في اليوم التالي كنت مع هالة في المجلة...والمصادفة الأكبر أن الإعلان الذي سوف تصوره ماري يخص هذه المجلة...رأيت هالة في إجتماع المجلة منهمكة بشكل كبير بإعطاء رأيها وإثباته أنه على حق حتى لو بقيت عشر ساعات تجادل فيه...تحترم عملها بشكل كبير...تتابع أدق التفاصيل ....لاحظت ان هناك من يتابعها دائماً بنظراته....رجل كبير في السن قليلاً قالت لي بعد ذلك انه رئيس شؤون الموظفين...دائماً يحاول التقرب منها وهي أيضاً لا تصده بل تغتنم اصغر الفرص للذهاب الى مكتبه والحديث معه..وشكي أصبح يقين بعد أن رأيته يهديها وردة حمراء وهي تتقلبها بإبتسامة...
في المساء كنت مع ماري وهي تصور الأعلان..والجميع مهتم بها ويسأل عنها ويهتم لأمرها حتى جاك كان برفقتها ولم يتركها ولا ثانية...وهي كلمما اقترب منها أحد تغيرت لهجتها وأصبحت كسيدة مجتمع او فتاة من عالم هوليود...انهت عملتها وركبت في السيارة مع جاك صديقها الذي رأيتها معه في عرض الأزياء...
قررت في المساء أن اكتب تقريراً بحالة الأثنين..تقرير مفصل عن حياتهما..وتحليلي الشخصي لهما...
كنت قد تعبت للغاية من المراقبة التي أجريتها مع هالة وماري..وصدق المثل من راقب الناس مات هماً... وانا اكاد اموت تعباً وهماً ....كنت امشي في الطريق ولا أعرف كيف اصل الى البيت...للحظات شردت..شعرت أنني تهت في الطريق..نظرت حولي وأذ بي دخلت حياً غريبا ًلم اراه ابداُ..
بدأت امشي على غير هدى لا أعلم أين...ولا أجد احداً حتى لأسأله....وقفت أبحث عن هاتف لأتصل بهالة او مدام جوزيفين..وجدته معطلاً...وبدأ الخوف يظهر على وجهي...حتى وجدت رجلاً يقترب مني..وهو تقريباً في حالة سكر....حاول أن يتحدث معي..بدأت اركض وأركض...حتى دخلت في حي أخر قرأت اسمه(سان ريمون) ابتعدت بشكل كبير عن المكان الذي كنت فيه..بدأت تمطر بشدة...لم أعرف ماذا أفعل..طرقت على أحد الأبواب علي أجد من يدلني على المنطقة التي اسكن فيها كيف أصل لها....طرقت الباب فتحت لي رجل ..كلمته بالفرنسية سألته عن المنطقة التي اسكن فيها..
- ممكن اعرف اوصل ازي للمنطقة؟؟
- قال بهدوء شعرت أنه مصطنع: مش عارف بس مكن تدخلي تتصلي لو عاوزة...
(نظر الي نظرةً أخافتني بشدة..ونظر الى القلادة الذهب التي اضعها في رقبتي وكانت تحمل اسم الجلالة اهدته الي والدتي قبل سفري...)
- قلت برعب: لقة بس ممكن تديني هاتف محمول اتكلم منه من هنا...(اعطاني محموله)
ومن شدة المطر لم يكن بإمكاني الحديث خارجاً دخلت خطوتين الى الأمام...
شعرت بخوف كبير منه ولكن لم يكن امامي حل غيره..دخلت وبقي نظري على الباب الذي تركته ورائي مفتوحاً....امسكت سماعة الهاتف ..ونسيت كل الأرقام لم أتذكر سوى رقم سليم.....لا اعرف لماذا..... أعطاني اياه مرة وبقي محفوراً في ذهني...واتصلت به...
- الو مين...(وشعرت انني ايقظته من نومه)
- الو سليم انا ورد..
- وكأنه ذهل فقال: ورد في ايه؟؟
- قلت وكأنني اريد أن ابكي: انا تايهة يا سليم...انا في حي سان ريمون ومش عارفة ارجع انا جنب اوتيل اسمو كابيتال اسمو باين من بعيد...
- قال بسرعة: اعرفو اوك خليكي عندك جي ما تتحركيش......
أقفلت السماعة ولم أجد الرجل...ركضت ناحية الباب لأخرج.... اصطدمت بالرجل امام الباب ...كلمته بالفرنسية وقلت..
- شكراً...خلاص...
- قالبمكر: افضلي هنا شوية....
