عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 14-08-2009, 01:04 AM
الصورة الرمزية ساره الالفي
ساره الالفي ساره الالفي غير متواجد حالياً
عضو ممتاز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
العمر: 34
المشاركات: 253
معدل تقييم المستوى: 18
ساره الالفي is on a distinguished road
افتراضي


ـــــــــ*×*ـــ((2))ـــ*×*ـــــــــ


جلست إلى طاولة غير بعيدة عن المدخل، حتى تسهل رؤيتي للداخل إلى المكتبة، ثم أخرجت كتبي و كراساتي و وضعتها أمامي، مبعثرة على الطاولة، و أكببت عليها كأية طالبة مجتهدة منسجمة مع مراجعتها غير عابئة بما يدور حولها... غير أنني كنت أرفع رأسي بين الفينة و الأخرى لألقي نظرة على المدخل كلما سمعت صرير الباب و هو يفتح...

كانت راوية تجلس إلى جانبي و هي تكتم ضحكتها بصعوبة :
ـ من يراك لا يمكن أن يشك بأنك على موعد!

حدجتها بنظرة تنمّ عن التحدي و تفصح عن الغضب الذي يعتمل في صدري :
ـ و من قال بأنني أهتم لموعده؟! أنا هنا مثل العادة، أراجع دروسي...

أطلقت راوية ضحكة قصيرة و هي تقول :
ـ إذن توقفي عن مراقبة الباب! فإن عيونك تفضحك...

أشحت بوجهي في عصبية و هتفت :
ـ هل تتصورين يا راوية... يفكر و يقرر و لا يهتم حتى برأيي! كأنني طرف ثانوي في حياته... ثم يطلب موعدا لتوديعي!! ما الداعي يا ترى؟ ألم يكن من الأفضل أن يرسل إلي بطاقة معايدة من كندا بعد بضعة شهور؟!

قالت راوية مهدئة :
ـ أنت تعلمين أن كل شيء حصل بسرعة و دون سابق تخطيط... فهو اضطر إلى السفر حتى يكون إلى جانب أخته...

ـ نعم، ذكرتني... و قصة دالية أيضا... ألم بإمكانه أن يتخذ موقفا ليمنعها من الارتباط بذاك الشخص الذي في سن والدها؟

ـ يا مرام، يا حبيبتي... إن كانت دالية موافقة و والداها موافقان، فهل سيعني رفضه شيئا؟!!!

تنهدت في حسرة و ألم ثم هتفت في مرارة :
ـ و لكن ذلك لا يمنع أنني مغتاظة منه... جدا!!!

لم تعلق راوية على كلماتي... بل أنها لم تملك الوقت لتعلق، لأنه في تلك اللحظة تناهى إلى مسامعنا صوت مألوف ألقى علينا السلام :
ـ السلام عليكم و رحمة الله...

رفعت رأسي مذعورة لأجده أمامي مباشرة... يا إلهي، لقد غفلت عن مراقبة الباب و انهمكت في الحديث مع راوية!
منذ متى و هو هنا يا ترى؟ هل سمع ما قلته؟ على أية حال لا يهم، بل من الأفضل أن يعلم موقفي منه...

اكتسى وجهي بعض الحمرة و أنا أرد بصوت لا يكاد يسمع :
ـ و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته...

جذب حسام الكرسي المقابل و جلس إلى الطاولة في هدوء و على شفتيه تلك الابتسامة الأزلية التي لا تكاد تفارقهما...

كم اشتقت إليه، و كم اشتقت إلى حديثه، إلى صوته و ضحكته... لكنني كنت مغتاظة، تتصارع في داخلي رغبتي في الابتسام و السؤال عن حاله بعد غياب دام بضعة شهور، و حاجتي إلى التنفيس عن غضبي و معاقبته على تجاهله لي...

ـ كيف حالك يا مرام... و كيف أحوال الدراسة؟

انتصرت الابتسامة على التكشيرة فرفعت رأسي لأقول في استسلام :
ـ الحمد لله... كل شيء على ما يرام...

ثم التفت إلى راوية و قال :
ـ راوية، قولي الحقيقة... هل تأكل جيدا، و تهتم بصحتها؟

ابتسمت راوية و قالت :
ـ كما ترى... وجهها شاحب يحاكي شحوب الأموات... لكنني لست واثقة إن كان في الأمر مرض ما... أم أنها عوامل نفسية... الامتحانات و ما شابهها...

و ما إن أنهت عبارتها تلك حتى وقفت و هي تقول :
ـ أحتاج بعض الكتب... سأعود بعد قليل...

ثم ابتعدت و اختفت بين الرفوف...

خيم علينا الصمت للحظات قبل أن يبادر حسام :
ـ أعلم أنك مستاءة مني... لأنني لم أسأل عنك منذ فترة... و لكن أتذكرين ما اتفقنا عليه... أن نجاهد أنفسنا... و قد حدثتني نفسي كثيرا بالقدوم إلى الكلية، و رؤيتك حتى من بعيد... و لكنني أعلم أنني إن أذعنت لرغباتي مرة فلن أقدر على مقاومتها مرات، لذلك آثرت أن نضل بعيدين عن بعضنا البعض... حتى أنتهي من الدراسة النظرية. لم يتبق الكثير... بضعة شهور فقط... ثم...

رفعت رأسي و قاطعته قائلة :
ـ ثم تسافر إلى كندا!!!

زمّ شفتيه و تنهد قائلا :
ـ كنت أعلم أن هذا ما يزعجك...

