عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 18-08-2009, 01:44 PM
الصورة الرمزية ساره الالفي
ساره الالفي ساره الالفي غير متواجد حالياً
عضو ممتاز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
العمر: 33
المشاركات: 253
معدل تقييم المستوى: 17
ساره الالفي is on a distinguished road
افتراضي


الحلقة الرابعة عشر

ـــــــــ*×*ـــ((1))ـــ*×*ـــــــــ




إنها إشراقة يوم جديد... تثاءبت في تكاسل و أنا أفتح عيني محاولة أن أطرد النعاس منها في صعوبة... نمت متأخرة البارحة، مثل الليالي الفارطة. فامتحانات نهاية السنة قد اقتربت و لم يعد هنالك مجال للتواكل! يجب أن أحرز النتيجة التي ترضي طموحي و تمكنني من الحصول على إجازة مميزة... تسللت الابتسامة إلى شفتي و أنا أتذكر وعد أبي العزيز بأخذنا في رحلة بحرية عقب الحصول على النتائج. و لكن الرحلة بالطبع لا تعتمد على نتيجتي وحدي، بل على نتيجة ماهر أيضا! عكر هذا الخاطر مزاجي. ذاك الولد، متى يهتم بدراسته و يريحني من هم التفكير في مصير الرحلة التي أنتظرها!

نهضت في تثاقل إلى الحمام. راوية ستأتي لندرس معا اليوم... طبعا ذاك النوع من المراجعة الذي تتخلله فترات استراحة مطولة للنقاش حول حفل خطبتها القريب و الاستعدادات له! اتفق جاد مع والدها على أن تكون حفلة صغيرة مباشرة بعد انتهاء الاختبارات. المسكينة تكاد تطير من الفرحة، لم تكن تتوقع أن تسير الأمور بتلك السهولة بعد أن كادت تجزم باستحالة ارتباطها به... لكن الله على كل شيء قدير.

لم أكن قد انتهيت من إفطاري حين دخلت راوية تحمل ابتسامتها الواسعة و وجهها ينطق بالسعادة، تلك السعادة التي دخلت حياتها على حين غرة لتمسح عنها كل الألم الذي عاشته في الفترة الأخيرة. ابتسمت و دعوتها إلى الجلوس إلى جانبي و أنا أقول في نفسي : تستحقين يا راوية كل خير... أدام الله فرحتك يا حبيبتي!

شاركتني الإفطار و هي تهتف بي بين اللقمة و اللقمة بعبارات الاستعجال، و كنت أضحك منها و أغيظها و أنا أترشف قهوتي على مهل...

و بعد دقائق قليلة كنا نجلس إلى المكتب في غرفتي و أكوام الكتب تتربع أمامنا في شموخ و ترقب. عقدت حاجبي في حيرة ثم التفتت إلى راوية و قلت :
ـ من أين نبدأ؟

أخرجت راوية مفكرتها و هتفت ضاحكة :
ـ عزيزتي... أنا أكثر منك نظاما... أعددت قائمة للمواد التي أحتاج أن أركز عليها قبل غيرها، فإن شئت اتبعنا التخطيط الذي أعددته!


رفعت حاجبي و أنا أطالعها في تردد، ثم قلت لأغيظها :
ـ فلنر إن كان تخطيطك سينفعك... أم نسيت أنني أسبقك دائما في المراجعة يا عزيزتي... و لكنني أحذرك هاته المرة، لا تطلبي عوني في قاعة الامتحان و تحملي مسؤوليتك كاملة!

تعكر مزاج راوية لذكر تلك الحادثة التي مرت عليها سنة تقريبا... لكنها قالت في لامبالاة :
ـ من يسمعك يظن بأنك ساعدتني أو تفضلت علي بشيء! الحمد لله نجحت رغم الداء و الأعداء... و كله بفضل الله أولا و أخيرا...

ثم حركت حاجبيها في حركة متكررة و في عينيها نظرة متشفية!

