تغلّب الغَرْبُ علينا نحنُ المسلمين سِياسِيّاً واقتِصادِيّاً، لكِنّ الهَدَفَ الأهَمَّ الذي كان يتحفّز لإنجازِهِ هو هدمُ الأسُسِ التي تقومُ عليها حياتُنا الإسلامِيّةُ، ألا وهيَ العَقيدَةُ والتقاليد والأخلاقُ الإسلامِيَّةُ؛ فنشر الرذيلة، وشرع لها القوانين، وأرضع بعض أبنائنا من لبنِ أفكارِهِ الذي مُزِجَ ب"فيتامين"القهرِ والدَّجَلِ، فأصبحَ هؤلاءِ الأبناء حَرْباً على كُلِّ ما هُوَ إسلامِيٌّ: عَقيدَةً وخُلُقاً ونِظامَ حَياةٍ، وَوجهوا هجمتهُمُ الشّرِسَةَ إلى أوّلِ لَبِنَةٍ ألا وهِيَ الأسْرَةُ، لأنّهُم إن هَدَموا هذا الحِصْنَ فسيكونُ هذا بدايَةَ نَصرِهِم، فحاربوا الزواجَ لتَشيعَ الفاحِشةُ، هجموا على التقاليدِ الإسلامِيّةِ، وسَنّوا مُتَطلّباتٍ للزّواجِ، أرهقوه بِها حتى أصبح الزّواجُ مِن الأمور المستحيلة بالنِسبَةِ لكثيرين ِ، فكثرت الفتن وانتشرت الرذائل، وصار للمتمسك بدينه العاض عليه أجر كبير. عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله ص قال: "إن من ورائكم زمان صبر للمتمسك فيه بدينه أجر خمسين شهيداً منكم" (رواه الطبراني في المعجم الكبير). لماذا ركّز الغَرْبُ النصراني على تأخيرِ سن الزواج؟ وما هدفه من ذلك؟
أصبح الزواج مُستحيلاً بالنسبة للبعض، لسببين ذكرهما سيدنا عمر رضي الله عنه لقُبيصة عندما قال له: "ما يمنعك عن الزواجِ إلاّ عجزٌ أو فتورٌ". فالحقيقة أنّ كِلا الجِنسينِ يرغَبُ في الزّواجِ بشدةٍ، لكن المغالاةَ في التكاليفِ كانت سبباً في تأخيرِ سِنِّ الزّواج..
إن الغرب لا يُريد لأمتنا الإحصانَ والعِفّةَ بل يُريدُ أن ينغمِسَ شبابُنا في أوحالِ الرذيلة والفُحشِ، وقد تحقق له ذلك عن طريق وضع مثبّطاتٍ تؤدّي لتأخيرِ الزّواجِ، وهو ما دعا بعض العُلَماءِ، ومنهم الأستاذ عبد الله ناصح علوان إلى أن يذكر في كتاب له (1) أن السبّب الذي دفعه لتأليفه هو العزوف عن الزواج، وظاهِرة الانحلال والتسيّب التي سرت في شبابنا وشاباتنا سريان النار في الهشيم.
الحكمة من الزواج:
إن الزواج سنة استنها الخالق لحكمة. يقول علوان: "أحببت أن أذكر الحكمة من الزواج وفوائده الصحية والخلقية والاجتماعية، عسى أن يعلم شبابنا لماذا شرع الله الزواج، ولماذا أمر به في سن مبكرة، فلا يجدون بُدّاً سوى أن يقبلوا عليه بوعي جديد ورغبة صادقة إن أرادوا إحصان نفوسهم، وسلامة أخلاقهم، وتلبية فطرتهم.. ومن هذه الحِكم:
-1 المحافظة على النوع الإنساني:
من البدهيّات التي لا تقبل الجدل أن الزواج طريق تكاثر النسل الإنساني، وعامل أساسي في استمراره وبقائه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. قال تعالى: و الله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة (النحل:72).
-2 المحافظة على الأنساب:
بالزواج الذي شرّعه الله سبحانه يفتخر الأبناء بانتسابهم لآبائهم، لأنّ في هذا النسب اعتبارهم الذاتيّ وكرامتهم الإنسانية وسعادتهم النفسيّة، ولو لم يكن ذلك لعجّ المجتمع بأولادٍ لا كرامة لهم، وفي ذلك طعنةٌ نجلاء للأخلاق الفاضلة وانتشارٌ مريعٌ للفساد وال*****ّة.
