4- كل ما يخص حقوق الأنسان ( نشر ثقافة حقوق الأنسان)
ثالثا : النظم القانونية العربية والمبادئ الدولية لحقوق الإنسان
التزمت الدول العربية بعدد من أهم المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. فقد صدقت بعض الدول العربية ووقعت على أهم وثيقتين دوليتين لحقوق الإنسان وهما العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ولم يصدق على البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الأول إلا عدد قليل من الدول العربية.
كما صدقت العديد من الدول العربية على اتفاقية مناهضة التعذيب. أما اتفاقية إزالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة فقد وقعتها كل الدول العربية ما عدا سبع دول ما زالت عازفة عنها. وفيما عدا الأردن أحجمت كافة الدول العربية عن التصديق على اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية رغم أن تسع دول قد وقعت عليها.
ولم تول كثير من الدول العربية الاهتمام المطلوب الذي يوليه المجتمع الدولي لاتفاقيات منظمة العمل الدولية المتعلقة بالعمل النقابي.
ونصت جميع الدساتير العربية على حماية الحريات العامة وحقوق الإنسان. وتضمنت الدساتير العربية إشارات إلى مبدأ المساواة أمام القانون في الحقوق والواجبات العامة، وإلى حماية وتأمين الحقوق والحريات الأساسية وإن اختلف مضمون الحقوق ونطاق الحرية والحماية وفقا للتراث الثقافي لكل دولة، ومدى حظ الدولة من الأخذ بمبادئ الديموقراطية والحريات المدنية والسياسية، وموقع الفكـر الشمولـي دينيا كان أو دنيويا من التأثير على نظام الحكم بالدولة.
وتولى الدساتير العربية الأولوية للحقوق والحريات في دساتيرها،وثمة دساتير عربية أعلنت عن التزامها صراحة بالحقوق الواردة في المواثيق والصكوك الدولية.
وقد تضمنت دساتير تونس (م 8)، والجزائر (م 30)، والمغرب (ف 9)، والسودان (ف 1)، والأردن (م 15)، والكويت (م 36)، واليمن (م 26)، وموريتانيا (م 10)، والإمارات (م30)، ومصر (م 47)، والبحرين (م 23)، ولبنان (م 13) أحكاما خاصة بحرية الفكر والرأي والمعتقد، تراوحت في صياغتها.
كما تضمنت دساتير البلدان العربية أحكاما خاصة بحرية الاجتماع السلمي و تكوين الجمعيات والانضمام إليها.
وتعترف دساتير 14 بلداً عربياً بحق تكوين الأحزاب السياسية بينما تتجاهلها أو تنكرها تماما دساتير أخرى.
لقد حدث نوع من التطور نحو إقرار التعددية الحزبية في دساتير بعض الدول التي أخذت، لعقود طويلة، بنظام الحزب الواحد. على أنه يؤخذ على هذه الدساتير أن آثار قيود مرحلة الحزب الواحد ما زالت عالقة بها.
وتنص جميع الدساتير العربية على مبادئ حيدة القضاء واستقلاله. فقد أجمعت على استقلال القضاء وحرمته، وأن القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، بل أسهب بعضها في إبراز مكانة القضاء وأهمية استقلاله، وحقوق المتقاضين، كما هو حال الدستورالمصري، الذي أفرد لهذا الموضوع بابا رابعا مكونا من تسع مواد (م 64- 72). كما أدخل البعض الآخر تعديلات جوهرية في قوانينه لتغدو ملائمة لشروط تحقق المحاكمة العادلة، كما حددتها المعايير الدولية المتضمنة في صكوك الاتفاقيات والمواثيق.
غير أن الدساتير العربية وإن تضمنت أحكاما مهمة أقرت بمقتضاها مبدأ استقلال القضاة، فقد حافظت على حضور السلطة التنفيذية وتأثيرها على السلطة القضائية. فعلاوة على أن الأحكام تصدر وتنفذ باسم رؤساء الدول (بمختلف تسمياتهم وألقابهم) وهذا أمر لا اعتراض عليه إن اقتصر على حدود الرمز، إلا أن بعض الدساتير أوكلت لهم حق ترأس الهيئات الدستورية المشرفة على القضاء، كما هو الشأن على سبيل المثال في المغرب حيث نص الفصل السادس والثمانون من الدستور (1996) على أن "يرأس الملك المجلس الأعلى للقضاء..."، أما المادة الثالثة والسبعون بعد المائة من دستور مصر فقد قضت بأن يترأس رئيس الجمهورية المجلس الأعلى للهيئات القضائية.