- لق شكراً
- الظاهر انك مش فرنسية...مغربية؟؟
- قلت وانا احاول الخروج: لق مصرية...(بدأ خوفي يذداد منه)
- انا قلت شكلك بيدل انك عربية..واللفة الي حاطتيها علراسك..زي جماعة بيسموهم الاسلام...
- قلت بغضب: الاسلام مش جماعة الاسلام دين..وانا مسلمة...
- ضحك وقال: يا بختك بالدين ده...ارهاب مش اكتر بس بنتاهم حلوين......
رمقته نظرة احتقار عجيبة وحاولت الابتعاد عنه ولكنه كان يقف امامي وانا احاول الذهاب..
- نظر الي قائلاً: انتي خايفة ليه عاوزة تخرجي مطر اوي برة...افضلي هنا مش انتو العرب كرما احنا برددو كرما.....
ولم اجده الا ويحاول أن يدفعني الى الداخل أكثر ..بدأت الصراخ..لم اجد نفسي الا وامسك بأي شيىء امامي وارميه به...واصرخ من خوفي..حاولت ان اصل الى الشارع وهو ما زال يلحق بي..زالمطر اعمى عيوني عن اي شيىء..لم اعد ارى امامي من شدته.......بدأت اصرخ لا احد يرد حتى وصلت الى جدار مقفل ..... طريق مسدودة....والشارع خال من كل المارة..لم أنظر ورائي من شدة الخوف....تأكدت ان مكروهاً بإنتظاري طالما هو لاحق بي....فجأة سمعت صوت احد يصرخ ويقع على الأرض...
.....نظرت خلفي رأيت سليم يمسك خشبة كبيرة ويطرقه بها بشدة...لكن الرجل عندما وقع على الأرض امسك قطعة حديد حادة بجانبه وضرب بها كتف سليم...
صرخت سليمممممممممم........................ووضعت يدي على فمي رعباً وخوفاً....
شعرت أن قدماي لا تتحركان من مكانهما..من شدة البرد والمطر الذي كان يسقط علي..رأيته يحمل يده وهي تنزف دماً ويقترب مني قائلاً وهو يتألم...
- ورد انتي بخير...
هززت رأسي بالإيجاب................. وركعت على الأرض ....اجتاحتني حالة رهيبة من البكاء...ولم أدري بنفسي الا والدنيا تدور بي ووقعت على الأرض وانا اسمع صدى صوت يقول:
- ورد ورد ورددددددددددددددددددددددددددددددددد
.............................................
فتحت عيناي لأجد نفسي في غرفتي والجميع بجانبي..كل افراد البيت حتى سمر....والعم كريم والجميع...
لم أفهم للحظات ماذا حصل واين انا...والجميع يقول: الحمدالله على سلامتك يا ورد...
هززت رأسي لهم..وشربت كوباً من الماء وجلست قليلاً على السرير....
العم كريم: الف سلامة عليكي يا بنيتي...بعد الشر..الحمدالله على سلامتك...
قلت ببرود وكأنني ما زلت تحت وقع الصدمة: هو ايه الي حصل؟(عطست)
- ماري: مش ذاكرة شي ياورد؟
- سرحت قليلاً وكأن كل ما حصل مر أمامي كفيلم سينمائي قصير....ووضعت يدي على رأسي وقلت فوراً: اهههههههههه-...يا دماغي...افتكرت......
- سمر: الحمدالله على سلامتك يا ورد(ابتسمت لي)
- بتسمت لها وقلت: الله يسلمك يا سمر...
- العم كريم: احكيلنا ايش حصل معاكي يا ورد...
سردت لهم ما حصل....والجميع يسمعني كأني أروي لهم فيلماً مشوقاً...
-العم كريم: المهم انك بخير يا ورد....
- نجلاء: معليش يا ورد تعيشي وتاكلي غيرها...الحياة بفرنسا فيها برشا حاجات صعيبة على الواحد لازم نتحمل...
- نظرت اليهم قليلاً وقلت وكأنني اكتشفت أمراً ما: هو سليم فين.....؟؟؟؟؟؟؟؟؟
.................................................. ............................
ذهبت الى المستشفى مع العم كريم حيث يرقد سليم...وأخذت معي باقة من الورد الأبيض الذي أحبه كثيراً...وتوجهت الى غرفته....ما إن رأني حتى ابتسم وكان يريد أن ينزل من السرير ولكن تذكر يده المعلقة فوقه فتراجع...
- حمدالله على سلامتك يا سليم(وضعت الورد الى جانبه)
- الله يسلمك يا رب..ازيك انتي بخير...
- الحمدالله نزلة برد وعديت.... الدكاترة قالولك ايه..
