بات من فضول الكلام الإلحاح على القول بأهمية النساء فتلك حقيقة لا مراء فيها ؛ إذ هى المجتمع كله تمثل النصف وتلد النصف الآخر ،وصدق حافظ إبراهيم إذ يقول:
من لى بتربية النساء فإنها فى الشرق علة ذلك الإخفاق
الأم مدرسة إذا أ عددتها أعددت شعباً طب ا لأعراق الأم روض إن تعهده الحيا بالرى أورق أيما إيراق
فطن الأعداء إلى ذلك فجاؤا بحدهم وحدديدهم ووجدوا الميدان - للاسف- خالياً بعد أن فر منه الكماة وتفرق الرماة.
وأعان العدو على ذلك قوم من بنى جلدتنا يتحدثون بألسنتنا ،تخذوا الغرب إمامهم فسارعوا فى إحراق البخور بين يديه مسبحين بحمده بكرة وعشياً لا يفترون ؛ يعلون قيمه العفنة ويردون مياهه الآسنة يبيعونها كاسدة فى قوارير براقة فىسوق الزيف والدجل .
ردة حضارية هى أشبه بالمجون أو الجنون ، وللاسف يبقى أولئك المأفونون على دست التوجيه ودفة الاعلام يُزجون الركب وينوبون مكان القبطان
وراعى الشاة يحمى الذئب عنها فكيف إذا الرعاة لها ذئاب
من ضمن الأقوال المعلبة المستوردة من الغرب القول ببدعية النقاب وعدم شرعيته وكنت شاركت بموضوع يعتبر هذا امتداداً له،بددت فيه -بحمد الله- أبا طليهم وكشفت عوارهم وزيفهم.
بينت فى المقال السابق أن القول بوجوب تغطية الوجه والكفين قول الجمهور من الفقهاء القدامى فقهاء المذاهب الاربعة، واليوم أنا -بإذن الله عزو وجل-شارع فى تبيين أقوال العلماءالمحدثين.
بادئ ذى بدء لابد من الإشارة إلى أننا نقصد بالعلماء المحدثين أولئك العلماء الربانيون المشهود لهم بحسن السيرة ونقاء السريرة ممن ارتضوا مذهب الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة مذهباً، وبالطبع نستبعد من حساباتنا أولئك المتنطعين المحسوبين فى زمرة أهل العلم ممن ران على قلوبهم حب الحياة الدنياوراق لهم التعلق برياشهاالزائل وظلها الحائل ممن تغص بهم الفضائيات والأرضون اصحاب الفتاوى المقيفة المكيفة ،ممن لاخلاق لهم إذ باعو دينهم بعرض من الدنيا قليل.
كم عالم مد ا لعلوم حبائلا لقطيعة ووقيعة وطلاق
وفقيه قوم قد أحلّ لفقهه ما لا تُحل شريعة الخلاق
يدعونه عند الشقاق وما دروا أن الذى يدعون خدن شقاق
يمشى وقد نصبت عليه عمامة كالبرج لكن فوق تلّ نفاق
لقد أجمع العلماء الذين يعتد بهم فى العصر الحديث على القول بوجوب تغطية الوجه والكفين ولم يخرق هذا الإجماع إلا ثلاثة :الشيخ الغزالى المصرى-رحمه الله- ،والشيخ القرضاوى-حفظه الله- ،والشيخ الألبانى -رحمه الله - والله يشهد أننى قرأت أقوالهم بهدف التعرف على وجهة نظرهم والأدلة التى اتكأ عليها كل منهم .
أما الشيخ الغزالى- رحمه الله- فقد أطلق كلاماً مرسلا يفتقر إلى الدليل ؛ إذ لم يذكر الشيخ فى إبّان تناوله الموضوع -على أهميته- أية دليل شرعى اللهم إلا سيلا من السباب والشتائم صبه على رؤس المنتقبات وأزواجهم وأنصارهم من إتهام بالرجعية والتخلف وضيق العطن وضحالة الألباب، فى لهجة هى الأبعد عن الحيدة والتحقيق العلمى الأمين (راجع كتابه قضايا المراة)
وأما الشيخ القرضاوى -حفظه الله- ففى معرض سؤال وجهته له إحدى المستفتيات ممن لاترى داع للنقاب -سارع فضيلته -وبدون أى أدلة - بزفاف البشرى إلى غير المنتقبات بأنهن سائرات على الدرب وما عليهن من ضير فى ارتداء أى لون من ألوان الحجاب على اختلاف أطيافيها وألوانها وأحجامها؛ فالدين يسر!! وبدأ فضيلته الاستدلال على تلك البشرى فاستدل بأدلة ضعيفة تأتى - فيما بعد -مناقشتها وبسطُ القول حولها ،وكل أقوال العلماء التى نقلها فهى من باب حجاب الصلاة لا حجاب النظر، وقد سلف الفرق بينهما ،وعزف الشيخ على وتر الأدلة العقلية -كعادته- وفيها نظر؛ إذ لا اجتهاد مع نص وستأتيك النصوص شافية الغليل بإذن الله.( راجع كتابه الحلال والحرام)
وأما الشيخ الألبانى -رحمه الله- فهو أقوى المجموعة إذ ظلّ -رحمه الله - يصول ويجول طيلة مائتى وست عشرة صفحة هى عمر كتابه جلباب المرأة المسلمة متنقلا بين الاخبار والآثار مرفوعها وموقوفها ومقطوعها فى بسالة علمية عزّ مثلها فى هذا الزمان .
ولكن ٍٍيأبى الله -عزوجلّ العصمة إلا لكتابه ورسوله وإجماع المؤمنين فزل هذا الطود العظيم -سنة كتبها الله على الآدميين-
والأدلة التى استدل بها الشيخ -رحمه الله-لا تخرج عن ثلاثة أنواع: إما وقائع أحوال لا تستوجب العموم ،وإما محتملة للتوجيه بأنها كانت قبل الأمر بالحجاب (النقاب) ،وإما أنها من باب الصلاة لا من باب النظر ، وإما أن المرأة المتلبسة بها من القواعد (العجائز)الخارجات عن محل النزاع .
والحق -والحق أقول- أن الشيخ -رحمه الله -بذل مشكور الجهد فى هذا الكتاب وهذا غيرجديد على الشيخ العظيم ؛إذ وضع شروطا ثمانية للحجاب الشرعى كانت منثورة أو مبتورة فى دواوين العلماء فكانه أول من ضبطها كما حلى الكتاب السلف بمجموعة من الآثار تضع نصب عين طالب العلم مهيع الحق وطريق سلف المؤمنين .
وأعلن فضيلته -بدون مواربة- أن النقاب أفضل وأستر؛إذ فيه اقتداء بأزواج النبى - صلى الله عليه وسلم- أمهات المؤمنين .
رحم الله الشيخ وأجزل له المثوبة جزاء ما قدم للإسلام والمسلمين.
ولا تظنن أن الآخذين برأى الشيخ فى تلك القضية كلهم سائرون على منهجه يقلدون أقواله ، وإنما فيهم أصحاب أهواء يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض ،وفى الله خلف وهو المستعان .
يتبع إن شاء الله رب العالمين