاط محددة .. أرجو من الجميع أن يقرأها جميعاً مع خالص الدعاء لكل من رد على الموضوع قبلي أن يجزيه الله كل الخير على جهده وعمله الطيب :
1. (القصاص) جعل الله القصاص في الإسلام وجعله حياة لأولي الألباب (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون) أي أن العين بالعين والسن بالسن وهكذا فلو فهمنا القاعدة على إطلاقها (كما تدين تدان) فلا داعي لأن يقتص أولو الأمر من المذنب ويتركونه لحكم الله بأن يسلط عليه من يرد عليه ما فعله فلو سرق مثلاً لا داعي لأن تقطع يده بل سيسلط الله عليه من يسرقه .. هكذا بالفعل لن تغلق السلسلة التي تعنيها أختي الفاضلة وأنا أعذرها في حيرتها .. إذا النقطة الأولى (القصاص) تهدم جزءاً من فهمنا الخاطئ للقاعدة الفقهية افعل ما شئت كما تدين تدان.. وخلاصة تلك النقطة : أن هناك من الجرائم التي يرتكبها الإنسان عقابها في الدنيا وهو القصاص وأجمع العلماء أن القصاص توبة في حد ذاته وهذا ما تشير إليه قصة المرأة التي زنت في عهد رسول الله وعندما نفذ فيها حد الرجم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما معناه أنها تابت توبة لو وزعت على أهل المدينة (اليهود) لكفتهم وفي رواية أخرى (على أهل الأرض لكفتهم) إذاً القصاص حياة للجاني لأنه يبرئه من تهمته وحياة للمجني عليه لأنه يرد إليه حقه ..فقد يكون من ضمن ما تعنيه قاعدة (افعل ماشئت) أنك أيها الإنسان مخير في أفعالك مقيد بحدود الله عليك ستدينك إن تعديتها .. وسينفذ فيك القصاص (كما تدين تدان)
2. وهناك من الذنوب التي عجل الله عقوبتها في الدنيا لأنه سبحانه وتعالى رحيم بنا لو أجلها للآخرة لن يكون لها عقاب سوى الخلود في جهنم أعاذني الله وإياكم منها .. من تلك الذنوب عقوق الوالدين أو انتهاك حرمة البيوت (كالخيانة الزوجية أو ما شابه ذلك) .. ويبدو لنا هنا سؤال هام هو محور قضيتنا هل الأب الذي كان يعق الجد هل الابن سيعق الأب إذا بالتبعية الجد كان عاقاً لوالده وهكذا إلى لدن آدم عليه السلام وهذا كلام خاطئ وتفسير ظاهري لا إعمال فيه للعقل ولا المنطق فتعالوا بنا نعمل عقولنا ونستفتي قلوبنا ولو أفتونا .. ابن سيدنا نوح عليه السلام كان عاقاً فهل سيدنا نوح كان عاقاً لأبيه؟ سيدنا إبراهيم عليه السلام كان باراً بأبيه الكافر عابد الأصنام وقال لأبيه (قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا) فلماذا لم يكن (إبراهيم ) عاقاً عقاباً لأبيه الكافر .. والله لو كان هذا تفسير (افعل ما شئت) لما وجدنا على الأرض إنسان طالح أو فاسد أبداً أتدرون لماذا؟ بكل بساطة طوفان نوح عليه السلام قضى على كل الكافرين ولم ينج منه سوى المؤمنين العابدين .. فمن أين أتى الكافرون بعد ذلك ومن أيت أتى العاقون والزناة والسارقون والقتلة وغير ذلك ؟ إنها النفس البشرية أخوتي الأمارة بالسوء هي منفذ الشيطان إلى الإنسان ..
3. (افعل ما شئت كما تدين تدان) كيف يعاقب عاق الوالدين في الدنيا ؟ نسأل سؤالاً أولاً .. ما الذي دفع الابن العاق لهذا العقوق ؟ الإجابة : نفسه الأمارة السوء ، أليس الجزاء من جنس العمل؟ بلى الجزاء من جنس العمل ، طالما المتسبب في العقوق هي النفس فيكون العقاب في الدنيا نفسي بحت .. أي أن الأب الذي كان عاقاً ليس شرطاً أن يصبح ابنه عاقاً له .. ولكن سيحب هذا الأب ابنه حباً جماً ويتعلق به أيما تعلق حتى يصبح الابن بصره وسمعه وحياته .. ثم يرزق الله الابن بفرصة عمل في الخارج .. والأب في أشد الاحتياج له ولا يستطيع - لحبه لابنه - أن يطلب منه العودة ، فيعذب ويتألم ويتوجع ويعاني الأمرين ، وقد يموت وفي مشتاق لرؤية ابنه وهكذا (كماتدين تدان) قد نفذت ولكن دون أن يقع الابن في حالة من العقوق تستوجب عقوبته ... أليس كذلك؟
4 . الرجل الخائن لزوجته أمن الشرط أن تخونه زوجته ؟ ما ذنب الزوجة الصالحة لكي تخون ؟ الزوج الخائن نفسه الأمارة بالسوء أوقعته في الخيانة والجزاء من جنس العمل .. فيسلط الله عليه شبح الشك في زوجته البرئية فماذا يحدث؟ تصبح حياته جحيماً ولا يستطيع أن يصارحها لأنه لا يمتلك دليلاً مادياً عليه ؟ وتنتهي الحياة في الغالب بالطلاق ليحرمه الله تلك الزوجة الصالحة جزاء ما فعل ...
قيسوا على ذلك أخوتي كل ما يواجهنا في حياتنا .. قيسوا على ذلك (الظلم - العقوق - أكل أموال الناس بالباطل) .. ستجدون أن الله لم يخلقنا عبثاً ليلعب بنا والعياذ بالله .. بل الله يحكم بيننا بالحق أجيبوا معي على هذا السؤال (أليس الله بأحكم الحاكمين) .. بلى الله أحكم الحاكمين ..
أختي صاحبة الموضوع (نسمة) .. أرجو أن أكون قد ساهمت ولو بالقليل في إنهاء حيرتك .. فإن أصبت فمن الله , وإن أخطأت فمن نفسي . . وسبحان رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
|