عقدت ذراعي أمام صدري و قلت دون أن أنظر إليه :
ـ ماذا كنت تتوقع مني؟ أن أهنئك على قرارك السليم الذي جاء في الوقت المناسب؟ كنت أنتظر نهاية السنة بفارغ الصبر حتى يوافق والدي على إعلان الخطبة رسميا... لكن الآن...

نظر إلي في قلق و لهفة :
ـ الآن ماذا يا مرام؟ هل ستغيرين رأيك؟

اغرورقت عيناي بدميعات منعتها من التدحرج على خدي و أشحت بوجهي حتى لا يتفطن إليها و أنا أهمهم :
ـ سفرك إلى كندا لم يكن في الحسبان و أنت حتى لم تسألني عن رأيي! ثم ما مصير علاقتنا برأيك بعد سفرك؟ و كم سيدوم هذا السفر؟

بدا عليه الارتباك و هو يقول في توسل :
ـ أعلم أنني وعدتك بأن نتزوج في أقرب فرصة ممكنة... و لن أخلف بوعدي... إلا أن بعض الظروف تغيرت... إن سافرت إلى كندا فإنني سأتم هنالك الدراسة التطبيقية و التخصص... يعني خمس أو ست سنوات... و بالطبع يمكننا أن نتزوج في الأثناء و تسافرين معي...

رفعت رأسي وقلت في حدة :
ـ و من قال لك بأنني أرغب في العيش في كندا؟ حين عرفتك ووافقت عليك لم يكن هذا مشروعك... ألا ترى أنه من حقي أن أغير رأيي بعد أن تغيرت المعطيات؟

اكتسى وجهه مسحة من الوجوم، ولبث ساكتا للحظات، ثم قال و قد تغيرت نبرة صوته لتصبح أكثر عمقا... و حزنا :
ـ مرام، أنت تعلمين أنني أفعل ذلك من أجل أختي... دالية... و مسألة السفر لم تكن لتخطر على بالي في يوم من الأيام... و لو كان أمامي أي حل آخر لما ترددت... لكن للضرورة أحكام... صحيح، لست أنت المسؤولة عما يحدث مع دالية، بل أمي و أبي و دالية نفسها... لكن ألا ينبغي أن يكون أحدنا عاقلا ويفعل شيئا ما لحمايتها؟ كنت أنتظر منك قدرا أكبر من التفهم...

اختفت الحدة من صوتي و أنا أقول في لين أكبر :
ـ و لكنك فاجأتني يا حسام! وضعتي في موقف لا أحسد عليه! أليس من المفروض أن نخطط لحياتنا معا... نفكر معا و نقرر معا... ثم حتى إن وافقت أنا، فمن قال بأن أبي سيوافق؟ إن ما يلاحظه من تغييرات في حياة أبناء عمتي سيجعله يقلق علي، و أكيد لن يعجبه الوضع!

عادت الابتسامة لتزين وجهه الوسيم و هو يقول :
ـ من أجل ذلك طلبت موعدا معه... حتى أوضح له خططي المستقبلية و أشرح له التغييرات التي طرأت... المهم أن تكوني أنت موافقة...

ترددت للحظات قبل أن أقول :
ـ و إن لم أوافق... كيف ستتصرف؟

ألقيت بسؤالي كالمقاتل الذي يلقي قنبلته في ساحة المعركة ثم ينبطح وراء كثبان الرمال... لكنني لم أجد كثبانا قريبة أختفي خلفها فنظرت إليه مترقبة ردة فعله...

لكنه أجاب في هدوء حزين :
ـ مرام... أنت أعقل من تضعيني في خيار بينك و بين أختي...

أطرقت في خجل... فتابع :
ـ لكن... إن عارض والدك، فعليك مساعدتي لإيجاد حل مناسب...

وقف من مجلسه و هو يهمس :
ـ مرام... أنا آسف حقا لأنني وضعتك في موقف كهذا... لم أرد أن يكون لقاؤنا بعد شهور طويلة من الفراق كئيبا هكذا... لكنني في حاجة إلى مساندتك حقا... اعتبريها إحدى التضحيات الكثيرة التي ستقابلنا في مشوارنا معا...

كنت لا أزال مطرقة و في عيني ألم و خوف و قلق... فقال و هو يهم بالانصراف :
ـ فكري جيدا... و أنا في انتظار ردك... السلام عليكم و رحمة الله...

رفعت رأسي و هممت بأن أقول شيئا ما، لكنه كان قد ابتعد في خطوات واسعة سريعة... فظلت عيناي معلقتين بطيفه الذي توارى خلف الباب و تمتمت شفتاي بصوت مهموس كان من المستحيل إلى أن يصل إلى مسامعه :
ـ وعليكم السلام و رحمة الله و بركاته...

هزت راوية كتفي في رفق و هي تهتف :
ـ مرام، ما بك؟ هل انصرف حسام؟

ثم التقطت شيئا كان موضوعا على الطاولة أمامي :
ـ و ما هذا؟ هدية؟

انتبهت ونظرت إلى المغلف الظريف الذي كان بين يديها، ثم اختطفته من بين يديها و قلبته في حرص... لقد أحضر لي هدية! إنها المرة الأولى التي تصلني فيها هدية منه! كنت لا أزال أمسك بالمغلف دون أن أفتحه، فهتفت راوية :
ـ هيا... هيا... افتحيها و دعينا نرى!

هززت كتفي في عناد و أخفيت العلبة في حقيبتي و أخذت أجمع أدواتي في عجلة... ثم التفتت إلى راوية و في عيني نظرة غريبة :
ـ راوية... يجب أن نقنع دالية برفض العريس!


__________________

آخر تعديل بواسطة ساره الالفي ، 14-08-2009 الساعة 01:19 AM