-3 سلامة المجتمع من الانحلال الخلقي:
يقول عبدالله ناصح علوان: "لا يكاد يخلو بيتٌ من بناتٍ تقدّم بهنّ العمر بسبب ردّ آبائهنّ لمن تقدّم لخطبتهنّ، وحين تسأل أحد هؤلاء الآباء:
"كيف وجدتهم غير مناسبين؟!" يجيبك: أنا أريد أن أزوّجها من صاحِبِ منصِبٍ(!)..وقد يجيبك آخَرٌ:
"مُرَتّبُهُ لا يكفي للإنفاق على أسرةٍ(!)"..ولعلّ ثالثاً يجيب: "أسرته ليست ذات حسبٍ(!)"، ولو تتبّعنا هؤلاء الشباب فيما بَعدُ فسوف نجد أنه قد صار لهم شأن في المجتمع، ارتفعوا به فوق أهل الحسب والنسب"(3)
لقد نهى النبي ص عن تأخير الزواج، وأمر بتعجيله فقال: "من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنّه له وِجاءٌ"...وقال ص : "النكاح سنّتي، فمن رَغِبَ عن سُنّتي فليس منّي، وتزوّجوا فإنّي مُكاثِرٌ بِكُم الأُمَمَ".
ولقد أنكر الإسلامُ الإعراض عن الزواج، وندّد بالمعرضين عنه أشدّ التنديد.. ومما يرويه أنسٌ رضي الله عنه عن النبيّ ص أنه قال: "فأنت إذن من إخوان الشياطين إمّا أن تكون من رُهبان النّصارى فأنت منهم، وإمّا أن تكون منّا فاصنع كما نصنع، فإنّ من سُنِنا النّكاح. شِرارُكُم عزابكم.. ويحك تزوّج".. ذلك لأنه عُرضةٌ للوُقوعِ فيما حرّم الله من زنيً واعتداءٍ على الأعراض وغير ذلك.
العقبات:
من أهم العقبات التي تقف في طريق الزواج: "المبالغة في تكاليف الزواج، عائق الدراسة، الإرواء الغريزي غير المشروع، قلة الأجور وغلاء المعيشة، انتشار البطالة، ترك المجال للنساء للتدخل، وضعف الوازع الديني"(4). أيضاً من أسباب تأخر الزواج: "غلاء المهور، والاهتمام بالكماليات تقليداً للآخرين، حتى وإن أدّى ذلك إلى إغراق الشاب في ديونٍ لا طائل منها. وقد دعا الإسلام إلى القصد في المهر صوناً للمجتمع من الآفات المترتّبة على الحرمان من الزواج، وتحصيناً له مما يتهدده من بلايا تعددت مصادرها وأُحكمت خططها. قال الشافعي: "القصد في المهر أحب إلينا، وأستحب ألا يزيد في المهر على ما أصدق رسول الله نساءه وبناته (500) درهم".
وأكد الخليفة عمر رضى الله عنه أن النبي ص ما أصدق امرأة من نسائه، ولا أُصدقت امرأة من بناته فوق (12) أوقيّة. وقال رضي الله عنه : "لا تُغلوا في صدقات النساء فما سمعت أن أحداً ساق أكثر مما ساق رسول الله ص ، إلا جعلت الفضل في بيت المال"... هذا هديه ص ، وسيرة صحابته رضوان الله عليهم وهم بشر كانوا ينكرون على من يغالي في المهور، ويعدونه قد خرج عن السنة.
خطب عمر رضي الله عنه من أجل غلاء المهور فقال: "أيها الناس: لماذا إكثاركم في صداق النساء، وقد كان رسول الله وأصحابه إنما الصدقات فيما بينهم (400) درهم فما دون ذلك، ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو كرامة لم تسبقوهم إليها، فلا أعرفن ما زاد رجل في صداق امرأة (400) درهم"، ثم نزل. فاعترضته امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين، أنهيت الناس أن يزيدوا النساء صدقاتهن على (400) درهم؟ قال: نعم، فقالت: أما سمعت الله تعالى يقول: وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه (النساء:20 )؟ فقال: كل الناس أفقه من عمر؟ ثمّ رجع فركب المنبر فقال: "إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهنّ على(400) درهمٍ، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحبّ فليفعل".
هذه القصة برغم شهرتها وشيوعها بين الناس إلا أنها لم تَرِد في كُتُب الأحاديث المعتمدة، إنّما في تفسيري القرطبي وابن كثيرٍ.. وليعلم المسلمون أنّ من الأمور المسلّمة أن الشرف والمكرمة إنما يكونان في البذل والعطاء والمسامحة والتيسير على الآخرين، وليس في الأخذ والطلب منهم، فهذا شأن ضعاف الإيمان"(5)
|