عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 07-07-2009, 01:16 AM
الصورة الرمزية fatac2
fatac2 fatac2 غير متواجد حالياً
عضو خبير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 571
معدل تقييم المستوى: 17
fatac2 is on a distinguished road
Talking

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أستاذ محمد الشمبابي مشاهدة المشاركة
الشعر شعور و ليس شهور:abdoog8:................







ايه ياعم الحاج
انت حتعدل علي ايليا ابو ماضي
الشعر شعور افرض لو كان اقرع من غير شعور



هيا لعلها تنفع العام القادم نبذة عن الشاعر الكبير إيليا ضاهر أبو ماضي


ولادته ونشأته :
وُلد إيليا ضاهر أبو ماضي في قرية المحيدثة ببكفيا في قضاء المتن الشمالي بلبنان ، وهي إحدى القرى الهادئة الوادعة المعلقة بأقدام الجبل ، تحيط بها أشجار الحور والصفصاف من كل جانب ، وتملأ جنباتها الحقول والكروم الحبلي بأطيب الثمار ، وتختلط فيها زغردة الطيور بأنّة الناي المبحوح ، وتنتشر فيها الرياض الغنّاء المخضوضرة والمياه العذبة الرقراقة ، وتكثر فيها زراعة التوت وصناعة الحرير .

في هذه الطبيعة الخلابة الساحرة فتح إيليا أبو ماضي عينيه الصغيرتين على الحياة ومن يُراجع أقوال الذين كتبوا سيرته يجد بعض الاختلاف ي تحديدهم سنة ولادته ، فمجلة (السائح) المهجرية تجعلها سنة 1889م ، وجورج صيدح في كتابه (أدبنا وأدباؤنا في المهجر) يجعلها سنة 1891م ، وإذا صح أنه هاجر إلى مصر سنة 1902م فإنه عمره وقتها حسب الرأي الأول يكون ثلاثة عشر سنة وحسب الرأي الثاني إحدى عشرة سنة ، والأغلب أن الرأي الأول هو الأكثر صوابا .

دخل إيليا أبو ماضي مدرسة المحيدثة القائمة في جوار الكنيسة ، وبين صفوفها أخذ يفك لغز الحرف وطلسم الكلمة من دون أن يعرف هو أو والده أو أقرباؤه أو أترابه أنه سيصير بعد حين شاعرا كبيرا
تنطلق من حنجرته وقلمه أجمل القصائد الشعرية .

وقد نشأ أبو ماضي في عائلة بسيطة الحال لذلك لم يستطع أن يدرس في قريته سوى الدروس الابتدائية البسيطة ، ويقول كاتبو سيرته أنه كان يقطع مسافة ميلين سيرا على الأقدام حين كان في السابعة من عمره ليسترق العلم من مدرسة يديرها العلاّمة الشيخ إبراهيم المنذر
، فيقف أمام نافذتها يُصغي إلى شرح الدروس ، وحين لمس المعلم شدة رغبته في طلب العلم دعاه إلى دخول الصف بدون مقابل .

تعلم أبو ماضي في قريته أصول الكتابة والقراءة باللغة العربية ولما ضاقت به سُبل العيش وجد أن لا مناص له من السفر فحزم أمتعته وقرر الرحيل في الإسكندرية :شقّ إيليا أبو ماضي صدر البحر متوجها إلى الإسكندرية بمصر عام 1902م شأنه في ذلك شأن جمهرة من اللبنانيين الذين يمّموا وجههم شطر مصر طلبا للعيش الكريم ، وقد أسس فيها بعضهم مجدا أدبيا كبيرا وساهموا في بناء النهضة العربية الحديثة بعدما أسكتت أصواتهم سطوة الاستبداد التركي في بلادهم .

وكان لإيليا أبو ماضي في الإسكندرية عَمًّا يتعاطى بيع التبغ في دكان له هناك فأخذ يساعد عمه في بيع اللفائف لقاء أجرة زهيدة أغنته عن الحاجة والسؤال ، وكان يوفر من دخله البسيط ليقتني الكتب وعكف على دراسة الصرف والنحو حتى استقامت لغته وأصبح قادرا على التعبير عن انفعالاته وأحاسيسه وصبّها في بوتقة شعرية جميلة .

