عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 10-09-2009, 06:02 AM
الصورة الرمزية zizo2_2
zizo2_2 zizo2_2 غير متواجد حالياً
عضو قدوة
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
العمر: 43
المشاركات: 7,944
معدل تقييم المستوى: 0
zizo2_2 can only hope to improve
افتراضي

اليوم العشرون
سيكون شعارنا لهذا اليوم ( البكاء من خشية الله)

الحمدلله ، والصلاة والسلام على رسول الله – صلى الله عليه وسلم
وبعد
البكاءُفطرةٌ بشريّةٌ كما ذكر أهل التفسير ، فقد قال القرطبي في تفسير قول الله تعالى : { وأنّه هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} [ النجم / 43 ] : " أي : قضى أسباب الضحك والبكاء ، وقال عطاء بن أبي مسلم : يعني : أفرح وأحزن ؛ لأن الفرحيجلب الضحك والحزن يجلب البكاء ...
" تفسير القرطبي " ( 17 / 116 ) .
وبماأن البكاء فعل غريزي لا يملك الإنسان دفعه غالباً فإنه مباح بشرط ألا يصاحبه مايدلُّ على التسخُّط من قضاء الله وقدره ، لقول النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : " إنَّ اللهَ لا يُعذِّبُ بدمعِ العينِ ولا بحزنِ القلبِ، ولكن يُعَذِّبُ بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحمُ " البخاري ( 1242 ) ومسلم ( 924 ) .

أنواع البكاء وأصدقها
قاليزيد بن ميسرة رحمه الله : " البكاء من سبعة أشياء : البكاء من الفرح ، والبكاء منالحزن ، والفزع ، والرياء ، والوجع ، والشكر ، وبكاء من خشية الله تعالى ، فذلكالذي تُطفِئ الدمعة منها أمثال البحور من النار ! " .
وذكر الإمام ابن القيمرحمه الله في كتابه " زاد المعاد " عشرة أنواع للبكاء نوردها كما ذكرها .
* بكاء الخوف والخشية .
* بكاء الرحمة والرقة .
* بكاء المحبةوالشوق .
* بكاء الفرح والسرور .
* بكاء الجزع من ورود الألم وعدم احتماله .
* بكاء الحزن .... وفرقه عن بكاء الخوف ، أن الأول " الحزن " : يكونعلى ما مضى من حصول مكروه أو فوات محبوب وبكاء الخوف : يكون لما يتوقع في المستقبلمن ذلك ، والفرق بين بكاء السرور والفرح وبكاء الحزن أن دمعة السرور باردة والقلبفرحان ، ودمعة الحزن : حارة والقلب حزين ، ولهذا يقال لما يُفرح به هو " قرة عين " وأقرّ به عينه ، ولما يُحزن : هو سخينة العين ، وأسخن الله به عينه .
* بكاء الخور والضعف .
* بكاء النفاق وهو : أن تدمع العين والقلبقاس .
* البكاء المستعار والمستأجر عليه ، كبكاء النائحة بالأجرة فإنها كما قالأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه : تبيع عبرتها وتبكي شجو غيرها .
* بكاء الموافقة: فهو أن يرى الرجل الناس يبكون لأمر عليهم فيبكي معهم ولايدري لأي شيء يبكون يراهم يبكون فيبكي .
" زاد المعاد " ( 1 / 184 ، 185 ) .
والبكاء من خشية الله تعالى أصدق بكاء تردد في النفوس ، وأقوى مترجم عن القلوبالوجلة الخائفة .
البكاء الكاذب
البكاء قد يكون دليلاً على صدق الباكي ، وقدلا يكون ، وقد ذكر القرآن الكريم قصة إخوة يوسف عليه السلام وكيف تباكوا على أخيهمكذباً فقال تعالى : {وجاؤوا أباهُمْ عِشَاءً يَبْكونَ} [ يوسف / 16 ] ، وعلى هذا فإن بكاء أحد المتخاصمين في القضاء ليس دليلاً يُعتدُّ به .
بكاء الإثم !!
البكاء على موت كافر أو طاغية أو فاسد ، والبكاء العاشقين ،وأهل الغرام بالأغاني .
