لاَ تُنْكِرِى عَطَلَ الْكَريم مِنَ الْغِنَى فالسَّيْلُ حَرْبٌ لِلْمكانِ الْعالِى
قَدْ يَشِيب الْفَتَى وَلَيْسَ عجيباً أَنْ يُرَى النَّورُ فِى الْقَضِيبِ الرَّطيبِ
مَنْ يَهُنْ يَسْهُل الْهَوَان عَليِه ما لِجُرْحٍ بمَيِّتٍ إِيلام
قد ينحو الكاتب أو الشاعر منحى من البلاغة يوحى فيه بالتشبيه من غير أن يصرح به في صورة من صوره المعروفة، يفعل ذلك نزوعاً إلى الابتكار؛ وإقامة للدليل على الحكم الذي أسنده إلى المشبه، ورغبة في إخفاء التشبيه ؛ لأن التشبيه كلما دق وخفى كان أبلغ وأفعل في النفس انظر بيت أبي تمام فإنه يقول لمن يخاطبها: لا تمتنكرى خلو الرجل الكريم من الغنى فإن ذلك ليس عجيباً لأن قمم الجبال وهي أشرف الأماكن وأعلاها لا يستقر فيها ماءُ السيل. ألم تلمح هنا تشبيهاً ؟ ألم تر أنه يشبه ضمناً الرجل الكريم المحروم الغنى بقمة الجبل وقد خلت من ماء السيل؟ ولكنه لم يضع ذلك صريحاً بل أتى بجملة مستقلة وضمنها هذا المعنى في صورة برهان .
ويقول ابن الرومي : إن الشاب قد يشيب ولم تتقدم به السن ، وإن ذلك ليس بعجيب فإن الغصن الغض الرطب قد يظهر فيه الزهر الأبيض.فابن الرومي هنا لم يأْت بتشبيه صريح فإنه لم يقل : إن الفتى وقد وخطه الشيب كالغصن الرطيب حين إزاهاره ، ولكنه أتى بذلك ضمناً ويقول أبو الطيب : إن الذي اعتاد الهوان يسهل عليه تحمله ولا يتألم له، وليس هذا الادعاء باطلاً؛ لأن الميت إذا خرج لا يتألم، وفي ذلك تلميح بالتشبيه في غير صراحة.
ففي الأبيات الثلاثة تجد أركان التشبيه وتلمحه ولكنك لا تجده في صورة من صوره التي عرفتها، وهذا يسمى بالتشبيه الضمني .
(9) التشبيه الضمني : تشبيه لا يوضع فيه المشبه والمشبه به في صورةٍ من صور التشبيه المعروفة بل يلمحان في التركيب. وهذا النوع ي}تى به ليفيد أن الحكم الذي أسند إلى المشبه ممكن.
وأَصبح شِعْرِي منهما فى مكانه وفى عَنقِ الحْسَناء يسْتحْسَ العِقْد
كَرَمٌ تَبَيَّن فِى كلامِك مَاثلاً ويبين عِتقُ الْخيْل من أَصوَاتِها
زيادة جمال الشئ لجمال موضعه
حال العقد الثمين يزداد بهاء في عنق الحسناء
(1) حال الشعر يتنىبه الكريم فيزداد الشعر جمالا لحسن موضع
حال الصهيل الذي يدا على كرم الفرس
(2) حال الكلام وأنه ينم عن الكرم أصل قائله
تمرينات
بين المشبه والمشبه به ونوع التشبيه فيما يأتي مع ذكر السبب :
ضَحوكٌ إلى الأَبطال وهْوَ يَروعُهم وللسَّيفِ حدٌّ حين يسْطُو وروْنَقُ
ومن الْخَيْرِ بطءُ سَيْبِكَ عنِّى أَسْرَعُ السُّحْبِ فى المسِيرِ الْجَهَام
لاَ يُعْجِبَنَّ مَضِيماً حُسنُ بِزّتِه وهلْ يروق دَفيناً جوْدة الكَفَن
