عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 01-08-2009, 07:05 PM
المفكرة المفكرة غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 1,413
معدل تقييم المستوى: 18
المفكرة is on a distinguished road
افتراضي

ترأس كل مدرسة فصلاً تجهز له الشهادات و تحل مشاكله قدر الإستطاعة و قد وقع هذا الفصل في قسمتي ،و قد أعلنتها أنني سأتدخل لحل المشاكل قدر الإمكان ، معظم الوقت يعقدون الأمور بحل مشاكلهم بألسنتهم و أيديهم .
جاءني الصغير شاكياً : تلفت كرته عرضاً أثناء اللعب ، و حكم الكابتن بينهم فأخبرهم أن يعوضوه ، أمر يرفضونه ، كما يرفض والده شراء غيرها حتى تتحسن درجاته ، و الكرة و الصبيان حكاية أخرى ، مادة أحاديثهم ، محور انتصاراتهم ، أمل و حلم في المجد و الشهرة ، يلوح طيفه في الأفق ، يحوم حيناً ، حياتهم بدونها ينقصها الكثير.
فعل كثير من الآباء ، يستثمر في ابنه بالتعليم ثم لا يجد لإستثماره عائداً ، يضغط الأب كي يشكّـل ، لتتحسن الدرجات ، ضغط يحدث خللاً ، طاقة زائدة في هذه السن لا يدري الفتى ما يفعل بها سوى ركل الكرة ، يمنعهم آباؤهم عن الرياضة فيصبون الوقود فوق ألسنة اللهب فتزداد اشتعالاً ،ينصرف الأولاد عن اللعب حيث لا كرة إلى الحديث مع الفتيات ، يجد من تصغي له فيسكن لهذا الحل المعطوب ,
أربعون جنيهاً وجدتها في جيبي ، مؤكد كان لها حاجة ، لكنني استثمرتها في كرة جديدة تبقى بينهم أيام الأسبوع و آخذها في نهاية الأسبوع ، ألعب بها مع الأولاد في البيت ، راهنت على جيل يشق طريقه لا يجد من يعتني به ، ففعلت إلى حين .
تعاودني تلك الهواجس ، تقول ليس إليك بل واجب الآباء نحو أبنائهم ، بل واجب المدرسة تجاه التلاميذ ، بل واجب المجتمع تجاههم ، لا أتوانى ، تقدمت حيث تأخر غيري .
كان يغسلها بالشامبو في أول صحبتها له ، عناية لها كلما اتسخت حتى اقنعته أن الطين بعض جلدها ، فليجر ِعليها القدر بما هو حقها .
كانت لها حكايات امتدت زمناً ، قصصاً كتبها قلمي عن فريق التحدي ، عن البطل ذي الإلتزام العميق و توأمه الموهوب و الكابتن ذي التسريحة الأفضل ، و ذاك ذي القدم الذهبية و الركلة التي شقت الشبكة ، و قريبتها الصاروخية المميتة ، و غيرها من التعابير التي غابت من ذاكرتي كما غاب كل ما يتعلق بكرة القدم من ذهني ، إذ غاب عن عالمي الرجال .
ثم جاءت تلك اللحظة التي يحسب العقل فيها و يتوقف فيحاسب :
يقول احسبي معي كم من المشاكل نرى يومياً : الأولاد لا يكادون ينضبطون في الفصول ، حضوراً و درساً و قولاً و فعلاً وصلاة و أدباً ، و هذا ضغطك تشكلين به المكان على نحو ما بينما هو بكل من فيه يتحرك في اتجاه معاكس ، حتى متى تقبضين على الجمر ؟!
الحساب ، إنصاتي له يسكت كل صوت ، لقوله جاذبية تطغى . أخطط تدريجياً للإنسحاب .
المستديرة ذات البريق التي ناولتنا بهجة أشهراً عديدة ، صارت توقعنا في مشاكل مع الكابتن ، يغضب عليهم لأقل سبب و لغير ما سبب و لأسباب وجيهة فيعتقلها عنده ، احررها من سجنها لأجدها عنده بعد عدة أيام .... أنا لا أهوى المشاكل بالذات مع من هو أشد مني قوة .
احكم بيننا يا قدر ، اقبل حكمك راضية .. يسرع الزمن يطلبنا حثيثاً ، يعيبها فتفقد جاذبيتها، لم تعد تروي حكاية و لا تملأ عيناً بهجة ، تركتها بجوار صندوق القمامة ، لم أجدها في اليوم التالي ، تبدأ حكاية جديدة، تسعد أولاد أخر يقنعون بما هو أقل .