عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 30-08-2009, 12:36 AM
الصورة الرمزية محمد حسن ضبعون
محمد حسن ضبعون محمد حسن ضبعون غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء ((رحمه الله))
 
تاريخ التسجيل: Feb 2008
العمر: 62
المشاركات: 11,875
معدل تقييم المستوى: 29
محمد حسن ضبعون is just really nice
Lightbulb 5- كل ما يخص حقوق الأنسان ( نشر ثقافة حقوق الأنسان)

رابعًا : حقوق الإنسان والديموقراطية
ترتبط مسألة الديموقراطية بحقوق الإنسان برباط لا ينفصل . فالنظام السياسى الديمقراطى هو شرط ضروري وأولى لاحترام وتأمين حقوق الإنسان. ولا يُتصور الحديث عن حقوق للإنسان في مجتمع استبدادي شمولي رغم كل ما يتردد عن أن بعض الأنظمة الشمولية قد توفر لمواطنيها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. فحقوق الإنسان حقوق متكاملة مترابطة لا يمكن التضحية ببعضها لحساب البعض الآخر.

ودون الدخول في تفصيلات نظرية حول تعريف الديموقراطية فإن أحد تعريفات الديموقراطية من منظور حقوق الإنسان أنها حق أصيل للمواطن في إدارة شؤون مجتمعه وفي المشاركة السياسية في حكم هذا المجتمع.

هذا التعريف مستمد مما نصت عليه المادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بقولها:
1- لكل شخص حق المشاركة في إدارة الشئون العامة لبلده إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية.
2- لكل شخص بالتساوي مع الآخرين حق تولى الوظائف العامة.
3- إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم ويجب أن تتجلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجرى دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري أو بإجراء مكافئ من حيث ضمان حرية التصويت.
ونفس هذا المعنى نصت عليه المادة 25 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
فالفقرة الأولى من المادة تقرر الحق في المشاركة السياسية. وهي هنا تتحدث عن نموذج الديموقراطية المباشرة بقولها (إما مباشرة) أو نموذج الديموقراطية النيابية التي ينيب فيها المواطنون نوابا عنهم في ممارسة المشاركة السياسية. أما الفقرة الثانية فتتحدث عن المساواة في التمتع بحق تولى الوظائف العامة.

والفقرة الثالثة من المادة لا تتحدث عن حقوق وحريات جديدة بل تضع آلية معتمدة دوليا لتطبيق حق المشاركة السياسية وهي استناد سلطة الحكم إلى إرادة الشعب التي تتجلى في انتخابات دورية حرة نزيهة فبدون ذلك لا يستقيم الحديث عن الديموقراطية أو عن الحق في المشاركة السياسية.

وقد كانت المسودة التي أعدتها سكرتارية الأمم المتحدة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد أفردت مادة مستقلة تتحدث عن الحق في المشاركة في الحكم والحق في الحصول على الخدمات العامة على قدر متساو. وهذه هي المادة 30 من المسودة التي كانت تنص على أنه: "لكل شخص الحق في أن يشارك بفعالية في حكومة الدولة التي يتمتع بمواطنتها.

ويقع على الدولة واجب التوافق مع رغبات الشعب المعلنة بانتخابات ديموقراطية. وتكون الانتخابات دورية وحرة ونزيهة" كما نصت المادة 31 من المسودة على أنه: "لكل شخص الفرصة المتساوية في الحصول على ما تؤديه الدولة التي يتمتع بمواطنتها من وظائف.
والتعيين في المصالح العامة يكون من خلال مسابقات تنافسية" وهذه الصياغات وإن جرى إغفالها في مراحل إعداد الإعلان لاحقا إلا أنها تنبئ عن مفهوم واضعي الإعلان عن المشاركة السياسية والتطبيق الديموقراطي.

وقد تضمنت أغلب المواثيق الإقليمية النص على الحق في المشاركة السياسية بصياغات مختلفة و بقدر أو آخر من التفصيل. كما فرضت المواثيق الدولية قيودا على مباشرة هذا الحق أسماها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (م 23) بالقيود المعقولة. وتتمثل هذه القيود المعقولة في ربط ممارسة الحق في المشاركة السياسية بقيود الأهلية القانونية كبلوغ سن معين أو عدم وجود عاهة عقلية أو عدم صدور عقوبة جنائية في حق الشخص تجرده كليا أو جزئيا من أهليته السياسية لارتكابه جريمة خطيرة.

