
25-08-2009, 12:56 AM
|
موقوف
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,444
معدل تقييم المستوى: 0
|
|
كارثة تيمورلنك
ظهرت أثناء تلك الفترة قوة بشرية ضخمة يقودها رجل من أقسى الناس قلباً وأخبثهم عملاً ، هو "تيمورلنك" hلذي كان يدعي الإسلام. استطاع هذا الرجل أن يؤسس إمبراطورية ضخمة مترامية الأطراف ، حيث جلس على عرش "خراسان" وقاعدته "سمرقند" عام 1369م ، ثم ضَمَّ بلاد ما وراء النهر والهند وموسكو وآسيا الصغرى وبلاد الشام ، واستطاع بجيوشه الرهيبة أن يهيمن على القسم الأكبر من العالم الاسلامي ؛ فقد انتشرت قواته الضخمة في آسيا من "دلهي" إلى "دمشق" ، ومن بحر "آرال" إلى الخليج العربي ، واحتل "فارس" و"أرمينيا" وأعالي "الفرات" و"دجلة" والمناطق الواقعة بين بحر "قزوين" إلى "البحر الأسود" ، وفي "روسيا" سيطر على المناطق الممتدة بين أنهار "الفولجا" و"الدون" و"الدنيبر" ، وأعلن بأنه سيسيطر على الأرض المسكونة ويجعلها ملكاً له ، وكان يردد : ((يجب ألا يوجد سوى سيد واحد على الأرض طالما أنه لا يوجد إلا إله واحد في السماء))
واستباح "تيمورلنك" بعض البلاد مثل "بغداد" و"حلب" وغيرها ، فعمل فيها التخريب والقتل .. وكان يأخذ الصناع والحرفيين إلى عاصمته "سمرقند" .. ولم يستطع أحد أن يقوم في وجه هذا الطاغية ؛ لعظمة جيوشه وأعدادها الضخمة التي لا نبالغ إذا قلنا أنها تجاوزت المليون جندي !!
وكان هذا الطاغية يصنع أهراماً من جماجم ضحاياه وعظامهم ، فكان من أشد الناس ظلماً وقهراً .. وكان قبحه الله يصبغ حملاته تلك بصبغة دينية لتسهيل احتلاله للبلاد
ما فرح ملوك أوروبا بشىء مثل فرحهم بظهور "تيمورلنك" الذي وجدوا فيه خلاصهم الوحيد من السلطان "بايزيد الأول"
كما ارتحل كثير من أمراء "الأناضول" الذين طردهم "بايزيد" إلى خدمة "تيمورلنك" ، واحتموا به .. وبلغ ذلك إمبراطور "بيزنطة" وأمراء أوروبا : فأرسلوا إلى "تيمورلنك" يستنجدون به من "بايزيد" ، ويوقدون العداوة بينهما ، ويمنونه بأملاك العثمانيين .. وبالفعل طمع "تيمورلنك" في أملاك الدولة العثمانية ، وبدأ بالهجوم على أطرافها في آسيا الصغرى ، وانضم إليه الأمراء الفارين من "بايزيد الأول" ، الأمر الذى أزعج السلطان "بايزيد" جداً ، فصمم على ملاقاة هذا الطاغية وقتله ، خصوصاً بعد رسالة "تيمورلنك" إليه ؛ حيث أهانه ضمنياً حين ذَكَّرَه بغموض أصل أسرته واستصغار شأنه ، ولكنه ختم الرسالة بأن عرض عليه العفو على اعتبار الخدمات الجليلة التى قام بها "آل عثمان" لخدمة الإسلام !!
فصمم السلطان بايزيد على محاربة الطاغية "تيمورلنك" ، ثم بعد ذلك يتفرغ لفتح "القسطنطينية" الذي كان وشيكاً جداً
معركة أنقرة 1402م
في عام 1400م احتل "تيمورلنك" "سيواس" في "الأنضول" ، وأباد حاميتها هناك التي كان يقوها "أرطغرل" ابن السلطان "بايزيد" .. ولم يكتفي بذلك ، بل أخذ الفرسان وأحنى رؤسهم بين أرجلهم وألقاهم في خنادق واسعة وردمهم بالتراب !!
