الحــــلقة الثـــــــــــامنة
ـــــــــ*×*ـــ((1))ـــ*×*ـــــــــ
مرت الأيام التي تلت زيارة حسام لبيتنا بصفة عادية جدا في بيتنا... أبي لم يفتح الموضوع معي إطلاقا، و أنا حاولت قدر الإمكان أن أكون تلقائية و أن لا يبدو علي أدنى تأثر من موقفه تجاه الارتباط...
لكنني لاحظت أن أبي صار يطيل النظر إلي كثيرا، و يسرح أثناء الطعام و هو يتابع حركاتي... كأنه يقول في سره : ابنتي كبرت و أنا لا أدري!
أكيد أنه صار ينظر إلي بشكل مختلف... لأنه اكتشف أن هناك من ينظر إلي بطريقة مختلفة... و أنني من الممكن أن أكون مرام أخرى غير مرام الابنة المطيعة، الطالبة المجتهدة و الأخت الكبرى... اكتشف أنني قد يكون لي أدوار أخرى في الحياة غير الذهاب إلى الجامعة، و قراءة الكتب و مشاغبة ماهر و التسوق مع أمي... و طبعا ممارسة الطب في المستقبل...
و بالطبع كان يتساءل عن طبيعة علاقتي بحسام و عن مقدار تعلقي به...
فهو كان يعلم أن حسام جاء إلى منزلنا برضا مني، لكنه كان محتارا لأنني لم أبد أية ردة فعل أمام موقفه الغامض...
و لكنني كنت حزينة في داخلي... هل أنا مخطوبة أم لا؟؟؟
هل يمكن لحسام أن يتصل بي على الهاتف أم لا؟؟؟
هل يمكنه زيارتنا في المنزل؟ هل أستطيع محادثته في الجامعة؟
إنه شيء محير فعلا...
رغم أنه قد مضى على تعارفنا بضعة أشهر إلا أننا لم نتحدث مباشرة إلا مرات معدودات لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة... و كل لقاء لا يتعدى بضع جمل مبتورة، و كلمات مبعثرة... لكنها راسخة في ذاكرتي... تدغدغ قلبي في رقة...
لم أره منذ لمحته خلسة من وراء النافذة المواربة... و كنت أهفو إلى سماع أخباره.
لكنه لم يعد يأتي إلى الكلية... حتى دالية لا أراها كثيرا، لأننا ندرس في أقسام مختلفة... فلم أعد على اتصال بعالمه...
كنت أغادر قاعة المحاضرات حين اقتربت مني سهير مبتسمة و ربتت على كتفي قائلة :
ـ كيف حالك يا عروسة؟ و ما أحوال العريس؟!
تضرج وجهي في حرج... عروسة؟؟ عريس؟؟ يا ليتنا كنا مخطوبين فقط!!
ضحكت و أنا أقول :
ـ بعد عمر طويل إن شاء الله!
نظرت إلي في دهشة و هي تقول :
ـ ما بك يا مرام؟ لماذا هذا الكلام؟
ثم عدلت نظاراتها على أنفها و هي تقول في خبث :
ـ لا تقولي أنك مستعجلة على الزواج؟!!!!
لوحت بكفي نافية و هتفت :
ـ و لم العجلة؟ أمامنا الوقت الكافي...
أمسكت بذراعي و هي تقول في فضول ممزوج بلهفة :
ـ هااا... حدثيني... كيف تسير علاقتكما؟
تنهدت و هززت كتفي و قلت :
ـ لا شيء يذكر... لم أره منذ جاء إلى بيتنا الأسبوع الماضي...
ـ أسبوع كامل و لم تتصلا؟!! لا لا لا... حسام مقصر ناحيتك! لم لا يتصل بك على الهاتف إن كان لا يمكنه المجيء إلى الجامعة أو زيارتك في منزلكم؟؟
ـ يتصل بي على الهاتف؟! و لكن يا سهير... نحن لسنا مخطوبين بعد!!
سارعت تقول في إلحاح :
ـ و لكن والديك على علم بعلاقتكما... و أبوك معجب به أيضا... يعني ليس هنالك اعتراض على علاقتكما في حد ذاتها... المسألة برمتها مسألة وقت حتى يتخرج حسام...
سكتت و قد اتضح التردد على وجهي فاستطردت :
ـ اطلبي منه أن يتصل على رقم البيت... هكذا الرقابة موجودة... ما رأيك؟
ـ لكنه لم يقترح علي الأمر... فهل من المعقول أن أكون أنا المبادرة؟؟
ـ أراهن على أنه راغب في الأمر أكثر منك... فهو أيضا يريد أن يتعرف عليك أكثر... لكن الأكيد أنه يخشى إحراجك و يتوقع أن لا توافقي... لذا لم يبادر بالاقتراح، لكن أنت بإمكانك أن تسهلي عليه الأمر...
أجبت متفكرة :
ـ سأنظر في الأمر...
عدت إلى المنزل و الفكرة تلح على ذهني... نعم، لم لا يتصل بي على رقم المنزل؟ لن أكون بمفردي في المنزل... فلا يمكن أن تكون خلوة... كما أن أبي و أمي يعرفان أخلاقه و تدينه... فلا يمكن أن نتجاوز الحدود الشرعية في حديثنا...
كما أنها الطريقة الوحيدة لنتعرف على بعضنا أكثر... فهل سنقطع اتصالنا ببعضنا البعض طيلة السنوات المقبلة، حتى نتمكن من الزواج؟؟ غير معقول! حتى أننا قد ننسى بعضنا البعض بطول المدة...
سارعت باستشارة أمي فوافقت على اتصاله شريطة أن لا نطيل الحديث... كما أنها ستكون في الغرفة المجاورة...
قفزت من الفرحة و سارعت أتصل بدالية :
ـ أين أنت يا فتاة، لم أرك منذ فترة كأننا لسنا في نفس الكلية!!
أجبت ضاحكة :
ـ ممرات الكلية طوييييلة كالسراديب... نتوه فيها بسهولة!
صمتت قليلا فبادرت دالية مداعبة :
ـ أكيد أن مكالمتك ليست لي!! بل تريدين أن تسألي أن أحوال الدكتور!!
قلت متصنعة الغضب :
ـ يعني كأنه هو يهتم بشأني أو يسأل عني كي أسأل عنه!!
ـ اعذريه يا مرام... فهو متعب جدا في التمرين و أمامه امتحانات كثيرة... لكنني أؤكد لك أنك لا تغيبين عن باله لحظة واحدة... فجل الحديث بيننا يدور حولك...
ابتسمت في سعادة و قلت مدارية سروري :
ـ و لكن أخباري لا تصله حتى... و لا يعلم إن كنت مت أو لازلت بين الأحياء!!
ضحكت دالية و قالت :
ـ حاااضر... سأبلغه غضبك منه و غيظك من لامبالاته! و لكن ماذا يمكنه أن يفعل أمام موقف والدك؟؟
ترددت قليلا قبل أن أقول في صوت خافت :
ـ يمكنه أن يتصل بي على رقم المنزل إن شاء... استشرت أمي و هي موافقة...
ـ حسن... سأبلغه ذلك يا حبيبتي...
انتظرت على الجمر مكالمة دالية الموالية، و ما إن رن الهاتف حتى ركضت لأجيب :
ـ يقول أنه سيتصل بك على الساعة السابعة من مساء الغد... هل الوقت مناسب لك؟
ـ نعم... لا بأس...
وضعت السماعة و قد أخذ قلبي يدق في شدة...