وتحتل مسألة العلاقة بين الديموقراطية وحقوق الإنسان اهتماما كبيرا على المستوى الدولي في الوقت الحاضر خاصة بعد انتهاء الحرب الباردة. وفي هذا السياق يجئ القرار الصادر عن لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في دورتها الخامسة والخمسين برقم 1999/57 في 27 إبريل سنة 1999 والذي يحمل عنوان "تعزيز الحق في الديموقراطية".

يشير هذا القرار في ديباجته إلى أن "الديموقراطية والتنمية واحترام جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية هي أمور مترابطة ويعزز بعضها بعضا، وأن الديموقراطية تقوم على إرادة الشعوب التي تعرب عنها بحرية من أجل تحديد النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الخاصة بها وعلى مشاركتها الكاملة في كافة نواحي حياتها. "والمهم في هذا القرار أنه بينما تؤكد مادته الأولى على الترابط بين الديموقراطية وتعزيز حقوق الإنسان بصفة عامة فإن المادة الثانية تتحدث عن حقوق يجب احترامها حتى يستقيم القول بوجود حكم ديموقراطي رشيد.
هذه الحقوق هي:
الحق في حرية الرأي والتعبير والفكر والوجدان، والحق في تكوين الجمعيات السلمية والاشتراك في الاجتماعات، والحق في حرية التماس المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأي وسيلة، وحكم القانون بما في ذلك حماية القانون لحقوق المواطنين ومصالحهم وأمنهم الشخصي والإنصاف في إقامة العدل واستقلال القضاء، والحق في الاقتراع العام على قدم المساواة وفي حرية إجراء التصويت وإقامة انتخابات دورية وحرة، والحق في المشاركة السياسية بما في ذلك تكافؤ الفرص أمام المواطنين كافة لترشيح أنفسهم في الانتخابات، وإقامة مؤسسات حكومية شفافة وخاضعة للمساءلة، وحق المواطنين في اختيار نظامهم الحكومي بالوسائل الدستورية أو غيرها من الوسائل الديموقراطية، وحق الفرد في تكافؤ فرص الاستفادة من الخدمات العامة في بلده.

ولا يكتفي هذا القرار الصادر عن لجنة حقوق الإنسان ببيان الترابط العضوي بين الديموقراطية وعدد من الحقوق المدنية والسياسية يستحيل القول بوجود نظام ديموقراطي دون احترامها، بل أنه أيضا يعقد الصلة الوثيقة بين الديموقراطية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية "فإعمال حقوق الإنسان كافة – المدنية منها والثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية بما في ذلك الحق في التنمية – هو أمر لا غنى عنه من أجل التمتع بالكرامة الإنسانية والتنمية التامة للإمكانات البشرية، كما يشكل جزءا متمما للمجتمع الديموقراطي".
وفي العام التالي (2000) تقدمت لجنة حقوق الإنسان خطوة أخرى بأن طالبت الدول بإجراءات محددة من أجل تفعيل الترابط العضوي بين الديموقراطية وحقوق الإنسان هذا الترابط الذي أشارت إليه في قرارها السابق. فاعتمدت اللجنة في دورتها السادسة والخمسين القرار 2000/47 بشأن تعزيز الديموقراطية وتوطيدها، وطلبت إلى الدول تعزيز وتوطيد الديموقراطية عن طريق تعزيز التعددية وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية وإشراك الأفراد إلى أقصى حد في عملية اتخاذ القرارات وإقامة المؤسسات التي تدعم الممارسة الديموقراطية بما في ذلك جهاز قضائي مستقل وهيئة تشريعية وإدارة عامة تتسم بالفعالية وتخضع للمساءلة ونظام انتخابي يكفل إجراء انتخابات دورية حرة ونزيهة. كما تضمن القرار سلسلة من التوصيات موجهة إلى الدول تحثها على اتخاذ إجراءات لتعزيز واحترام وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية وتعزيز سيادة القانون وإقامة وتعزيز وصون نظام انتخابي يكفل التعبير عن إرادة الشعب تعبيرا حرا ونزيها عن طريق إجراء انتخابات حقيقية ودورية ، وتعزيز الديموقراطية من خلال حسن إدارة الشئون العامة، وتحسين شفافية المؤسسات العامة إلى آخر ذلك.