ومَا أَنا مِنْهُمُ بالعَيشِ فيهمْ وَلكِنْ معْدِن الذهبِ الرَّغامُ
سَيذْ كُرنى قَوْمى إِذَا جدَّ جِدُّهمْ وفِى اللَّليْلَة الظَّلْماءِ يُفْتَقَدُ الْبَدْر
تَزْدَحِمُ القُصَّادُ فِى بابِهِ والمنْهلُ العَذْبُ كثيرُ الزحام
بسين التشبيه الصريح ونوعه والتشبيه الضمني فيما يأتي :
تَرْجو النَّجاةَ ولَمْ تَسلك مسالِكَها؟ إِنَّ الَّسفينَةَ لا تجْرى على اليَبَس
(2) قال ابن الرومي في وصف المِدَاد :
حِبْرٌ أَبى حفْصٍ لُعابُ الليل كأَنَّه أَلْوانُ دهْم الْخَيْلِ يجْرِى إِلى الإِخْوانِ السَّيْل بِغيْرِ وَزْنٍ وبِغَيْرِ كَيْل
ويْلاَهُ إِنْ نظَرتْ وإِنْ هي أَعْرضتْ وَقْعُ السِّهام ونَزْعُهُن أَلِيمُ
(5) وقال البحتري في وصف أَخلاق ممدوحه :
وقّدْ زادهَا إِفْرَاط حُسْن جِوارُها خلائِقَ أَصْفَار مِنَ المَجْدِ خُيَّبِ وحُسْنُ دَرارِئِ الكَواكِب أَنْ تُرى طوالِعَ في داجٍ مِن الليْل غَيْهَب
حوّل التشبيهات الضمنية الآتية إلى تشبيهات صريحة :
اصْبرْ على مَضَض الحسُو د فإِنَّ صبْركَ قاتِلُه
النار تأْــــــــكل بَعْضـــها إِن لَم تجـــد ما تأْكلهْ
لَيْس الْحِجابُ بمقْصٍ عنك لى أَملاً إِنَّ الَّسماءَ تُرجَّى حين تحتَجِب
فإِنْ تَفقِ الأَنام وأَنت مِتْهمْ فإِنَّ المسْكَ بغْضُ دمِ الغَزال
أعْيا زَوالك عنْ محلٍّ نِلْتًه لا تخْرُجُ الأَقمارُ عنْ هالاتها
أَعاذَك اللهُ مَن سِهامِهم ومخطئُ منْ رميُّهُ الْقمرُ
لّيْس بالمنْكَرِ أَنْ برَّزْتَ سبْقاً عيْر مدْفُوع عن السَّبْق الْعِرابُ
حول التشبيهات الصريحة الآتية إلى تشبيهات ضمنية :
(1) قال مسلم بن الوليد في وصف الراح وهي تصب من إبريق :
كأَنَّها وَحبابُ الماءِ يقْرعُها دُرٌّ تَحدَّر في سِلكٍ مِنَ الذَّهَب.
والليل تَجْري الدَّرارى فى مجَرَّتِه كالرَّوْض تطْفو على نهرٍ أَزاهِره
كأَنَّ مُثارَ النَّقعِ فَوْق رُءوسِنا وأَسْيافنا ليلٌ تهاوى كواكِبُهْ
كون تشبيهاً ضمنياً من كل طرفين مما يأتى :
(1) ظهور الحق بعد خفائه وبروز الشمس من وراء السحب .
(2) المصائب تظهر فضل الكريم والنار تويد الذهب نقاءً .
(3) وعد الكريم ثم عطاؤُه والبرق يعْقُبه المطر.
(4) الكلمة لا يستطاع ردها والسهم يخرج من قوسه فيتعذر رده.
هات تشبيهين ضمنيين، والأول في وصف حديقة، والثانى في وصف طيارة.
اشرح قول أنى تمام في رثاء طفلين لعبد الله بن طاهر وبين نوع التشبيه الذى به:
لهفى على تِلكَ الشَّواهِد منهما لَو أُمْهلَتْ حَتى تكونَ شمائِلا إِن الهلالَ إِذا رأَيت نمُوَّه أَيقَنْتَ أَنْ سَيَصِيرُ بّدْراً كاملاً.
منقول لتعم الفائدة