فما في الأرض أشقى مـن محب *** وإن وجد الهـوى حلو المذاق
تـراه باكيـا فـي كــل حـين *** مخافـة فرقـة أولاشـتياق
فتسخـن عينـه عنـد التلاقـي *** وتسـخن عينـه عند الفراق
ويبكـي إننـأوا شوقـا إليهـم *** ويبكي إن دنوا خوف الفـراق
فضل البكاء من خشية الله
قال تعالى : { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ . قَالُوا إِنَّاكُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ . فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَاعَذَابَ السَّمُومِ . إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّالرَّحِيمُ} [ الطور / 25 – 28 ]
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع" . ‌ رواه الترمذي ( 1633 ) .
وقالَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِوسَلَّم : "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِيَوْمَ لا ظِلَّ إلا ظلُّهُ : إِمامٌ عادِلٌ ، وشابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللَّهتَعالى ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّق بالمَسَاجِدِ ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فياللَّه ، اجتَمَعا عَلَيهِ وتَفَرَّقَا عَلَيهِ ، وَرَجَلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمالٍ ، فَقَالَ : إِنّي أَخافُ اللَّه ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَبِصَدَقَةَ فأَخْفاها حتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمالهُ ما تُنْفِقُ يَمِينهُ ، ورَجُلٌذَكَرَ اللَّه خالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ" .
رواه البخاري ( 629 ) ومسلم ( 1031 ) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عينان لا تمسهما النار ، عين بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرسفي سبيل الله " . رواه الترمذي ( 1639 ) ، وصححه الشيخ الألباني في " صحيحالترمذي " ( 1338 ) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين : قطرة من دموع خشية الله، وقطرة دم تهراق في سبيل الله ، وأما الأثران : فأثر في سبيل الله ، وأثر في فريضةمن فرائض الله" رواه الترمذي ( 1669 ) ، وصححه الشيخ الألباني في " صحيحالترمذي " ( 1363 ) .
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : " لأن أدمع من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بألف دينار ! " .
وقال كعب الأحبار : لأن أبكى من خشية الله فتسيل دموعي على وجنتي أحب إلى منأن أتصدق بوزني ذهباً .
حال الملائكة
عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسولالله صلى الله عليه وسلم أنه قال لجبريل : " ما لي لا أرىميكائيل ضاحكاً قط ؟ " قال : ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار .
رواه أحمد ( 12930 ) ، وقال المناوي في " فيض القدير " ( 5 / 452 ) : ... قال الزين العراقيإسناده جيد ، وحسنه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب " ( 3664 ) . [ تنبيه : هذاالحديث من الأحاديث التي تراجع الشيخ الألباني من تضعيفه إلى تحسينه ] .
عن جابررضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مررتُ ليلة أسري بي بالملأ الأعلى وجبريل كالحِلس البالي من خشيةالله تعالى " . ‌
رواه الطبراني في " الأوسط " ( 5 / 64 ) وحسنه الشيخالألباني في " صحيح الجامع " ( 5864 ) .
بكاء الأنبياء
قال تعالى : { أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذريه آدم وممن حملنا مع نوحومن ذريه إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خرواسجداً وبكياً } [ مريم / 58 ] .
بكاء النبي صلى الله عليه وسلم

عَنابن مَسعودٍ - رضي اللَّه عنه – قالَ : قال لي النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِوسَلَّم : "اقْرَأْ علَّي القُرآنَ" قلتُ : يارسُولَ اللَّه ، أَقْرَأُ عَلَيْكَ ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ ؟ ، قالَ : " إِني أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي " فقرَأْتُعليه سورَةَ النِّساء ، حتى جِئْتُ إلى هذِهِ الآية : {فَكَيْفَإِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّة بِشَهيد وِجئْنا بِكَ عَلى هَؤلاءِ شَهِيداً } [ النساء / 40 ] قال " حَسْبُكَ الآن " فَالْتَفَتَّ إِليْهِ ، فَإِذَا عِيْناهُ تَذْرِفانِ . البخاري ( 4763 ) ومسلم ( 800 ) .
---------------------

قال ابن بطال :
وإنما بكى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند هذا لأنه مثل لنفسه أهوال يوم القيامة ،وشدة الحال الداعية له إلى شهادته لأمته بتصديقه والإيمان به ، وسؤاله الشفاعة لهمليريحهم من طول الموقف ، وأهواله ، وهذا أمر يحق له طول البكاء والحزن .