إذن فقد تحول الربط بين الديموقراطية وحقوق الإنسان من مجرد الربط بين الأهداف والقيم في مرحلة مبكرة إلى بلورة ما يمكن أن يسمى بالحقوق الديموقراطية في مرحلة ثانية إلى مزيد من بلورة هذه الحقوق فيما يسمى بالإجراءات الديموقراطية في مرحلة ثالثة.


تبلور هذا الاتجاه المتمثل في الربط الإجرائي بين الديموقراطية وحقوق الإنسان في قرار لجنة حقوق الإنسان 2002/46 المعنون "زيادة التدابير الرامية إلى تعزيز الديموقراطية وتوطيدها". في هذا القرار لم تحاول اللجنة تقديم تعريف للديموقراطية، وهي المهمة العقيمة التي تتذرع بصعوبتها بعض النظم غير الديموقراطية للتهرب من استحقاقات الديموقراطية، وإنما أوردت اللجنة قائمة بالخصائص الأساسية اللازم وجودها في أي نظام ديموقراطي وهي: احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية وحرية تكوين الجمعيات وحرية الرأي والتعبير وإمكانية تولى السلطة وممارستها بمقتضى سيادة القانون، وإجراء انتخابات دورية حرة ونزيهة بالاقتراع العام وبالتصويت السري كوسيلة للتعبير عن إرادة الشعب ووجود نظام للتعددية الحزبية، والفصل بين السلطات، واستقلال القضاء، والشفافية والمساءلة في الإدارة العامة، وحرية وسائل الإعلام واستقلالها وتعددها(30).

على أن ارتباط الديموقراطية بحق الشعوب في تقرير مصيرها بحرية يبدو أمرا جوهريا لأن هذا الحق هو التعبير المباشر عن الإرادة الشعبية هذا التعبير الذي هو الجوهر الحقيقي للديموقراطية. "ولما كان الشعب يتمتع بسلطة إقامة النظام السياسي، فإن على هذا النظام أن يكفل أن تكون سيادة الشعب بهذا المفهوم قائمة دوما على التعبير الديموقراطي عن إرادته. وهذا يعنى إجراء انتخابات حرة و حقيقية يمارس فيها المواطنون حقهم في أن ينتخبوا الآخرين وينتخبهم الآخرون مع تمتعهم بحرية التعبير وحرية الصحافة وحرية تكوين الجمعيات(31) " باعتبارها حريات لصيقة لممارسة الشعب بفعالية لحقه في تقرير مصيره.

والإطار الذي يتم من خلاله تحقيق التكامل والتفاعل بين الديموقراطية وحقوق الإنسان وخاصة الحق في إجراء انتخابات حرة وفي تكوين الجمعيات وفي حرية التعبير عن الرأي وتشكيل الأحزاب السياسية هو مبدأ سيادة وحكم القانون. وفيما يتعلق بالتطبيق الديموقراطي فإن دولة القانون هي وحدها التي بوسعها أن تضع قيودا قانونية على سلطات الدولة وتفرض على هذه السلطات رقابة مؤسسية.

وتعنى سيادة القانون تطبيق مبدأ الشرعية بكل إخلاص ونزاهة في العلاقة بين الدولة والأفراد. ولن يتحقق ذلك إلا من خلال الفصل بين السلطات لتحقيق التوازن والرقابة المتبادلة بين السلطات الثلاث. كما لا يمكن لدولة القانون أن تقوم إلا بالاعتراف بالحقوق والحريات العامة واستقلال القضاء وإقامة مؤسسات تكفل التمتع بحقوق الإنسان.

