عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 20-09-2009, 01:58 AM
الصورة الرمزية أحمد كووول
أحمد كووول أحمد كووول غير متواجد حالياً
عضو خبير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2009
المشاركات: 677
معدل تقييم المستوى: 16
أحمد كووول is on a distinguished road
افتراضي بدو سيناء يؤيدون عرابي



بدو سيناء يؤيدون عرابي

من خلال دراسة الوثائق الخاصة بالثورة العرابية، والوثائق المتعلقة بسيناء، يمكننا القول بأن دور سيناء، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من مصر، خلال مراحل الثورة المختلفة كان دورا داعما ومؤيدا لها، وخاصة خلال مراحل اشتباك جيش الثورة مع القوات البريطانية، وقد اتخذ هذا الدعم والتأييد صورا وأشكالا مختلفة منها الدعم المادي والعسكري، بالإضافة إلي التأييد المعنوي للجيش أثناء المعارك ضد القوات البريطانية.
ومن أشهر قضايا دعم أهالي سيناء للثورة ما تطلق عليه الوثائق " قضية البطيخ"، والتي تتلخص في قيام السيد بك محمد محافظ العريش في 18 أغسطس 1882 بجمع عشرة آلاف "بطيخة " (حيث يوجد بكثرة في سيناء ) من أهالي سيناء وإرسالها إلي الجيش المصري في كفر الدوار . وتشير إحدى البرقيات التي أرسلها السيد بك إلي عرابي إلي أنه طلب عدداً من المراكب لحمل شحنة البطيخ من العريش إلي دمياط، ومن هناك ترسل إلي كفر الدوار. وقد صاحب هذه الشحنة في طريقها إلي دمياط اثنين من رتبة الملازم، وهما محمد سلطان (ملازم أول )، وعثمان عبد الغني الباشجاويش (ملازم ثاني)، وقد حصل هذان الملازمان علي رتبتيهما بموجب مكاتبات من عرابي وذلك كمكافأة لهما علي موقفهما المؤيد للثورة.
كما قام العسكريون الموالون للثورة منهم " محمد سلطان وعثمان عبد الغني " وآخر يدعي " مصطفي شريف " بحراسة شواطئ العريش بهدف مراقبتها، وكانوا يوهمون العساكر القائمين علي الحراسة بضرورة تشديد الحراسة حتى " يكونوا في استقبال الإنجليز "، لكنهم في الحقيقة أرادوا من ذلك أن يرقبوا وصول المراكب الإنجليزية لصالح الثورة .
وكان الجنرال ولزلي قد استغل اطمئنان عرابي من ناحية القناة وحصر مقاومته في كفر الدوار، فقام بمهاجمة الجيش عن طريق سواحل مصر الشرقية القريبة من قناة السويس، وأمر الأسطول البريطاني بإجراء مناورة بحرية لخداع القوات المصرية . وكانت بعض القطع البحرية تصل إلي شواطئ العريش " وعند رفع الإشارات لها تختفي في الحال "، ولهذا أرسل عرابي إلي محافظ العريش يؤكد له بأن هذه المراكب التي تصل شواطئ العريش إنما هي " مراكب جواسيس من طرف العدو لمعرفة المواقع البحرية "، وطلب عرابي من المحافظ من 20 يوليو 1882 تعيين حراسة على سواحل البحر المتوسط " بمعرفة العساكر والأهالي وعمد ومشايخ العربان ".
ومن الملاحظ هنا أن التحرك المؤيد للثورة قامت به الفئة العسكرية التي هي جزء من النسيج العسكري القائم بالثورة . لكن هناك إشارات في الوثائق تؤكد بأن أهالي سيناء شاركوا في إمداد جيش الثورة بالجمال اللازمة لنقل المؤن والذخيرة إلي ساحة المعارك، حيث تم العثور علي عدد من الجمال مع شخص يدعي "علي حمدان من أهالي العريش " بعد انتهاء المعارك والهزيمة، وضبطت الجمال بمعرفة المحافظ الجديد للعريش لشكه في كونهم من الجمال التي فرت من جيش الثورة وقت الهزيمة .
