عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 13-07-2006, 02:51 AM
حارث حارث غير متواجد حالياً
عضو سوبر
 
تاريخ التسجيل: Oct 2004
العمر: 47
المشاركات: 439
معدل تقييم المستوى: 0
حارث is an unknown quantity at this point
افتراضي

غزة: معركة رمزيّة ضد منطق الاستسلام

الأردن/ ياسر الزعاترة 13/6/1427
09/07/2006


يهدر سيل الشهداء في قطاع غزة في مواجهة عدو مصمم على التعامل مع المعركة في بعدها الرمزي، لاسيما وهي الأولى بالنسبة لإيهود أولمرت الذي يريد من خلالها إثبات أهليّته لزعامة الدولة العبرية، وقدرته على إخضاع الفلسطينيين بسطوة القوة، تماماً كما كان الدم الفلسطيني الوسيلة الوحيدة لترميم شعبية شارون كلما تراجعت في استطلاعات الرأي.
يدرك الفلسطينيون أو أكثرهم هذا البعد الرمزي في المعركة، معركة الجندي من جهة، ومعركة الإبقاء على جذوة الانتصار الكبير الذي تحقق في عملية الوهم المتبدد البطولية، ولذلك يبدون أكثر تصميماً على خوض المعركة حتى النهاية بصرف النظر عن ضخامة التضحيات.
وحدهم المهزومون هم الذين يطالبون بإنهاء قضية الجندي على النحو الذي يريده الإٍسرائيليون، وبالطبع في ظل الذريعة التقليدية التي تتحدث عن تجنيب الفلسطينيين عقوبات جماعية، في منطق لا يليق بشعب يجاهد من أجل التحرر من ذل القيد.
جاءت قضية الجندي لتفضح خطاب هؤلاء وأمثالهم، لاسيما وهي ذات صلة بملف الأسرى الذين دُبّجت فيهم قصائد الغزل والمديح خلال الأسابيع الأخيرة في سياق الترويج للوثيقة التي نُسِبت إليهم، وهي وثيقة تضمنت-للمفارقة- نصاً يتحدث عن الإفراج عنهم بكل الوسائل.
لم تكن لدينا أية أوهام حول الهدف من الوثيقة وترويجها، لكنها الأقدار التي جاءت سريعاً لتمعن في فضْح الموقف؛ إذ ثبت أن وثيقة الأسرى بالنسبة للبعض أهم من الأسرى أنفسهم، بحسب تعبير صديقنا الأستاذ فهمي هويدي، ولو كانوا صادقين في دعواهم لساندوا صفقة التبادل بدل الضغط مع الدبلوماسية المصرية التي تتحرك تبعاً لهواجس محلية من أجل الإفراج عن الجندي لقاء وعد فارغ بالإفراج عن بعض الأسرى لاحقاً.
بل إن تغير الموقف الإسرائيلي خلال الأيام الماضية وصولاً إلى تحسين الوعود الممنوحة للطرف المصري هو بحد ذاته دليل على إمكانية التراجع عندما يواصل الطرف الفلسطيني تمسكه بمواقفه في لعبة عض الأصابع القائمة، فأين يذهب أولئك الذين طالبوا بالإفراج عن الجندي من دون شروط؟!
من المؤكد أن موقف قوى المقاومة برفض الإفراج عن الجندي دون مقابل، بصرف النظر عن التداعيات اللاحقة هو الموقف الأهم والأكثر رمزية بالنسبة للفلسطينيين، وهي رسالة لأولمرت، وللأمريكيين، وللعالم أجمع بأن أحداً لن يتمكن من إخضاع الفلسطينيين؛ لأن إرادتهم الحرة ستنتصر كما انتصرت دائماً على جبروت الجلاد.
هي معركة قد تنطوي على الكثير من التضحيات، لكنها في المقابل معركة رمزية، وهي استمرار لرسالة عملية (الوهم المتبدد) البطولية التي حفرت عميقاً في الوعي الصهيوني، كما تركت آثارها المهمة في الوعي الفلسطيني، في ظل تراجع عربي غير مسبوق، ووضْع دولي مسرف في انحيازه للعدوان الصهيوني.
هي معركة رمزية، وبوسع الفلسطينيين أن يربحوها، تماماً كما ربحوا قبل أربعة أعوام معركة مخيم جنين البطولية، ذلك المخيم الذي اجتاحه الإسرائيليون عشرات المرات منذ نيسان 2002، لكن جذوة المقاومة لم تنطفئ فيه.
خطاب الهزيمة الذي يروج له بعض الفلسطينيين، ومعهم بعض العرب لحسابات صغيرة ومخاوف معروفة لا يمكن أن يكون مقبولاً عند هذا الشعب العظيم، ولا بد من خوض المعركة، لاسيما وأن الطرف الآخر؛ الأمريكي الإسرائيلي مأزوم أيضاً، ويدرك أن خياراته في مواجهة الأمة العربية والإسلامية تبدو بالغة الصعوبة.

من العراق إلى أفغانستان إلى الصومال تخوض الأمة مواجهتها مع إرادة الإذلال، وفلسطين هي الراية الأولى ومصدر الإلهام، ولصمودها ومقاومتها تأثير كبير في وعي الأمة. نعلم أننا نتحدث لغة لا يفهمها المهزومون، لكننا ندرك أنها لغة شعبنا وأمتنا الحقيقية، وهي ذاتها اللغة التي دفعت هؤلاء إلى الهمس بمواقفهم من قضية الجندي الأسير، فيما يرسلون عَسَسَهم لمطاردة آثاره، بينما يجاهدون في إثارة الفتنة بين صفوف المجاهدين بتقسيمهم بين معتدل ومتشدّد، لكأن الركون إلى الذل هو الاعتدال المحمود وليس الرفض والمقاومة.
لسنا متأكدين من تفاصيل الفصل الأخير من المعركة التي تدور في ظل خلل رهيب في ميزان القوى لصالح العدو على كافة المستويات، فكل الاحتمالات واردة، ومن بينها الوصول إلى الجندي وقتله وقتل مختطفيه كما حصل في المرات السابقة، لكن ما جرى حتى الآن- أعني ما يتعلق بالوعود الإسرائيلية الجديدة - يشكل انتصاراً معقولاً، فكيف إذا تواصل الإصرار وصولاً إلى تحقيق نتائج أفضل؟ مع العلم أن الاحتمال الأول ليس سيئاً حين نتذكر انتصار الوهم المتبدد الكبير.
غزة تقاوم، وتستصرخ شرفاء الأمة، وإذا صُمّت الآذان الرسمية، فلا أقل من أن تنصت الشعوب وقواها الحية، إن لم يكن لتقديم العون فمن أجل كف الأذى والتخذيل، فضلاً عن مواعظ الاستسلام القادمة من هذا الطرف أو ذاك.
__________________

من دعا إلى خير فله أجره و أجر من عمل به إلى يوم القيامة