عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 18-08-2009, 01:48 PM
الصورة الرمزية ساره الالفي
ساره الالفي ساره الالفي غير متواجد حالياً
عضو ممتاز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
العمر: 33
المشاركات: 253
معدل تقييم المستوى: 17
ساره الالفي is on a distinguished road
افتراضي

ـــــــــ*×*ـــ((3))ـــ*×*ـــــــــ




اليوم هو حفل خطوبة راوية!
أمر لا يصدق... كم مرت الأيام القليلة الماضية بسرعة فائقة. كل الترتيبات تمت في الوقت المناسب و غدا كل شيء جاهزا للحدث المرتقب.
أما أنا فقد كنت أعاني مشاعر متداخلة تعتمل في نفسي. أحس بأنني سأفتقد راوية بعد أن يصير في حياتها شخص أقرب إليها مني! و لكنني في نفس الوقت في غاية السعادة من أجلها، فسعادتها تسعدني... و يكفي أنها عانت الكثير من أجل هاته العلاقة الشائكة التي كتب لها أن ترى النور أخيرا... و من ناحية أخرى، فأنا أيضا أرتقب اليوم الموعود الذي أرتبط فيه رسميا بحسام...

والدة حسام اتصلت بوالدتي منذ ثلاثة أيام و طلبت موعدا رسميا هاته المرة لتخطبني لولدها... خبر سار، أليس كذلك؟
لكنني أحس بضيق غريب يستغربه كل من حولي. فوالدة حسام كانت موافقة منذ البداية على ارتباطنا، و العقبة الحقيقية كانت والده... فهل يعني طلبها الموعد انحلال العقدة نهائيا و موافقة الجميع؟ أم أنها قامت بذلك من أجل حسام فقط؟
حالته في الفترة الماضية لم تكن على أحسن ما يرام... أجرى امتحانات السنة النهائية و لازالت النتائج مجهولة... أرجو له التوفيق من كل قلبي...


لكنني اليوم مشغولة جدا مع راوية... ألازمها كظلها... أخذت استراحة بساعة واحدة حتى أعود إلى بيتنا و أجهز ملابسي، ثم عدت إليها على جناح السرعة...

طرقت الباب في هدوء و دخلت على راوية غرفتها. وقفت بسرعة و هبت إلي في لهفة، كأنني تركتها منذ شهر!
ـ تأخرت!

تأملت ملامحها القلقة في إشفاق ثم أجلستها على السرير و جلست إلى جانبها و قلت في مرح :
ـ هي ساعة واحدة... هل اشتقت إلي بهاته السرعة؟ لكنني ستنسينني قريبا!

ابتسمت ابتسامة باهتة و لم تعلق. فبادرتها :
ـ و الآن مابك؟ ما الذي يقلقك؟

بدا عليها التردد، و همست أخيرا :
ـ خائفة!

ـ خائفة؟! خائفة ممن؟ أم من ماذا؟

خفضت عينيها في إحراج و هي تهمس :
ـ أحس بخوف شديد من المستقبل... من المجهول... فمنذ اليوم ستتغير أشياء كثيرة في حياتي... سأدخل مغامرة حقيقية... امتحان حقيقي لصبري و قوة احتمالي... امتحان أصعب من كل امتحانات الكلية... فهل سأكون في المستوى؟ هل سيكون مصير علاقتنا النجاح... أم الفشل الذريع؟

أمسكت بها من كتفيها في قوة و هتفت في حزم :
ـ راوية... أنت لم تدخلي الاختبار اليوم... أنت بدأته منذ وافقت على جاد و خطوت الخطوات الأولى نحو الارتباط به... و كنت مستخيرة... مقتنعة... متوكلة على الله، مفوضة أمرك إليه...

هزت رأسها موافقة في حركة سريعة و همست و هي تطرد دموعها :
ـ إذن لا داعي للقلق... أليس كذلك؟

ابتسمت ابتسامة حانية و أنا أربت على كتفها :
ـ نعم... و هو كذلك...

لبثت معها أكثر من ساعة، أبادلها الأحاديث محاولة تغيير الموضوع و إعادة الهدوء إليها...
فجأة، دخلت علينا منال و هي تصرخ مبتهجة :
ـ جاء الضيوف! جــــــــاؤوا... عمتي فاطمة و بناتها... خالي سامي و زوجته... جارتنا سمية و أختها و ابنتها...