انفجرت ضاحكة و أنا أخطف مفكرتها من بين يديها و أقول مغيرة الموضوع :
ـ دعينا نر ماذا أعددت لنا...

انهمكت في مطالعة التخطيط، لكن راوية قاطعتني و هي تهتف في حماس :
ـ تذكرت!

رفعت رأسي إليها في استفسار فتابعت في هدوء و هي ترمقني بنظرة ذات معنى
ـ كم تدفعين لتعرفي ما الذي حصل بين جاد و طارق في تلك الليلة؟

نظرت إليها في دهشة و قلت :
ـ هل سألت جاد؟ و ماذا قال؟

ضحكت في دلال و هي تقول :
ـ لن تصدقي!

سرحت لثوان و أنا أتخيل المبارزة الدامية التي دارت بينهما في سبيل الحصول على الأميرة راوية! أبعدت عني التخيلات و طالعتها في اهتمام :
ـ قولي!

استرخت راوية في كرسيها و استندت إلى ظهره و هي تقول و على شفتيها ابتسامة حالمة :
ـ حين خرجا من المنزل كان كل منهما يحقد على الآخر بدرجة كبيرة، لكن جاد لم يكن يريد أن يدخل معه في جدال عقيم و رضي بما سيقرره والدي بعد النظر في المسألة بترو و طلب رأيي في الشابين المتقدمين... لكن طارق كان قد أخذ الموضوع على أنه حكاية كرامة، و ثقة جاد الواضحة جعلته يشتعل غضبا. فلحقه قبل أن يبتعد عن البيت. تبادلا الكلام الجارح و الاتهامات و كل منهما يهدد الآخر بالندم إن لم يبتعد عن طريقه... و في النهاية عرض طارق تحديا...

اتسعت عيناي دهشة و انفعالا و أنا أتابع كلماتها في لهفة... يبدو أن الحقيقة لا تبتعد كثيرا عن المبارزة التي تخيلتها، ففي المسألة تحد ما!

واصلت راوية مبتسمة :
ـ لم يكن جاد يريد أن يتورط معه في أي عمل متهور، لكن إصرار طارق و عناده جعلاه يقبل بالتحدي حتى لا يعتقد بأنه يتنازل عني بسهولة...

لاحظت احمرار راوية المفاجئ و هي تنطق بعبارتها الأخيرة في خفوت... أطلقت ضحكة قصيرة و أنا أربت على كتفها مازحة :
ـ طبعا... يا لحظك! شابان يتقاتلان من أجلك... و أحدهما ابن عمتي... من مثلك!

عقدت حاجبيها و هي تقول في تهكم :
ـ فهمت كل شيء، إلا الملاحظة الأخيرة... ما معنى أن يكون أحدهما ابن عمتك؟؟!

ـ يعني أن لك الشرف بأن يكون ابن عمتي مهتما بك! فدم العائلة الملكية يسري في جسده يا حبيتي!

ضحكت في لامبالاة و استطردت في استفزاز :
ـ إن كان كذلك، فلم لا تتزوجين من خارج العائلة الملكية! حرام أن تناسبي من هم أقل منك شأنا و تخلطي دمك الملكي بدم... لا يناسب مستواك!

رميتها بأقرب وسادة امتدت يدي إليها، لكنها تلافت الإصابة في خفة و ضحكت في مرح و هي تخفي رأسها وراء كومة الكتب التي استقرت بيننا على سطح المكتب...

استعجلتها في نفاد صبر و أنا أهتف :
ـ اتركي عنك الترهات الآن و أخبريني ما الذي حصل بالتفصيل؟!

تنحنحت و هي تستعيد هدوءها و رفعت عينيها كأنها تحاول استجماع أفكارها :
ـ نعم... إذن، قبل التحدي... فذهبا إلى الساحل الحجري القريبة... كان التحدي المقترح هو أن يتسابقا سباحة حتى يصلا إلى الصخور التي تتوسط البحر على بعد بضعة كيلومترات! لم تكن المسافة قصيرة... و الطقس كان باردا نوعا ما... لكن روح المغامرة و الانفعال سيطرا

عليهما...

