عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 14-08-2009, 10:08 PM
الصورة الرمزية ساره الالفي
ساره الالفي ساره الالفي غير متواجد حالياً
عضو ممتاز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
العمر: 34
المشاركات: 253
معدل تقييم المستوى: 18
ساره الالفي is on a distinguished road
افتراضي


ـــــــــ*×*ـــ((5))ـــ*×*ـــــــــ




كانت أيام ثلاثة قد مرت على زيارتنا لجاد في المستشفى، لم تعد بعدها راوية لزيارته، لكنها كانت تسألني عن حاله باستمرار فأتولى مهمة الاتصال بدالية حتى تسأل حسام عن تطورات صحته... و بدا أنه تماثل إلى الشفاء بسرعة، كما أنه كان يستعجل مغادرة المستشفى!
التقيت راوية أمام الكلية... فبادرتني كالعادة في لهفة :
ـ كيف حاله اليوم؟

ابتسمت و أنا أجيبها مشيرة إلى دالية التي كانت تقترب منا مبتسمة :
ـ ها قد وصلت دالية و ستخبرنا بالتفاصيل!

حيتنا دالية في مرح ثم التفتت إلي و قالت :
ـ الدكتور حسام يطمئنك على حال المريض... يبدو أنه سيخرج اليوم من المستشفى، فجراحه التأمت، و لا خوف عليه بعد الآن!

تنهدت راوية في ارتياح و هي تتمتم :
ـ الحمد لله...

تبادلنا بعض الأحاديث قبل أن ألمح سهير، زميلة حسام و صديقة دالية على بعد خطوات منا. حيتنا بابتسامة صغيرة، ثم تجاوزتنا في خطوات سريعة. التفتت إلى دالية مستغربة و قلت :
ـ ما الذي جاء بسهير إلى الكلية؟ أليس طلاب الصف الخامس في التمرين الآن؟

ـ نعم، نعم... لكن سهير رسبت في مادة أو اثنتين... و هي تأتي إلى المكتبة لتراجع قليلا منذ بضعة أيام...

تذكرت فجأة أنني رأيت سهير منذ أقل من أسبوع أمام منزل حسام، حين ذهبت لزيارة راوية فهتفت بسرعة :
ـ أظنني رأيتها منذ أيام تقرع جرس منزلكم، حين كنت في طريقي إلى منزل راوية... هل جاءت لزيارتك؟

ابتسمت دالية و هي تقول :
ـ في الحقيقة، هي جاءت لتستعير بعض الدروس من حسام...

ثم نظرت إلي بطرف عينها و قالت مداعبة :
ـ كما أنها طلبت منه أن يساعدها في فهم بعض المحاضرات التي تغيبت عنها...

عقدت حاجبي في استنكار واضح وقلت :
ـ ألم تجد شخصا آخر غير حسام ليفسر لها الدروس؟ لماذا لم تلجأ إلى إحدى صديقاتها؟!!

انفجرت دالية ضاحكة و هي تبادل راوية نظرة ذات معنى... ثم اقتربت مني لتنقر أنفي بطرف سبابتها و هي تقول في صوت منخفض كالهمس :
ـ أنت تغارين يا مرام!

ثم ارتفع ضحكها ثانية، و شاركتها راوية الضحك هاته المرة، حتى هتفت بهما :
ـ ألن تهدآ قليلا أنتما! ثم... ممن أغار يا ترى؟ من سهير؟!

رفعت دالية سبابتها ثانية نافية... ثم قرصت وجنتي في ود و هي تقول :
ـ لم أقصد أنك تغارين من شخص ما... لكنك تغارين على شخص ما... و بالتحديد، تغارين على الدكتور حسام!

احمر وجهي فجأة و قد أدركت ما ترمي إليها لكنها تابعت :
ـ لا تخافي لن أفضحك... مع أنني واثقة من أن الخبر سيسره! خسارة!

ثم ابتعدت ضاحكة و هي تقول :
ـ حسن... أراكما لاحقا يا بنات... السلام عليكم...

شيعنا دالية بنظراتنا الباسمة، فقالت راوية :
ـ تلك الفتاة... كم هي مرحة و روحها عذبة و رقيقة!

ابتسمت بدوري و هززت رأسي موافقة... ثم تذكرت شيئا ما فتطلعت إلى راوية في فضول و قلت :
ـ هـــــــا... ماذا قررت؟

التفتت إلي في ارتباك و قالت متظاهرة باللامبالاة :
ـ في ماذا؟

عقدت ذراعي أمام صدري ثم ملت عليها قائلة في حزم و نفاد صبر :
ـ راويــــــــــــة! لا تسخري مني! أنت تعلمين عما أتحدث! مـــــــــاذا قررت؟!!!

