منذ عامين مضيا ...
أخرجت مقالتي السابقة و نقحتها ثم نشرتها مجدداً و إذا بها تثمر فاكهة طيبة المذاق!
.. الحلقة الثالثة عشر
دق هاتفي الجوال بعد لحظة من إتمامي وتر العشاء .
على الطرف الآخر : مسؤولة التبرع بالدم في مؤسسة خيرية تطوعت بها:
تخبرني أن أباً يبحث عن متبرع من فصيلة أو السالبة لابنه الوليد ، صمتت برهة أفكر ، أعطتني رقم جوّال الأب ثم أغلقت الخط على عجل .
تلك فصيلتي ، يعيي البعض إيجاد متبرع بالدم من هذه الفصيلة لأمر عاجل .
اتصلت بالرجل أستطلع الأمر فأنا لا أعرفه و كلنا نتعامل مع المؤسسة بلا معرفة سابقة .
_ الوليد مصاب بالصفراء و يحتاج الدم عاجلاً و لا يوجد في بنك الدم في المستشفى الخاص دم يشتريه (من عدة سنوات كان كيس الدم يُباع بمئة جنيه . يقلقني أن يباع الدم و يشترى . الأصل التطوع تائه ) .
_ سأحضر للمستشفى في صباح اليوم التالي للتبرع للوليد بإذن المولى .
كل ما شغل بالي قبل تلك المكالمة كان التبرع بالدم . أدعو مالك الملك أن ييسره ، فقد انتقلت للحياة في القاهرة الجديدة في مكان يبعد عن المواصلات و العمران الغزير الذي اعتدته . يشق علي الطريق، يبدو كالسفر .
أما الآن فالهم يملأني و البكاء يرافق صفحة وجهي . لا أدري ما الذي انتابني ، أ مسني من المتصل شيء أم من وليده أم هي نفسي تلك المتقلبة التي أتمنى لها أن تثبت على حال فتراوغني ؟
و ما حكمي فيم لا أملك ؟ يراودني حلم السيطرة على جموحها ثم يبتعد فلا ألمح طيفه.
مشاعري كدقات قلبي ملك لمن خلق فسوى ، حيث إرادتي سراب يتراءى من بعيد ، لكنني الآن أعرف كذبه .
و لقد أفنيت عمراً أمد البصر و أطقطق السمع كي أفهم و أدرك ، قلت أصون المصالح فلا أضيع منها مليم ، فلم أجن ِ سوى ضياع وقت جم فيما لا يُدرك .
ترى لماذا تنفر النفس من شيء و تميل لآخر تراه خير لها ؟
حتى حساب العقل و المصلحة الظاهرة لا يحسم الحساب . ألا من سهم واضح الدلالة تغمره الإنارة فلا أضل ؟!
يا الله ، يا مالك الملك ، يا ذا الجلال و الإكرام ، ارحم ضعف قوتنا و قلة حيلتنا .
يا كريم لا تقطعنا .
يا سميع يا بصير، أرن ِ العقل و الحكمة و البصيرة في هذا الأمر وغيره مما يعجزني ولا يعجزك .
يا قادر هب لي من قدرتك و ابسط علي من بركات اسمائك الحسنى فيكون لي علم و عقل و حكمة و بصيرة.
... صليت ركعتين و لم أطل و ختمتها :
ممن تحبك على قدر ما تقدر
بانتظار ردك .
التوقيع دموعي ، لا يتركني لنفسي إذ يراها .
يهرول الصباح ، إلى المستشفى إذاً .
_ لا انتظري .
_ لا أرغب في التلكؤ.
_ اصبري قليلاً .
رنين الهاتف ، أجل هذا رقم الأب الملهوف .
_ لا عليك ، لا تأتي . قرر الطبيب أن يجري تحليلاً للدم ، يرى الوليد في تحسن و يظنه لن يحتاج لنقل الدم أصلاً. سأتصل إن احتجت للدم .
له الفضل و المنة . ليست أول مرة ندعوه فيفرج البلاء بلا سبب .
يمر يومي اليسر بناؤه و البركة نور فعله . كل ما كان عالقاً في أمسي ، انفعل ليداي و استجاب لطاقتي الواهنة و طاوعني . إرادة ، الضعف يسخر منها .
أنوي أن اتوقع الأسوأ فيفاجئني الخير على جناح السرعة فيملأني الرضا انشراحاً.
سبحان رب العزة ملأ البر و ملأ البحر و ملأ ما شاء من شيء بعد
أأخبركم بما تبع ؟
أخبرهم أم لا أخبرهم ؟ ...
أدخره ليوم آخر فقد تلى ذلك أمر آخر في اليوم التالي .
سلمكم الله و أبناءكم من كل سوء .
*******************************