وقام أهالي العريش بالضرب علي أيدي الجواسيس الذين يعملون لصالح الإنجليز سواء كانوا من العربان أو الأجانب . فقام عثمان عبد الحافظ شيخ العريشية والموالي للثورة بالتشكي من " يعقوب جويد وأخوته وبعض الأشقياء الموجودين بقنطرة القناة "، حيث أنه من " أهالي غزة المقيمين بالقنطرة وقد صار لهم حزب واتحاد مع بعض الأشقياء وجاري التشكي منهم من قبل العريشية والتجار المارين بالقنطرة "، ونظراً لكثرة الشكوى من هؤلاء الأشخاص وخطورتهم علي الأمن العام، فقد رأي الأهالي ضرورة إبعادهم ونفيهم إلي غزة موطنهم الأصلي " لأجل راحة الأهالي والتجار، لأن الجميع متضرر منهم "، فتم القبض علي يعقوب جويد وأخوته وتعيين خفراء علي الطريق القنطرة – العريش.
ولم يقتصر الأمر علي التخلص من الجواسيس من العربان، بل امتد إلي التخلص من الجواسيس الأجانب، فنري محافظ العريش يمنع " مسيو بيانكي" ناظر كورنتينة العريش من إرسال أية تقارير أو خطابات سرية إلي الإنجليز أو حكومة الخديوي، لعلمه أنه يعمل لصالح الإنجليز، ولهذا هدده بالموت والطرد من الخدمة والإكراه علي السفر وترحيله إذا ما أرسل أية تقارير أو خطابات سرية إلي الإنجليز، كما قام المحافظ بتعطيل نقطة الحجر الصحي وترك القوافل المتوجهة إلي الشام تمر دون إجراءات صحية خلال شهور يوليو وأغسطس وسبتمبر من عام 1882.
ولم يقتصر الأمر علي مشاركة الأهالي بل أننا نري دوراً بارزاً ومهماً للعربان في الوقوف إلي جانب الثورة . فنراهم يتصدون لمحاولات الإنجليز وأعوانهم من التجار والعربان ضرب الثورة، وهذا ما حدث لأحد تجار الإسماعيلية المدعو " عطية الجولاني " الذي كان "مقاولاً بالقومبانية الفرنساوي بالقنال بجهة القنطرة " وكان متوجها إلي العربان المقيمين بين القنطرة والعريش لشراء الجمال اللازمة لتسهيل عمله، وعند وصوله إلي منطقة " قاطية "، أشيع هناك أنه يشتري جمالاً للإنجليز فتصدي له العربان وأرادوا الفتك به لولا أنه احتمي " بأسطي التلغراف " بقاطية، حيث توجه به إلي مقر محافظة العريش بهدف الاحتماء بشوكة الحكومة هناك، إلا أن محافظ العريش بمجرد علمه أنه كان يريد شراء جمال للإنجليز قام بتهديده وتخويفه مدة أيام حتى أشيع " أنه كان المرغوب قتله ".
كما راح العربان يهاجمون الإمدادات والمؤن الخاصة بالجيش الإنجليزي، وسلبوا ونهبوا ما كانت تحمله الإبل للقوات الإنجليزية ، ويبدو ذلك جلياً من إفادة مأمور القنطرة التي قال فيها "أن عربان السماعنة والعقايلة هجمت علي جمال كانت محضرة للقنطرة علي ذمة الجيش الإنجليزي " حيث أحس البدو بحاستهم الفطرية مدي خطورة الموقف في جبهة القتال وما يمكن أن تؤول إليه البلاد إذا ما مني الجيش المصري بالهزيمة، واحتلال عدو أجنبي لهذه الأرض المقدسة .

وقام عدد آخر من القبائل بمنع القوافل الواردة من الشام إلي مصر، وذلك خوفاً من وصول أية إمدادات إلي الجيش الإنجليزي، كما قاموا بالهجوم علي العربان الموالين للإنجليز المتوجهين بالبوسته إلي القنطرة . ولما خشي الإنجليز والخديو علي مصالحهما من تلك الهجمات التي يشنها العربان، قام كل منهما بعمل مبادرة تهدف إلي كسب ودهم واستعمال بعضهم بهدف تشكيل جبهة موالية له في شبه الجزيرة خصوصاً وأن الصراع علي ضفة قناة السويس بين قوات الجيش المصري من ناحية والقوات البريطانية من ناحية أخري كان وشيكاً.
وقام الخديوي توفيق بتعيين سلطان باشا رئيس مجلس النواب مندوباً خديوياً ومعه بعض " الياوران الخديوي " لدي الجنرال ولزلي، وكلفه بنشر إعلان السلطان العثماني عصيان عرابي بهدف إثارة البلبلة بين العربان الموالين لعرابي والثورة، كما طلب إليه دعوة الأهالي للطاعة والانصياع لأوامره وأوامر الإنجليز . وراح سلطان باشا يستخدم سلاح الإغراء بالمال لشراء جانب العربان وكسب ودهم بالمنح والهبات، لكن لم يستجب لسلطان باشا سوي بعض العشائر والعائلات الضعيفة التي نجح في استمالتها، أو علي الأقل تحييدها .