تراجعت راوية و قد تزايد ارتباكها، ثم قالت أخيرا متظاهرة بالفهم :
ـ آآآآه... أنت تقصدين طارق! نعم... طلبت منك منذ بضعة أيام أن تبلغيه موافقتي... لكن كما ترين... يبدو أنه لم يعد الجواب المناسب! لكنني في نفس الوقت أتفهم موقفه. فهو لم يهاجم جاد إلا دفاعا عن كرامته التي أهينت حين صدم بتقدمه لي في نفس الوقت... و لكونه لم يجد الفرصة المناسبة لتقديم نفسه لوالدي و...

تفطنت راوية إلى النظرات الغريبة التي كنت أحدجها بها، فبترت عبارتها للحظة ثم تداركت بسرعة قائلة :
ـ لا تفهميني بصورة خاطئة يا مرام... أنا لا أدافع عنه... لأن العنف لم يكن يوما الحل... لكنني أشفق عليه، لأنه يعتبرها اللغة الأولى للتعامل... صحيح أنها كانت اللغة المناسبة حين دافع عني في الحديقة، يوم النزهة... هل تذكرين؟ لكن العنف لم يكن مبررا في تعامله مع جاد...

هززت رأسي علامة التأييد، و أنا أحثها على مواصلة حديثها، فقالت بعد تردد قصير :
ـ ... و بما أنني لا أضمن مصيري مع رجل يتكلم لغة العنف... فـ... لا مفر من... تفهمينني أليس كذلك؟

هززت رأسي من جديد و أنا أنتظر بقية عبارتها، فقالت :
ـ لا مفر من تمديد فترة التفكير... حتى أتأكد من استعداده لتغيير أسلوبه و...

قاطعتها و أنا أصرخ في حدة :
ـ تفكير؟!!! راوية... إنه حتى لم يفكر في الاعتذار عما بدر منه!!!

قالت في حيرة بادية :
ـ ربما كان خجلا من نفسه و من تصرفه... فآثر الاختفاء لفترة...

حدقت فيها في عدم تصديق لمدى حسن ظنها و سعة صدرها، ثم هتفت :
ـ و ماذا عن جاد؟!!!

تطلعت إلي في توتر و هي تهمس في صوت خافت :
ـ ماذا عنه؟

ارتفع صوتي أكثر و أنا أشدها من ذراعها :
ـ راوية لا تتحامقي! أنت و جاد تحبان بعضكما البعض... إلى متى ستتجاهلين هاته الحقيقة و تواصلين السير في الطريق الخطأ؟

التمعت عيناها و قد تجمعت الدموع في مقلتيها... لكنها قالت في تمالك واضح :
ـ أنا لم أقل بأنني أحبه! تعلقت به لفترة... لكنني عرفت أن الطريق مسدودة... و عدت إلى صوابي...

ـ راوية... إلى متى ستخدعين نفسك؟ إن كنت يائسة من موافقة والديك على جاد، فأنت لست مضطرة إلى الارتباط بطارق! لقد ظللت صامتة إلى حد الآن و أنا أنتظر أن تستيقظي و تدركي أنك الزواج ليس لعبة... و ليس المهم هو الفرار من المشاعر القديمة... و بناء مشاعر جديدة لوهبها لشخص قد يكون لا يستحق!

رفعت راوية عينيها إلي و هي تقول بصوت مرتعش :
ـ مشاعري لا تعني شيئا لأحد... يجب أن أتعلم العيش بلا مشاعر حتى لا أصدم مرات و مرات...

كانت نبرتها تنذر بغيث من الدمع يوشك على الانهمار، فسحبتها من ذراعها و انتحينا ركنا قصيا من الساحة، حيث أجلستها في هدوء... انتظرت ريثما هدأت ثم قلت :
ـ راوية، الآن أخبريني الحقيقة كاملة... أنت متعلقة بجاد أليس كذلك؟

هزت رأسها موافقة و لم تنطق بكلمة، فأردفت :
ـ و والدتك تعارض ارتباطك به بشدة؟

هزت رأسها من جديد، ثم تمتمت بصوت مخنوق :
ـ لم تقبل مناقشة الموضوع أصلا... حتى أن أبي كان معجبا به و مستعدا لاستقباله ثانية لتوضيح بعض النقاط... لكنها عارضت و بشدة... و أقسمت بأنها لن ترضى عني إن ارتبطت به! حتى أبي استسلم أمام إصرارها...

ربتت على كتفها في حنان ثم استطردت :
ـ ثم ماذا حصل؟ هل علم والداك بما حصل بين جاد و طارق؟

هزت رأسها نافية هذه المرة و همست :
ـ آثرت أن أخفي عنهما القصة، حتى أنظر كيف سيتصرف طارق، و بم سيبرر تصرفه... فأبي إن علم عنه طبيعته العنيفة فإنه سيرفض دون تفكير!

