الدعاية للثورة العرابية في سيناء
لاشك أن للعنصر الدعائي أهمية كبيرة في تعبئة وتهيئة الرأي العام لمساندة فكرة معينة. لكن مسألة الدعاية تصبح أكثر صعوبة إذا ما كان المجتمع المراد تهيئته وتعبئته مجتمعاً بدوياً والأمية هي السمة الغالبة بين سكانه . لهذا كانت مسألة الدعاية للثورة العرابية بين أهالي شبه جزيرة سيناء غاية في الصعوبة، ومن ثم تفقد الصحافة كسلاح دعائي في إثارة الرأي العام دورها وقيمتها بين هؤلاء البدو . ولهذا وقع علي كاهل العناصر المثقفة والمتمثلة في موظفي الإدارات الحكومية في سيناء عبء الدعاية للثورة وتهيئة الأهالي لمساندة الثورة .
وليست لدينا معلومات حول تلك النشاطات الدعائية بين بدو سيناء خلال المراحل الأولي من الثورة، لكن ما لدينا يشير إلي وجود تحرك دعائي واسع بين البدو خلال المراحل الأخيرة من الثورة .
ولعب السيد بك محمد محافظ العريش دوراً مهماً في الدعاية للثورة بين أهالي منطقته، حيث عمل علي إذكاء الروح الوطنية لدي البدو، علي وجه الخصوص، فيعترف بعض مشايخ القبائل المناهضة للثورة وهم مشايخ قبائل الخناصرة والدهيمات والعرادات والرميلات بأن " المحافظ السلف ولكونه من حزب عرابي، ودواما يحضر له جريدة الطائف، ويصير تلاوتها بين الأهالي والمستخدمين بقصد الهيجان والحركات والإشاعة " . كما أن سلطان باشا عميل الإنجليز والساعد الأيمن للخديو لا يفوته أن يقرر ذلك بقوله :" إن محافظ العريش هو الذي يحث ويسلط هذه العربان علي هذه الأفعال ". حيث عهد الخديو إلي سلطان باشا توزيع نسخ من جريدة " الجوائب " التركية التي نشرت إعلان السلطان عصيان عرابي علي ضباط الجيش المصري لاطلاعهم عليها، وتنقل سلطان باشا في البلاد لدعوة العمد والأعيان إلي مساعدة الإنجليز .
وقد استعان محافظ العريش بكل من أحمد شراب وطلسن عبد الشافي لمساندته في عملية الدعاية للثورة بين أهالي المنطقة . فأحمد شراب يرجع إلي أصول شامية فهومن غزة وعمل في وظيفة " كاتب ثاني بمحافظة العريش " وكان يعرض علي المحافظ " بأنه بإمكانه استحضار غالب العربان الأشقياء الموجودين بجهة غزة "، وبخاصة " عربان الترابين بقصد الهيجان " ، وذلك كأسلوب تهديد للقبائل التي ترفض الوقوف في جانب الثورة . أما طلسن عبد الشافي فقد كان يعمل بوظيفة " كاتب بمحكمة العريش "، لكن كان قد تم نقله إلي وظيفة " صراف " بمحافظة العريش بمعرفة المحافظ، وكان يقوم بإعداد التقارير حول الحوادث التي تحدث في سيناء أو قريبا منها ويرسلها إلي جريدة " الطائف " بقصد نشرها، حيث وجدت بحوزته أوراق معدة للنشر بالجريدة المذكورة، " بقصد الهيجان والإشاعة " . وشارك كل من أحمد شراب وطلسن عبد الشافي في كتابة الخطابات السرية والمكاتبات التي يرسلها إلي أحمد عرابي . أما قاضي العريش المدعو " عبد البر الرملي "، فقد لعب دوراً مهماً في التعبئة الدينية، لما له من تأثير علي جموع الأهالي والعربان، حيث كان "يحث الأهالي علي وجوب تطوعهم واشتراكهم إلي جانب الثورة " ، كما كان يشجعهم علي التطوع بقوله " كل من مات بالمحاربة مات شهيداً ". وكانت ثمرة الحملة الدعائية التي قام بها محافظ العريش ومؤيدو الثورة من المثقفين بالعريش هي انضمام المتطوعين من الأهالي إلي جانب جيش الثورة وكلف محافظ العريش شخص يدعي محمود عبيد بتنظيم حركة التطوع إلي جانب جيش الثورة حيث كان يقوم " بتفهيم الأهالي المحضرين من القنطرة والإسماعيلية بأنهم عند دخولهم إلي العريش عليهم أن يخبروا المحافظ بأن العساكر والعربان جاري توجههم أول بأول لجهة الجيش وبعض أشخاص بصفة متطوعين" .
كما تطالعنا الوثائق باسم الشيخ يوسف شرابه من علماء الأزهر بالعريش وتؤكد اشتراكه في الثورة، وأنه قد حكم عليه بالنفي خارج مصر لمدة ثلاث سنوات ، لكنها لا توضح الدور الذي قام به هذا الشيخ، لكن من الواضح أنه ربما كان إماماً بمسجد العريش وله دور في حث الأهالي علي الانضمام للثورة بما له من مكانة دينية وسط الأهالي .
وهكذا يتضح لنا أن الدعاية للثورة العرابية بين أهالي سيناء والتي وقعت علي كاهل الموظفين الحكوميين من مختلف الدرجات الوظيفية قد أخذت شكلاً منظماً إلي حدٍ كبير بهدف جمع الأهالي علي فكرة تأييد ودعم الثورة . لكن من الملاحظ أن حملة الدعاية للثورة بين أهالي سيناء قد تمت خلال مراحل متأخرة من الثورة، وبالتحديد أثناء المعارك التي دارت بين الجيش المصري والإنجليز، ولم نجد في المصادر المعاصرة ما يفيد بوجود أي شكل من أشكال الدعاية في الفترة السابقة علي اندلاع المعارك بين الجيش المصري والجيش البريطاني.
أخوووكم / أحمد كووول