هذه المبادئ كلها سواء المتعلقة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية أو الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أو بدولة القانون، نصت عليها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. والجديد هنا أنها أصبح ينظر إليها كحقوق لازمة لوجود الديموقراطية كنظام سياسي، فلا ديموقراطية بدون حقوق للإنسان، ولا حقوق للإنسان بغير ديموقراطية فالمفهومان وجهان لعملة واحدة.

والجديد في فقه القانون الدولي أنه أصبح ينظر إلى الديموقراطية بما تنطوي عليه من حقوق موضوعية وجوانب مؤسسية باعتبارها حقا من حقوق الإنسان. فأصبح الحديث يجرى عن الحق في الديموقراطية أي الحق في اقتضاء الحقوق المصاحبة للديموقراطية والتي سبق الحديث عنها. ويعرف البعض الحق في الديموقراطية بأنه "القدرة الذاتية للأفراد والشعوب على مطالبة السلطة بنظام سياسي يقوم على أساس سيادة القانون والفصل بين السلطات ويستطيع المواطنون في ظله أن ينتخبوا دوريا زعماءهم وممثليهم في انتخابات حرة ونزيهة على أساس التفاعل بين عدد من الأحزاب السياسية والاحترام التام لممارسة حريات التعبير والصحافة وتكوين النقابات والجمعيات والتمتع الفعلي بحقوق الإنسان"(32)
رياح الديموقراطية تهب على العالم :
إذن فقد تحولت الديموقراطية من مجرد مفهوم سياسي يختلف البعض في تعريفه عن عمد أو غير عمد، إلى مفهوم حقوق منضبط انتهي إلى ما أصبح يعرف بالحق في الديموقراطية. وأصبح الالتزام بالحقوق الديموقراطية نصا ثابتا في أغلب المواثيق الإقليمية.

فتنص معاهدة إنشاء الاتحاد الأوروبي (ماستريخت) على قيام الاتحاد على مبادئ الحرية والديموقراطية واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية وسيادة القانون. أي أن الديموقراطية شرط للانضمام للاتحاد الأوروبي (م6) وتحدد المادة 11/1 أحد أهداف السياسة الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي بأنه احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية. وفي هذا السياق قرر المجلس الأوروبي في اجتماعه المنعقد في كوبنهاجن في يونيو 1993 أنه يجب على البلدان التي تطلب الانضمام للاتحاد الأوروبي أن تستوفي شرط تحقيق استقرار المؤسسات الديموقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان واحترام وحماية الأقليات. كما أنشأ مجلس أوروبا نظاما جماعيا إلزاميا لضمان احترام مبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان على أساس التعاون والرصد المشترك من خلال مجموعة من الإجراءات السياسية والقانونية(33).

ويعتبر تعزيز الديموقراطية وتأمين احترام حقوق الإنسان أحد الأهداف الأساسية لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي.

وعلى الرغم من وجود العديد من الصراعات ومشاكل الحدود ومشاكل الفقر ووباء الإيدز في القارة الأفريقية فثمة تطور ديموقراطي بالغ الأهمية تشهده القارة في الوقت الحاضر. وفي هذا السياق فإن ميثاق الاتحاد الأفريقي الموقع في لومي في 1 يوليو/تموز 2000 يشير إلى تعزيز الديموقراطية وحماية حقوق الإنسان والشعوب وترسيخ المؤسسات والثقافة الديموقراطية وإيجاد البيئة المواتية للحكم الصالح وسيادة القانون باعتبارها أهدافا أساسية للاتحاد الأفريقي.

وفضلا عن المؤسسات الديموقراطية التي أقامها الاتحاد مثل البرلمان الأفريقي ومحكمة العدل الأفريقية فقد أوردت المادة 30 من الميثاق حكما لا يسمح للحكومات التي تصل إلى السلطة بطرق غير دستورية بالمشاركة في أنشطة الاتحاد.

وفي إطار دول الكومنولث أصدرت هذه الدول إعلان هرارى لسنة 1991 يتضمن التزاما محددا بحقوق الإنسان والديموقراطية ودعم المؤسسات الديموقراطية وسيادة القانون واستقلال القضاء ووجود حكومات عادلة ونزيهة. واعتمدت حكومات الكومنولث عام 1995 برنامج عمل (ميلبروك) من أجل وضع المبادئ المعتمدة في هراري موضع التطبيق. وأنشئ فريق عمل مؤلف من وزراء الخارجية كآلية لتنظيم وتنسيق عمليات التصدي لمبادئ احترام الديموقراطية وحقوق الإنسان(34).

