عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 14-08-2009, 09:45 PM
الصورة الرمزية ساره الالفي
ساره الالفي ساره الالفي غير متواجد حالياً
عضو ممتاز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
العمر: 34
المشاركات: 253
معدل تقييم المستوى: 18
ساره الالفي is on a distinguished road
افتراضي

ـــــــــ*×*ـــ((4))ـــ*×*ـــــــــ



كان يوميا غير عادي بالنسبة إلي بكل المقاييس... يوم أحسست فيه بأن الأرض تدور بسرعة، لتعيدنا إلى نقطة ظننا أننا تجاوزناها منذ فترة... أو أن الأرض بالفعل توقفت عن الدوران... فهذا اليوم ذكرني بأيام سابقة عشتها... و أنا أشعر الآن بأنني أعيشها من جديد...

صباح اليوم وجدت راوية تنتظرني في لهفة واضحة أمام الكلية بعد أن اتصلت بي قبل أن أخرج من المنزل لتستعجلني... لأنها على حد قولها تحمل لي أخبارا جديدة... و بطبيعة الحال، توقعت أن تكون تلك الأخبار متعلقة بقرار والديها بخصوص الخاطبين الذين تقدما إليها مؤخرا بطريقة مميزة و غير متوقعة البتة...

ما إن لمحتني أقترب من باب الكلية حتى ركضت إلي و ابتسامة هادئة رزينة تعلو شفتيها... بادلتها الابتسامة و أنا أبادرها بالسلام، ثم قلت في مرح :
ـ تبدين سعيدة اليوم! ما الجديد؟

أحسست بابتسامتها تنقبض رغم أنها كانت لا تزال مرتسمة على شفتيها... بل أنها اتسعت و هي تقول :
ـ نعم يا مرام... لقد وافقت... على طارق!

لم أستطع منع نفسي من التحديق فيها بعينين متسعتين من الذهول و الدهشة و العجب و الاستنكار... فبعد تلك الأمسية، جزمت بما ليس فيه داع للشك بأن راوية لا تزال تحب جاد و هو أيضا يبادلها مشاعر عميقة كان معها قادرا على مواجهة كل العالم من أجلها... و الآن، هاهي تخبرني بكل هدوء بأنها فضلت عليه طارق، ابن عمتي!

وجدتني أهتف لا إراديا :
ـ لمـــــــــــــاذا؟!!!

رفعت راوية إلي عينيها الباسمتين في هدوء ليس له مثيل... ذاك الهدوء الذي نلمحه في عيون عرائس الشمع التي لا تحمل ملامحها أية مشاعر... ثم قالت في صوت واثق و حازم :
ـ إنه قراري يا مرام... اخترت طارق، لأنه الأنسب إلي!

أحست أن كلماتها لم تطفئ نظراتي المليئة بالفزع و اللوم و العتاب، فأردفت بسرعة قائلة :
ـ مرام... لقد فكرت مليا، و استشرت والدي، و فكرنا معا و وجدت أنه الخيار الأمثل... ألا توافقينني الرأي؟

ثم أضافت بمرح ثقيل على قلبي :
ـ ثم نحن سنصبح عائلة واحدة... بعد أن أتزوج ابن عمتك!

ابتسمت ابتسامة حزينة، لم أظن أنني سأقابل بها يوما خبر خطبة صديقتي الحبيبة راوية. لكنني كنت أحس بألم كبير، تجاه راوية و جاد... و طارق أيضا...

انتبهت إلى صوت راوية و هي تقول و نفس الابتسامة الغريبة تعلو شفتيها :
ـ هلا أبلغت طارق و أهله بأن عائلتي قد وافقت على إتمام الخطبة... و نحن في انتظار زيارة رسمية منهم قريبا...

هززت رأسي علامة الموافقة، ثم توجهنا معا إلى قاعة المحاضرات، و أنا أرقب بطرف خفي ملامح راوية... و خاصة ابتسامتها التي تجتهد لتبقيها مرتسمة بكل لباقة على شفتيها المتعبتين، من تكلف الابتسام!