أمسكت بكفها و نظرت مباشرة في عينيها محاولة أن أدخل إلى أعماق نفسها :
ـ و أنت... لم تريدين الحفاظ على طارق؟

خفضت عينيها فجأة، و سحبت كفها و بدا عليها التردد... ابتسمت مشجعة فقالت بعد برهة قصيرة من التفكير :
ـ لأنه ليس شخصا سيئا... و هو يحاول الالتزام... كما رأيت مقدار عزيمته و قوة شخصيته لأنه نجح في تغيير نفسه في غضون بضعة شهور... كما أنه شخص شهم، فقد دافع عني حين كنت في موقف لا أحسد عليه... و هو جميل لن أنساه ما حييت... كما أنه متمسك بي، و قادر على حمايتي...

توقفت فجأة، و بدا كأن كلمات لا تزال عالقة في طرف لسانها... فبادرتها :
ـ هل هذا كل شيء؟

و كأنها كانت تنتظر إشارتي لتنفجر مفصحة عن سرها الدفين الذي أخفته عني كل تلك المدة... السر الذي يسبب عذابها و معاناتها :
ـ كما أنه سينقذني من سجن أمي و تحكمها في!!!!

تجلت علامات الصدمة في ملامحي، لكنني لم أنبس ببنت شفة، فاسترسلت راوية التي لم يعد لديها ما تخفيه :
ـ أحيانا أحس بأنها تحقد علي لسبب أجهله... لم أعرف معها سوى الأمر و النهي... كأنها ليست أمي كما هي أم لمنال و راقية... لكن راقية تزوجت و سافرت بعيدا، بعد أن كانت هي من يخفف عني آلامي في كل مرة تفاجئني فيها أمي بنوبة من الصراخ و التأنيب، بسبب و بدون سبب... و كلما وقف أبي في صفي، اتهمته بالإفراط في تدليلي و إفسادي بتساهله معي... أحيانا أشك في غيرتها من علاقتي المميزة بأبي... فهو يحبني كثيرا و يشجعني لأنني حققت حلمه بدخولي كلية الطب... و لأنني كنت أكثر إخوتي تفوقا... حتى أنها تمنعني من المراجعة في فترة امتحانات منال، حتى أهتم بها و أراجع لها... لأنني أنانية على حد قولها، و لا يهمني إن رسبت منال، و أختها في كلية الطب! حتى في فترة زواج راقية، في السنة الماضية... حددوا الموعد في فترة مراجعتي، مع أن أمي كانت تعلم بأهمية تلك الامتحانات بالنسبة إلي... حسن لا بأس، فأهل العريس أيضا كان لهم دور في اختيار الموعد، و لن أحملها المسؤولية... لكنني كنت أحاول بكل جهدي أن أراجع و أدرس باجتهاد كلما سنحت الفرصة... لكنها كانت تطاردني في كل غرف المنزل : هنا سنضع الجهاز و نرتبه... هنا سنعد الحلويات... يجب أن تبقى هاته الغرفة خالية لاستقبال الضيوف و راحتهم... هنا ستعد راقية زينتها!! حتى أنني كنت أراجع أحيانا جالسة على الدرج! و بالتأكيد، لا يمكنني أن أستوعب شيئا بتلك الحالة... لكنها ما إن تنتهي من طردي، حتى تناديني من جديد : راوية نحتاجك في غسل الأواني... راوية اترك ما بين يديك و تعالي نظفي الأرضية، ابن خالتك سكب العصير عند المدخل... لكن لا بأس، أعيدي مسح الغرفة كاملة... راوية، كفاك تكاسلا و تعالي قشري الخضر! و هكذا... طوال فترة المراجعة، كان شغلها الشاغل أن تشغل راوية بعمل ما و تمنعها بأية طريقة من الدراسة!!

تنهدت راوية و مسحت دموعها، ثم واصلت :
ـ و الآن... هاهي تريد الخلاص مني... فهي متحمسة جدا لطارق، رغم أنها لم تتحدث إليه طويلا... و ما رأته منه لا يشجعها على قبوله... لكنها تريد منعي بأية طريقة كانت من الارتباط بمن أريد! و تخشى إن أنا رفضت طارق أن يواصل جاد محاولاته و يقتنع أبي أخيرا... لذا فهي تسعى بكل جهدها لإتمام خطبتي من طارق... لذلك فإنني سأحقق لها أمنيتها، و أريحها مني نهائيا... لذلك وافقت على طارق، و لازلت موافقة... لكنني أريد أن ألقنه درسا أولا، حتى يتخلى عن سياسة العنف...