وبالمثل كررت دول الجماعة الناطقة بالفرنسية في إعلان باماكو (نوفمبر 2000) التزامها بمبادئ الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون وتعزيز المؤسسات التي تضمن ذلك. كما اتفقت على مجموعة من الإجراءات لرصد وتطبيق الممارسات المتفقة مع الديموقراطية وحقوق الإنسان واتخاذ تدابير محددة في حالة المخالفات الجسيمة.

وهكذا يبدو جليا أن العالم يشهد اليوم تبلور نظام قانوني للديموقراطية وتعزيزها يتمثل في "مجموعة من المبادئ والمعايير والقواعد والإجراءات وآليات حل المنازعات والتدابير القسرية أحيانا"(35) من أجل نشر الديموقراطية وتعزيزها بين المجموعات الإقليمية.
الديموقراطية في التجربة العربية :
تثبت التجربة العربية أن أمر الديموقراطية وحقوق الإنسان ليس أمر نصوص وقواعد والتزامات فحسب بل هو في المقام الأول أمر اقتناع عام على المستويين الرسمي والشعبي بجدوى الديموقراطية وأهمية احترام حقوق الإنسان لبناء مجتمع قوى فاضل يتمتع فيه أفراده بالأمن والقدرة على إحداث تنمية متواصلة.

فالدساتير العربية كلها تتبنى الديموقراطية ومبادئ حقوق الإنسان بشكل أو آخر. وتوجد في البلدان العربية تشريعات وهياكل مؤسسية يدٌعي أنها تهدف إلى تحقيق الديموقراطية وتأمين حقوق الإنسان. كما توجد بها هياكل للسلطة القضائية التي تعمل على تطبيق قواعد قانونية صادرة سلفا في ظل نظام معلن للشرعية.

ومع ذلك فالمنطقة العربية على اختلاف ظلالها هي منطقة بؤس ديموقراطي وحقوقي شديد رغم كل المظاهر المعلنة والعبارات التي تدّعي غير ذلك. وبدا أن السلطة العربية نجحت في الالتفاف على المطالب الديموقراطية الداخلية والضغوط الديموقراطية الخارجية (رغم أن الأخيرة غير مبرأة من الهوى).

وأصبح السؤال الذي يلح على المثقفين الوطنيين العرب هو: هل نحن أمام حالة عربية مستعصية على الديموقراطية؟ وهل ثمة أنساق ثقافية تستعصي على تقبل قيم الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان؟ وهل تقع الثقافة العربية كما يردد البعض في هذه الأنساق؟ وهل من سبيل إلى تعديلها وتقويمها أو على الأقل إلى إشاعة حد أدنى من التوافق الاجتماعي بين الثقافة السائدة والقيم الديموقراطية ذات الطابع الإنساني الشامل؟ تعددت الإجابة على هذه الأسئلة سواء في التراث الفلسفي أو في دراسات علم النفس والسلوك الإنساني.

فثمة آراء متعددة في التراث الفلسفي والاجتماعي الغربى بدءاً من أرسطو وحتى هيجل وماركس وماكس فيبر تتحدث عن الاستبداد الشرقي وطبائعه وتذهب إلى الربط بين الشرق والاستبداد وتربط ذلك بعوامل جغرافية وطبيعية تارة وبعوامل اقتصادية تارة أخرى وبعوامل دينية تارة ثالثة، وبكل هذه العوامل مجتمعة في أحيان كثيرة. ودون الدخول في تفاصيل هذه الآراء التي دخلت هي نفسها إلى متحف تاريخ الفكر العنصري أو الفكر المادي المتصلب، فلا بد أن نبرز بوضوح فارقا منهجيا بين تفسير سيادة عادة الاستبداد الاجتماعي والسياسي في بعض المجتمعات وفي حقبة تاريخية محددة وبين اعتبار الاستبداد قدرا مكتوبا حتميا لن تستطيع بعض الشعوب لطبيعتها الملازمة الفكاك منه.

