
15-10-2009, 08:58 PM
|
 |
نجم العطاء
|
|
تاريخ التسجيل: Mar 2009
المشاركات: 6,261
معدل تقييم المستوى: 23
|
|
الشيخ مصطفى إسماعيل، رائد مدرسة التلاوة الشجية طهران - وكالة الأنباء القرآنية العالمية(IQNA): كان الشيخ مصطفی اسماعيل لا يرغب فی القراءة داخل الاستديو المغلق بمعزل عن المستمعين، إلا أنه فی نهاية الأمر رضخ لرغبة الإذاعة بعد تزايد عدد الرسائل التی تطلب الاستماع لصوته. الشيخ مصطفى إسماعيل «الله يا عم الشيخ».. «كله بقدرتك يا رب».. كانت تلك دوما صيحات «سميعة» القرآن الكريم فی مصر عند استماعهم للقرآن من قارئ ندی الصوت عارف بأحكام التلاوة، إلا أن هذه الصيحات تعالت كثيرا فی مسجد الحسين فی تلك الليلة من شهر رمضان عام 1943، وصوت الشيخ القادم من قرية ميت غزال مركز طنطا يجلجل أركان المسجد العتيق، بنبراته الرنانة العالية الصافية. وعندما يسكت الشيخ يلف صمت عميق أرجاء المسجد، وعندما يعاود القراءة ينتشی المستمعون وهم يلهجون بالثناء «الله»، يمدونها مدا، يطالبونه بالتكرار «أعد يا سيدنا الشيخ»، يتجمع الناس فی الخارج على صوت الميكرفون. يتساءل بعضهم عن هذه الموهبة التی ملأت مسجد الحسين فی رمضان بهجة وفرحا بتلك القراءة الشجية من سورة الرحمن. كانت نصف ساعة لا أكثر لكنها امتدت منذ ذلك الحين مع هذا الشيخ لأكثر من أربعين عاما فی عالم الذكر الحكيم. فی تلك الليلة الرمضانية المباركة شق الشيخ مصطفى إسماعيل، طريقه فی عالم التلاوة وقراءة القرآن الكريم ليصبح واحدا من أبرز وأهم قارئی القرآن الكريم فی تاريخ مصر والعالم الإسلامی فی القرن العشرين.
فی تلك الليلة كان الشيخ يقرأ للمرة الأولى أمام ميكرفون الإذاعة المصرية، وما ان انتهى من القراءة حتى اندفع المصلون يكبرون ويهللون وقتا طويلا، وقد توجهت أنظارهم إلى الشيخ مصطفى إسماعيل وهو ينزل من فوق «الدكة» ويمسك بنعليه ليشق طريقه وسط الزحام بصعوبة خارجا من المسجد. وتبعه جمهور غفير التف حوله فی ميدان الحسين. كان الشيخ الريفی مندهشا فی أول أيامه فی قاهرة المعز، إذ لم يعهد مثل هذا الموقف من قبل. يقول الشيخ «لما صرت فی الشارع وجدت الناس قد ازدحموا حولی كازدحامهم فی المسجد، مشيت فمشوا ورائی، وأخذت طريقی فی شارع الأزهر نحو ميدان العتبة الخضراء فأخذوا هذا الطريق معی وورائی، فتعجبت وسألت بعضهم: ماذا تريدون؟ فأجابوا: نريد أن نسمع قراءتك مرة أخرى الآن.. وبينما نحن فی هذا الحوار ظهر قبيل وصولنا إلى ميدان العتبة سرادق لمأتم، وكان القراء قد انتهوا من التلاوة فيه، فدفعنی الناس دفعا داخل هذا السرادق، وأجلسونی على الدكة وطلبوا منی أن أقرأ! ثم انضم أصحاب السرادق إليهم طالبين أن أقرأ أيضا، فجلست وقرأت حتى مطلع الفجر». وفی تلك الليلة أيضا يستمع الملك فاروق ملك مصر لصوت الشيخ مصطفى اسماعيل عبر الراديو. ويصدر على الفور أمرا ملكيا بتعيينه قارئا للقصر الملكی.
