ـــــــــ*×*ـــ((5))ـــ*×*ـــــــــ
كان الحدث أكبر من أن يسكت عنه أو يمر مر الكرام
كان يجب أن نحتفل... و راوية دعتنا إلى مطعم في وسط المدينة حتى نحتفل معا، و نشاركها فرحتها بهذا اليوم المميز الذي لم نظنه سيأتي! و لكنها لعبة القدر... يضعنا دائما في مواقف لا نتوقعها...
همست دالية في سعادة و هي تطالع قائمة الأطعمة الموضوعة على الطاولة :
ـ أنبهك إلى أنني سآكل اليوم كما لم آكل من قبل!
ضحكنا في مرح و أجابت راوية في لامبالاة :
ـ لا عليك يا عزيزتي... بالهناء و الشفاء...
ثم أضافت متظاهرة بالقلق :
ـ لكنني أخاف أن يزداد وزنك بصفة ملحوظة و تخسري المجهودات الجبارة التي بذلتها طوال الشهور الطويــــــــــلة الماضية، للحفاظ على رشاقتك و جمال قامتك...
حدجتها دالية بنظرة ثابتة عنيدة :
ـ قولي ما يحلو لك... لكن ذلك لن يمنعني من طلب كل ما أشتهيه... طالما أنه على حسابك... كما أنك ستدفعين الثمن غاليا... لأنك أخفيت عني كل هاته القصص و المغامرات كل هذه المدة!
ثم قرصتني في ذراعي في حدة و هي تهتف :
ـ و أنت أيضا يا مرام... تخفين عني كل هذا... و تتآمران من ورائي! طيـــــــــب، سأريك يا خطيبة أخي المستقبلية... لن تمر المسألة دون حساب...
رفعت يدي أمامها في استسلام و أنا أشير بعيني إلى راوية : هي المسؤولة!
فاستمرتا في عراك و تناوش إلى أن هتفت موقفة حوراهما الطفولي :
ـ ألن تتوقفا الآن؟ أريد أن أعرف كل التفاصيل...
ثم التفتت إلى راوية التي أشرق وجهها بابتسامة غاية في الرقة و الجمال :
ـ بسرعة... هات ما عندك...
هزت راوية كتفيها و هي تعيد الجملة التي سمعتها منها ذاك اليوم طوال فترة المحاضرات الصباحية... عشرات، بل مئات المرات :
ـ والدي وافق على خطبتي لجاد...
أشرت لها بعيني أن واصلي، ثم هتفت :
ـ كيف؟
لم أكن أتوقع أن جاد سيعيد المحاولة و سيتقدم لخطبة راوية من جديد، بعد تلك المواقف المحرجة التي حصلت، و بعد رفض والديها القاطع، و العراك مع طارق... و خاصة بعد غيابه الذي طال، مما لم يدع مجالا للشك بأنه قد سافر إلى فرنسا و استسلم إلى أن حكايته مع راوية يجب أن تصبح طي النسيان!
ابتسمت راوية ابتسامة حالمة و هي تقول :
ـ جاد عاد لزيارتنا مرة أخرى... البارحة... دون أن يعلمني كالعادة بما عزم عليه... تحدث إلى والدي طويلا... و أجاب باستفاضة عن كل تساؤلاتهما... و الحقيقة هي أن أكثر ما أثار إعجاب والدتي في شخصيته هي صراحته و استقامته... لم يخف عنهما أن والديه معارضان لارتباطه بفتاة من بلد آخر... و مسلمة أيضا... لكنه لم يعد يبالي، لأن إسلامه صار أهم شيء في حياته، و إن كان يرجو الهداية لعائلته، و يحاول أن يحافظ على برهما مهما عارضاه، إلا أن مسألة ارتباطه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يخضعها لرغباتهما...
تنهدت دالية في شفقة :
ـ كان الله في عونك يا جاد!
ربتت على كتفها لأسكتها و هتفت في راوية في نفاد صبر :
ـ أفصحي... هات المفيد!
لكزتني دالية بمرفقها و هي تقول في احتجاج :
ـ دعيها تتكلم براحتها... و لدينا وقت الغداء كاملا لتتحدث بكل التفاصيل... لا تخافي... لن تقوم من هنا حتى تشرح كل شيء...
ضحكت راوية ضحكتها الرقيقة التي افتقدتها في الأسابيع الماضية... و لكن الحمد لله، باب السعادة فتح أمامها من جديد... و على مصراعيه! حدثان في يوم واحد... رضاء أمها عنها... و خطبتها لجاد! أمر لا يصدق...
ـ حسن... جاد كان قد ذهب منذ أيام للقاء والدي في مكتبه... و قد أقنعه بأن يمنحه فرصة جديدة لإقناعه بأنه الشخص المناسب... لي...
احمرت وجنتا راوية في حياء و هي تهمس بتلك الكلمات...