وليس في الثقافة العربية عناصر تجعلها عصية على تقبل الديموقراطية. بل على العكس تحتل قيم الحرية ومغالبة الظلم عند العرب الأقدمين وفي التراث الدينى مكانا بارزا مشهودا في الثقافة العربية. ووجود عوامل سياسية واجتماعية أدت إلى شيوع ثقافة تقبل الاستبداد وعدم التسامح والخضوع للحاكم في فترات تاريخية معينة أمر ليس قاصراً على العرب وحدهم فضلا عن أن تراث العرب وثقافتهم يشهد بتقديسهم قيـم الحريـة واحترام كرامـة الإنسان والحوار مع الآخر.
على أن مبررات الاستبداد المعاصر التي تروج لها المؤسسات العربية الحاكمة يمكن حصرها في تبريرات ثلاثة : الأولى ذات طابع ديني بزعم أن الديموقراطية الليبرالية تتنافي مع تراثنا الديني الذي يأمرنا بطاعة ولى الأمر في حدود ما أمر الله به ورسوله، وأن أقصى ما يعرفه الإسلام من حق للمشاركة السياسية هو مبدأ الشورى التي هي في نظر أصحاب هذا الرأي غير ملزمة للحاكم الذي يحكم بما أنزل الله.

والتبريرات الثانية ذات طابع أيديولوجي تكتسب رداء ثوريا تحرريا عن طريق إحياء وترديد مقولات المد القومى في الستينيات حول أن تحرر الأوطان مغلب على حرية الإنسان وأن حرية رغيف الخبز مقدمة على حرية الكلمة واللسان. ويرتبط بذلك أيضا التبريرات ذات الطابع الاقتصادي التنموي والذي يعطى الأولوية لتحقيق النمو الاقتصادي على تحقيق الإصلاح الديموقراطي بحسبان أن هذا الإصلاح من شأنه أن يؤدى إلى فقدان الاستقرار الذي هو شرط أساسي للنمو الاقتصادي المتراكم.

ورغم أن هذا الرأي الأخير يجد شواهد على صحته في بعض دول آسيا التي حققت معدلات عالية من التنمية الاقتصادية مع غيبة أية مؤسسات أو قيم ديموقراطية حقيقية مؤثرة في المجتمع فإن هذه الشواهد خادعة إذ ثبت أن التنمية الاستبدادية هي تنمية هشة سرعان ما تذروها الرياح وينخر فيها سوس الفساد.وهذا ما يشير إليه مارك. ف. بلانتر في مقاله المتميز عن "اللحظة الديموقراطية"(36) حين يؤكد أن الدول ذات التوجه السياسي الاقتصادي الليبرالي أقل تعرضا للانهيارات الاقتصادية من الدول الشمولية. هذا فضلا عن قابلية الدول الشمولية في غيبة رقابة ديموقراطية فعالة لاستشراء الفساد والعشوائية في القرارات الاقتصادية وهي آفات كفيلة بالإطاحة بكل تنمية اقتصادية.

ومن ناحية أخرى فإن البدائل السياسية الرئيسية المتداولة بين المثقفين العرب في حاجة إلى إعادة مراجعة لتكون الديموقراطية مكونا رئيسيا من مكوناتها بالتجاوز عن الصورة التقليدية التي بدت بها هذه البدائل في عصور ماضية. فلابد لكل من الخيار اليسارى بمختلف تجلياته والخيار الإسلامي بمختلف فروعه وتوجهاته والخيار القومى بمختلف أطروحاته أن يتبنى الديموقراطية عن إيمان حقيقى وأن يقبل بتداول السلطة استنادا إلى إرادة الجماهير وبالحق بالمشاركة السياسية وبإعلاء احترام حقوق الإنسان بمختلف فئاتها وأجيالها.

فالديموقراطية هي الطريق الوحيد لخروج الشعوب العربية من أزماتها الخانقة ولمواكبة تطورات العصر.
الهوامش
(1) انظر في هذا المعنى، جاك دونللى، حقوق الإنسان العالمية بين النظرية والتطبيق، ترجمة مبارك على عثمان، مراجعة الدكتور محمد نور فرحات، المكتبة الأكاديمية، القاهرة 1998، ص 24 وما بعدها.

