عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 19-07-2009, 09:55 PM
الصورة الرمزية Mohamed_MA
Mohamed_MA Mohamed_MA غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 3,304
معدل تقييم المستوى: 20
Mohamed_MA is on a distinguished road
افتراضي

الحلقة التاسعة

* * * * * * *



أشياء ثلاثة تشغل تفكيري و تقلقني كثيرا في الوقت الراهن


دراستي و امتحاناتي ، رغد الصغيرة ، و الأوضاع السياسية المتدهورة في بلدتنا و التي تنذر بحرب موشكة !


إنه يوم الأربعاء ، لم أذهب للمدرسة لأن والدتي كانت متوعكة قليلا في الصباح و آثرت البقاء إلى جانبها .


إنها بحالة جيدة الآن فلا تقلقوا



كنت أجلس على الكرسي الخشبي خلف مكتبي الصغير ، و مجموعة من كتبي و دفاتري مفتوحة و مبعثرة فوق المكتب .




لقد قضيت ساعات طويلة و أنا أدرس هذا اليوم ، ألا أن الأمور الثلاثة لم تبرح رأسي




الدراسة ، أمر بيدي و أستطيع السيطرة عليه ، فها أنا أدرس بجد




أوضاع البلد السياسية هي أمر ليس بيدي و لا يمكنني أنا فعل أي شيء حياله !



أما رغد الصغيرة ...



فهي بين يدي ... و لا أملك السيطرة على أموري معها !



و آه من رغد !



يبدو أن التفكير العميق في ( بعض الأشياء ) يجعلها تقفز من رأسك و تظهر أمام عينيك !



هذا ما حصل عندما طرق الباب ثم فتح بسرعة قبل أن أعطى الفرصة المفروضة للرد على الطارق و السماح له بالدخول من عدمه !




وليـــد وليـــــــــد و ليـــــــــــــــــــــــــد !




قفزت رغد فجأة كالطائر من مدخل الغرفة إلى أمام مكتبي مباشرة و هي تناديني و تتحدث بسرعة فيما تمد بيدها التي تحمل أحد كتبها الدراسية نحوي !



وليد علّمتنا المعلمة كيف نصنع صندوق الأماني هيا ساعدني لأصنع واحدا كبيرا يكفي لكل أمنياتي بسرعة !



إنني لم أستوعب شيئا فقد كانت هذه الفتاة في رأسي قبل ثوان و كانت تلعب مع سامر على ما أذكر !




نظرت إليها و ابتسمت و أنا في عجب من أمرها !



رويدك صغيرتي ! مهلا مهلا ! متى عدت من المدرسة ؟



أجابتني على عجل و هي تمد يدها و تمسك بيدي تريد مني النهوض :



عدت الآن ، أنظر وليد الطريقة في هذه الصفحة هيا اصنع لي صندوقا كبيرا !



تناولت الكتاب من يدها و ألقيت نظرة !



إنه درس يعلم الأطفال كيفية صنع مجسم أسطواني الشكل من الورق !



و صغيرتي هذه جاءتني مندفعة كالصاروخ تريد مني صنع واحد !



تأملتها و ابتسمت ! و بما إنني أعرفها جيدا فأنا متأكد من أنها سوف لن تهدأ حتى أنفذ أوامرها !



قلت :


حسنا سيدتي الصغيرة ! سأبحث بين أشيائي عن ورق قوي يصلح لهذا !



بعد نصف ساعة ، كان أمامنا أسطوانة جميلة مزينة بالطوابع الملصقة ، ذات فتحة


علوية تسمح للنقود المعدنية ، و النقود الورقية ، و الأماني الورقية كذلك بالدخول !



رغد طارت فرحا بهذا الإنجاز العظيم ! و أخذت العلبة الأسطوانية و جرت مسرعة نحو الباب !



إلى أين ؟؟



سألتها ، فأجابتني دون أن تتوقف أو تلتفت إلي :



سأريها سامر !



و انصرفت ...



اللحظات السعيدة التي قضيتها قبل قليل مع الطفلة و نحن نصنع العلبة ، و نلصق

الطوابع ، و نضحك بمرح قد انتهت ...



أي نوع من الجنون هذا الذي يجعلني أعتقد و أتصرف على أساس أن هذه الطفلة هي

شيء يخصني ؟؟

كم أنا !



انتظرت عودتها ، لكنها لم تعد ...



لابد أنها لهت مع سامر و نسيتني !



نسيت حتى أن تقول لي ( شكرا ) ! أو أن تغلق الباب !



غير مهم ! سأطرد هذا التفكير المزعج عن مخيلتي و أتفرغ لكتبي ... أو حتى ... لقضايا

البلد السياسة فهذا أكثر جدوى !


بعد ساعة ، عادت رغد ...


كان الصندوق لا يزال في يدها ، و في يدها الأخرى قلما .



اقتربت مني و قالت :



وليد ... أكتب كلمة ( صندوق الأماني ) على الصندوق !



تناولت الصندوق و القلم و كتبت الكلمة ، و أعدتهما إليها دون أي تعليق أو حتى

ابتسامة



هل انتهينا ؟


صرفت نظري عنها إلى الكتاب الماثل أمامي فوق المكتب ، منتظرا أن تنصرف



يجب أن تنتبه إلى أنها لم تشكرني !



وليد ...



رفعت بصري إليها ببطء ، كانت تبتسم ، و قد تورّد خداها قليلا !



لابد أنها أدركت أنها لم تشكرني !



قلت بنبرة جافة إلى حد ما :



ماذا الآن ؟



هل لا أعطيتني ورقة صغيرة ؟



يبدو أن فكرة شكري لا تخطر ببالها أصلا !




