التبرع بالدم
توطئة : لا تشغلوا مشاعركم بالتعاطف معها ، لاشيء منه تبقى في الأنحاء ، لعله تأبين لها ما أكتبه هنا ، أو لعله إجابة سؤال تكرر ممن أعرف : لماذا تكثرين التبرع بالدم؟
تبرعت بالدم على مدى حياتي تسعة عشر مرة منها 14 مرة على مدى ثلاثة أعوام.
إذ أنني قضيت معظم شبابي مريضة في فراش ، تعصف الحمى بمعظم يومي و تتركني أسترجع ما حدث في ما بقي . فلا أصدق ما يحدث ؟ أن ينقلب حالي ، يتبدل على هذا النحو . تختفي معالم الحياة من ليل و نهار و بشر و أماكن و مهام و واجبات.
يحاول الألم إزهاق روحي جاهداً ، فيفشل حتى يحين موعدها . تقول له ذلك فلا يكف عن المحاولة .. دأب أبحث عن أصله ، أنوي اجتثاثه بيداي إن استطعت .
أتهاوى عن عرشي ... حلمي أن أكون كائناً نافعاً في عالمي الأنيس . تتضاءل الأماني فأغترف منها أن أؤدي الصلاة في كل يوم خمساً و أن أطعم نفسي بيدي ، لا أكره مثل التعكز على من حولي ، مهام تشق حد الإستحالة في أرض ٍ الزمن فيها الأبد .
و أنا كنت الإيثار إنساناً . لم أبق شيئاً ينفع بشر إلا أعطيته من أنا أكثر منه حاجة و عوز و لم أبال ِ و لله الفضل و المنة ، أعاد ذلك أضعافاً مضاعفة . قصص الصوفيين و الزهـّاد و النساك كانت زاد عقلي .
أحبتي أو هكذا حسبتهم ، تمنوا أن يهلكني أي من الغيلان الموجودة كي لا يروا وجه العجز . قبلها ظنوا النجوم بأيديهم .
أبقى على هذا النحو ما شاء الله ، يتراءى لي الشفاء فأرى معه الأثرة توأما روح . يمر ببالي حلم مثير عن إنسان يهلك في بئر . و عن ذهن له قوة خارقة بوسعه أن ينقذه في لمحة فكر فاستمتع بإغراقه مراراً بلا ندم . (استغفر المولى العظيم و أتوب إليه أنني أثبت هكذا خواطر . رجاء : تحلوا بالصبر ، ننتهي منها على عجل)
فقرة اعتراضية :
أرأيتم للدنياً حالاً غير ما وصفت ؟
يبدأ السباق ، فيشقى المرضى و الضعفاء لإيجاد موطىء قدم بينما يرفع الأصحاء الناجحون كؤوس النصر مترعة بخمر الزهو ، ابتلاء أراده مولاه على هذا النحو ، جعل له جائزة تستحق الكد .
أهل الكهف ، هؤلاء قومي و عشيرتي . يقولون أنهم معجزة لا تتكرر ، ماذا عني؟!
و أي فرصة منحتني الحياة ؟ لا شيء أكثر من تجديد إيماني بربي على شريعة محمد صلى الله عليه و سلم باختياري أوسط مراهقتي قبل مرضي بقليل . (فيض يفوق الترف.)
أصعب أسئلتي حينها كان : ما ذنبي ، كي تختار لي امتحاناً بالغ الصعوبة ؟ (فقط أكتب ذلك لمن لم يبصر بعد ، فلا عليكم . فقط تابعوا معي مسار الحياة)
كنت أعشق التسبيح ، أجد فيه حياة ، أعجبني ما ألقاه لحبيبه عليه الصلاة و السلام فنطق به عن مولاه "من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين."
أأطلب الشفاء ؟ لا لم يشغل بالي الدعاء و لا طلب الشفاء . مؤكد بوسعي تحمل الألم ، جمل المحامل أنا .
أتدرون ما الذي كدر بالي من مرضي اللصيق ؟
ليس يسيراً أن استجمع التسبيح فقوة ذهني تغيب في أرض الوهن . هذا طلبته و ألححت : إئذن بذكرك ، لا تحرمني منه ، تحرمني ما بقي لي من عقل فأهلك . فوديان الهلاك هناك على مشارف البصر .
و الله يحكم لا معقب لحكمه .. يعلم ما لا أعلمه . أشهر درعي في وجه أرض الجنون فينتشر منها وهج يضيء وجودي : (لا يُـفسد ما صنع بيديه) .
أول رحمة ألقاها في طريقي كانت فكرة جهنمية لكاتب استطلع النصوص فرأى أن جهنم قرب الأبد و ليست الأبد كله ، يتعذب فيها من يتعذب فتنطفىء .
نزلت بي بلسماً حينها . تنفست بعمق و أيقنت أنني أنجو .
يغمرني فضله نوراً فأعقد العزم : إن شفاني الله أن لا احفظ شيئاً عن محتاج .
أظنها كانت ليلة القدر ، إذ أن حالها كان جديداً على الزمان . قدر ضئيل من يقظة و بقايا وعي تنادي : اشفني و مرضى المسلمين . اللهم آمين .
يطلع علي النهار و أنا أتصفح شبكة المعلومات في الحاسب . أجد ....
بل أتوقف هنا ، أكمل لاحقاً . نداء المطبخ يغمرني فلا يسعني إلا أن أجيب .
حقاً لم أقصد الإساءة لنبل قلوبكم . لكنهم حولكم .. لن يمكنهم أن يلجوا حتى تفتحوا لهم الأبواب .
|