وعَنعبد اللَّه بنِ الشِّخِّير - رضي اللَّه عنه – قال :أَتَيْتُرسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَهُو يُصلِّي ولجوْفِهِ أَزِيزٌكَأَزِيزِ المرْجَلِ مِنَ البُكَاءِ . رواه أحمد ( 15877 ) ، والنسائي ( 1214 ) وهذا لفظه ، وأبو داود ( 904 ) بلفظ " ... كأزيز الرحى " ، وصححه الشيخالألباني في " صحيح الترغيب " ( 544 ) .
المِرْجل : القِدر الذي يغلي فيه الماء .
عن عبيد بن عمير رحمه الله : " أنه قال لعائشة - رضي الله عنها - : أخبرينابأعجب شيء رأيتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
قال : فسكتت ثم قالت : لما كانت ليلة من الليالي.
قال : " يا عائشة ذرينيأتعبد الليلة لربي " .
قلت : والله إني أحب قُربك ، وأحب ما يسرك .
قالت : فقام فتطهر ، ثم قام يصلي .
قالت : فم يزل يبكي ، حتى بل حِجرهُ !
قالت : وكان جالساً فلم يزل يبكي صلى الله عليه وسلم حتى بل لحيته !
قالت : ثم بكى حتى بل الأرض ! فجاء بلال يؤذنهبالصلاة ، فلما رآه يبكي ، قال : يا رسول الله تبكي ، وقد غفر الله لك ما تقدم منذنبك وما تأخر ؟! قال : "أفلا أكون عبداً شكورا ؟! لقد أنزلت علي الليلة آية ، ويل لم قرأها ولم يتفكر فيها ! {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } الآية كلها [ آلعمران / 190 ] " رواه ابن حبان ( 2 / 386 ) وغيره ، وصححه الشيخ الألباني في " صحيحالترغيب " ( 1468 ) ، وفي " الصحيحة " ( 68 ) .
عن أنس رضي الله عنه قال : شهدنابنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبرفرأيت عينيه تدمعان ، فقال : هل فيكم من أحد لم يقارف الليلة ؟فقال أبو طلحة : أنا ، قال : فانزل في قبرها ، فنزل في قبرها فقبرها. رواهالبخاري ( 1225 ) .
وبكى شفقة على أمته .
عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنالنبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم {ربإنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني} الآية [ إبراهيم / 36 ] وقال عيسى عليه السلام { إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنكأنت العزيز الحكيم} [ المائدة / 118 ] فرفع يديه وقال - اللهم أمتي أمتي - وبكىفقال الله عز وجل يا جبريل اذهب إلى محمد - وربك أعلم - فسله ما يبكيك فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام فسأله فأخبره رسول الله صلى اللهعليه وسلم بما قال - وهو أعلم - فقال الله يا جبريل اذهب إلى محمد فقل إنا سنرضيكفي أمتك ولا نسوؤك. رواه مسلم ( 202 ) .
عن عبد الله بن عمرو بن العاص - أيضاً - قال :انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى اللهعليه وسلم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكد يركع ثم ركع فلم يكد يرفع ثمرفع فلم يكد يسجد ثم سجد فلم يكد يرفع ثم رفع فلم يكد يسجد ثم سجد فلم يكد يرفع ثمرفع وفعل في الركعة الأخرى مثل ذلك ثم نفخ في آخر سجوده فقال : أف أف ، ثم قال : ربألم تعدني أن لا تعذبهم وأنا فيهم ؟ ألم تعدني أن لا تعذبهم وهم يستغفرون ؟ ونحننستغفرك ، فلما صلى ركعتين انجلت الشمس فقام فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال : إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا انكسفافافزعوا إلى ذكر الله تعالى . رواه أبو داود ( 1194 ) وصححه الشيخ الألباني في " صحيح أبي داود " ( 1055 ) لكن بذكر الركوع مرتين كما في الصحيحين .
بكاء الصحابة
عن أنس رضي الله عنه قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط فقال : " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيراً" ، فغطىأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ولهم خنين ، وفي رواية : بلَغَ رسولالله صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شيء فخطب فقال : " عرضتعليَّ الجنة والنار فلم أر كاليوم من الخير والشر ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاولبكيتم كثيراً " فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أشدمنه غطوا رؤوسهم ولهم خنين " . رواه البخاري ( 4345 ) ، والرواية الثانية لمسلم ( 2359 ). ، والخنين : هو البكاء مع غنّة .