انزعج السلطان "بايزيد" جداً ، واستصوب رفع الحصار عن "القسطنطينية" وملاقاة هذا الطاغية .. فاجتمع الجيشان فى سهل "أنقرة" في 19 ذي الحجة 804هـ / 1402م ، وكان جيش السلطان "بايزيد" حوالي 120000 مجاهد ، وكان من قواد الجيش 5 من أولاد السلطان "بايزيد" هم: "محمد" و"مصطفى" و"سليمان" و"عيسى" و"موسى" ، وكانت قوات "تيمورلنك" كثيرة جداً تجاوزت الـ 800000 مقاتل !! هذا بالإضافة إلى وجود آلاف من التتر فى جيش "بايزيد" والذين أرسل لهم "تيمورلنك" سراً كتاباً يطلب منهم فيه أن ينضموا إليه ويتركوا السلطان "بايزيد" قائلاً : ((نحن جنس واحد ، وهؤلاء تركمان ندفعهم من بيننا ، ويكون لكم الروم عوضهم)) ، فأجابوه وواعدوه أنهم عند اللقاء يكونون معه !! وبالفعل انضم جنود التتر إلى صفوف "تيمورلنك" عند بداية المعركة ، وكان عددهم خمسين ألفاً .. فكان مصير المعركة معروف مسبقاً
وبدأت المعركة شرسة ضارية تشبه في شدتها وضراوتها حروب هذا العصر مع اختلاف نوع الأسلحة المستخدمة !! وانهزم جيش "بايزيد" ، وبدأ الجنود في الانسحاب ، أما "بايزيد الأول" فلم ييأس وهو الذي تعود على النصر وعُرف بالشجاعة والإقدام ، فأخذ مجموعة من الفرسان من خواص رجاله وصعدوا على ربوة عالية ليكونوا في موقع جيد للقتال ، ولكن قَدَّرَ الله أن يقع السلطان بايزيد في الأسر
وكانت الهزيمة بسبب اندفاع وعجلة "بايزيد" ؛ فلم يُحسن اختيار المكان الذي نزل فيه بجيشه الذي لم يكن يزيد عن مئة وعشرين ألف مقاتل بينما كان جيش خصمه لا يقل عن ثمانمائة ألف ، ومات كثير من جنود "بايزيد" عطشاً لقلة الماء وكان الوقت صيفاً شديد القيظ ، ولم يكد يلتقي الجيشان حتى فر الجنود التتار الذين كانوا في جيش "بايزيد" وجنود الإمارات الآسيوية التي فتحها منذ عهد قريب وانضموا إلى جيش "تيمورلنك" ، فلم يجد السلطان بعد ذلك إلا ما أظهره هو وبقية جيشه من الشجاعة والاستماتة في القتال حتى أُسر
نعم ، وقع السلطان "بايزيد الأول" في الأسر عند "تيمورلنك" .. واختلفت الروايات فى كيفية معاملة "تيمورلنك" للسلطان المجاهد العظيم "بايزيد الأول" ، فمنهم من قال أنه أهانه ووضعه في قفص وأخذ يطوف به البلاد ، ومنهم من قال أنه أكرمه وعظم شأنه ، ولا ندري حقيقةً كيف عُومل السلطان المجاهد الصاعقة "بايزيد الأول" في أسره ، إلا أن مرارة الأسر وحدها كافية ، لاسيما إذا كان الأسير مثل هذا الرجل العظيم
تم تصغير هذه الصورة ... نقره على هذا الشريط لعرض الصورة بمقاسها الحقيقي علما بأن مقاسات الصورة قبل التصغير هو 800 في 542 وحجم الصورة 86 كيلو بايت
بعد أسر السلطان "بايزيد" استباح "تيمورلنك" أملاك الدولة العثمانية لجنوده فخربوها وهدموا أكثر منشآتها
وفاة الصاعقة – 15 شعبان 805هـ
أتدرون كيف مات السلطان المجاهد العظيم الصاعقة "بايزيد الأول" ؟!!
