عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 11-06-2009, 08:07 PM
الصورة الرمزية العروبة2
العروبة2 العروبة2 غير متواجد حالياً
معلم لغة إنجليزية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
العمر: 44
المشاركات: 3,673
معدل تقييم المستوى: 20
العروبة2 is on a distinguished road
Exll

حديث الأسبوع

نحو خطاب معتدل ومستنير‏!‏
بقلم‏:‏ مرسـي عطـاالله


ما الذي ينبغي عمله علي ضوء ما ورد من إشارات إيجابية في خطاب الرئيس باراك أوباما الذي وجهه إلي العالم العربي والأمة الإسلامية من قلب القاهرة يوم الخميس الماضي؟

سؤال يستحق أن ينال القدر الكافي من الاهتمام والاجتهاد بحثا عن رؤي وتصورات جديدة للمهام التي ينبغي علي العرب والمسلمين إنجازها في المرحلة المقبلة لتأكيد مصداقية التجاوب مع رغبة أوباما في فتح صفحة جديدة تعيد ترميم جدار الثقة الذي أصابه صدع كبير بسبب سياسات الإدارة الأمريكية السابقة‏.‏
عندما استقبل الرئيس مبارك في قصر القبة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لم يكن اللقاء مجرد ترتيب بروتوكولي يسبق ذهاب أوباما إلي جامعة القاهرة لإلقاء خطابه الموجه إلي العالم الإسلامي وإنما كان اللقاء مفتوحا وشاملا لكل القضايا التي يمكن عند حلها حلا عادلا أن تسهم في تحقيق الرغبة المشتركة لفتح صفحة جديدة لعلاقات أمريكا مع الأمة العربية والعالم الإسلامي‏ وفي مثل هذه القضايا المتعلقة بالحاضر والمستقبل والمستندة إلي التاريخ والجغرافيا تحدث الرئيس مبارك مع ضيفه بخطاب واضح ومعتدل ومستنير فليست هناك مشاعر وعواطف تحكم بوصلة الاتجاه وإنما هناك حقائق يصعب تجاهلها أو التوهم بإمكان الاستغناء عنها‏!‏

وبداية أقول إن قضايا صنع السلام ودفع عجلات التنمية ومواصلة التحرك علي طريق الديمقراطية وحقوق الإنسان ونشر ثقافة التسامح التي يحض عليها الاسلام ينبغي أن تظل في صدر أولويات العمل العربي والإسلامي المشترك بهدف إنتاج صياغة نهائية ومتكاملة لرؤية موحدة علي شكل مبادرة ذاتية تعكس قدرة العقل علي التفكير الصحيح‏,‏ وليست رؤية تكتيكية مقيدة بحسابات رد الفعل فقط‏!‏

إننا بحاجة إلي رؤية موحدة تؤكد قدرتنا علي تجاوز بعض مظاهر التخلف التي نعاني منها خصوصا باتجاه تأسيس مجتمع المعرفة من ناحية‏,‏ وحماية القيم الإسلامية والعربية الأصيلة من ناحية أخري‏...‏ ونحن بحاجة إلي موقف موحد وصريح يلغي ضرورات الوجود العسكري والسياسي والاقتصادي الاجنبي بروح الرغبة في حماية استقلالنا ومصالحنا ودون التورط في صدامات ومعارك شبعنا منها‏.‏

وهنا يتحتم القول‏:‏ إنه لابد أن تتضمن أي رؤية مشتركة للإصلاح والتحديث والسلام إشارات واضحة تنطلق كرسائل محددة إلي كل أنحاء العالم للتأكيد من خلالها‏,‏ أننا نؤمن بالتسامح والحوار‏,‏ ونرفض التعصب والتطرف ونسعي لبناء شراكة حضارية وسياسية واقتصادية علي أرضية صلبة من القدرة والتكافؤ‏.‏

لقد آن الأوان لصيحة يطلقها العرب والمسلمون بكل الوضوح عبر كل أدوات التعبير تدعو إلي إعادة بعث النهضة الثقافية والطفرة التنموية من خلال توافق عام علي ضرورة البدء في بناء المؤسسات القادرة علي تسويق خطاب معتدل ومستنير يسحب البساط من تحت أقدام قوي الدس والتحريض التي تسعي لتشويه العالم العربي والإسلامي والإساءة لمعتقداته وعاداته‏!‏

