مهارات لغه عربية
أيها البحر
للرافعي
النص :
إذا احتَدَمَالصيفُ، جعَلتَ أنت أيها البحرُ للزمنِ فصلاً جديداً يُسمَى "الربيعَ المائي ". وتنتقِلُ إلى أيامِك أرواحُ الحدائق، فتَنبُتُ في الزمنِ بعضُ الساعاتِ الشهيةِكأنها الثمرُ الحُلوُ الناضجُ على شجرِه. ويُوحي لونُكَ الأزرقُ إلى النفوسِ ماكانَ يُوحيهِ لونُ الربيعِ الأخضر، إِلا أتَه أرق وألطف. ويرى الشعراءُ في ساحلِكَمثلَ ما يرَونَ في أرضِ الربيع، أنوثة ظاهرة، غيرَ أنها تلِدُ المعانيَ لا النبات. ويُحِسُّ العشاقُ عندَك ما يُحسونَهُ في الربيع: أنَّ الهواءَ يتأؤَه...
فيالربيع، يتحّركُ في الدمِ البشري سرُّ هذِه الأرض، وعندَ "الربيعِ المائي " يتحزكُفي الدمِ سزُ هذهِ السحب. نوعانِ مِنَ الخمرِ في هواءِ الربيعِ وهواءِ البحر، يكونُمنهما سكر واحدٌ مِنَ الطرَب. وبالربيعَينِ الأخضرِ والأزرقِ ينفتحُ بابانِ للعالمِالسحري العجيب: عالمِ الجمالِ الأرضيّ الذي تدخلُهُ الروحُ الإنسانيةُ كما يدخلُالقلبُ المحب في شعاعِ ابتسامةٍ ومعناها.
في "الربيع المائي"، يجلسُ المرء،وكأنه جالسٌ في سحابةِ لا في الأرض. ويشعرُ كأنهُ لابسْ ثياباً مِنَ الظلّ لا مِنَالقُماش، ويجدُ الهواءَ قد تنزهَ عن أن يكونَ هواءَ التراب. وتَخِفُّ على نفسِهِالأشياء، كأنَّ بعضَ المعاني الأرضيةِ انتُزِعتْ مِنَ المادة. وهنا يُدركُ الحقيقة: أن السرورَ إِنْ هو إِلا تنبهُ معاني الطبيعةِ في القلب. وللشمسِ هنا معنًى جديدليسَ لها هناك في "دنيا الرزق ". تُشرِق الشمسُ هنا على الجسم، أما هناك فكأنماتطلُعُ وتَغرُبُ على الأعمالِ التي يعملُ الجسمُ فيها. تطلعُ هناك على ديوانِالموظفِ لا الموظف، وعلى حانوتِ التاجرِ لا التاجر، وعلى مصنَعِ العاملِ، ومدرسةِالتلميذِ، ودارِ المرأة. تطلُعُ الشمسُ هناك بِالنور، ولكنَّ الناسَ- وا أسفاه- يكونونَ في ساعاتِهمُ المظلمة... الشمسُ هنا جديدة، تُثبِتُ أنَّ الجديدَ فيالطبيعةِ هو الجديدُ في كيفيةِ شعورِ النفسِ به.
والقمرُ زاهٍ رفاف مِنَالحُسن، كاْنهُ اغتسلَ وخرجَ مِنَ البحر. أو كأتهُ ليس قمراً، بل هو فجرٌ طلَعَ فيأوائلِ الليل، فحصرَتْهُ السماءُ في مكانِه ليستمرَ الليل. فجرٌ لا يُوقِظُ العيونَمن أحلامِها، ولكنه يُوقِظُ الأرواحَ لأحلامِها. ويُلقي من سحرِهِ على النجومِ فلاتظهرُ حولَهُ إِلَأ مُستَبهِمَةَ كأنها أحلائم معلقة. للقمرِ هنا طريقةْ في إبهاجِالنفسِ الشاعرة، كطريقةِ الوجهِ المعشوقِ حينَ تقبلُهُ أولَ مرة.
و"للربيعِالمائي" طيورُهُ المغزدةُ وفَراشُهُ المتنقل: افا الطيورُ فنساغ يَتَضَاحَكنَ، وأماالفَراشُ فأطفال يتواثبون. نساءٌ إذا اَنغصَمسنَ في البحر، خُيلَ إليّ أنَّالأمواجَ تَتَشاحَنُ و تتخاصم على بعضهن... رأيتُ منهُن زهراءَ فاتنةً قد جلسَت علىالرملِ جِلْسَةَ حوّاءَ قبلَ اَختراعِ الثياب، فقالَ البحر: يا إلهي! قدِ اَنتقلَمعنى الغَرَق إلى الشاطىء... إِن الغريقَ مَن غَرِقَ في مَوجةِ الرملِهذه...