قال ابن حجر :
المراد بالعلم هنا : ما يتعلّق بعظمة الله وانتقامه ممّن يعصيه ، والأهوال التي تقع عند النزع والموتوفي القبر ويوم القيامة .
وعن أبي سفيان عن أشياخه قال : قدم سعد على سلمانيعوده ، قال : فبكى ، فقال سعد : ما يبكيك يا أبا عبد الله ؟ توفي رسول الله صلىالله عليه وسلم وهو عنك راض وترد عليه الحوض وتلقى أصحابك ، فقال : ما أبكي جزعا منالموت ولا حرصا على الدنيا ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا عهداً قال : " لتكن بلغة أحدكم من الدنيا كزاد الراكب " وحولي هذه الأساود قال وإنما حولهإجانة وجفنة ومطهرة فقال يا سعد اذكر الله عند همك إذا هممت وعند يديك إذا قسمتوعند حكمك إذا حكمت .
رواه الحاكم ( 4 / 353 ) وقال صحيح الإسناد – قال المنذري - : كذا قال .
قوله " وهذه الأساود حولي " قال أبو عبيد : أراد الشخوص من المتاعوكل شخص سواد من إنسان أو متاع أو غيره ، وحسنه الألباني في " صحيح الترغيب " ( 3224 ) ، وقال معلقاً تحت هذا الحديث : بُلْغَة : بضم الموحدة ، ما يُتَبَلَّغ بهمن العيش ، إجانة : شيء تغسل فيه الثياب ، والجفنة : كالقصة ، والمطهرة : إدواةالماء ، ذكرها الجوهري بفتح الميم وكسرها ثم قال : والفتح أعلى ...
وعن هانئمولى عثمان رضي الله عنه قال : كان عثمان إذا وقف على قبر ؛ بكى حتى يبل لحيته ! فقيل له : تذكر الجنة والنار فلا تبكي ، وتبكي من هذا ؟! فقال إن رسول الله صلىالله عليه وسلم قال : " إن القبر أول منزل من منازل الآخرة، فإن نجا منه ، فما بعده أيسر منه ، وإن لم ينج منه ؛ فما بعده أشد منه ! " قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما رأيتمنظراً قط إلاّ القبر أفظع منه ! " رواه أحمد ( 456 ) ، والترمذي ( 2308 ) ،وابن ماجه ( 4267 ) ، وحسنه الشيخ الألباني في " صحيح الترمذي " للألباني ( 1878 ) .

----------------------

وبكى معاذ رضي الله عنه بكاءشديدا فقيل له ما يبكيك ؟ قال : لأن الله عز وجل قبض قبضتين واحدة في الجنة والأخرىفي النار ، فأنا لا أدري من أي الفريقين أكون .
وبكى الحسن فقيل له : ما يبكيك؟ قال : أخاف أن يطرحني الله غداً في النار ولا يبالي .
وعن تميم الداري رضىالله عنه أنه قرأ هذه الآية : { أم حسب الذين اجترحوا السيئات أننجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات } [ الجاثية / 21 ] فجعل يرددها إلىالصباح ويبكي .
وكان حذيفة رضي الله عنه يبكي بكاءً شديداً ، فقيل له : مابكاؤك ؟ فقال : لا أدري على ما أقدم ، أعلى رضا أم على سخط ؟ .
عن سعد عن أبيهقال : أُتي عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يوما بطعامه فقال : قتل مصعب بن عميروكان خيراً مني فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة ، وقتل حمزة – أو رجل آخر – خيرمني فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة ، لقد خشيت أن يكون قد عجلت لنا طيباتنا فيحياتنا الدنيا ، ثم جعل يبكي . رواه البخاري ( 1215 ) .
وقال سعد بن الأخرم : كنت أمشي مع ابن مسعود فمَّر بالحدَّادين و قد أخرجوا حديداً من النار فقام ينظرإلى الحديد المذاب ويبكي . وما هذا البكاء إلا لعلمهم بأن الأمر جد والحساب قادمولا يغادر صغيره ولا كبيره إلا أحصاها .