وليكن خطابنا العربي والإسلامي الجديد حاسما وقاطعا‏,‏ في التأكيد علي أن التحديث والإصلاح ليسا محل جدل أو خلاف‏,‏ إنما هو مطلب أمة عريقة تستطيع أن تنجزه بفكرها الواضح وثقافتها العريقة‏,‏ وأنه ليس هناك مايباعد الخطي بيننا وبين السير بالسرعة الواجبة علي طريق الإصلاح سوي بقاء السلام والأمن بعيدين عن ربوع المنطقة‏.‏

وأظن أن هذه المعادلة التي تجمع بين الاصلاح الداخلي والسلام والاستقرار الذي يشمل المنظومة العربية والإسلامية بأسرها‏,‏ يجب أن تظل هي العنوان الأساسي للخطاب الجديد‏,‏ الذي نؤكد به تجاوب أمتنا العربية والإسلامية مع الصفحة الجديدة التي يريد الرئيس أوباما فتحها‏.‏

وإذا كان الاطار الواسع للأمة العربية والإسلامية استنادا إلي وحدة الدين وتقارب الثقافات والمصالح لايسمح لنا بالانسلاخ عن جلدنا فإن علينا أن ندرك أن ما ورد في خطاب أوباما قد طرح حقائق جديدة يصعب تجاهلها أو التباطؤ في قراءة مغزاها‏!‏

وأعتقد أن بامكاننا أن نستثمر دلالات هذا المشهد الرائع لحفاوة شعب مصر في استقبال أوباما نيابة عن الأمة العربية والاسلامية لكي نؤكد أننا قادرون علي الامساك بالفرص المتاحة والتخلص من أحد أهم عيوبنا المزمنة التي تتلخص في أننا نتحرك أقل كثيرا مما ينبغي ونتأخر كثيرا عما ينبغي‏!‏

***‏

وهذا الذي قلته عن الحاجة إلي خطاب معتدل ومستنير لايعني أننا مطالبون بأن نبصم بالعشرة علي كل ما ورد في خطاب أوباما وإنما من حقنا وواجبنا في آن واحد أن نبدي ملاحظاتنا وتحفظاتنا علي ما نري أنه مازال بعيدا عن رؤيتنا في أي ملف من الملفات التي تحدث عنها‏.‏

وفي اعتقادي أن هذا الخطاب المعتدل والمستنير يحتاج كنقطة بداية إلي تحديد مرجعية سياسية وفكرية واضحة حول رؤيتنا المشتركة لمختلف القضايا لاظهار عمق إلتزامنا الصريح بالسلام العادل منهجا وعقيدة وجدية تعاوننا في اجتثاث كل أشكال التطرف والتعصب من جذورها‏.‏

أريد أن أقول بوضوح أن نقطة البداية لابد أن تنطلق من اتفاق مشترك حول بنود هذه المرجعية السياسية والفكرية ووفقا لصياغة شفافة وواضحة يقبل بها الجميع ويرتضون الالتزام بها والاحتكام لمبادئها‏.‏

ويعزز من أهمية ما أقول به أننا ندرك جميعا أننا نواجه منذ سنوات تحديات ومتغيرات اقليمية ودولية أسهمت في خلط الأوراق وتبديل المفاهيم مما أدي إلي تراجع ملحوظ في لغة الخطاب المشترك وانتعاش مفردات الانكفاء القطري الذي يمثل عائقا أمام امكانية بناء حد أدني من الارادة السياسية والفكرية الموحدة التي تتلاءم في مفرداتها ومضامينها مع الكم الهائل من المتغيرات والتحديات التي دهمتنا جميعا في السنوات الأخيرة‏.‏

وتحاشيا لأي التباس في فهم ما أقول فإنني أؤكد أن الخطاب المعتدل والمستنير لايحمل أية شبهة في الانبطاح وإنما هو عنوان لاعتدال كريم يتجنب التناطح بالرأس مع الآخرين بغير ضرورة ودون تفريط في مبدأ أو تنازل عن حق أو تجاهل لحركة التاريخ‏.‏

إن شعوبنا لم تعد مستعدة لمواصلة الجري وراء السراب وإنما تحتاج إلي من يزرع لها أشجار الأمل ببذور سليمة في أرض خصبة‏.‏