قدم الشيخ إسماعيل الی القاهرة فی فترة كادت تخلو من المقرئين الكبار بعد أن تقاعد الشيخ محمد رفعت عن القراءة فی الإذاعة بسبب المرض وكبر السن. وتلقفت الإذاعة المصرية الشاب الوافد إلى القاهرة حديثا لتتعاقد معه على القراءة لمدة نصف ساعة أسبوعيا. ويرفض الشيخ فی البداية، إذ أنه يحتاج لأكثر من نصف ساعة «للتسخين» حتى ينفتح صوته ويجلجل وذلك لتعوده على القراءة بالساعات فی المآتم والاحتفالات الدينية المختلفة، كما وفی عام 1947 يقع الاختيار على الشيخ كی يكون قارئ سورة الكهف بالجامع الأزهر، لينطلق بعدها إلى الشهرة والعالمية، ويصبح قارئ مصر الأول الذی يتهافت على سماع صوته الندی مستمعو الإذاعة المصرية ورواد المساجد الكبرى فی القاهرة. وهناك يقرأ مصطفى إسماعيل كما لم يقرأ من قبل رغم تجاوزه السبعين من عمره. كان صوته حزينا أكثر من أی وقت مضى. كان يبكی المسجد الأقصى ويبكی هذه الأمة التی فقدت قدرتها حتى على البكاء وبعد قيام الثورة يستمر الشيخ على رأس القراء فی كل الاحتفالات والمناسبات. ويسافر لإحياء ليالی رمضان فی عدد من الدول العربية والإسلامية، ويؤم المصلين فی جامع باريس فی منتصف الستينيات. ويعود بعدها ليجد وسام الجمهورية فی انتظاره، إذ منحه إياه الرئيس جمال عبد الناصر فی عيد العلم من عام 1965 ليصبح الشيخ مصطفى اسماعيل أول قارئ للقرآن ينال هذا التكريم. ويستمر الشيخ فی جولاته الخارجية لإحياء ليالی رمضان، فيسافر إلى لبنان لينال هناك وسام الأرز من رئيس وزراء لبنان تقی الدين الصلح، ثم يسافر إلى ماليزيا واندونيسيا والعراق ولندن وميونيخ وتركيا حيث استقبله الرئيس التركی آنذاك فخری كورتورك فی القصر الجمهوری، وأهداه مصحفا شريفا مكتوبا بماء الذهب.
وللشيخ مصطفى إسماعيل قصة مع"انور السادات"، إذ أن السادات كان يهوى صوت الشيخ ويقوم بتقليده لزملائه فی فترة السجن قبيل الثورة. وبعد أن أصبح السادات رئيسا لمصر (1970) اتخذ مصطفى إسماعيل قارئا خاصا له فی كل المناسبات التی تخص مؤسسة الرئاسة. وتأتی خطوة السادات المفاجئة بالسفر إلى إسرائيل للتباحث حول التسوية مع الإسرائيليين فی نوفمبر عام 1977، ويسافر السادات إلى تل أبيب فی وفد كبير ضم الشيخ مصطفى اسماعيل حتى يقرأ القرآن فی المسجد الأقصى إبان زيارة السادات له. وهناك يقرأ مصطفى إسماعيل كما لم يقرأ من قبل رغم تجاوزه السبعين من عمره. كان صوته حزينا أكثر من أی وقت مضى. كان يبكی المسجد الأقصى ويبكی هذه الأمة التی فقدت قدرتها حتى على البكاء. فی تلك الليلة فاضت عينا الشيخ بالدموع وتذكر زيارته الأولى لأولى القبلتين عام 1947، كان يبكی مشايخ فلسطين الذين استقبلوه بالحفاوة والترحاب آنذاك يوم أن كانت مدينتهم منارة للحب والتسامح بين البشر. قرأ الشيخ مصطفى فی المسجد الأقصى على الهواء عبر الأقمار الصناعية، وجاء صوته شجياً يثير ذكريات العرب والمسلمين وأحزانهم على مسجدهم الأسير.
كان كل ما يتمناه الشيخ أن يقرأ القرآن حتى آخر يوم فی عمره، كانت تلك دعوته لربه فی صلاته. وفی يوم الجمعة الثانی والعشرين من ديسمبر 1978 يسافر الشيخ إلى دمياط للقراءة فی افتتاح جامع البحر بالمدينة الساحلية، قرأ الشيخ ابن الثالثة والسبعين عاما قراءته الأخيرة مودعا محبيه ومستمعيه. وبعد وفاته ينقل جثمانه إلى القاهرة للصلاة عليه فی جامع عمر مكرم، ويقام سرادق ضخم فی الميدان نفسه الذی زلزل جدرانه يوما صوت الشيخ الندی، لكن هذه المرة حضر الجميع للسرادق لكن الشيخ مصطفى غاب. وفی قريته ميت غزال يوارى جثمانه الثرى هناك بين أشجار النخيل والحقول الخضراء التی شهدت نبوغه وهو طفل يجلس مستندا إلى حائط بيته يتلو القرآن.
المصدر:"asharqalawsat.com"
__________________
قلب لايحتوي حُبَّ الجهاد ، قلبٌ فارغ .!
فبالجهاد كنا أعزة .. حتى ولو كنا لانحمل سيوفا ..
|