وتشاء الظروف أن يلتقي أبو ماضي مصادفة بأنطون الجميّل في دكان عمه ، وكان الجميّل قد أنشأ مع أمين تقي الدين مجلة الزهور فأعجب بذكائه وعصاميته إعجابا شديدا ودعاه إلى الكتابة بإشرافه ، فأخذ ينظم بواكير شعره ويعرضها على الجميّل لتنقيحها ومن ثم نشرها في مجلة الزهور ، وكانت أولى قصائده التي نُشرت في هذه المجلة تروي قصة فتاة صغيرة زوّجها أهلها قسرا من رجل كبير السن ، فعاشت معه حياة شقية بائسة وقضت حياتها سجينة التقاليد لا تستطيع منه فكاكا ، وقد جاء في قصيدته هذا البيت الجميل :
إنّما الغُصْنُ إذا هَبَّ الهَوا *** مالَ لِلأغْصانِ لا للحَطَبِ

وبقي أبو ماضي على حاله ينظم وينشر في هذه المجلة المعروفة آنذاك إلى أن جمع بواكيره في ديوان أطلق عليه اسم " تذكار الماضي " وقد صدر في عام 1911م عن المطبعة المصرية ، وكان أبو ماضي إذ ذاك يبلغ من العمر اثنين وعشرين عاما .

وانصرف أبو ماضي عن النظم في الموضوعات الاجتماعية في هذه الفترة إلى الموضوعات السياسية والوطنية ، وجنّد قلمه الخصيب في خدمة القضايا العربية وفي طليعتها المناداة باستقلال مصر عن الاحتلال الإنجليزي وتحرير الأقطار العربية ، والتي كان الحزب الوطني المصري بقيادة مصطفى كامل ينادي بها .

واشتد اضطهاد السلطات البريطانية لأركان الحزب الوطني المنادي بالاستقلال والحرية وضيقت الخناق على كل الذين حاولوا أن يؤلبوا الشعب على الثورة والجهاد ، وإذا بأبي ماضي لا ترهبه أساليب القمع والتهديد وانطلقت قصائده صاخبة مزمجرة ينشرها في الصحف هنا وهناك ليزيد النقمة على الاستعمار ، بيد أن أبو ماضي شعر أن وجوده في مصر لن يحقق له ما يصبو إليه من آمال وأن السلطات البريطانية لا بد أن تنال منه إذا هو استمر على نهجه في مقارعتها لذلك أخذ يفكر جدياً في العودة إلى الوطن .

وازدادت النقمة على الشاعر الثائر من الإنجليز خصوصا بعدما ألقى قصيدتين ناريّتين في مناسبتين وطنيتين إحداهما عودة محمد فريد رئيس الحزب الوطني إلى مصر قادما من أوروبا ، والثانية أثناء حفلة تذكارية لمصطفى كامل ، وكان التهديد لأبي ماضي مباشرا وأودع في السجن لمدة أسبوع .

ويقول الدكتور جميل جبر أن أبو ماضي لم يجرؤ على نشر قصائده العنيفة ضد السلطات المصرية المستسلمة لإرادة الإنجليز في ديوانه " تذكار الماضي " بل احتفظ بها ونشرها في الطبعة الثانية من الديوان في نيويورك سنة 1916م بعنوان " ديوان إيليا أبو ماضي " .
ويعزو الأستاذ أنيس المقدسي سبب ترك الشاعر لمصر وهجرته إلى الولايات المتحدة إلى أنه لم ينجح في عمله في الديار المصرية بالإضافة إلى أن نقد النقاد وتجريحهم له قد يكون من جملة الدوافع التي دعته إلى هجر وادي النيل والسفر إلى الولايات المتحدة ليجرّب حظه هناك ، كما فعل قبله الألوف من بني قومه وجلدته

أعماله
تفرغ إيليا أبو ماضي للأدب والصحافة، وأصدر عدة دواوين رسمت اتجاهه الفلسفي والفكري أهمها:
1. تذكار الماضي (الاسكندرية 1911): تناول موضوعات مختلفة أبرزها الظلم، عرض فيها بالشعر الظلم الذي يمارسه الحاكم على المحكوم، مهاجماً الطغيان العثماني ضد بلاده.
2. إيليا أبو ماضي (نيويورك 1918): كتب مقدمته جبران خليل جبران، جمع فيه إيليا الحب، والتأمل والفلسفة، وموضوعات اجتماعية وقضايا وطنية كل ذلك في إطار رومانسي حالم أحياناً وثائر عنيف أحياناً أخرى، يكرر شاعرنا فيه تغنيه بجمال الطبيعة.
3. الجداول (نيويورك 1927): كتب مقدمته ميخائيل نعيمة.
4. الخمائل (نيويورك 1940): من أكثر دواوين أبي ماضي شهرةً ونجاحاً، فيه اكتمال نضوج ايليا أدبياً، جعله شعر التناقضات، ففيه الجسد والروح، والثورة وطلب السلام، والاعتراف بالواقع ورسم الخيال.
5. تبر وتراب
6. الغابة المفقودة