أتحدث عن خطاب صادق قد يكون له طعم ومرارة العلقم في بعض فقراته ولكن ذلك أفضل بكثير من مواصلة خداع النفس والذات طالما أنه يتجنب التفريط في الحقوق ويرتكز إلي رؤي واعية وواقعية لأن الطموح الزائد يظل مجرد حرث في البحر مالم يستند إلي قوة حقيقية لها قدرة الفعل وقوة التأثير‏.‏

ثم إنني أيضا أتحدث عن خطاب معتدل ومستنير يسهم إسهاما إيجابيا في المهمة الضرورية لإعادة بناء الإرادة المشتركة برؤية شاملة لاتتوقف عند الهوامش والجزئيات ولاتخاصم الواقع وما طرأ من متغيرات إقليمية ودولية تحتم اعتلاء صهوة جواد الحكمة ومراعاة أقصي درجات الحذر والتريث بعد خلع كل جلابيب الاندفاع وعباءات المغامرة والتهور‏.‏

***‏

وإذن ماذا ؟
في اعتقادي أن مشاعر الترحيب العفوية التي استقبل بها الشعب المصري بمختلف انتماءاته خطاب الرئيس أوباما في جامعة القاهرة لاتعبر عن شعب مصر وحده وإنما تعبر عن مشاعر شعوب الأمة كلها التي ودعت منذ سنوات أحلام الرهان علي المستحيل وباتت مستعدة لدعم أية توجهات صادقة تعكس جدية الرغبة في التعامل مع الأزمات المزمنة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية‏.‏

وهنا أقول أن من الخطأ البالغ أن يواصل البعض قياس ارادة شعوب الأمة من خلال بضعة أصوات زاعقة تحاول التغطية علي الصوت الغالب الذي يدرك وبصدق حتمية اجراء الحسابات الدقيقة والتقديرات المتأنية عند التعامل مع حزمة القضايا والتحديات التي ليست وليدة اللحظة وإنما هي من إرث صراعات عميقة ومعقدة‏.‏

ومعني ذلك أننا بحاجة إلي مراجعة ذلك الخلط المعيب للأوراق الذي يجري ترويجه في بعض المقالات أو علي بعض الشاشات وهو ما يؤدي ـ بكل أسف ـ إلي تشتيت الأذهان في اتجاهات هامشية ومعارك مفتعلة يمكن لها ـ تحت حمي الانفعال والغضب ـ أن تجرفنا بعيدا عن الأهداف والغايات الحقيقية بعد تغييب صوت العقل وإعادة استدراج الأمة إلي خنادق المزايدة وطرح المستحيلات‏.‏

ومن الأمانة أن نقول أنه حتي لو لم تكن أمامنا أية ضمانات مؤكدة لجدية حدوث تغيير في الموقف الأمريكي الذي عبر عنه الرئيس أوباما في خطابه فإن المسئولية تحتم علينا أن نمسك بالفرصة المتاحة وأن نتعامل معها بكل الوعي والعقلانية فالأمر أكبر وأخطر من محاولة ادعاء البطولة من خلال مقال هنا أو حديث هناك‏.‏

وأظن أن العقلانية والاستنارة وضرورات الحسابات الدقيقة عند التعامل مع القضايا والأزمات لاتعني ضعفا وإنما تعني قدرة علي المواجهة ورفضا للهروب إلي الأمام فالوقت ليس وقت مراهقات سياسية فات زمانها وانتهي أوانها‏!‏

***‏

مرة أخري‏..‏ وإذن ماذا؟
إن بإمكاننا أن نرد دون أن نتصادم وأن نصارع دون أن نحارب بعد أن جربنا طويلا سياسة الصدام ولغة التناطح ولم نجن من وراء ذلك إلا مزيدا من المكاسب لغيرنا ومزيدا من الخسائر لنا‏!‏

إننا بحاجة إلي صحوة لإثبات حيوية هذه الأمة وقدرتها علي تصحيح مسارها وإحباط أي مخططات لتهميش دورها وذلك يتطلب إدراكا بأن هذه الصحوة المطلوبة ليست مجرد غطاء وقائي وإنما هي رؤية مبكرة تضمن لنا القدرة علي الاحتفاظ بخطواتنا المحسوبة صوب أهدافنا المحددة والمعروفة بعيدا عن أي تشكيك يستهدف تغييب عقل الأمة وإفقادها ثقتها بنفسها‏.‏