- طمنوني...زي القطة بسبع اراواح..يومين واخف...
- ابتمست وقلت: حمدالله على السلامة..
- العم كريم: انت بطل والله يا سليم كبرت بعيني بزاف...
- قلت شاكرة: لولا سليم مش عارفة كان حصلي ايه انا مدينوتلو بحياتي
- لق يا ورد ما تقوليش كده.....انا مستعد اعمل اي حاجة.....المصريين بيحنو على بعض.....
- قلت بحزم مع ابتسامة: والأخوة لازم يكونو اساساً كده..
كأنني قلت كلاماً لم يعجبه فأدار وجهه وتمتم بكلام غير مفهوم...
- العم كريم: يلا يا سليم لازم اغادر افتح المحل ...
- لق يا خالي الله يسلمك
- قلت مستعدة للذهاب: انا كمان لازم اكون في الجامعة بعد شوية..حبقى اطمن عليك.....
- قال مبتسماً: شكراً علورد يا ورد..لو جيتي من دونو الحال واحد يا ورد...
شعرت بحرج..وودعته وذهبت....
في الجامعة جلست في المكتبة أكتب التقرير الخاص بهالة وبماري وبالحادثة التي حصلت معي والتي رغم حدتها ولكنها أعطتتني معلومات قيمة عن نظرة الغرب للعرب وللمسلمات تحديداً...
يا لها من نظرة قاتمة...يعتقدون أننا ارهابيين..وانا حتى الأن لم تغب كلمات الرجل الذي اعترضني عن ذهني..وهو يقول(انتو ارهابيين... انتوجماعة ...)وكأنه لا يعتبر المسلمين الذي يشكلون نسبة كبيرة من العالم أجمع الا جماعة ارهابية متطرفة معقدة جاءت لتفسد الحياة وليس لتعمرها وتصلحها...يا له من متخلف حاقد..مصيبة لو كان هذا الرأي هو رأي الغرب فينا...هذا لوحده يحتاج مني أن أنظم بحثاً اخر..ولكن يبقى سؤال يدور في ذهني..من الذي أعطى هذه الصورة عن المسلمين والأسلام؟نحن؟؟؟؟؟؟؟؟ ام هم من ابتكروها؟
هالة هذه الفتاة السورية التي تركت بلدها وضحت بخطيبها من اجل الدراسة واثبات الذات تعيش حالة من الأستقرار النفسي ولكن في داخلها صراع كبير بين ما عاشته في بلدها وبين ما تعيشه في فرنسا ...فهي تحاول ان تثبت ذاتها بأي طريقة كانت..حتى لو كانت على خطأ وترفض الأنصياع لرأي أحد....وترى أنها دائماً على حق...وتشعر بلذة الأنتصار في كل مرة تكون على حق في أمر ما..وكأنها في سوريا وفي منزل عائلتها عاشت مكبونة لدرجة لم يؤخذ رأيها ولا مرة في حياتها على محمل الجد....ردة الفعل الكبيرة هذه من المؤكد انها تعود الى جذور هالة التي كانت تسقى بالقمع والتجاهل وبأن الفتاة فقط للزواج ....ولكن أين سيذهب بك الحال يا هالة..هل اثبات الذات يعني أن نتخلى عن جذورنا وأصلنا ونحب رجلاً يكبرنا بعشرين عاماً....هل الثقة بالنفس تعني أن نضيع حياتنا ؟؟ لا أعلم الجواب سأكتشفه لاحقاً...
ماري..فتاة متحررة لدرجة كبيرة...وانا متأكدة أن هذا التحرر لم يأت من فراغ...فهي تربت في عائلة متحررة ايضاً..وسمحوا لها بالسفر للدراسة ولكن هي أغتنمت فرصة السفر ووجهته لمصلحة ما تتمناه...ولكن لو كانت تربت بشكل جيد في عائلتها من المستحيل أن تنكر القيم والعادات والتقاليد التي تشربتها في الصغر ولكن ما رأيته يدل على أنها تربت في عائلة إما متحررة للغاية أو مفككة للغاية لا يسأل أحد فيها عن أحد او تعتبر أن عرض الأزياء أمر طبيعي...حتى أنها لا تفكر بالزواج..وتعتبر علاقتها مع أي رجل علاقة عادية....هذه هي الحرية بنظرها...هذا هو الكون بنظرها...هذه هي الحياة الجميلة بنظرها..الثراء, الشهرة, الدخول الى عالم الأضواء....والباقي كله لا يهم......مع الوقت سأعلم ان كان الباقي لا يهم في حياتك يا ماري أم لا....
يتبع................................