هتفت في حماس قائلة :
ـ طارق سباح ممتاز! أذكر حين كنا أطفالا كان يغيظنا حين يبتعد عن الشاطئ و يأخذ معه الكرة حيث لا يمكننا أن نصل إليه أنا و سارة! فإذا كان منذ طفولته يتمتع بتلك اللياقة البدنية، فإنني أتصور أنه غدا منافسا خطرا يصعب تجاوزه... و أشك في أن جاد يتغلب عليه بسهولة!

رمقتني بنظرة أكدت شكوكي، لكنها هزت رأسها و قالت :
ـ طيب، طيب... ابن عمتك سباح ماهر، لكن تلك ليست كل الحكاية! كما أنه تحد سخيف... كيف يقترح مثل ذاك الاقتراح و هو يعلم تفوقه! كما أن الرجولة لا تقاس بمثل هاته المعايير...

ضحكت و أنا أقول :
ـ مسكين ابن عمتي... كان يحس بالقهر من جاد، و أراد أن يثبت تفوقه بأية طريقة! حتى إن بدت في نظرك سخيفة، فهي بالنسبة إليه تفوق على غريمه!

لم يعجب راوية كلامي، كأنني أهين جاد و أشكك في قدراته، فأردفت مغيرة الموضوع :
ـ لكنني لا أفهم... التحدي كان في السباحة، فكيف نتجت الجروح و الكسور و الإصابات؟؟

ـ طالما أنت تقاطعينني باستمرار فلن أنتهي من القصة إلا مع وقت الغداء!

ثم سكتت بمتظاهرة بالتركيز و استطردت :
ـ كما توقعت، طارق ربح التحدي و وصل إلى الصخور قبل جاد، فوقف عليها و أخذ يطالعه بنظرات شامتة و هو يقترب منه... وصل جاد و هو يتنفس بصعوبة بعد الرحلة الشاقة، و ما إن وصل إلى الصخرة و توقف ليستريح حتى قفز طارق في الماء من جديد لينقض عليه! جاد فوجئ بالحركة و تراجع في اللحظة المناسبة... سقط طارق في الماء، لكن المنطقة كانت بها صخور كثيرة على عمق غير كبير، فارتطمت ذراعه بصخرة ما بقوة، مما سبب له خدرا في جسمه إثر إصابته بكسر... حين لاحظ جاد أنه لم يكن يتحرك و فقط السيطرة، تقدم نحوه و رفعه في صعوبة ليخرجه من الماء... و بعد جهد جهيد تمكن من مساعدته على التمدد على الصخرة الكبيرة... لكن طارق الذي لم استفاق أخيرا من ذهوله بعد إصابته، تفطن أخيرا إلى أن من يساعده كان غريمه الذي يحقد عليه أكثر من أي شخص آخر... و بدون وعي منه تخلص من ذراعه التي كانت تسنده و دفعه في قسوة... كانت آخر كلمات سمعها جاد قبل أن تزل قدمه من وقع الدفعة : ابتعد عني... لست في حاجة إلى شفقتك!
ثم ترنح في قوة و سقط من على الصخرة ليصطدم رأسه بالصخور التي احتك عليها صدره في عنف!

شهقت في فزع حين وصلت إلى ذاك الحد من القصة و تابعت راوية التي ابتسمت في ألم و هي تداري دموعها التي أوشكت على النزول :
ـ و البقية تعرفينها!

ابتسمت أخيرا و أنا أقول مخففة من وقع الموقف :
ـ الحمد لله أن الإصابة كانت خفيفة و هاهو قد استعاد عافيته كاملة...

ثم سرحت بعيدا و أنا أهمس في قلق :

ـ صحيح أن طارق يتحول إلى شخص آخر... مفترس... حين يعميه الغضب!



__________________