وثمة مظاهر أخرى من اختلال العلاقة بين السلطتين التنفيذية والقضائية لعل أبرزها هيمنة وزارات العدل العربية على شئون توظف القضاة وترقيتهم وتأديبهم والتفتيش عليهم والتحكم في ميزانية القضاء فضلا عن استشراء صور القضاء الاستثنائي في العالم العربي.
وتنص بعض الدساتير العربية على الحق في الجنسية بينما تغفل الدساتير الأخرى مثل هذا النص. وتحيل الدساتير أمور تنظيم الجنسية إلى القانون كما هو الأمر بالنسبة لمصـر (م6)، ولبـنان (م6)، والأردن (م5)، والسعودية (م35)، والجزائر (م30). أما بعض الدساتير، فإضافة إلى إسنادها تنظيم حق الجنسية إلى القانون فقد تعرضت إلى موضوع إسقاطها والشروط اللازمة لذلك، مثلما هو وارد في دساتير قطر (م4)، عمان (م15)، الإمارات (م8)، الكويـت (م27).
وتتفاوت الدساتير العربية في النص على الحريات الشخصية وفي مدى الحريات التي تعترف بها، ويجمعها أنها تحيل في تنظيم الحريات إلى القوانين التي ما تقوم غالبا بتقييدها.
وقد أنزلت الدساتير العربية الأسرة مكانة مميزة حين اعتبرتها أساس المجتمع، وشددت على واجب المحافظة عليها وصونها من التفكك والانحلال، وتوفير شروط استمرارها وانسجامها مع النظام العام ومنظومة القيم الحضارية والأخلاقية.
على أن عددا من الدساتير العربية تتضمن نصوصا تفتح الباب أمام انتهاكات حقوق الإنسان بصياغات تصادر الحقوق والحريات العامة أو تسمح بمصادرتها. من قبيل ذلك ما درجت عليه الدساتير العربية من الإحالة إلى التشريع العادي لتنظيم الحقوق والحريات ، ثم يأتي التشريع تحت ستار تنظيم الحق والحرية ليقيدهما بقيود تتنافى مع المواثيق الدولية أو يصادرها كلية.
والأمثلة على ذلك كثيرة في القوانين المنظمة لحرية الرأي والتعبير وحق تكوين الجمعيات والحريات الصحفية والحق في المشاركة السياسية وحق تشكيل الأحزاب السياسية والحق في المحاكمة العادلة وضمانات وحقوق المتهمين ومبدأ الشرعية الجنائية وغيرها.
وزاد من تفاقم هذه الظاهرة ذات الجذور التاريخية (أي ظاهرة الانتهاك التشريعي لحقوق الإنسان) تذرع كثير من الدول بضرورات محاربة الإرهاب لكي تصدر تشريعات تنتهك ضمانات حقوق الإنسان. ويأتي هذا التوجه التشريعي المناهض لحقوق الإنسان بدعوى مكافحة الإرهاب في ظل دعم دولي بعد أحداث 11 سبتمبر متمثلا في عدد من القرارات التي صدرت من مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة تدعو الدول إلى اتخاذ كافة التدابير ومنها التدابير التشريعية بطبيعة الحال لمكافحة الإرهاب وملاحقة ومعاقبة مرتكبيه، ولم تكن الدول العربية تنقصها مثل هذه الدعوة(22).
وقد أصدرت لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة ولجنة القضاء على التمييز العنصري عديدا من القرارات ووجهت عديدا من البيانات طالبت فيها الدول أن تكون إجراءاتها وتشريعاتها لمكافحة الإرهاب متسقة مع ميثاق الأمم المتحدة ومع التزاماتها الدولية بضرورة احترام حقوق الإنسان.
