و فى تلك الحال أمل يوسف أن يجد الفرج لما هو فيه من الضيق على يد الذى ظن انه ناج منهما و قال له ( اذكرنى عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث فى السجن بضع سنين ) ( 1 )
و لما أراد الله تعالى بان يعجل بالفرج ليوسف فهيأ لذلك الأسباب 0 و ذلك أن الملك رأى فى المنام سبع بقرات جميلات طالعة من النهر فارتعت البقرات فى روضة ثم رأى سبع بقرات أخرى قبيحة المنظر عجافا خرجت من النهر – و أكلت البقرات الأولى السمينة – ثم استيقظ من منامه ثم عاد فرعون إلى رقاده فرأى سبع سنابل خضراء حسنة خالصة فى ساق واحدة – و إذا سبع يابسات خلفها قد لقحتهن الريح الشرقية قد عدت على السنابل الخضر فأكلتها 000 أصبح فرعون منزعجا لهذين المنامين فدعا بالسحرة و كل من له علم 0 يسأله عن تأويل هذا المنام فلم يجد عند احد منهم جوابا بل قالوا : ( أضغاث أحلام و ما نحن بتأويل الأحلام بعالمين ) ( 2)
فى ذلك الوقت انتبه رئيس سقاة الملك إلى الأمر و تذكر ما قدم بما حدث من يوسف فى صدق تأويل الرؤيا فعرض الأمر على الملك و حكى له عما دار فى السجن مع يوسف طلب أن يرسله إلى السجن ليأتي بتعبير الرؤيا ( 3 )
عاد رئيس السقاة إلى الملك بتأويل رؤياه فسر بها و قال :
ائتونى بيوسف 00 فلما أرادوا إخراجه من السجن أبى أن يخرج حتى يثبت براءته بسؤال النسوة اللاتى قطعن أيديهن – فدعاهن الملك و ذكر ذلك لهن فقلن : حاش لله – ما علمنا عليه من سوء 00 فلما ظهرت براءة يوسف عليه السلام و اعتراف امرأة العزيز بالحقيقة – قال الملك : ائتونى به استخلصه لنفسي فلما كلمه قال : ( إنك اليوم لدينا مكين أمين ) (4)فقال يوسف ( اجعلنى على خزائن الأرض أنى حفيظ عليم )( 5) قال الملك قد جعلتك على كل أرض مصر و خلع خاتمه من يده و جعله فى يد يوسف 0 و زوجه من
( أسنان بنت قوطيفارع )
مرت السنوات السبع المخصبة و اعد يوسف عدته فيها و اتخذ الخزائن لتخزين الغلال و خزن الغلات فى غلفها ثم جاءت السبع المجدبة 0 و اشتد الجدب فى جميع أنحاء مصر فأما المصريون فذهبوا إلى الملك يطلبون القوت فأحالهم على ( صفنان فعنيح ) يوسف عليه السلام 0 كما جاء فى التوراة ففتح المخازن
و باع لهم من الطعام ما يكفيهم و أحس أهل فلسطين الجوع و علموا أن الطعام بمصر 0
ـــــــــــ
1- سورة يوسف آية 42
2- سورة يوسف آية 44
3- قصص الأنبياء : عبد الوهاب النجار
4- سورة يوسف ( آية 54 )
5- سورة يوسف ( آية 55 )
فأرسل يعقوب عليه السلام أولاده و معهم الجمال و الحمير لحمل الطعام و أعطاهم الثمن 0 فقدموا إلى مصر لشراء قوت لأهلهم 0
فلما قدموا إلى مصر رآهم يوسف و عرفهم و لم يعرفوه ( 1)
لما جهز يوسف إخوته بالطعام الذى اشتروه قال لهم : ائتنونى بأخ لكم من أبيكم – فإذا لم تأتونى به فلا كيل لكم عندى و لا تأتوا إلى – ذلك لأنه رأى إخوته جميعا 0
إلا أخاه لأمه ( بنيامين ) و هو أصغر منه – فأعطاهم الطعام بلا ثمن حتى يأتوه بأخيهم و ذلك دون أن يعلموا 0 عاد إخوة يوسف إلى أبيهم و طلبوا منه إرسال أخيهم ( بنيامين ) معهم فرد عليهم ( هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل ) ( 2) عندما تذكر يعقوب ما فعل إخوة يوسف به و لشدة القحط
و صعوبة ظروف الحياة سمح يعقوب بسفر ابنه تحت شروط اشترطها على أولاده فقال لهم : ( لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتاتننى به إلا أن يحاط بكم ) ( 3) اى : إلا أن تغلبوا على أمركم – فأعطوه موثقهم على الوفاء و حينئذ قال : الله على ما نقول وكيل 0
و أوصي بنيه أنهم إذا أتوا مصر لا يدخلون من باب واحد بل يدخلون من أبواب متفرقة – لئلا يلفتوا نظر الناس أو لحاجة فى نفس يعقوب قضاها ( 4)
جاء إخوة يوسف و معهم أخاهم بنيامين و طلبوا الميرة لشدة القحط فى بلادهم فعلى الفور – أمر يوسف بتجهيز إخوته – فملأ لهم الأعدال بالطعام – و أمر أن توضع فضة كل واحد فى عدله – و أن توضع طاسة فى عدل الصغير ( صواع الملك ) أو ( السقاية ) و هى الكأس الذى يشرب فيه يوسف عليه السلام ( 5) فساروا غير بعيد فلم يفاجئهم إلا وكيل يوسف يناديهم و يوبخهم على ما صنعوا و إنهم قابلوا الإحسان بالإساءة و الكفر 0 و إنهم سرقوا سقاية الملك ( يوسف ) فأظهروا البراءة من هذا العمل و قالوا : من وجدت سقاية الملك فى رحله يؤخذ عبدا للملك 00 ففتش اعدالهم – مبتدأ بالكبير منتهيا بالصغير 00 فوجد السقاية فى عدل بنيامين – فدخلوا على يوسف مستعطفين مسترحمين – و لامهم يوسف على ما صنعوا فراودوه على أن يأخذ أحدهم عبدا مكان أخيهم – فأبى 000 و قال : إن الذى وجد الطاس فى رحله يستعبد لى 00 و أما انتم فاذهبوا إلى بلادكم 00 و أبى يوسف 00 بعد الاستعطاف و بيانهم أن أباه متعلق به و انه سلوته عن أخيه المفقود – أن يطلقه – فقالوا بحضرة يوسف و قد ملئوا غيظا – إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ( 5)
ــــــ
__________________
|