عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 14-08-2009, 09:36 PM
الصورة الرمزية ساره الالفي
ساره الالفي ساره الالفي غير متواجد حالياً
عضو ممتاز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
العمر: 34
المشاركات: 253
معدل تقييم المستوى: 18
ساره الالفي is on a distinguished road
افتراضي


ـــــــــ*×*ـــ((2))ـــ*×*ـــــــــ



فتحت عيني بصعوبة و أنا أسمع صوتا مألوفا لدي يتردد في أذني... يبدو أنني قد غفوت فوق الكتاب! فركت عيني في تكاسل في حين لم ينقطع الصوت الحاد... ما هذا؟ تلفتت حولي و أنا لم أتخلص بعد تماما من آثار النوم... نظرت صوب المكتب... سارة لم تعد جالسة عند الحاسوب... الصوت لا يتوقف... إنه رنين هاتفي الجوال! أين هو؟ أين اختفى؟ قلبت الوسادة باحثة تحتها، ثم أبعد المرجع عن ركبتي... أوه... يبدو أنه هناك عند المكتب... وقفت بصعوبة... آه وجدته أخيرا!

ضغطت على زر الإجابة قبل أن أتأكد من المتصل و قلت بصوت مبحوح :
ـ السلام عليكم...

جاءني صوت راوية صارخا من الطرف الآخر :
ـ مرام! أين كنت؟! اتصلت بك عدة مرات و أنت لا تردين! هل كل شيء على ما يرام؟ وماذا به صوتك؟ هل أنت مريضة؟

تنحنحت لأطرد البحة عن صوتي وقلت مبتسمة :
ـ كنت نائمة فقط... لكن يبدو أن نومي كان ثقيلا جدا...

سارعت راوية تقول :
ـ الحمد لله... كنت أريدك في أمر هاااام...

عقدت حاجبي في اهتمام و قلت :
ـ خيرا

ـ أريدك أن تكوني معي مساء الغد!

قلت متسائلة :
ـ لم؟ ما الأمر؟

بدا نفاد الصبر في لهجة راوية و هي تهتف :
ـ مرااام... هل فقدت الذاكرة؟ ألست أنت من أخبرني بأن طارق سيأتي للقاء والدي؟!

ـ نعم، نعم... طبعا... آسفة... فقد استيقظت للتو و لم أسترجع كامل قدراتي على التركيز... حسن، سأحاول...

صرخت راوية في استنكار هاته المرة :
ـ تحاولين؟!!!! و هل قلت لك بأنني سأحاول حين طلبت مني أن أكون إلى جانبك حين قدوم حسام؟ هنت عليك يا مرام!!! طيــــــــــــــــــب...

ابتسمت للهجة راوية المهددة التي تمثل الانكسار و الحزن و قلت :
ـ ألا يكفي أن الخاطب هو ابن عمتي؟ أم تريدين أن تجمعي العائلة عندك؟!

و الحقيقة أنني لم أكن متحمسة جدا... خاصة بعد الأحداث الأخيرة في بيتنا... و مواقف طارق المتناقضة... حتى أنني ظنته سيعدل عن خطبته لراوية في آخر لحظة.

تنهدت أخيرا و أنا أستمع إلى سيمفونية إلحاح و إصرار من طرف راوية و قلت أخيرا :
ـ طيب... أكون عندك غدا على الساعة الخامسة... أليس الموعد على السادسة؟

تنهدت راوية في ارتياح و هي تقول :
ـ جميل... و لكن هنالك أمر آخر...

ـ خيرا إن شاء الله...

ـ جاد...

ارتميت على السرير إلى جانبي و قلت في دهشة :
ـ ما به؟

تغير صوت راوية و هي تقول :
ـ لقد اتصل...

حاولت أن تظهر اللامبالاة في صوتي و أنا أتساءل :
ـ و ماذا يريد؟

ـ يريد لقاء والدي!

قلت في انتباه و تركيز شديدين محاولة سبر أغوار حبيبتي راوية :
ـ و بم أجبته؟

تنهدت راوية و قد بدا الانفعال في صوتها :
ـ طبعا رفضت... فموعد طارق قد تحدد و انتهى الأمر...

