عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 15-08-2009, 01:34 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

ذكر ما بعده ذكر



المتعارف عليه في دنيا الناس أن الفقير هو الذي يذكر الغني، والضعيف يذكر القوي. ولكن مع الله تعالى الأمر مختلف؛ فهو سبحانه يعامل عبيده من باب الكرم والفضل. فنجده سبحانه يخبرنا أنه يذكر من يذكره. بل ويذكره في ملأ خير من ملئه، وهذا منتهى التفضل والمن.

يقول تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}، قال الحسن البصري في معناها: "قال: فاذكروني فيما افترضت عليكم أذكركم فيما أوجبت لكم على نفسي"، وقال سعيد بن جبير: "فاذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي ورحمتي".

فيا له من شرف وفضل؛ أن يذكر الربُّ العظيمُ العبدَ الضعيف، أن يذكر الربُّ القويُّ العبدَ الضعيفَ، أن يذكر الربُّ الغنيُّ العبدَ الفقيرَ. إنه ذكر ما بعده ذكر؛ فاذكروني بالتذلل أذكركم بالتفضل. اذكروني بالأسحار أذكركم بالليل والنهار. اذكروني بالجهد أذكركم بالجود. اذكروني بالثناء أذكركم بالعطاء. اذكروني بالندم أذكركم بالكرم. اذكروني في دار الفناء أذكركم في دار البقاء. اذكروني في دار المحنة أذكركم في دار النعمة. اذكروني في دار الشقاء أذكركم في دار النعماء.

يقول يحيى بن معاذ: "يا غفول يا جهول، لو سمعت صرير الأقلام في اللوح المحفوظ وهي تكتب اسمك عند ذكرك مولاك لمِتَّ شوقًا إلى مولاك". ويبلغ الكرم منتهاه ويبلغ التفضل ذروته، حين يخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بقول رب العزة سبحانه وتعالى: "يا ابن آدم، إن ذكرتني في نفسك ذكرتك في نفسي، وإن ذكرتني في ملأ ذكرتك في ملأ خير منهم، وإن دنوت مني شبرا دنوت منك ذراعا، وإن دنوت مني ذراعا دنوت منك باعا، وإن أتيتني تمشي أتيت إليك أهرول" (رواه أحمد).

ولكن الإنسان من طبعه الغفلة والنسيان. وما أتعسه إذا نسي ربه؛ فيكون الجزاء من جنس العمل كما أخبر تعالى {نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ}؛ وما أقساها عقوبة! وما أشده جزاء! فيا شقاء من نسيه الله؛ فلن يكون له ذكر في الأرض ولا في الملأ الأعلى؛ فهو من الضائعين في الدنيا والآخرة.

ولذلك قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}؛ فنسيان آيات الله في الدنيا سبب لنسيان العبد في الآخرة. والأشد من ذلك أن يُنسي اللهُ العبدَ نفسه؛ ولذلك حذر سبحانه وتعالى عباده فقال: {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ}.
__________________
رد مع اقتباس