وخطب أبو موسى الأشعري رضي الله عنه مرةالناس بالبصرة : فذكر في خطبته النار ، فبكى حتى سقطت دموعه على المنبر ! وبكىالناس يومئذ بكاءً شديداً .
وقرأ ابن عمر رضي الله عنهما : {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ} [ سورة المطففين :1 ] فلما بلغ : { يَوْمَيَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } [ سورة المطففين :6 ] بكى حتى خرَّوامتنع عن قراءة ما بعده .
عن نافع قال : كان ابن عمر إذا قرأ {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله} [ الحديد / 16 ] بكى حتىيغلبه البكاء .
وقوله تعالى : {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَآمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّوَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْالأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [ الحديد / 16 ] :
قال ابن مسعود رضيالله عنه : ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآيةإلا أربع سنين.
رواه مسلم ( 3027 ) .
وقال مسروق رجمه الله : " قرأت على عائشة هذه الآيات: {فَمَنَّاللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [ الطور / 27 ]فبكت ، وقالت " ربِّ مُنَّ وقني عذاب السموم " .
بكى أبوهريرة رضي الله عنه في مرضه . فقيل له : ما يبكيك ؟! فقال : " أما إني لا أبكي علىدنياكم هذه ، ولكن أبكي على بُعد سفري ، وقلة زادي ، وإني أمسيت في صعود على جنة أونار ، لا أدري إلى أيتهما يؤخذ بي !! " .
كان عبد الله بن رواحة رضي الله عنهواضعاً رأسه في حجر امرأته فبكى فبكت امرأته فقال ما يبكيك فقالت رأيتك تبكي فبكيتقال إني ذكرت قول الله عز وجل { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَاكَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً} [ مريم / 71 ] فلا أدري أأنجو منهأم لا .
اشتكى سلمان الفارسي فعاده سعد بن أبي وقاص فرآه يبكي فقال له سعد : مايبكيك يا أخي أليس قد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أليس ؟ أليس ؟ قال سلمان : ما أبكي واحدة من اثنتين ما أبكي ضنّاً للدنيا ولا كراهية للآخرة ، ولكن رسولالله صلى الله عليه وسلم عهد إليَّ عهداً فما أراني إلا قد تعديت ! قال : وما عهدإليك ؟ قال : عهد إليَّ أنه يكفي أحدكم مثل زاد الراكب ولا أراني إلا قد تعديت ،وأما أنت يا سعد فاتق الله عند حكمك إذا حكمت ، وعند قسمك إذا قسمت ، وعند همك إذاهممت . قال ثابت : فبلغني أنه ما ترك إلا بضعة وعشرين درهما من نفقة كانت عنده . رواه ابن ماجه ( 4104 ) ، وصححه الشيخ الألباني في" صحيح ابن ماجه " ( 3312 ) ، " وصحيح الترغيب " ( 3225 ) .
عن أنس بن مالك أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قاللأبيِّ بن كعب إن الله أمرني أن أقرئك القرآن قال أالله سمانيلك ؟ قال : نعم ، قال : وقد ذُكرت عند رب العالمين ؟ قال : نعم ، فذرفت عيناه - وفيرواية : فجعل أبيٌّ يبكي - . رواه البخاري ( 4677 ) ، ومسلم ( 799 ) .
بكاء السلف الصالح
وكان بعض الصالحين يبكيليلاً ونهاراً ، فقيل له في ذلك ، فقال : أخاف أن الله تعالى رآني على معصية ،فيقول : مُرَّ عنى فإني غضبان عليك .
وهذا إسماعيل بن زكريا يروي حال حبيب بنمحمد - وكان جارا له – يقول : كنت إذا أمسيت سمعت بكاءه وإذا أصبحت سمعت بكاءه ،فأتيت أهله ، فقلت ما شأنه ؟ يبكي إذا أمسى ، ويبكي إذا أصبح ؟! قال : فقالت لي : يخاف والله إذا أمسى أن لا يصبح و إذا أصبح أن لا يمسي .
وحين عوتب يزيدالرقاشي على كثرة بكائه ، وقيل له : لو كانت النار خُلِقتْ لك ما زدت على هذا ؟! قال : وهل خلقت النار إلا لي ولأصحابي ولإخواننا من الجن و الإنس ؟؟ .