(2) د.الشافعي بشير، قانون حقوق الإنسان ومصادره/منشور في كتاب حقوق الإنسان، المجلد الثاني، إعداد د.محمود شريف بسيوني وآخرين، دار العلم للملايين، 1989، ص 18
(3) المرجع السابق، ص، 28
(4) راجع الدكتور وائل أحمد علام، الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، القاهرة، دار النهضة العربية، 1999 ص.83.
(5) راجع ، محمد نور فرحات، مبادئ حقوق الإنسان بين العالمية والخصوصية، في كتاب : حقوق الإنسان – الثقافة العربية والنظام العالمي، اتحاد المحامين العرب ، القاهرة 1993 ، ص 43 وما بعدها.
(6) المرجع السابق ص 48
(7) راجع، محمد نور فرحات، تاريخ القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان – جوانب الوحدة والتميز، منشور في "دراسات في القانون الدولي الإنساني"، دار المستقبل العربي، الطبعة الأولى 2000، ص 84 .
(8) تلبية لدعوة مؤسسي اللجنة وفي مقدمتهم هنري دونان عقد في جنيف في 26 أكتوبر سنة 1863 المؤتمر الدولي الأول للصليب الأحمر بحضور ممثلي 16 دولة وأربع جمعيات إنسانية وكان هذا المؤتمر إيذانا بميلاد مؤسسة الصليب الأحمر .
(9) راجع: www. Icrc.org /web/ara/siteara0.nstf/html/5NWS5A
(10) انظر، د.عامر الزمالي، آليات تنفيذ القانون الدولي الإنساني، منشور في، القانون الدولي الإنساني – دليل التطبيق عل الصعيد الوطني، القاهرة 2003، ص 262
(11) تقرير المنظمة العربية لحقوق الإنسان لعام 2004، صفحة 32-33
(12) انظر بالتفصيل، د.كاظم المقدادي، إدارة بوش وضحايا الحروب ومحكمة الجنايات الدولية، منشور في
http://www.iraqcp.org/report5/002715almkdad.htm (13) وشهد يوم افتتاح المحكمة ارتكاب سلاح الجو الأمريكي مجزرة جديدة في أفغانستان، عندما قصف بقنابل ضخمة فتاكة حفل زفاف في إقليم أوروزغان، شمال مدينة قندهار، كان يحضره نحو 400 مواطن، فقتل منهم 48 وجرح 118، من بينهم أطفال ونساء، بحجة أن الطائرات العسكرية الأمريكية تعرضت لنيران مدفعية، بينما كان أهل العريس والعروس يطلقون النار من مسدساتهم وبنادقهم في الهواء تعبيراً عن فرحهم. واعتـرف البنتاغـون "بقصف مدنيين عـن طريق الخطـأ"، لكنـه لم يقـر بمسئوليته عن المجزرة، واكتفي الرئيس الأمريكي بتقديم التعازي لذوي الضحايا.
وقيل إن الحكومة الأمريكية قدمت تعويضات للضحايا، قدرها- لاحظ !- 200 دولار عن كل قتيل و75 دولار عن كل جريح !!، لكن روجر كين- المتحدث باسم القوات الأميركية- نفي، في 12 / 7 ، تقديم الحكومة الأمريكية لأية تعويضات مالية للضحايا. كما شهد العالم بعد جريمة إعدام الأسرى الأفغان، وقد عرض في الرايخستاغ الألماني وفي البرلمان الأوربي في ستراسبورغ فيلم وثاقي بعنوان "مجزرة في المزار" تحدثت عن قتل أسرى الطالبان أثناء نقلهم، وعلى اثر ذلك جرت المطالبة بتشكيل لجنة دولية للتحقيق بتلك المجزرة.ولليوم يتستر البنتاغون على تلك الجريمة البشعة.