ـ و كيف كانت ردة فعله؟

سكتت راوية للحظات ثم قالت في تردد كأنها في شك مما ستقوله :
ـ غريب... لقد بدا هادئا... لم يلح و لم يسألني لماذا!

انتقلت الدهشة إلي... نعم غريب، فهو جاء إلى البلد خصيصا للقاء راوية و إقناعها بالارتباط... فهل غير رأيه بسهولة؟ هل استسلم هكذا دون محاولة جادة؟

ظلت تلك الأفكار تحوم في رأسي إضافة إلى مشكلة الميراث طوال المساء...
ما الذي يخفيه الغد يا ترى؟


جهزت نفسي بسرعة... فقد نسيت نفسي و انغمست في المراجعة... لدي امتحانات هامة الأسبوع المقبل و طارق لم يختر إلا هذا الأسبوع ليقرر التقدم لراوية! الله أعلم بحال راوية الآن... أشك في أنها وجدت ذرة من التركيز لتراجع لامتحان بعد غد... مسكينة يا راوية!
وقفت عن الباب مستعدة للخروج و هتفت :
ـ أمي... أنا ذاهبة إلى منزل راوية... هل تريدين شيئا من البقالة في طريق عودتي؟

جاءني صوت أمي من الغرفة الداخلية :
ـ سلامتك يا حبيبتي... بلغي سلامي إلى راوية و والدتها...

ـ طيب... السلام عليكم...


وصلت إلى الشارع الذي يقع فيه منزل راوية... و فجأة تذكرت أن منزل حسام يقع في نفس الشارع... و لكنني بطبيعة الحال لا أعرف أيها هو! لأنني منعت نفسي من زيارة راوية منذ اتفقت مع حسام على قطع اتصالنا!

وصلت إلى منزل راوية فقرعت الجرس... ثم تلفتت حولي في محاولة أخيرة لتمييز منزل حسام... فجأة توقف بصري عند أحد المنازل على الجهة الأخرى من الشارع... لم يكن في المنزل شيء ملفت للنظر يدعوني إلى الاعتقاد بأنه المنزل المقصود... لكنني لمحت شخصا أعرفه يقف أمام الباب، و يقرع الجرس... شخص لم يكن سوى سهير زميلة حسام في الدراسة، و صديقة دالية منذ زمن! للحظات أحسست بحرارتي ترتفع و قد تركزت عيناي على تلك الفتاة التي انتابتني نحوها مشاعر غريبة لم أعرفها من قبل... مشاعر يطلق عليها البعض اسم... الغيرة!

انتبهت على صوت والدة راوية التي فتحت الباب و هي تدعوني إلى الدخول فابتسمت في ارتباك و همهمت بكلمات غير مفهومة و تبعتها إلى الداخل...

سارعت راوية إلى لتعانقني، ثم أخذت بيدي و دخلنا غرفتها لنسترسل في أحاديثنا التي لا تنتهي... مرت الدقائق سريعة، و فجأة سمعنا رنين جرس الباب يرتفع... تطلعت إلى ساعتي في دهشة و أنا أقول :
ـ إنها الخامسة و النصف... هل جاء طارق متقدما على موعده؟

في تلك اللحظة دخلت علينا منال، أخت راوية الصغرى و التي لم تتجاوز العاشرة من عمرها و هي تهتف في فرح :
ـ جاء العريس... جاء العريس...

جذبتها راوية في سرعة و أغلقت فمها بكفها حتى تهدأ ثم سألتها في لهفة :
ـ كيف وجدت العريس؟ هل يبدو وسيما؟

ضحكت منال في براءة و هي تقول :
ـ إنه طويل القامة... و جميل... و قد ابتسم لي و مسح على شعري... كما أحضر معه هدايا...

ابتسمت راوية في سعادة و هي تهمس لمنال :
ـ هيا عودي إلى هناك و أخبريني عما يقال في الصالة أولا بأول...

هزت منال رأسها موافقة و نطت خارج الغرفة فورا...

نظرت إليها في دهشة و قلت متضاحكة :
ـ طارق طويل؟ لم ألاحظ أن طوله يجلب الانتباه!