مات السلطان "بايزيد" بعد ثمانية شهور كمداً في أسره .. ظل يرسف في أغلاله حتى مات رحمه الله تعالى ... لم يتحمل (رحمه الله) الذل والهوان والأسر ، كيف لا وهو السلطان المجاهد العظيم الصاعقة الذي تعود على النصر والذي لم يركن إلى الراحة يوماً واحداً وظل في جهادٍ دامَ أكثر من أربعة عشر عاماً حتى وصلت جيوشه أماكن لم تُرفع فيها راية للمسلمين من قبل ، ورُفع الأذان في عهده في "القسطنطينية" التي كادت أن تُفتح على يديه ، وهو السلطان الذي كانت ترتعد فرائص ملوك الروم عند ذكر اسمه فقط
وعندما مات السلطان "بايزيد الأول" سمح "تيمورلنك" لابنه الأمير "موسى" بأخذ جثمان أبيه ودفنه بجوار مسجده في مدينة "بروصة" في "الأناضول" ، وقبره بها مازال معلوماً إلى الآن
لقد فرحت الدول النصرانية في الغرب بنصر "تيمورلنك" ، وهزها الطرب لمصرع "بايزيد" وما آلت إليه دولته من التفكك والانحلال ، وبَعَثَ ملوك "إنجلترا" و"فرنسا" و"قشتالة" وإمبراطور "القسطنطينية" إلى "تيمورلنك" يهنئونه على ما أحرز من النصر العظيم والظفر المجيد ، واعتقدت أوروبا أنها قد تخلصت إلى الأبد من الخطر العثماني الذي طالما روعها وهددها
وكانت الصدمة شديدة جداً على المسلمين في أنحاء الأرض ، حتى أن "تيمورلنك" قام بفتح بعض البلاد الساحلية الصليبية وانتزعها من أيدي فرسان القديس "يوحنا" مُحاولاً بذلك أن يُبرر موقفه أمام الرأي العام الإسلامي الذي اتهمه بأنه وَجَّهَ ضربة قاضية وشديدة للإسلام حين قضى على الدولة العثمانية وقضى على السلطان المجاهد العظيم الصاعقة "بايزيد الأول"
لكن أبى الله إلا أن يُخَلِّد ذكر الصاعقة "بايزيد الأول" ، ويأتي من نسله أبطال عظماء لطالما استمتعنا بقراءة سيرهم وبطولاتهم ، مثل "محمد الثاني" فاتح القسطنطينية ؛ فهو "محمد الفاتح" بن "مراد الثاني" بن "محمد جلبي" بن السلطان "بايزيد الأول" ، ذرية بعضها من بعض
مات السلطان بايزيد الأول وقد بلغ من العمر 44 عاماً
وظلت سيرة السلطان "بايزيد الأول" وستظل دائماً نوراً ونبراساً يُضيء لنا الدرب إلى الجهاد وإلى نصرة دين الله
قال الإمام الحافظ المحدث العلامة "ابن حجر العسقلاني" (رحمه الله) عن السلطان "بايزيد الأول" : ((كان من أكبر ملوك الإسلام ، وأتمهم يقينا ، وأيمنهم نقيبة ، وأكثرهم غزواً في بلاد الكفار ، وكان يُنكر على ملوك عصره تقاعدهم عن الجهاد وأخذهم المكوس)) .. وقال رحمه الله : ((وكان أبو يزيد بن عثمان (بايزيد الأول) من خيار ملوك الأرض ، ولم يكن يلقب بلقب ولا أحد من آبائه وذريته ، ولا دُعي بسلطان ولا ملك ، وإنما يُقال "الأمير" تارة و"خوند خان" تارة ، وكان مُهاباً يحب العلم والعلماء ويُكرم أهل القرآن)) .. وقال رحمه الله : ((وكان يجلس بكرة النهار فى براحٍ متسع ، وتقف الناس بالبعد عنه بحيث يراهم = فمن كانت له ظِلامة رفعها إليه فأزالها في الحال)) .. وقال رحمه الله : ((وكان الأمن فى بلاده فاشياً بحيث يمر الرجل بالحمل مطروحاً بالبضاعة فلا يتعرض له أحد))
سبحان الله !!!
أرأيتم كيف كان السلطان "بايزيد الأول" (رحمه الله) وكيف كان ثناء الإمام الحافظ "ابن حجر العسقلاني" (رحمه الله) عليه ؟!!!
والله يا إخوة إن مما يحزن ويدمي القلب أن شبابنا الآن لا يعرفون شيئاً عن هذا البطل العظيم !!
والله المستعان
|