وحين سئلعطاء السليمي : ما هذا الحزن قال : ويحك ، الموت في عنقي ، والقبر بيتي ، وفيالقيامة موقفي وعلى جسر جهنم طريقي لا أدري ما يُصنَع بي .
وكان فضالة بن صيفيكثير البكاء ، فدخل عليه رجل وهو يبكي فقال لزوجته ما شأنه ؟ قالت : زعم أنه يريدسفراً بعيداً وماله زاد .
وانتبه الحسن ليلة فبكى ، فضج أهل الدار بالبكاء ،فسألوه عن حاله فقال : ذكرت ذنباً لي فبكيت.
وحدث من شهد عمر بن عبد العزيز وهوأمير على المدينة : أن رجلاً قرأ عنده : { وَإِذَا أُلْقُوامِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} [ الفرقان : 13 ] فبكى حتى غلبه البكاء ، وعلا نشيجه ! فقام من مجلسه ، فدخل بيته ،وتفرَّق الناس .
وقال خالد بن الصقر السدوسي : كان أبي خاصاً لسفيان الثوري ،قال أبي : فاستأذنت على سفيان في نحر الظهر ، فأذنت لي امرأة ، فدخلت عليه وهو يقول : {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم} [ سورة الزخرف :80 ] ثم يقول : بلى يا ربّ ! بلى يا ربّ ! وينتحب ، وينظرإلى سقف البيت ودموعه تسيل ، فمكثت جالساً كم شاء الله ، ثم أقبل إليّ ، فجلس معي . فقال : منذ كم أنت ها هنا ! ما شعرت بمكانك !

-----------------------------

بكاءالمعاصرين
عندما بكى الشيخ ابن باز
دموع سماحة الوالد ليست ملكاً له ،فعينه تغلبه كثيراً عندما تقرأ عليه آية من كتاب الله ، أو يسمع حادثة من حوادثالسيرة النبوية أو يحكى له موقف مؤثر من الماضي أو الحاضر ، وها هم طلابه يتحدثونعن هذا الموضوع .
فقد سألنا أحد طلاب الشيخ عن أبرز المواطن التي تغلب الشيخفيها دموعه فيبكي فأجاب :
شيخنا قريب الدمعة ، يبكي كثيراً حتى إن بكاءه يصل إلىحد الجياش الشديد ، فهو يبكي عند ذكر الوعد والوعيد ، ويبكي عند حصول بعض المصائبلبعض المسلمين ، ويبكي عند حصول بعض الغرائب في الدين التي هي من أعظم المصائب ،ويبكي عند ذكر السلف الصالح وأحوالهم في الزهد والتقشف ، ويبكي حين تذكر شيوخهوإخوانه الذين ماتوا قبله ، أو حين تحل بهم أقدار الله .
قلب رقيق
ويكملالحديث أحد الطلاب الذين يحضرون دروس سماحة الشيخ منذ عام 1399هـ فيقول :
الشيخحفظه الله يملك قلباً رقيقاً متأثراً بكل ما يسمعه من الآيات والأحاديث النبويةوكذا سيرة الصحابة رضي الله عنهم ، فكم من آية من كتاب الله وقف الشيخ عندهامتأثراً باكياً لما فيها من الوعيد وكذا ما أعده الله من النعيم ، وكم حديث أثارأشجان الشيخ فبكى متأثراً مما ورد فيه كقصة الإفك مثلاً وكذا توبة كعب بن مالكوغيرها من الأحاديث .
وأذكر مرة أنه قُرأ على الشيخ حديث : " إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الملوك ، لا مالِك إلا الله" - البخاري ( 5852 ) ، ومسلم ( 3143 ) - قال سفيان : مثل شاهان شاه ، فكانالقارئ وهو أحد تلاميذه قرأها ( شاهٍ شاه ) فقال الشيخ مصححاً له : ( شاهانَ شاه ) هكذا قرأتها على سماحة شيخنا العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله ، فما كانمن الشيخ إلا أن دمعت عيناه وغلبه البكاء لأنه تذكر شيخه سماحة العلامة محمد بنإبراهيم آل الشيخ - رحمه الله - فكان هذا موقفاً لا أنساه ، ودمعة على وجنتيّ شيخنالا أنساها أبداً .