تملكتني الحيرة و لم أجد الكلمات المناسبة لأخفف عن راوية معاناتها... فقد كشفت لي مصارحتها عن أسرار مواقف كثيرة كنت أستغرب منها في السابق... فلم أكن أتخيل للحظة واحدة أن تكون علاقة راوية بوالدتها بذاك الشكل! كم أشفق على راوية المسكينة التي لم تشك لي يوما من قسوة أمها عليها... مع أنني صديقتها المقربة... فلم أحس يوما في عباراتها ما يشير إلى تشوه مشاعرها تجاهها، و لا تمردها على رغباتها... و أذكر حقا الامتحانات التي تلت زفاف راقية شقيقة راوية، و ردة فعل راوية العنيفة حين رفضت مساعدتها... الآن فقط أحسست بسبب غضبها المفاجئ... فقد وجدت المنفذ لتنفجر، لتبكي و تصرخ... لم يكن بوسعي إلا أن أحتضنها في حنان... و تركتها تبكي على كتفي... في سلام...



كنت أجلس في غرفتي عصر ذاك اليوم و قد احتضنت من جديد أحد مجلداتي العزيزة، حين فتح الباب و ظهرت سارة باسمة. كانت قد غادرت منزلنا مع طارق مساء ذاك اليوم الذي اكتشفنا فيه إصابة جاد و رقاده في المستشفى... يبدو أن طارق خشي أن تبوح بتفاصيل أكثر، فأبعدها قليلا ريثما يلقنها ما يمكنها قوله و ما يجب أن تخفيه! لكنها اليوم تبدو في كامل لياقتها و انشراحها... و هي حالة لم أر سارة عليها منذ عادت من أمريكا في هاته الأجازة!


دخلت و أغلقت الباب خلفها ثم اقتربت لتجلس غير بعيد عني و الابتسامة لا تفارق شفتيها. بادلتها الابتسامة و ظللت أتطلع إليها منتظرة ما تحمله من أخبار سعيدة... و لكنها فاجأتني حين فتحت شفتيها أخيرا و قالت :
ـ مرام... سنعود إلى أمريكا الأسبوع المقبل!

نظرت إليها متشككة، فلم أكن واثقة من أن الخبر سعيد في حد ذاته، و بادرتها مستفسرة :
ـ ألن تبقي معنا؟

هزت رأسها نافية و قالت :
ـ أنا آسفة يا مرام... يجب أن أعود مع عائلتي...

عاجلتها بسؤال ثان :
ـ و ماذا عن طارق؟ هل سيبقى بمفرده؟

هزت رأسها نافية للمرة الثانية و تابعت :
ـ طارق لن يبقى هنا هو الآخر... جميعنا سنعود إلى أمريكا... أبي أقنعه بأن مستقبله هناك... و أنه سيلقى متاعب شتى في عمله في البلد!

عقدت حاجبي في حيرة و تركت الكتاب الذي كان بين يدي و قلت و أنا أقترب منها أكثر :
ـ و هل طارق مقتنع حقا بالعودة؟ و ماذا عن خطبته لراوية؟ هل تخلى عن الأمر؟

نظرت إلي في استغراب و هي تقول :
ـ لست أدري عما تتحدثين، لكن طارق أخبر أمي بأن صديقتك لم توافق و أنها متعلقة بشاب آخر...

كنت في غاية الحيرة... و الدهشة! ما الذي حصل بين جاد و طارق حتى يستسلم طارق بتلك السهولة، و يبقى جاد متشبثا براوية إلى تلك الدرجة؟

كنت أحس بالحزن من أجل طارق الذي تخلى عن جميع أحلامه فجأة و أذعن لرغبة والده بالبقاء في أمريكا مع بقية العائلة. هل تراه يبقى على التزامه، أم يجرفه التيار من جديد؟

و كأن سارة قد قرأت التساؤلات التي دارت في خلدي في تلك اللحظة فقد وجدتها تقف فجأة و هي تقول، مع ابتسامة كبيرة على شفتيها، و احمرار خفيف يغزو وجنتيها :
ـ بالمناسبة... أيمن ابن خالتي هيام، سيلتحق بنا بعد بضعة أسابيع... أبي عرض عليه وظيفة جيدة و قد كان متحمسا لها... هو بصدد تحضير أوراقه و تأشيرة السفر... عمله الجديد سيمكنه من فتح مشروعه الخاص حين عودته بعد عدة سنوات... فعمله الحالي لا يوافق طموحاته أبدا...

ابتسمت بدوري و أنا أتأمل وجهها الطفولي المرح... الآن فقط فهمت سر سعادة سارة!

تمت الحلقة الثانية عشر بحمد الله



__________________