و أخذت تعد على أصابعها عدد الحاضرين و تحك رأسها بين الفينة و الأخرى متفكرة لتتأكد من أنها لم تنس أحدا...
ارتسمت الابتسامة أخيرا على شفتي راوية و بدا أن مزاجها قد تعدل و زال عنها الهم و القلق. بعد قليل دخلت راقية و البسمة تملأ وجهها... و ما إن رأتنا جالستين نتسامر، حتى صرخت في راوية :
ـ ألم تستعدي بعد؟! الضيوف ينتظرون في الصالة و أنت هنا تجلسين؟ الخاطب قد يصل في أية لحظة... بسرعة تحركي!

هبت راوية واقفة و قد أعادتها كلمات راوية إلى واقعها... جاد قادم بعد قليل!
و لم تمض دقائق إلا و كانت على أهبة الاستعداد.
ابتسمت و أنا أتقدمها إلى باب الغرفة و أنادي راقية. في تلك اللحظة، فتح الباب و دخلت أم راوية التي كانت مشغولة مع الضيوف إلى تلك الآونة. و ما إن رأت شكل راوية حتى شهقت في فزع و هتفت :
ـ هل ستخرجين هكذا؟!!

نظرت راوية إلى هندامها في استغراب و قالت :
ـ ما الأمر؟ الوشاح يغطي الرقبة و الصدر... لم يعد هنالك مشكلة!

ـ بل تلك هي المشكلة عينها!

حدقنا فيها دون استعياب... فاقتربت من راوية و هي تجذب وشاحها محاولة انتزاعه :
ـ هل هناك فتاة تخرج بهذا الشكل في حفل خطبتها؟ كيف تخفين جمالك في مثل هذا اليوم؟ هل تريدين أن تبدو بنات عماتك أجمل منك و أنت المحتفى بها؟ انزعي هذا الوشاح بسرعة!

هتفت راوية في اعتراض و هي تفلت الحجاب من قبضتها بصعوبة :
ـ لكن صدره مكشوف جدا... و إن ارتديت وشاحا أقل عرضا فإنه لن يغطي كل شيء... كما أن الحائكة أفسدت صدر الفستان...

رفعت والدتها الوشاح لتلقي نظرة ثم هتفت :
ـ ما به صدر الفستان؟ غاية في الجمال و الأناقة... و هو لائق عليك تماما!

ثم رفعت عينيها إلى راوية المذهولة :
ـ ثم من قال بأنك ستضعين وشاحا من الأساس؟ لن يكون هنالك في القاعة غير المساء فلا داعي للتحجب... ثم تعالي هنا... لمَ لم تضعي مساحيق على وجهك؟ يلزمك بعض الألوان ليبدو وجهك مشرقا!

هتفت راوية محتجة :
ـ و ماذا عن جاد؟

ـ إنه خطيبك! لم يعد غريبا عنك!

كانت دموع راوية تنذر بالنزول على وجنتيها و هي تهتف بصوت مختنق :
ـ مستحيل!

زمجرت والدتها و هي تفتح الباب لتخرج :
ـ لا أريد أن أسمع كلمة واحدة... كوني جاهزة خلال خمس دقائق!

ثم التفتت إلي مبتسمة و قالت :
ـ مرام... ساعديها من فضلك!

ثم صفقت الباب وراءها و تركتنا في قمة الحيرة و الذهول!
ارتمت راوية على السرير و أجهشت ببكاء مرير...

مرت الدقائق عصيبة و أنا أراقب راوية المنهارة في ارتباك...فموقف والدتها لم يكن متوقعا أبدا، كيف يمكنني أن أواسيها و أخفف عنها؟
دخلت راقية الغرفة لتستعجل راوية في الخروج، لكنها صدمت حين وجدتها تئن في فراشها... شرحت لها بكلمات مبعثرة ما حصل منذ دقائق. وقفت عاقدة حاجبيها للحظات ثم خرجت مسرعة دون أن تعلق بكلمة...
راقية لم تلق نفس الإشكال في زواجها لأنها تحجبت بعد الزواج مباشرة...