موضع القانون الدولي لحقوق الإنسان في التشريع الوطني:
1- التدرج القانوني :
ينقسم تعامل الدساتير العربية مع الاتفاقات الدولية فيما يتعلق بالمرتبة التي تحتلها الاتفاقية في سلم التدرج القانوني إلى مناهج ثلاثة :
المنهج الأول
يجعل للاتفاقية الدولية مكانة تسمو على الدستور ذاته. من قبيل ذلك النظام الأساسي السعودي ودستور دولة الإمارات. فتنص المادة 81 من النظام الأساسي السعودي على أنه "لا يخل تطبيق هذا النظام بما ارتبطت به المملكة العربية السعودية مع الدول والهيئات والمنظمات الدولية من معاهدات واتفاقيات".
وهذا يعنى أنه إذا تعارض النص الدستوري أو النظامي مع معاهدة دولية ارتبطت بها السعودية فالأولوية في التطبيق لنص المعاهدة. وقد نصت المادة 147 من دستور دولة الإمارات العربية المتحدة على حكم مشابه بقولها إنه: ... لا يخل تطبيق هذا الدستور بما ارتبطت به الإمارات أعضاء الاتحاد مع الدول والهيئات الدولية من معاهدات واتفاقيات مالم يجر تعديلها أو إلغائها بالاتفاق بين الأطراف المعنية".
المنهج الثاني
وهو الذي اتبعه الدستور التونسي والدستور الجزائري حيث يجعلان للمعاهدة التي ارتبطت بها الدولة قوة أدنى من الدستور وأعلى من التشريع العادي. وعلى هذا نصت المادة 32 من الدستور التونسي بقولها ".. لا تعد المعاهدات نافذة المفعول إلا بعد المصادقة عليها، والمعاهدات المصادق عليها بصفة قانونية أقوى نفاذا من القوانين" كما نصت المادة 132 من الدستور الجزائري على أن "المعاهدات التي يصادق عليها رئيس الجمهورية حسب الشروط المنصوص عليها في هذا الدستور تسمو على القانون". أي أنه إذا تعارض نص تشريعي عادى مع معاهدة دولية في تونس أو الجزائر جرى تطبيق المعاهدة وإهدار التشريع.
وهذا يكفل للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي ارتبطت بها تونس أولوية في التطبيق على التشريع الذي قد ينتهك هذه الحقوق. على أن تأمين احترام حقوق الإنسان رهن أيضا بسلطة قضائية مستقلة تستطيع أن تتحدى إرادة السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية إن هما افتئتا على حقوق الإنسان، وهذا أمر مشكوك في وجوده في كثير من البلدان العربية.
المنهج الثالث
وهو الذي تتبعه أغلب الدساتير العربية حيث تضع المعاهدة الدولية في مرتبة مساوية للتشريع بعد التصديق عليها. ويعنى هذا أن المعاهدة تكون لها قوة التشريع وواجبة التطبيق بمجرد التصديق عليها. على أنه إذا صدر بعد التصديق على المعاهدة تشريع يخالف أحكامها فتطبق القاعدة التشريعية اللاحقة عملا بمبدأ أن التشريع اللاحق ينسخ التشريع السابق. ولا نعرف مثالا واحدا قضت فيه المحاكم العربية بتطبيق معاهدة أو اتفاقية لحقوق الإنسان تطبيقا مباشرا سواء لسموها على التشريع أو لأنها تعتبر من التشريع النافذ في الدولة سوى الحكم الصادر من محكمة أمن الدولة المصرية في 16/4/1987 الذي قضى ببراءة عمال السكك الحديدية من تهمة الإضراب التي يعاقب عليها قانون العقوبات المصري لأن فعل الإضراب مباح بمقتضى المادة 8 د من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تبيح الإضراب. وانتهت المحكمة إلى أن العهد الدولي قد تحول إلى تشريع مصري في 4 إبريل سنة 1982 وهو تاريخ نشره في الجريدة الرسمية بعد التصديق عليه في 8 ديسمبر 1982 وذلك عملا بالمادة 151 من الدستور، وأن نص المادة 8د من العهد الدولي قد نسخ نص المادة 124 من قانون العقوبات وهو نص سابق على تصديق مصر على العهد الدولي وصيرورته قانونا مصريا(23).
