هذه قصة لطالبة علم ومعلميها بها لطائف جميله
وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره
كتتبها أريج قاسم ، في 14 ديسمبر 2007
بسم الله الرحمان الرحيم
هي أول ما بدأت به وأنا أجلس لإجراء مقابلة علمية أمام ثلة من الأساتذة الفضلاء الذين مازالوا يقيمون للقرآن وللحديث وزنا غير آبهين بما تحمله مرفقات السير الذاتية من شهادات ودبلومات وتداريب وتكوينات لم يفلح بريقها في طمس بصيرتهم.
بادر أوسطهم: أتحفظين القرآن؟
-ثلثه
- بإتقان؟
- عفوا بنسيان
- وما أنساكيه؟
- وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره
فلما تبسم حانيا رأسه تشجعت واستطردت أتلو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرر به نفسي من مشقة المهانة (تعاهدوا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفصيا من الإبل في عقلها).
وقبل أن ينطق ببنت شفه استدركت فقلت: والآن تحضرني سورة الإنسان (في نفسي رضي الله عنها)
-تفضلي
- بترتيل
- ورتل القرآن…
- ترتيلا
فتلوت على مسامعهم آيات منها حتى قال "حسبك"
-وما تحفظين من الحديث؟
- خمسمائة ونيف
- وأنسيتها كذلك؟!
فتبلم اللسان وجحظت العينان ودرجت الحرارة إلى الوجنتين
- يبدو أنك متعبة بالسفر
لارد
يلتفت يمنة ويسرة يستجدي زملاءه مخرجا، ثم قال: نحن كإخوتك.
كأختكم! شتان شتان لا أطول حتى خادمتكم (كان هذا مجرد حديث نفس عابر)
-أذكري بعض ما تحفظينه من الحديث؟
فذكرت الأربعة التي اتفق كثير من الأئمة والمحدثين على أنها جوامع الحديث.حديث عمر: ( إنما الأعمال بالنيات)، وحديث عائشة : ( من أحدث في أمرنا هذاما ليس منه فهو رد )، وحديث النعمان بن بشير : ( الحلال بيِّنٌ والحرام بيِّن )، وحديث سهل بن سعد الساعدي : ( ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس ).
ثم انتقلنا إلى علوم أخرى فرعية فترى لساني يسابق الريح وكأني خرجت من قمقم قارورة تكثف ثاني أوكسيد الكربون بداخلها.
لكن مرارة الموقف صاحبتني أياما طوالا بلياليهن، وأنا التي تبجحت على زملائها باستسهال الموقف لما علمت أن الأمر لا يتطلب سوى حسن الهندام واللباقة في التصرف والكلام، وعظم في نظري مقام هؤلاء الشيوخ (حفظهم الله ذخرا لأمة الإسلام) والأدب والحلم اللذان ازدان بهما علمهم.
وخشيتي كل الخشية أن يتطلع أمثالي إلى مناصبهم لا إلى علمهم وعملهم.
وما صالحت نفسي إلا وأنا أجدها قد عاودت ترتيل آيات من سورة الإنسان، فعاهدتها وعاهدتني على أن نسترجع ما تفلت من القرآن وأزيد عليه ما استطعت بإحسان.