حاولت تهدئة راوية بكل ما أسعفني به تفكيري نصف المشلول في تلك الآونة من كلمات و أنا أسأل الله في سري أن ترجع راقية بالحل سريعا.

كانت الدقائق تمضي ثقيلة على قلبي... و أخيرا ظهرت راقية من جديد و على شفتيها ابتسامة رضا، و قالت مخاطبة راوية :
ـ هيا اجهزي بسرعة... امسحي دموعك و اغسلي وجهك... حاولي إخفاء آثار الدموع... ماذا سيقول عنا المدعوون!

غمغمت راوية بصوت متقطع تملؤه الدموع و الشهقات :
ـ و لكن... أمي... لا تريد...

ـ تأخرنا كثيرا على الضيوف... و الخاطب قد يصل في أية لحظة!

التفتنا جميعا إلى باب الغرفة حيث ظهرت والدة راوية... واصلت قائلة :
ـ ارتدي ما ترينه صالحا... إنها حفلتك في نهاية الأمر!

ثم خرجت بسرعة كما دخلت تاركة إيانا في ذهول كالعادة... لكن راقية أخرجتنا من ذهولنا و هي تهتف مستعجلة :
ـ تحركن هيا! مرام... ساعديها على تعديل وشاحها... و إخفاء آثار الدموع...

و أخيرا خرجت راوية إلى القاعة، حيث استقبلتها النسوة بالزغاريد... و أخيرا رأيت ابتسامتها الخجلة تطل على شفتيها معلنة عن فرحتها الحقيقية...

لم تمض دقائق قليلة على اتخاذها مقعدها في صدر المجلس، حتى دخلت علينا منال راكضة و هي ترفع ثوبها الطويل المطرز... توجهت مباشرة إلى راوية و اقتربت منها لتوشوش في أذنها بصوت أرادته هامسا و لكنه مع انفعالها الواضح وصل إلى مسامع الحاضرات المحيطات براوية :
ـ وصل العريس!

و دون انتظار، بادرت عمة راوية بالزغردة، فتعالت زغاريد النسوة متتابعة بشكل متواصل. و ظلت العيون معلقة بالمدخل في انتظار أن تدخل النسوة من عائلة الخاطب إلى حيث العروس... لكن دقائق طويلة مرت و لم يدخل علينا أحد... سرت الهمهمات بين الحاضرات و عبرت النظرات عما أشفقت الألسن من الإفصاح به... أما راوية فقد طأطأت رأسها و عضت على شفتها السفلى في حسرة...

خرجت منال من جديد وعادت إلينا بعد لحظات و هي تقفز في جذل، حاملة إلينا المزيد من الأخبار :
ـ هنالك سيارات كثيرة!

تبادلت و راوية نظرات دهشة... من يكون جاء معه؟ هل من المعقول أن تكون عائلته؟
كانت راقية قد وضعت بعض الأشرطة الموسيقية لاستقبال الخاطب و إضفاء بعض الأجواء الاحتفالية... فتعالت الأغاني بصوت مرتفع و اشتد اللغط و اختلطت الأحاديث في القاعة... في حين كان الرجال يجلسون في فناء المنزل...

دخلت منال التي ظلت تروح و تجيء بين القاعة و الفناء و هي تسحب فستانها وراءها، لكنها توجهت مباشرة إلى المسجل و أوقفته تحت نظرات الحاضرات المستنكرة... لكنها هزت كتفيها في استهانة و هي تقول :
ـ العريس طلب مني ذلك!

تبادل الجميع نظرات... فيها الحائر و فيها المتسائل... و فيها المستهجن...
و لم تمض لحظات حتى ارتفعت أصوات رجالية في الفناء منشدة بألحان عذبة تهز القلوب... و عم الصمت على الحضور و اختفى الهرج و المرج... و لم يعد سوى صوت النشيد الشجي... و سرعان ما تعزز الإنشاد بدقات الدف التي رافقته... و تفاعل الحاضرون مع النشيد و الدف بتصفيق موقع منسجم بين الداخل و الخارج... و ارتسمت ابتسامات مستحسنة على الوجوه التي كانت مستنكرة للتو...