في دراسة شعره
يسميه النقاد: شاعر الأمل والتفاؤل
(قال السماء كئيبةً وتجهمَ،
قلت ابتسم يكفي التجهم في السما،
قال الصبا ولّى فقلت له ابتسم،
لن يرجع الأسف الصبا المتصرّما
)
كان الجمال حاضراً في أغلب أعمال أبي ماضي، وامتاز بعشقه للطبيعة
(
يا ليتني لصٌ لأسرق في الضحى،
سرَّ اللطافة في النسيم الساري،
وأَجسَّ مؤتلق الجمالِ بأصبعي،
في زرقة الأفقِ الجميلِ العاري) وجعله قريناً بكل شيء، ويوصف بأنه كان يحمل روح الشرق في المهجر، حمل هم أمته، فكتب لمصر عندما هددها الطغيان:
(
خَلِّني أستصرخُ القومَ النياما،
أنا لا أرضى لمصرٍ أن تُضاما،
لا تلُم في نصرة الحقِ فتىً،
هاجه العابثُ بالحق فلاما).

كما لم ينس أوجاع الفقراء والمسحوقين فكتب لهم كثيراً وجعلهم من ثوابت قلمه المبدع
(
وإن هم لم يقتلوا الأشقياء،
فيا ليت شعريَ من يقتلونْ ،
ولا يحزننكمُ موتُهمْ،
فإنهمُ للردى يولدونْ ،
وقولوا كذا قد أراد الإله،
وإن قدر الله شيئًا يكونْ).

أما الوطن، فلم يغب، فكان لبنان محور يوميات ايليا أبو ماضي
(
اثنان أعيا الدهر أن يبليهما،
لبنان والأمل الذي لذويه)

وأجاد مع الحرب العالمية في ترجمة الحنين الى العائلة والأرض شعراً:
(
يا جارتي كان لي أهلٌ وإخوان،
فبتت الحرب ما بيني وبينهم،
كما تقطع أمراس وخيطان،
فاليوم كل الذي فيه مهجتي ألم،
وكل ما حولهم بؤس وأحزان،
وكان لي أمل إذا كان لي وطن)

نصل إلى الحب، كانت تجارب أبي ماضي قاسيةً عاطفياً، ولكنه احتفظ بالأمل الذي لم يفارق كتاباته، فكان يخرج دوماً حالماً مبرراً القسوة والانكسار جاعلاً منه قلعة تفاؤل وتمسك بالحب، رغم انه لم ينف الحزن في قلبه، الا انه ميزه عن اليأس،
(
إنما تلك أخلفت قبل ليلين من موعدي،
لم تمت لا وإنما أصبحت في سوى يدي).



إيليا أبو ماضي، هو الشاعر الفيلسوف، كان ذو رؤيةٍ فلسفية لكل شيء، فله في الموت فلسفة وفي الكون والوجود، وفي السياسة وفي المجتمع وفي الحب، آمن أن الانسان خالد وأن الموت ليس آخر المطاف، بل تكملة للمسيرة، شارك جبران خليل جبران في ايمانه بالتقمص والعودة بأشكالٍ حياتية أخرى، خصص مساحةً من شعره للماورائيات، عادى التعصب والطائفية، ونبذها في قصائده مبشراً بديانة الانسان!

خلاصة: اذاً، نستطيع أن نجزم أخيراً، ان ما تعرضنا له، هو أحد أهم معالم الشعر الحديث، ومادة النقد الدسمة التي احتار فيها النقاد، فإيليا أبو ماضي طوب بفلسفته وحكمته وعبقرية عباراته ونظرياته، طوب نفسه قديس الشعر، والمغامر الذي جعل الشعر رسالةً فلسفية، وكسر جماد الشعر القديم وكيفه مع الحداثة، في مزيجٍ حضاري بين الغرب والشرق. كما نجزم أن أبو ماضي، هو شاعر القضية، قضية الوطن والجمال والثورة الاجتماعية والحب.