عدت إلى المنزل متعبة مساء ذاك اليوم، متعبة من المحاضرات الطويلة... و من قلقي على راوية من المستقبل الذي ينتظره بعد أن اتخذت قرارها... لمحت سيارة طارق تقف أمام منزلنا، فوجدتني أقرر بسرعة أن أفاتح طارق في الموضوع و أن أعرف حقيقة نواياه مهما كان الثمن!

دلفت من الباب الرئيسي و في عيني نظرة صارمة حازمة، تنطق بالتحدي، و قد تمكن مني ذاك القرار بما لا رجعة فيه...
و لكن ما إن دخلت إلى الصالة حتى رأيت طارق يجلس في الصالة و ذراعه ملفوفة في رباط أبيض قد وصلت إلى رقبته برباط آخر، لتمنع تحركها... عقدت حاجبي في دهشة و تساؤل، فابتسم طارق في مرح و هو يقول :
ـ لا تقلقي... إنها إصابة خفيفة...

هتفت سارة التي كانت تجلس إلى جواره في مرح :
ـ إنه شجار كالعادة... لكن أخي يخرج دائما منتصرا!

حدجها طارق بنظرة صارمة، كأنه تضايق من كلامها و قال مطمئنا :
ـ لم يكن شيئا يستحق الذكر...

لكنني جلست قبالتهما و قد تملكني الفضول و قلت في تساؤل :
ـ شجار؟ متى كان ذلك؟!

بدا الارتباك على طارق و هو بالكلام... لكن سارة كانت قد سبقته و هي تهتف من جديد :
ـ منذ يومين... عندما ذهب إلى منزل راوية... لكن شابا ما...

قاطعها طارق و هو يصرخ غاضبا، و قد خرج عن طوره :
ـ ألا يمكنك أن تصمتي قليلا؟!! من الذي وجه الكلام إليك؟!!!

تملكني الفزع و أنا أتخيل بقية القصة فهتفت بطارق في حزم بالغ :
ـ ما الذي حصل للشاب الآخر؟

التفت إلي طارق و لبث يحدق في مترددا لبرهة قبل أن يقول :
ـ لست أدري... ربما أخذوه إلى المستشفى...

وقفت بسرعة و أنا أهتف كأنني أصرخ :
ـ أية مستشفى؟!!

تفاقم ارتباك طارق و هو يتأمل ملامحي الغاضبة و قال :
ـ لقد طلبت الإسعاف ثم انصرفت بسرعة... أظنهم أخذوه إلى المستشفى الواقعة في مركز المدينة...

خرجت من الغرفة بسرعة و اتجهت نحو الهاتف لأتصل بدالية بسرعة، فلم يكن أمامي حل آخر، غير الاستنجاد بحسام! فالشاب المسكين غريب في المدينة، و يبدو أن حالته كانت سيئة مما دعا طارق إلى طلب الإسعاف! و إن لم يذهب أحد إلى المستشفى لإخراجه و دفع مصاريف العلاج فقد تحصل له مشاكل!

أنهيت مكالمتي مع دالية بسرعة، ثم وقفت أمام الهاتف مترددة... لكنني حسمت أمري في النهاية و كونت رقم راوية... انتظرت للحظات قبل أن تجيب من الطرف الآخر، و ما إن سمعت صوتها حتى قلت في هدوء :
ـ قبل أن أبلغ طارق بقرارك... أظن أنه عليك التأكد مما وقع بين جاد و طارق بعد مغادرتهما لمنزلكم!

بعد نصف ساعة من تلك المكالمة، تلقيت اتصالا من دالية تخبرني فيه بأن جاد لا يزال في المستشفى بالفعل، و أنه تعرض إلى إصابة في الرأس تستوجب بقاءه تحت العناية الطبية لبضع الوقت... و أن حسام لا يزال عنده، للاطمئنان عليه... و أنه سيشرف على علاجه بنفسه بما أن تدريبه في نفس القسم الذي يرقد فيه جاد.

