( 5 )
زيد بن ثابت
كاتب الوحى
بالعلم أجاهد
انه الغلام الأنصارى ابن الثالثة عشرة سنة , جاء يجر سيفا أطول منه , ووقف يستتر من النبى صلى الله عليه و سلم مخافة أن يرده النبى صلى الله عليه و سلم لصغر سنه و ضآلة جسمه و لكن النبى صلى الله عليه و سلم يراه فيرده بلطف و ينطلق الجيش الى بدر لقتال المشركين و يعود الفتى الى أمه " النوار بنت مالك " مهوما تملك الحسرة فؤاده و لكنه و ان كان لم يستطع القتال مع المسلمين فانه يجد أمرا آخر يستطع أن ينفعهم به و هو : العلم .
لقد فتش الفتى فى نفسه و بحث فى قدراته حتى اهتدى لفكرة يستطيع بها الجهاد فى سبيل الله و لكن بطريقة أخرى فهو يقر أ و يكتب , كما أنه يحفظ سبع عشرة سورة من القرآن كما نزلت على النبى صلى الله عليه و سلم و لما عرض الصبى الفكرة فذهبوا به الى النبى صلى الله عليه و سلم فسر به الرسول الكريم و قرر الاستعانة بالفتى فى عمل عظيم .
ترجمان الرسول :
كان اليهود اذا جلسوا مع النبى صلى الله عليه و سلم يحدث بعضهم بعضا بلغتهم العبرية حتى لا يفهم المسلمون ماذا يقولون و كذلك كانوا اذا كتبوا الى النبى صلى الله عليه و سلم رسالة أو عهدا جعلوها بالعبرية . و هنا أراد النبى صلى الله عليه و سلم أن يتعلم واحد من أصحابه هذه اللغة فاختار الفتى الأنصارى زيد بن ثابت .
و كان أول المهام النبوية أن قال له النبى صلى الله عليه و سلم :
" يا زيد تعلم لى كتابة اليهود فانى لا آمنهم على ما أقول "
فقال : لبيك يا رسول الله . و بعدها أكب الفتى على العبرية لغة اليهود فحذقها فى عدة أيام , نعم أيام قليلة و كان زيد بن ثابت يتحدث العبرية و يكتبها و يقرأ بها كأنه أحد أهلها فجعل يكتب رسائل النبى صلى الله عليه و سلم لليهود و يقرؤها له اذا هم كتبوا اليه .
الصحابى زيد يجيد لغتين معا :
فلما أراد النبى صلى الله عليه و سلم أن يكتب الى ملوك العجم أمر زيد بن ثابت أن يتعلم السريانية بأمر منه صلى الله عليه و سلم كما تعلم العبرية و بذلك أصبح الفتى زيد بن ثابت ترجمان النبى صلى الله عليه و سلم .
أصغر كاتب للوحى:
و لما كان زيد بن ثابت قد أصبح جديرا بثقة النبى صلى الله عليه و سلم فقد عهد اليه بمهمة عظيمة على صغر سنه و هى : كتابة الوحى فشرفه و شرف قومه كلهم بهذا الفضل .
وازداد اتصال زيد بالسماء و لما لا و هو يجلس الى جوار النبى صلى الله عليه و سلم فيكون أول من يسمع منه أيات الله و قد نزلت توا من السماء فيكتبها ... كل هذا و هو يعد فتى مازال أقرانه يلهون فى طرقات المدينة و لكنه أراد لنفسه الجنة و المنزلة العالية و مرافقة النبى صلى الله عليه و سلم فتحمل أمانة الوحى و كتابة القرآن .
و هكذا فتحت كنوز البيان أمام الفتى ينهل منها ما يريد فها هو يتلقى الوحى من فم النبى صلى الله عليه و سلم رطبا طريا موصولا بأسباب النزول و أحكام القرآن فتخصص فى علوم القرآن فكان مرجع الأمة حين أرادت جمع القرآن فى عهد أبى بكر الصديق رضى الله عنه .
و هكذا ملأت مدارسة القرآن نفس الفتى الأنصارى حكمة و فطنة . جعلها الله عونا للأمة فى ظرف حالك يوم أن اختلف المهاجرون و الأنصار على من يخلف رسول الله بعد وفاته . وكادت تجدث الفتنة لولا أن قام فبهم كاتب الوحى زيد بن ثابت فقال :
"يامعشر الأنصار كان رسول الله صلى الله عليه و سلم مهاجرا و كنا أنصارا له و يكون خليفته مهاجرا أيضا و نكون أنصارا لخليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم .
ثم بسط يده الى أبى بكر الصديق و قال : هذا خليفتكم فبايعوه ..
جامع القرآن :
ولقد تصدر زيد بن ثابت لأمر قال قال عته :
لو طلب منى أن أحرك جبل أحد لكان أهون على .
فما هذا الأمر العظيم ؟
انه جمع القرآن الكريم , قام زيد بن ثابت بهذه المهمة خير قيام فجمع القرآن من صدور الرجال و عسف النخل و رقع الجلد و العظم فلما أتم هذا الأمر جعل الخليفة عثمان بن عفان من هذا المصحف عدة نسخ و جعل فى كل مصر من الأمصار نسخة و حفظ الله بهذا العمل القرآن الى يومنا هذا فكلما قرأت فى مصحفك فادعو الله أن يجزى هذا الصحابى خير الجزاء قفد عاش متعلما و عالما و حمى الله به الأمة .
و لكى نتصور عظم هذه المهمة أقول لك :
لم يكن هناك مكان تجمع فيه صحف القرآن و لم يكن أحد من الصحابة معه نسخة من المصحف كاملا , و كان على زيد بن ثابت أن يجمع القرآن من حفظ الرجال و لا يثبت آية فى المصحف الذى معه حتى يراها مكتوبة عند أحد الصحابة أو يشهد عليها اثنان من أصحاب النبى صلى الله عليه و سلم أنهما سمعاها من رسول الله . و بعد سنوات من العمل أتم جمع القرآن الكريم فى عهد عثمان بن عفان ..