ـ و بدا أن والدي تأثر بكلامه و بتمسكه بموقفه، فحدد له موعدا، في البيت... و كان ذاك الموعد هو مساء البارحة... و في الأثناء، طلب من بعض أصدقائه السؤال عنه في الكلية و بعض المعارف، حيث كان يقيم قبل سفره... و رغم أنه كان مسيحيا حينها، إلا أن كل من عرفه أثنى على أخلاقه... و كانت مفاجأة بالنسبة للكثيرين ممن لم يعلموا بإسلامه حين عرفوا بالخبر!... لم أتوقع أن أمي ستتقبله بصورة مختلفة عن المرة الماضية... فأنا أعلم أن والدي لم يكن معترضا على الشخص في حد ذاته، بل على ظروفه... لكن أمي كانت معارضة تماما و رافضة للحوار معه... و لكن سبحان الله! فقد استقبلته البارحة بحفاوة و تحدثت معه بتفهم... و في النهاية أبلغوه بأنهما لا يعترضان على إتمام الخطبة... حتى يزورنا، و نتعرف عليه أكثر...
سكتت راوية فجأة حين وصلتها رسالة على هاتفها الجوال، فابتسمت في سرور واضح و هي تقرأها بعينين نديتين، ثم تنهدت في ارتياح. رفعت عينيها إلينا لتجد زوجين من العيون يرمقانها في فضول! فأعادت الهاتف إلى حقيبتها و هي تقول :
ـ جاد... وصلت طائرته إلى باريس...
رفعت دالية حاجبيها دهشة و هتفت :
ـ كأنه كان ينتظر الانتهاء من هاته المهمة ليسافر مباشرة!
ضحكت راوية و هي تقول مدافعة :
ـ لقد تأخر كثيرا عن دروسه... فالعطلة انتهت منذ زمن... لكن إصابته ووو...
لوحت بكفها دون أن تكمل الجملة ثم أردفت :
ـ ... كل ذلك أخره... و كان يجب أن يسافر...
انحنت دالية نحوها في خبث و هي تهمس :
ـ و ماهو شعورك الآن... بعد أن سافر حبيب القلب؟
ثم رفعت عينيها إلى السقف و هي تضم كفيها إلى صدرها في حركة مسرحية مؤثرة، ثم أخذت تهمس في صوت حزين :
ـ آه... جاد... لماذا تركتني وحيدة؟!... هنت عليك يا جاد... تتركني بعد أن استقرت حالنا أخيرا!... أحتاجك إلى جانبي!
أمسكت بطني و أنا أضع جبيني على الطاولة لأكتم ضحكة قوية كادت تفلت مني... في حين أخذت راوية القصاصة التي كتبت عليها قائمة الطعام و راحت تكيل الضربات لدالية في غيظ!
هتفت حين تذكرت شيئا شغل تفكيري لفترة من الزمن :
ـ راوية... ألم تسألي جاد عما حصل بينه و بين طارق في تلك المرة؟
بدا على راوية الضيق حين ذكرت اسم طارق... طارق الذي انسحب من حياتها كأنه لم يكن يوما يريد الارتباط بها... سافر دون أن يعلمها بقراره و دون أن يسألها عن رأيها... ببساطة، كأنه لم يتقدم لخطبتها...
لكنها عقدت حاجبيها بسرعة و هي تقول :
ـ لم يخطر ببالي أن أفتح معه الموضوع من جديد... لكن إن شئت سأسأله حين تسمح الفرصة...
رن هاتفي الجوال... طالعت الرقم ثم أجبت في برود :
ـ أهلا حنان... كيف حالك؟
جاءني صوت حنان رقيقا دافئا :
ـ أنا بخيـــــــــــر... كيف حالك أنت يا عزيزتي!
رفعت حاجبي دهشة... ما بالها حنان تحدثني بهاته الطريقة الغريبة؟!
استطردت بسرعة قبل أن أعلق و هي تقول :
ـ أردت أن تكوني أول من أدعوه لحفل خطبتي الأسبوع المقبل... بما أنك... سبق و تعرفت على نبيل!
تذكرت تلك الحادثة حين رأيتها في محل الحلويات... فهمهمت مباركة لها و شاكرة على التميز الذي منحتني إياه بأن أكون أول من يعلم! ثم قلت مستغربة :
ـ لكن... يبدو أنه مستعجل للغاية!
ضحكت في مرح و هي تقول :
ـ أنت لا تفهمين... إنه يحبني... يحبني جدا... و لا يطيق فراقي! لا تستغربي إن كان زواجنا بعد أشهر قليلة!
ثم أضافت قبل أن تنهي المكالمة :
ـ كما أنك تعلمين أن أيمن يسافر قريبا... و أريد أن يحضر أخي العزيز حفل خطوبتي!
أغلقت الهاتف و ابتسمت و أنا أرمق راوية و دالية في مرح :
ـ حنان ابنة عمتي تحتفل بخطوبتها الأسبوع المقبل! يبدو أن موسم الأفراح بدأ!
ثم غمزت راوية مداعبة... فربتت دالية على كفي و في عينيها نظرة ذات معنى :
ـ و أنت أيضا يا مرام... إن شاء الله نفرح بك قريبا... أنت و حسام...
دق قلبي في عنف... و أنا أفكر في حسام... ترى كيف حاله الآن؟
تمت الحلقة الثالثة عشر بحمد الله