وخلاف ذلك لا نعرف سابقة قضائية عربية حول التطبيق المباشر للاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان رغم أن كثيرا من الدساتير العربية تسمح بذلك.
وقد يرجع إحجام القضاء العربي عن التطبيق المباشر لاتفاقيات حقوق الإنسان رغم كونها واجبة التطبيق إلى غيبة الثقافة القانونية التي تعى أن الاتفاقية أو المعاهدة هي جزء من التشريع الداخلي أو تسمو على التشريع في بعض النظم. فالقضاة ينظرون إلى أنفسهم على أنهم مجرد مطبقين للتشريعات التي تصدر من مشرعهم الوطني مباشرة. ويعزو بعض الباحثين إلى السلطة التنفيذية العربية تكريس هذه الثقافة بل والالتفاف على الاتفاقية الدولية التي ترتبط بها الدولة عن طريق الامتناع عن نشر الاتفاقية في الجريدة الرسمية أو تأخير النشر أو نشر الأمر القاضي بالتصديق على الاتفاقية دون نشر نص الاتفاقية ذاته أو نشر نص مخالف للنص الرسمي للاتفاقية إلى غير ذلك من وسائل التحايل والالتفاف التي تحول دون نفاذ الاتفاقية(24).
وثمة نظم قانونية عربية أخرى تبدو فيها العلاقة بين المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والتشريعات الوطنية علاقة ملتبسة غير واضحة.
من قبيل ذلك النظام القانوني الليبي. حيث يخلو الكتاب الأخضر "والوثيقة الخضراء الكبرى لحقوق الإنسان في عصر الجماهيرية" والقانون رقم 5 لسنة 1991 بشأن تطبيق مبادئ حقوق الإنسان من أية إشارة إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وإلى المواثيق الدولية حتى تلك التي ترتبط بها ليبيا.
وهذا ما حدا بلجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة لأن تعرب في تقرير ملاحظاتها الختامية حول تقرير الجماهيرية الليبية سنة 1998عن شعورها بالقلق"إزاء عدم الوضوح فيما يتعلق بالوضع القانوني للعهد (الدولي للحقوق المدنية والسياسية) ولا سيما بخصوص مركز العهد والوثيقة الخضراء العظمى لحقوق الإنسان والإعلان الدستوري"(25).
ورغم أن الدستور اليمنى تضمن نصا يقول : تؤكد الدولة العمل بميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق جامعة الدول العربية وقواعد القانون الدولي المعترف بها بصورة عامة " (م 6) إلا أن مثل هذا النص لا يحمل سوى قيمة أدبية ولا يجعل بذاته من مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أو غيره من المواثيق الدولية جزءا من التشريع الداخلي.
وبالمثل أورد تقرير لجنة حقوق الإنسان بالملاحظات الختامية على تقرير الكويت لعام 2000 أن اللجنة تلاحظ باهتمام عدم وضوح وضع العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في التشريع الكويتي لوجود نصوص دستورية متناقضة. وليس من الواضح حتى بعد الإيضاحات الشفوية التي قدمها وفد الكويت ما إذا كان يحق للأفراد أن يحتجوا بنصوص العهد مباشرة
2- الطبيعة الدستورية لمبادئ حقوق الإنسان في التشريع الوطني :
على أن إدراج مبادئ حقوق الإنسان في صلب الدساتير العربية والنص عليها في باب الحقوق والحريات العامة يجعل لهذه الحقوق سموا دستوريا لا باعتبار مصدرها الدولي وإنما باعتبار أنها جزء مكون للدستور يتمتع بسمو مواد الدستور على التشريع العادي.
ولكن الذي يحول دون تحقيق الفعالية للمبادئ الدستورية لحقوق الإنسان في الدساتير العربية أن كل الدساتير العربية كما سبق أن أشرنا تحيل إلى المشرع العادي في تنظيم الحقوق والحريات التي أوردتها على وجه الإجمال. ولكن المشرع يتجاوز سلطته الدستورية في تنظيم الحق إلى الاعتداء عليه وتقييده ومصادرته.