و أخيرا، دخل جاد القاعة مع والد راوية و قد بدا عليها التوافق و الانسجام. و حين اقتربا من صدر المجلس هتف والد راوية مازحا :
ـ ها قد أوصلتك إليها... فلا حاجة إلي بعد الآن!

أجابه جاد بابتسامته المعهودة :
ـ كيف يا عمي... أنت الخير و البركة!

أما راوية فإنها لم تنبس ببنت شفة، فقد كانت في غاية الإحراج من وجود جاد بالقرب منها... كانت تضم كفيها في حجرها في توتر ملحوظ و نظراتها ملتصقة بالأرض. جلس جاد على الكرسي المجاور لها و رنا إليها باسما :
ـ كيف حالك... راوية؟

رفعت عينيها إليه في تردد و همست بصوت مبحوح :
ـ بخير...

ـ أولا تسألين عن حالي؟

كفتاة صغيرة بريئة تنفذ ما يطلب منها، همست راوية من جديد :
ـ كيف حالك؟

اتسعت ابتسامته و هو يقول :
ـ في غاية السعادة!

احمرت وجنتا راوية خجلا أكثر و أكثر أمام إجابته الجريئة... و غير المتوقعة. لكنها بعد لحظات تمالكت نفسها و سألته في اهتمام :
ـ من جاء معك؟

ابتسم و هو يقول في اعتزاز :
ـ عائلتي!

و حين رأى علامات الدهشة على ملامحها واصل موضحا :
ـ عائلتي الحقيقية... هم من وقف إلى جانبي حين كنت غريبا و وحيدا و في أمس الحاجة إلى من يواسيني و يخفف عني... حين خرجت من المستشفى لم أعلم إلى أين أتوجه، فقصدت المسجد... و هناك أكرمني الله بالتعرف على بعض الشباب الملتزمين... شباب من خيرة الناس... استضافوني و أكرموني إلى أن شفيت تماما... و نشأت بيننا علاقة و لا أقوى... ثم حين وصلهم خبر خطبتي أصروا على مشاركتي فرحتي، خاصة أنهم يعلمون أنني وحيد هنا و عائلتي... لا تؤيد إسلامي... جميلهم علي لا يمكن أن أنساه ما حييت...

ثم واصل هامسا :
ـ كما أنني لا أنسى جميلك أنت علي... فأنا مدين لك بحياتي... حياتي التي لم تكن تعني شيئا قبل الإسلام!

خفضت راوية رأسها في خجل و على شفتيها ابتسامة سعادة... لكن أمها قاطعتهما فجأة حين اقتربت منهما و هي تقول :
ـ هيا... ألن تلبسها الخاتم؟

ارتبك جاد و أخرج من جيبه علبة فاخرة من المخمل الأحمر و مدها إلى راوية قائلا :
ـ راوية... أرجو أن تقبلي مني هذا الخاتم... كان بودي أن أشتري لك أجمل مضوغ الدنيا... لكن ظروفي الحالية لا تسمح كما تعلمين... و سأعوضك حين تفرج إن شاء الله...

أخذت راوية منه العلبة في خجل... في حين نظرت إليهما والدتها في استهجان :
ـ ألن تلبسها إياه؟

ابتسم جاد في إحراج و فتح العلبة التي لا تزال بين يدي راوية... أخذ الخاتم في تردد و مدت راوية كفها إليه ليدخل الخاتم في بنصرها الأيسر... لكن يده ارتجفت و سقط الخاتم! فازداد ارتباك جاد و همس حتى لا تصل كلماته إلى الآذان الفضولية القريبة :

ـ خالتي... هلا ألبستها أنت الخاتم؟ لا يمكنني أن أضعه في إصبعها دون أن ألمس يدها... و أنت تعلمين... أنه لا يجوز... و هي ليست زوجتي بعد...

انتقل اللون الأحمر إلى وجه والدة راوية التي تناولت الخاتم بالفعل و وضعته في إصبع راوية أمام العيون المحملقة... ثم قبلت ابنتها مهنئة، فارتفعت الزغاريد من جديد... و تدافعت الحاضرات للتهنئة... و هنا اغتنم جاد الفرصة فهمس لرواية :
ـ أكلمك لاحقا!

ثم انسحب خارجا ليستقبله الرجال بالأحضان مهنئين...
__________________