ويبدو أن لمواقف السيرة النبوية أثراً عظيماً في قلب شيخناابن باز حيث إنه كثيراً ما يتأثر عند سماعه بعض أخبارها .
و ها هو الأخ عبد اللهالروقي يعد لنا بعض هذه المواطن :
أذكر منها : بكى عند قصة تخلف كعب بن مالك رضيالله عنه عن غزوة تبوك ، وبكى عند حديث الإفك وقصة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنهافي ذلك ، وبكى عند حديث جرير بن عبد الله البجلي الذي رواه أحمد ( ساعاتي ج 1 / 75 – 77 ) - ترقيم إحياء التراث ( 18677 ) - في قصة الأعرابي الذي أسلم ثم وقصته دابتهفقال عليه الصلاة والسلام : " عمل قليلاً وأجر كثيراً " ، وبكى عند بيعة الأنصاررضي الله عنهم للنبي صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة الثانية ، كما تأثر كثيراًعندما قرئ عليه من " زاد المعاد " باب فتح مكة ، وكان يكثر فيه من الصلاة علىالرسول صلى الله عليه وسلم ، وغير ذلك مما يطول .
عندمابكى الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -
قال أحد تلامذة الشيخ :
عبد الرحمن بنداود من خيرة طلاب شيخنا وأحاسنهم أخلاقاً من يمن الإيمان والحكمة له في قلوبالجميع محبة ومكانة ، حصل له حادث توفي على أثره وهو في طريقه لمدينة رسول الله صلىالله عليه وسلم , حزن الجميع للنبأ وسلمنا لقضاء الله وقدره ووضعت الجنازة بعد صلاةالمغرب ليتقدم شيخنا - رحمه الله - ويصلي عليه , ثم تُحمل الجنازة إلى المقبرة .
وفجأة بعد الصلاة افتقدنا الشيخ رحمه الله فقال البعض : لعله تبع الجنازة ،وقال آخرون : لعل الشيخ صائم فذهب للإفطار - كما هي عادته - وسيعود بعد ربع ساعة ،أما البعض فقد رأوا شيخنا عندما نزل بعد الصلاة إلى قبو المسجد , فجلسوا حول كرسيالشيخ في انتظار صعوده للدرس اليومي .
ثم قام أحد الأخوة من طلبة الشيخالمعروفين - ممن لم ير الشيخ - فنزل إلى القبو ريثما يعود الشيخ , وفجأة وهو ينزلإذ بالشيخ - رحمه الله - يصعد من القبو وهو يمسح الدموع عن وجهه , وقد ظهر على وجههالتأثر الشديد والبكاء , هنا ألقى صاحبنا على شيخنا السلام ثم صعد , أما الشيخ فقدكفكف دمعه وصعد إلى مكان الدرس وجلس على كرسيه والجميع حوله ثم ترحم على أخينا - عبد الرحمن - وذكره بخير ، ثم استمر في درسه وكأن شيئاً لم يكن .
ماذا نقول ؟! ثبات وقوة في رقة و إيمان .
رحم الله عبد الرحمن بن داود ، ورحم الله شيخنا فقدلحق المعلم بالطالب ونحن على الأثر .
عندما بكى الشيخ الألباني – رحمه الله
والشيخ رحمه الله – على خلاف ما يظن الكثيرون – رقيق القلب ، غزير الدمع ، فهولا يُحدَّث بشيء فيه ما يبكي إلا وأجهش في البكاء ، ومن ذلك :
أ.حدثته امرأة جزائرية أنها رأته يسأل عن الطريق الذي سلكهالنبي صلى الله عليه وسلم ، فدُلَّ عليه فسار على خطواته لا يخطئها ، فلم يحتملكلامها ، وأجهش بالبكاء .
ب.وفي آخر لقاء لي بهرحمه الله ، حدثته عن رؤيا رآها بعض إخواننا ، وهي أنه رأى هذا الأخ النبيَّ صلىالله عليه وسلم ، فسأله : إذا أشكل عليَّ شيء في الحديث مَن أسأل ؟ فقال النبي صلىالله عليه وسلم : سل محمد ناصر الدين الألباني . فما أن انتهيت من حديثي حتى بكىبكاءً عظيماً ، وهو يردد " اللهم اجعلني خيراً مما يظنون ، واغفر لي ما لا يعلمون " .











__________________

رد مع اقتباس