تناولت مفكرتي الصغيرة الموضوعة على المكتب ، و انتزعت منها ورقة بيضاء ،

و سلمتها إلى رغد


أخذتها الصغيرة و قالت بسرعة :



شكرا !



ثم ابتعدت ...


ظننتها ستخرج ألا أنها توجهت نحو سريري ، جلست فوقه ، و على المنضدة المجاورة

و ضعت ( الصندوق ) و الورقة ... و همّت بالكتابة !



أجبرت عيني ّ على العودة إلى الكتاب المهجور ... لكن تفكيري ظل مربوطا عند تلك

المنضدة !



وليد ...



مرة أخرى نادتني فأطلقت سراح نظري إليها ...



نعم ؟



سألتني :



كيف أكتب كلمة ( عندما ) ؟



نظرت من حولي باحثا عن ( اللوح ) الصغير الذي أعلم رغد كيفية كتابة الكلمات عليه ،

فوجدته موضوعا على أحد أرفف المكتبة ، فهممت بالنهوض لإحضاره ألا أن رغد قفزت

بسرعة و أحضرته إلي قبل أن أتحرك !


أخذته منها ، و كتبت بالقلم الخاص باللوح كلمة ( عندما ) .



تأملتها رغد ثم عادت إلى المنضدة ...




بعد ثوان ، رفعت رأسها إلي ...



وليد !



نعم صغيرتي ؟



كيف أكتب كلمة ( أكبُر ) ؟



كتبت الكلمة بخط كبير على اللوح ، و رفعته لتنظر إليه .




ثوان أخرى ثم عادت تسألني :



وليد !


ابتسمت ! فطريقتها في نطق اسمي و مناداتي بين لحظة و أخرى تدفع إي كان للابتسام !


ماذا أميرتي ؟



كيف أكتب كلمة ( سوف ) ؟؟



كتبت الكلمة و أريتها إياها ، صغيرتي كانت مؤخرا فقط قد بدأت بتعلم كتابة الكلمات


بحروف متشابكة ، و لا تعرف منها إلا القليل ...



بقيت أراقبها و أتأملها بسرور و عطف !



كم هي بريئة و بسيطة و عفوية !



يا لها من طفلة !


رفعت رأسها فوجدتني أنظر إليها فسألت مباشرة :



كيف أكتب كلمة ( أتزوج ) ؟



فجأة ، أفقت من نشوة التأمل البريء ...



هناك كلمة غريبة دخيلة وصلت إلى أذني ّ في غير مكانها !



حدقت في رغد باهتمام ، و اندهاش ...



هل قالت ( أتزوج ) ؟؟


أتزوج !


ألا تلاحظون أنها كلمة ( كبيرة ) بعض الشيء ! بل كبيرة جدا !



سألتها لأتأكد :



ماذا رغد ؟؟



قالت و بمنتهى البساطة :



أتزوج ! كيف أكتبها ؟؟



أنا مندهش و متفاجيء ...



و هي تنظر إلي منتظرة أن أكتب الكلمة على لوحها الصغير ...



أمسكت بالقلم بتردد و شرود ... و كتبت الكلمة ( الكبيرة ) ببطء ، ثم عرضتها عليها


فأخذت تكتبها حرفا حرفا ...



انتهت من الكتابة ، فوضعت اللوح على مكتبي ، في انتظار الكلمة التالية ...



انتظرت ...


و أنتظرت ...


لكنها لم تتكلم


لم تسألني عن أي شيء


رأيتها تطوي الورقة الصغيرة ، ثم تدخلها عبر الفتحة داخل صندوق الأماني !


( عندما أكبر سوف أتزوج .... ؟؟؟ )


الاسم الذي تلا كلمة أتزوج هو اسم تعرف رغد كيف تكتبه !


كأي اسم من أسماء أفراد عائلتنا أو صديقاتها ...



كـ وليد ، أو سامر ، أو أي رجل !


رغد الصغيرة !


ما الذي تفعلينه !؟؟


الآن ، هي قادمة نحوي ...


و الصندوق في يدها ...


وليد اكتب أمنيتك !


ماذا صغيرتي ؟؟


أكتب أمنيتك و ضعها بالداخل ، و حينما نكبر نفتح الصندوق و نقرأ أمنياتنا و نرى ما

تحقق منها ! هكذا هي اللعبة !


إنني قد افعل أشياء كثيرة قد تبدو ة ، أما عن وضعي لأمنيتي في صندوق ورقي

خاص بطفلتي هذه ، فهو أمر سأترك لكم انتم الحكم عليه !


نزعت ورقة من مفكرتي ، و كتبت إحدى أمنياتي !



فيما أنا اكتب ، كانت رغد تغمض عينيها لتؤكد لي أنها لا ترى أمنيتي !



أي أمنية تتوقعون أنني أدخلتها في صندوق الأماني الخاص بصغيرتي العزيزة ...؟؟


لن أخبركم !



بعد فراغي من الأمر ، طلبت مني رغد أن أحفظ الصندوق في أحد أرفف مكتبتي ، لأنها

تخشى أن تضيعه أو تكتشف دانة وجوده فيما لو ضل في غرفتها !



وليد لا تفتح الصندوق أبدا !

أعدك بذلك !



ابتسمت رغد ، ثم انطلقت نحو الباب مغادرة الغرفة و هي تقول :

سأخبر سامر بأنني انتهيت !


بعد مغادرتها ، تملكتني رغبة شديدة في معرفة ما الذي كتبته في ورقتها



كدت انقض وعدي و أفتح الصندوق من شدة الفضول ...



لكني نهرت نفسي بعنف ... لن أخيب ثقة الصغيرة بي أبدا


( عندما أكبر سوف أتزوج ... ؟؟ )



من يا رغد ؟؟



من ؟

من ؟؟