وقد حاول البعض استغلال ظروف الثورة العرابية وهياج العربان لإثارة فتنة طائفية في منطقة الطور، كما يؤكد نعوم شقير، " فأشاعوا أن عساكر المسلمين ( الجيش المصري ) قد ذبحوا الإنجليز، وقام المسلمون علي النصارى في مصر ( القاهرة ) وذبحوهم وغنموا مالهم وحضوا قبائل الطورة علي قتل نصاري الطور ( رهبان دير سانت كاترين ) "، لكن الشيخ موسى بن نصير شيخ عربان الطورة فطن إلي ما يمكن أن يؤول إليه عمل كهذا، فتصدي لمنع هذه الفتنة، وساعده علي النجاح أن الأخبار قد جاءت إلي سيناء معلنة هزيمة الجيش المصري، فكان ذلك تكذيبا للإشاعة .
كما شارك عربان سيناء في المعارك التي خاضها العرابيون ضد القوات البريطانية فقد قام عربان الترابين بقيادة شيخ العرب جمعة علام بالهجوم علي قوة مكونة من أربعين رجلاً من الإنجليز والهنود وعربان الطور الذين تمكن الإنجليز من استمالتهم، بجهة عجرود بالقرب من السويس فقتلوا منهم 15 جندياً .
ولا شك أنه كان هناك صراع خفي بين تلك القبائل من أهالي سيناء من أنصار الثورة وبين تلك البطون القليلة التي كانت تمثل عمد الخيانة، واستخدم كلا الطرفان ما لديه من أسلحة معنوية، إلا أن سلاح التهديد من قبل الثوار " باستحضار عربان غزة الأشقياء " كان أهم الأسلحة التي لجأ إليها أحمد شراب لتهديد قبائل الرميلات والدهيمات والخناصرة ( وكلها فروع من قبيلة السواركة ) .
ولعبت الثورة العرابية دوراً مهماً في إذكاء نار الصراعات والخلافات القديمة بين القبائل في سيناء . فالصراع التقليدي بين قبائل الترابين وقبائل السواركة فروعها الأخري ظهر بشكل واضح أثناء الثورة . فقام عربان المعازة والعيايدة بالهجوم علي قبائل الترابين وسرقة عدد من الجمال، ربما لبيعها للجيش الإنجليزي، وبعد انتهاء الثورة أرسل الخديو سرداره الخاص ليعين القومسيون الخاص في هذه القضية وتحقيقها بمقر مديرية الشرقية بحضور سالم فياض من عربان الترابين ومنصور البغدادي عمدة عربان الطميلات، وحسن مقبل شيخ عربان السماعنة، ومحمد بدران شيخ عربان أولاد موسي، وسالم الرقيبي شيخ عربان السواركة
ولا شك أن انتصار القوات البريطانية علي جيش الثورة العرابية كان بفضل العدة والعتاد الحديث الذي تمكنت من خلاله من الاستيلاء علي بعض مدن القناة، بينما كان لأسلوب الغدر والمكيدة الذي سلكه سلطان باشا وقليل من العربان الفضل فيما انتهت إليه هذه المدن من سقوط في يد الإنجليز، ولكن علي الرغم من ذلك فإن خطوط الدفاع الأمامية من البدو وكانت حتى هذه الآونة تشكل عائقا أمام تقدم القوات المباشرة، وتسبب لهم الكثير من خسائر الأرواح .
وتدل مشاركة أهالي سيناء في الثورة علي مدي ارتباط سكان سيناء بمصر وبما يحدث بها من أحداث سياسية، وأنهم لم يكونوا بمعزل عنها . كما تدل بشكل من الأشكال علي تبلور الفكرة الوطنية لدي بعض الأهالي ممن وعوا خطورة الاحتلال البريطاني لمصر .
ولا شك أن هذه الهجمات التي كان يشنها العربان كانت مما تخشاه الحكومة البريطانية حتى قبيل احتلالها لمصر، لأن هؤلاء العربان يقومون بهجمات سريعة وخاطفة مما كان يخشى معه علي أمن المرور بقناة السويس . لهذا كان في نية بريطانيا تجنيد عدد من هؤلاء العربان أو علي الأقل كسب ودهم، لتشكيل جبهة موالية لبريطانية في سيناء لهذا أرسلت بعثة بالمر إلي شبه جزيرة سيناء لهذا الغرض
من كتابات الدكتور صبرى العدل/ تاريخ سيناء الحديث
مع تحياتي
أخوووكم / أحمد كووول

مدرس رياضيات