إن علينا أن ندرك أن منطقتنا لها وضع فريد يختلف عن أي منطقة أخري في العالم خصوصا في حسابات القوي الكبري ذات التطلعات المفتوحة للهيمنة وبسط النفوذ باسم ضرورات حماية مصالحها الحيوية والاستراتيجية‏.‏

وأظن أن ذلك الذي تحدثت عنه يمثل سببا كافيا في حاجتنا إلي خطاب معتدل ومستنير يسهم في تسليح العقل العربي بأقصي درجات الوعي والفهم من ناحية وغلق الطريق أمام من يريدون دفع الأمة نحو مسارات ومنحدرات بالغة الخطورة من ناحية أخري‏.‏

إن القضية بوضوح هي كيفية صياغة خطاب سياسي وإعلامي مستنير يعكس مصداقية التوحد العربي والإسلامي خلف رايات التضامن الكامل من أجل الفعل والانجاز وليس لمجرد تغيير أو استحداث بعض العبارات الانشائية لأن قيمة وأهمية أي خطاب سياسي وإعلامي ترتبط بمدي تعبير مفردات هذا الخطاب عن حقيقة الحلم المشترك في بناء إرادة قوية موحدة تستهدف المبادرة بسياسات جديدة تعكس جدية القدرة علي التصحيح ومواكبة المفاهيم والموازين الدولية الجديدة‏.‏

وهنا أقول بكل الوضوح ـ ومنعا لأي التباس ـ ان الحاجة إلي صياغة خطاب سياسي وإعلامي مستنير لاتعني بأي حال من الأحوال وجود شبهة في التراجع عن المواقف الأساسية والمبدئية التي تشكل قاعدة المصالح المشتركة للأمة‏.‏

إننا بحاجة إلي أقصي درجات الشفافية والوضوح في خطابنا السياسي والإعلامي المقبول والمستنير وبما يؤكد استمرار تمسكنا بالسلام كعقيدة استراتيجية تتجاوز حدود المنطقة التي نعيش فيها وتطمح إلي حلم المشاركة في بناء مجتمع دولي يسوده التعاون والاخاء وتختفي منه الحروب والصراعات من خلال اسهام نشيط وفعال للحد من سباق التسلح والاصرار علي جعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من كل أسلحة الدمار الشامل لكي تكون نموذجا لعالمية تحريم السلاح النووي التي أطلق أوباما صيحتها في القاهرة تحت عناوين الرغبة في حماية البشرية من الأخطار المفزعة التي تهدد بزوال كل أشكال الحضارة والتقدم والعمران‏.‏

وسوف يكون ضروريا ومحتما أن يتضمن خطابنا السياسي والاعلامي رؤية واضحة تجيب عن سؤال ضروري هو‏:‏ كيف نستطيع أن نصل في النهاية إلي سلام متكافئ بين جميع دول المنطقة بحيث يلبي حق العرب في استرداد أراضيهم‏,‏ وحق إسرائيل في شرعية الوجود الآمن والمعترف به تحت مظلة العدل والشرعية؟

لابد أن يكون خطابنا السياسي والإعلامي مرتكزا إلي أن السبيل الوحيد يكمن في مدي القدرة علي استمرار التمسك بعملية السلام‏,‏ وعدم التشكك في إمكان بلوغ الأهداف المرجوة منها‏,‏ مهما غالت إسرائيل في تشددها وصلفها وأطماعها ونياتها التوسعية‏.‏

وفي اعتقادي أن مجالات الحركة عديدة ومتنوعة‏..‏ والخيارات كثيرة ومتجددة‏...‏ وليس يخفي علي أحد أن استمرار التفاوض لايغني عن ضرورات مواصلة العمل الجاد علي بناء القوة الذاتية اللازمة لإحداث التوازن الاستراتيجي وأيضا فإن استمرار التفاوض يتطلب استمرار العمل علي حشد التأييد الدولي ـ دون يأس ـ من أجل دعم المطالب والحقوق العربية المشروعة‏,‏ وذلك بإيجاد منظومة عمل تتوزع فيها الأدوار وتنطلق منها الرسائل الواضحة بأن مصلحة العالم في إثبات مصداقية التعامل بمكيال واحد مع قضايا هذه المنطقة الحساسة والحيوية‏.