الصفة الثالثة : المواظبة على قيام الليل
قال تعالى :" وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً ً "
الصفة الثالثة من صفات عباد الرحمن المواظبة على قيام الليل ، فهم إذا خيّم الليل وأرخى سدوله وآوى الناس إلى فرشهم كان عباد الرحمن مع ربهم يبيتون له سجدا وقياما ، يتوجهون له وحده ، ويقومون له وحده ، ويسجدون له وحده ، هم قوم مشغولون عن النوم المريح اللذيذ ، بما هو أروح منه وأمتع , مشغولون بالتوجه إلى ربهم ، وتعليق أرواحهم وجوارحهم به ، ينام الناس وهم قائمون ساجدون ، ويخلد الناس إلى الأرض وهم يتطلعون إلى عرش الرحمن ، ذي الجلال والإكرام .
قال تعالى : " كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ . وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ " الذاريات 17– 18
وقال تعالى : " تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ . فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " السجدة 16-17
وقد حث حبيبنا محمد (صلى الله عليه وسلم ) على قيام الليل ورغّب فيه، فقال عليه الصلاة والسلام: " عليكم بقيام الليل ، فإنه دأب الصالحين قبلكم ، و قربة إلى الله تعالى ومنهاة عن الإثم و تكفير للسيئات ، ومطردة للداء عن الجسد " صححه الألباني
وقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : " في الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها فقال أبو مالك الأشعري : لمن هى يا رسول الله ؟ قال : لمن أطاب الكلام ، وأطعم الطعام ، و بات قائما والناس نيام " صححه الألباني
وقال (صلى الله عليه وسلم ): { أفضل الصلاة ، بعد الفريضة ، صلاة الليل } صحيح مسلم
1163
الأسباب الميسِّرة لقيام الليل
ذكر أبو حامد الغزالي أسباباً ظاهرة وأخرى باطنة ميسرة لقيام الليل:
فأما الأسباب الظاهرة فأربعة أمور:
الأول: ألا يكثر الأكل فيكثر الشرب، فيغلبه النوم، ويثقل عليه القيام.
الثاني: ألا يتعب نفسه بالنهار بما لا فائدة فيه.
الثالث: ألا يترك القيلولة بالنهار فإنها تعين على القيام.
الرابع: ألا يرتكب الأوزار بالنهار فيحرم القيام بالليل.
وأما الأسباب الباطنة فأربعة أمور:
الأول: سلامة القلب عن الحقد على المسلمين، وعن البدع وعن فضول الدنيا.
الثاني: خوف غالب يلزم القلب مع قصر الأمل.
الثالث: أن يعرف فضل قيام الليل.
الرابع: وهو أشرف البواعث: الحب لله، وقوة الإيمان بأنه في قيامه لا يتكلم بحرف إلا وهو مناج ربه.
إخوتي
شتان بين من يقضي الليل في طاعة الله وبين من يقضيه في معصية الله
شتان بين من يسهر في لهو وعبث حتى قرب الفجر فإذا قرب الفجر نام وبين من يقضي الليل صلاةً واستغفاراً وتسبيحاً ونوماً على ذكر الله
شتان بين من يقضي الليل في إجرام يدبر المكائد والشرور لعباد الله الصالحين وبين من يقضي الليل علماً وتعلماً ودعوة الى شرع الله
عباد الرحمن
تتجافى جنوبهم عن المضاجع
كلهم مابين خائف متهجد وطامع
تركوا لذة الكرى للعيون الهواجع
وأستهلّت عيونهم فائضات المدامع
ودعوا ياربنا ياجميل الصنائع
جعلنا الله وإياكم منهم
وإلى لقاء آخر بإذن الله تعالى