والأطفالُ يلعبونَ ويصرخُونَ ويضِجونَ كأَنَّما أتسعَت لهُمُ الحياةُوالدنيا. وخُيلَ إليهم أئهم أقلقوا البحرَ كما يُقلقونَ الذار، فصاحَ بهم: وَيْحَكُم يا أسماكَ التراب...! ورأيتُ طفلأ منهم قد جاءَ فَوَكَزَ البحرَبرِجلِهِ! فضحِكَ البحرُ وقال: اَنظروا يا بني آدم!! أعَلى اللهِ أن يَغبَأَبالمغرورِ منكم إذا كَفَرَ بِه؟ أعَلَيّ أنْ أعبأَ بهذا الطفلِ كيلا يقولَ إِئهركلَني برجلِه...؟ أَيها البحر، قد ملأتك قوةُ اللَّهِ لتُثبِتَ فراغَ الأرضِلأَهلِ الأرض. ليسَ فيك ممالِكُ ولا حدود، وليس عليك سلطان لهذا الإنسانِ المغرور. وتجيشُ بِالناسِ وبِالسفُنِ العظيمة، كائكَ تحملُ من هؤلاءِ وهؤلاءِ قشا ترَمي به. والاختراعُ الإنسانيُ مهما عَظُمَ لا يُقني الإنسانَ فيك عن إيمانِه. وأنت تملأُثلاثةَ أرباعِ الأرضِ بالعظمَةِ والهَول، ردا على عَظمةِ الإنسانِ وهولِهِ فيالربعِ الباقي، ما أعظمَ الإنسانَ وأصغَرَه!
ينزل في الناسِ ماؤك فيتساوَونحتى لا يختلفَ ظاهر عن ظاهر. ويركبونَ ظهرَك في السفُنِ فيحِنُ بعضُهم إلى بعضِ حتىلا يختلفَ باطن عن باطن. تُشعرُهم جميعاًانهم خرجوا مِنَ الكُرَةِ الأرضية ومِنأحكامِها الباطِلة. وتُفقرُهم إلى الحب والصداقةِ فقراَ يُريهمُ النجومَ نفسَهاكانها أصدقاء، إذ عرفوها في الأرض. يا سحرَ الخوف، أنت أنت في اللجَّةِ كما أنت أنتفي جهنم.
وإذا ركبَك المُلحِدُ أيها البحر، فرَجَقتَ من تحتِه، وهَدَزتَعليه وثُرتَ بِه، وأرْيتَة رأيَ العين كأنهُ بين سماءينِ ستنطبقُ إحداهُما علىالأخرى فَتُقفَلانِ عليه - تركْتَه يَتَطأطَأُ ويَتَواضع، كائكَ تهزُّهُ وتهزأفكارَه معاَ، وتُدَحرِجُهُ وتُدحرُجُها. وأطَرتَ كل ما في عقلِهِ فيلجأُ إلى اللهِبعقلِ طِفل. وكشفتَ له عنِ الحقيقة: أن نسيانَ اللهِ ليسَ عمَلَ العقل، ولكنهُ عملُالغَفلةِ والأمنِ وطولِ السلامة.
ألا ما أشبَهَ الإنسانَ في الحياةِبِالسفينةِ في أمواجِ هذا البحر! إنِ أرتفعَتِ السفينةُ، أوِ اَنخفضت، أو مادَتْ ،فليسَ ذلك منها وحدَها، بل مما حولَها. ولن تستطيعَ هذهِ السفينةُ أن تملِكَ منقانونِ ما حولَها شيئاَ، ولكنَّ قانونَها هوَ الثباتُ، والتوازنُ، والاهتداءُ إلىقصدِها، ونجاتُها في قانونِها. فلا يَعتِبَنَّ الإنسانُ على الدنيا وأحكامِها، ولكقفَلْيَجتهذ أن يحكمَ نفسَه.
الأسئلة الواردة :
الفكرة الرئيسية في النص السابق هي :
أ - شرح موسم الربيع المائي
ب - الموازنة بين البحر والأرض .
جـ - العلاقة بين الإنسان والبحر .
د - عرض مظاهر عظمة البحر .
(2) عبر الكاتب عن العلاقة بين الإنسانوالبحر .... فأين تجد ذلك في النص :
أ - في الفقرتين الأولى والثانية .
ب - في الفقرتين الرابعة والخامسة .
جـ - في الفقرتين الثالثة والرابعة .
د - في الفقرتين الثانية والثالثة .
(3) المعنى المتضمن في قول الكاتب "لا يختلف باطن عن باطن" هو :
أ - أنجميع من يركبون البحر يتشابهون .
ب - أن البحر يوحد مشاعر من يركبونه .
جـ - أن أعماق البحر متشابهة .
د - باطن الإنسان يشبه أعماق البحر .
(4) يرى الكاتب أن الإنسان في الحياة يشبه السفينة بين أمواجالبحر . بم تحكم عليه في ضوء قراءتك للنص :
أ - واقعي ، لأنه يعبر عنواقع حياة الإنسان .
ب - قدري ، لأنه أغفل إرادة الإنسان وقدراته .
جـ - انهزامي ، لأنه يرى الإنسان ضعيفاً مقهوراً .
د - موضوعي ، لأنه أقر للإنسانقانونه ، وللطبيعة قوانينها .
|