ابتسمت راوية قائلة :
ـ لكنه بالطبع سيبدو طويلا بالنسبة إلى منال!

كان التوتر باديا على راوية... ابتسمت و أنا أتذكر نفسي يوم لقاء حسام مع والدي... نعم من حقها أن تتوتر... جلست إليها محاولة تخفيف حدة توترها بتبادل الأحاديث المختلفة... ثم فجأة ظهرت أمامنا منال ضاحكة و هي تقول :
ـ أبي يبدو معجبا جدا بالعريس... و هو يسأله عن مشاريعه في المستقبل... لكن لهجته غريبة نوعا ما...

نظرت إلي راوية في تساؤل، فقلت :
ـ ربما تأثرت لهجة طارق بطول إقامته في أمريكا... لكنني وجدت أن التغيير بسيط و لا يثير الانتباه... يبدو أن منال دقيقة الملاحظة!

سارعت منال بالتوضيح :
ـ لست أنا من لاحظ ذلك، لكن أبي سأله... فقال بأنه قضى فترة طويلة نسبيا في البلد و هو يحاول أن يجيد اللهجة كما يجب...

قاطعتها راوية في تشكك :
ـ تقصدين فترة طويلة في أمريكا!

عقدت منال حاجبيها في تشكك قبل أن تقول في تسليم :
ـ ربما... لست أذكر!

ثم قفزت من جديد لتختفي من أمامنا...

عادت بعد لحظات و هي تقول :
ـ العريس يقول بأنه يريد إقامة عيادة خاصة للاستقرار هنا، بعد أن ينتهي من دراسة التخصص...

التفتت راوية إلي محاولة ترجمة كلمات منال :
ـ ربما يقصد بأنه يريد أن يقيم عيادة لي بعد أن أنهي تخصصي! رائع يا مرام رائع!

قاطعتها منال في استغراب :
ـ لكنه قال بأنه هو من سيشرف على العيادة!

نظرت إليها راوية في تشكك و قالت :
ـ أنت لا تجيدين نقل جملة واحدة صحيحة! طارق لم يدرس الطب حتى تكون له عيادة! بل تخصصه هو التجارة!

تطلعت إليها منال في لامبالاة و هي تقول :
ـ لكنه يبدو مناسبا كطبيب!

ثم ركضت إلى الخارج من جديد...

اقتربت مني راوية و هي تقول :
ـ ما رأيك في أن نلقي نظرة... أريد أن أرى كيف يبدو!

ابتسمت و أنا أقول :
ـ و لكننا سنجلب الانتباه... كيف يمكننا الاقتراب من الصالة دون أن يشعروا بنا؟

جذبتني راوية من ذراعي و هي تقول :
ـ هناك ركن في المطبخ يمكننا من خلاله رؤيتهم دون أن يحسوا بنا أو يرونا... تعالي...

جذبتني من ذراعي و تقدمنا نحو المطبخ... في تلك اللحظة رن جرس الباب من جديد. اقتربت راوية من النافذة و هي تتمتم :
ـ من تراه يأتي الآن؟

فتحت والدة راوية الباب... و فجأة ظهر شخص أمامنا و هو يقول في اعتذار :
ـ آسف يا خالة لأنني تأخرت عن الموعد... لقد تعطلت السيارة في الطريق و اضطررت إلى أخذها إلى مستودع التصليح قبل أن أستقل سيارة أجرة و آتي إلى هنا...

كانت الدهشة بادية في عيوننا جميعا... أنا و راوية و والدتها في حين وقف طارق و قد بدا عليه الارتباك أمام الباب المفتوح... مستغربا من الاستقبال الجاف الذي لقيته به والدة راوية...

لكن السؤال الذي كان يتردد في أذهاننا جميعا في تلك اللحظة : من يكون الشاب الذي وصل قبل ساعة و يجلس إلى والد راوية في الصالة؟

اقتربت راوية من ركنها الخفي في المطبخ، و مدت عنقها متطلعة إلى الصالة، ثم شهقت شهقة كتمتها بكفها في سرعة و همست لي و قد اتسعت عيناها دهشة :
ـ جـــــــــــاد!!!
__________________