ثمة ضمانتان تكفلان الحيلولة دون الاعتداء التشريعي على حقوق الإنسان تذرعا بتنظيم هذه الحقوق. الضمانة الأولى: وضع الحدود والفواصل المفاهيمية بين التنظيم المشروع دستوريا و التقييد غير الدستوري. والضمانة الثانية: هي إيجاد آلية فعالة للرقابة على دستورية القوانين يؤدى إعمالها إلى إبطال القوانين التي تعتدي على حقوق الإنسان المقررة في الدستور باعتبارها قوانين غير دستورية. كلتا هاتين الضمانتين يكفلهما وجود محكمة دستورية عليا تمارس عملها بكفاءة وحيدة واستقلال.
ولا تعرف النظم العربية إلا النموذج المصري للمحكمة الدستورية العليا باعتباره نموذجا قام بدوره الفعال في تأمين التطبيق المباشر للنصوص الدستورية المتعلقة بحقوق الإنسان عن طريق الحكم بعدم دستورية التشريعات المخالفة لها. وقد أصدرت هذه المحكمة أحكاما عدة تؤمن مبدأ المساواة أمام القانون، وحق التقاضي والحق في محاكمة عادلة منصفة، وشرعية التجريم والعقاب. ووضعت المحكمة الضوابط التي على المشرع أن يلتزم بها في معرض تنظيم حقوق الإنسان وحرياته حتى لا يؤدى تعسفه في استخدام سلطته إلى تقييد الحق والحرية.
كما أقرت المحكمة مبدءاً مؤداه أنه "لا يجوز لدولة القانون أن تنزل بالحماية التي توفرها لحقوق مواطنيها وحرياتهم عن الحدود الدنيا لمتطلباتها المقبولة بوجه عام في الدول الديموقراطية ولا أن تفرض على تمتعهم بها أو مباشرتهم لها قيودا تكون في جوهرها ومداها مجافية لتلك التي درج العمل في النظم الديموقراطية على تطبيقها"(27).
3- التحفظات العربية على مواثيق حقوق الإنسان :
تتعدد تحفظات الدول العربية على الاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان التي ارتبطت بها الأمر الذي يجرد أحيانا التزام الدول العربية باحترام الحقوق الواردة بالاتفاقية من أي مضمون.
وكثير من تلك التحفظات تذهب إلى عدم تطبيق الاتفاقية بما يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية. والأجدر بالدول العربية التي تخشى من أن يؤدى التزامها الدولي إلى المساس بمبادئ الشريعة الإسلامية أن تبادر قبل الارتباط بالاتفاقية الدولية إلى دراسة علاقة الالتزامات التي تفرضها الاتفاقية بمبادئ الشريعة على وجه محدد مع الالتزام بالتفسير المستنير لمبادئ الشريعة الذي يعي متطلبات العصر ويتواءم معها.
على أن عزوف المشرع العربي عن هذا المنهج الجاد واستسهاله التحفظ اعتباطا دون توضيح لما عساه أن يكون من موضع للتعارض بين مبادئ حقوق الإنسان والشريعة كان محلا لملاحظات لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة على تقارير البلدان العربية ومنها مصر. وعلى سبيل المثال لاحظت لجنة حقوق الإنسان في ردها على تقرير مصر "الطابع الملتبس" لإعلان الدولة بالتحفظ استنادا إلى الشريعة الإسلامية عند التصديق على العهد. وطلبت من الدولة الطرف أن تحدد مدى إعلانها أو تسحبه(28).
وبصورة خاصة فقد نالت اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة النصيب الأوفر من التحفظات التي تستند إلى مبادئ الشريعة الإسلامية. بل إن بعض الدول العربية تحفظت على المادة الجوهرية التي تشكل جوهر الاتفاقية والتي تنص على مبدأ عدم التمييز وهي المادة الثانية الأمر الذي يفرغ التصديق على الاتفاقية من أي مغزى. وهذا ما دعا لجنة القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة بالأمم المتحدة إلى التعبير عن "قلقها إزاء العدد الكبير من التحفظات التي بدا أنها لا تتناسب مع موضوع وغايات الاتفاقية"(29).
(4)
__________________
اطلبوا العلم، فإن عجزتم فأحبوا أهله، فإن لم تحبوهم فلاتبغضوهم هيا بنا نتعلم الديمقراطية <!-- Facebook Badge START --><!-- Facebook Badge END -->
|