(14) Paul Sieghart, op.cit. p.438
(15) راجع، Francis Wolf , Human Rights and the International Labour Organisation , in " Human Rights In International Law , edited by Theodor Meron , Clarendon press, Oxford, 1985,p.273
(16) الصادق شعبان، الاتفاقيات الدولية وغيرها من النصوص المتعلقة بمجالات مهمة من حقوق الإنسان، منشور في كتاب حقوق الإنسان، إعداد شريف بسيوني وآخرين، سابق الإشارة، ص 136- 137رجع السابق، ص 156

(17) منشور في http://www.ilo.org/public/arabic/reg...vices/newsroom /press20 01/jan_24.htm

(18) انظر، د. برهان أمر الله، حق اللجوء السياسي، دراسة في نظرية حق الملجأ في القانون الدولي، دار النهضة العربية، 1983، ص 17
(19) المرجع السابق، ص 156
(20) ولم يقدر لحق الملجأ أن يجد مكانا له في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية نظرا لتمسك الدول عند إعداد العهدين الدوليين بفكرة السيادة. فقد اقترح المندوب اليوغوسلافي أمام اللجنة الثالثة للجمعية العامة في دورتها الخامسة سنة 1950 إضافة نص يقضى بحق الأفراد في الملجأ. وبناء عليه أوصت الجمعية العامة بالقرار رقم 421/ب المجلس الاقتصادي والاجتماعي بتكليف بتكليف لجنة حقوق الإنسان التابعة له بأن تأخذ في الاعتبار عند إعداد المشروع الاقتراح المقدم من يوغوسلافيا. وعندما أحيل الموضوع إلى اللجنة انتهت إلى رفض الاقتراح لاعتراض غالبية الدول على أساس أن منح حق الملجأ من المسائل الخاضعة لمطلق سيادة الدولة. راجع، برهان أمر الله، المرجع السابق، ص 180
(21) انظر حماية اللاجئين، دليل ميداني للمنظمات غير الحكومية، صادر عن مفوضية شؤون اللاجئين، ص ص 20-22
(22) قرار مجلس الأمن رقم 1373 لسنة 2001 وقرار الجمعية العامة رقم 56/160 في 19 ديسمبر 2001
(23) راجع، الشافعي بشير، سابق الإشارة، ص 37
(24) راجع الصادق شعبان، الاتفاقيات الدولية وغيرها من النصوص المتعلقة بمجالات هامة من حقوق الإنسان، منشور في كتاب "حقوق الإنسان –المجلد الثاني حول الوثائق العالمية والإقليمية" سابق الإشارة، ص 125
(25) ويضيف التقرير قائلا "ولم تتمكن اللجنة لا من بحثها لتقرير الدولة الطرف ولا في أثناء الحوار مع الوفد من التوصل إلى فهم واضح لكيفية حل التنازع بين العهد والقانون المحلى أو لدور المحكمة العليا في هذا الصدد" راجع نص التقرير في الوثيقة CCCR/C/79/ADD.101
(26) وثيقة CCPR/CO/69/KWT,A/55/40-497
(27) الحكم الصادر في القضية رقم 22 لسنة 8 قضائية دستورية، جلسة 4 يناير 1992
(28) وثيقة CCPR/CO/76/EGY
(29) فريدة بناني، مدى قانونية وشرعية تحفظات الدول العربية والإسلامية على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ورقة مقدمة إلى الندوة العربية حول اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، بيروت يناير 2004، المنظمة العربية لحقوق الإنسان.
(30) انظر، رودريتش كوادروس، ورقة مقدمة عن تعزيز الديموقراطية وتوطيدها، مقدمة إلى لجنة حقوق الإنسان – اللجنة الفرعية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان، الدورة الرابعة والخمسون.
(31) نفس المصدر ص 6.
(32) المصدر السابق، ص،21
(33) نفس المصدر، ص 19
(34) نفس المصدر، ص 18
(35) نفس المصدر ص 20
(36) مجلة الديموقراطية، القاهرة، الكتاب الأول، ديسمبر 1991، ص 29 وما بعدها.
__________________
اطلبوا العلم، فإن عجزتم فأحبوا أهله، فإن لم تحبوهم فلاتبغضوهم
هيا بنا نتعلم الديمقراطية
<!-- Facebook Badge START --><!-- Facebook Badge END -->