لم أضيع الوقت، و عاودت الاتصال براوية التي بدا صوتها مرتجفا من البكاء، و هتفت بي دون أدنى تردد :
ـ أريد أن أزوره في المستشفى... هل تأتين معي؟

بعد أقل من ساعة واحدة، كنت رفقة راوية و أخي ماهر الذي رافقنا مضطرا، بعد أن تعبت في إقناعه بترك ألعاب الحاسوب برهة من الزمن، نركض بين أروقة المستشفى بحثا عن جاد الذي لم نكن نعلم في أي قسم يرقد... فجأة لمحنا حسام يقف غير بعيد عنا، و قد ارتدى مئزر الأطباء الأبيض، الذي لم أره به منذ لقائنا في تربصي السنة الماضية...

اقترب منا في هدوء و قال و هو يسبقنا إلى إحدى الغرف :
ـ تفضلوا... من هنا!

كانت راوية تضغط على ذراعي بشدة و هي تعظ على شفتها السفلى في قلق. ربتت على كفها التي غاصت أصابعها في ذراعي مطمئنة... و تقدمنا إلى داخل القاعة في وجل... ثم تبعنا حسام إلى سرير المريض... فهالنا في البداية الكم الهائل من الضمادات التي كانت تحيط برأسه و صدره، و هالنا أكثر ابتسامته الصغيرة التي تنم عن الرضا و السعادة!!!

وجدتني أقف عند طرف السرير و أشير إلى راوية أن تتقدم حتى تصل على مقربة من رأس المريض. كانت عيناها مبللتين بالدموع و هي تسأله في همس :
ـ هل أنت بخير؟

هز جاد رأسه بصعوبة علامة الموافقة و الابتسامة الصغيرة الواهنة لا تفارق شفتيه. مضت لحظات من الصمت أحسست فيها أن العيون تخاطبت بلغة هي أبلغ من لغة الشفاه... بين عيني راوية الباكيتين و عيني جاد المليئتين بالأمل!

في الأثناء التفتت إلى حسام لأسأله في صوت خافت :
ـ هل سيكون بخير؟

لكن بدا أن حسام فوجئ بسؤالي، فقد باغتته و هو ينظر إلي من طرف خفي! فاحمرت وجنتاه و هو يقول في ارتباك :
ـ لقد أصيب بشيء حاد في رأسه... كأنه حجر من الحجم الكبير... مما سبب في فقدانه الوعي... لكن لا ضرر على الدماغ و الوظائف الحيوية... أما إصابة الصدر فهي بسبب السقوط على أرضية غير ممهدة... لكنها إصابة سطحية أيضا و الحمد لله...

خفضت عيني و أنا أستمع إليه في هدوء بعد أن أحسست بارتباكه، ثم رفعت رأسي إليه بعد حين متسائلة في قلق :
ـ متى يخرج من المستشفى؟ و حين يخرج من سيهتم به؟ فمن الواضح أن حالته متدهورة... مع أنه يحافظ على الابتسامة!

حانت مني التفاتة إلى السرير، فسمعت المريض يقول بصوت خافت متعب، لكن تشوبه مسحة من المرح الذي لم يتخل عنه حتى و هو في تلك الحالة من الضعف :
ـ أظن أمله سيخيب في الخلاص مني... فحتى إن اضطررت إلى المشي على عكازتين فإنني سأطرق بابكم مرة ثانية و ثالثة... إلى أن يقبل بي والداك...

لكن راوية لم تستطع أن تبتسم لدعابته... فقد آلمها أن تكون قاسية عليه بذاك الشكل، و هو الذي لم يفقد الأمل رغم رفضها المتكرر... هل تراه قرأ في قلبها ما عجزت هي عن الإفصاح عنه؟

و تمنيت لو أنني أرتمي على راوية في تلك اللحظة و أرجوها باكية و أتوسل إليها بكل ما وسع قاموسي من كلمات : اقبلي بجاد... أرجوك... ارحميه و ارحمي نفسك... و ارحميني أنا أيضا من عذاب الضمير!

لكنني ظللت واقفة مكاني أتأملهما بنظرة حانية، و أنا أتمنى أن ينتهي الشريط عند تلك اللحظة... و تظهر كلمة النهاية كخلفية على المشهد المؤثر الذي يجمع الحبيبين قبل أن تنتهي اللحظة...
__________________

آخر تعديل بواسطة ساره الالفي ، 14-08-2009 الساعة 09:53 PM