فأسرها يوسف فى نفسه و لم يبدها لهم – و قال لهم : أنتم شر مكانا " من هذا السارق و الله اعلم بما تصفون 00
و كانوا يعنون يوسف 0 ذلك أن أمه ماتت و هو صغير فكفلته عمته و تعلقت نفسها به 0 فلما اشتد قليلاً أراد أبوه أن يأخذه منها فضنت به و البسته منطقة لإبراهيم كانت عندها و جعلتها تحت ثيابه ثم أظهرت إنها سرقت منها و بحثت عنها حتى أخرجتها من تحت ثياب يوسف 0 و طلبت بقاءه عندها يخدمها مدة جزاء له بما صنع و بهذه الحيلة استبقته عندها و كف أبوه عن مطالبتها به ( 1)
يئس أخوة يوسف من أخذ أخيهم بطريق المبادلة فقال كبيرهم " رأوبين " إن أباكم قد أخذ عليكم موثقاً من الله برد أخيكم ومن قبل ذلك كان تفريطكم فى يوسف و على ذلك لن أبرح الأرض ( مصر ) حتى يأذن لى أبى فى القدوم أو يحكم الله فى شأني و هو خير الحاكمين – و أشار عليهم بالرجوع إلى أبيهم و إخباره بما كان من أمر أخيهم – ومن الملك ( يوسف ) و أن أبنه صار عبداً للملك بسبب سرقته طاسة ( 2)
الملك 0 و أن ظهور السرقة كان عن ملأ منهم و من أهل العير التى كانوا فيها و إنهم صادقون فيما أخبروا به 0
عاد إخوة يوسف – عدا أكبرهم و أصغرهم إلى أبيهم و أخبروه بالأمر على جليته فلم يدخل عليه هذا القول 0 و أحاله على أمر دبروه له كما دبروا لأخيه من قبل و زاد به الحزن حتى ابيضت عيناه و عاوده من الوجد على يوسف ما عاوده فقال : يا أسفا على يوسف 000 فلامه أولاده على ذكر يوسف و قد انقضى أمره ثم إن يعقوب رد أولاده الذين وردوا عليه إلى مصر ليشتروا طعاما و ليتحسسوا له شأن يوسف
و أخيه 0 و أمرهم بعدم اليأس من روح الله ، فإن ذلك من شأن الكفار 000 فذهبوا كما أمرهم أبوهم ( 3)
جاء إخوة يوسف و قالوا يا أيها العزيز مسنا و أهلنا الضر – من الجوع – و جئنا ببضاعة مزجاة – لقلتها – فأوف لنا الكيل – و إن كان الثمن لا يوجب ذلك – فتصدق علينا – بإطلاق أخينا من عبوديتك – إن الله يجزى المتصدقين – فقال لهم يوسف مذكراً بما كان منهم من الإساءة – هل علمتم ما فعلتم بيوسف و أخيه إذ أنتم جاهلون – إذ فرقتم بينهما و ألهبتم صدورهما بنار البعد ، و لعله إنما كلمهم بلغتهم لأول مرة – فعرفوا أنه يوسف 00 لذلك ( قالوا أئنك لأنت يوسف ) ( 4 ) قال ( أنا يوسف و هذا آخى قد من الله علينا ، إنه من يتق و يصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ) قالوا : تألله لقد آثرك الله علينا و إن كنا لخاطئين – قال لا تثريب عليكم اليوم – يغفر الله لكم – و هو ارحم الراحمين أذهبوا بقميصى هذا فألقوه على وجه أبى يأت بصيرا و أتونى بأهلكم أجمعين ) (5)
ـــــــــــ
1- قصص الأنبياء : عبد الوهاب النجار
2- نفس المصدر
3- نفس المصدر
4- سورة يوسف ( آية 90)
5- سورة يوسف ( آية 93 )
فلما فصلت عيرهم من مصر كانت نفس يعقوب مستشرقة لتغيير ما به من حال و لم يدب اليأس إلى نفسه – بل هو يتوقع الفرح بلقاء يوسف الذى طال حزنه عليه : فقال لمن حوله من جماعته ( إنى لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ) أى لأخبرتكم بأنى أتوقع لقاءه 0 فقالوا له : إنا لله 00 ( إنك لفى ضلالك القديم ) اى خطأك القديم فى اعتقادك أن يوسف باق إلى اليوم – و لم يطل به الانتظار حتى جاء البشير إلى يعقوب بسلامة يوسف و أخيه و ألقى قميص يوسف على وجه يعقوب فأرتد بصيرا و قرت عينه و بشر نفسه باللقاء فقال للاحين له ( ألم أقل لكم إنى أعلم من الله ما لا تعلمون ) ( 1)
و لابد أن يعقوب لم يقل هذا القول إلا و قد اعلمه الله بحياة يوسف و أنه سيلاقيه ( 2)
nدخول بنى إسرائيل إلى أرض مصر
قال تعالى : " فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه و قال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين 0 و رفع أبويه على العرش و خروا له سجداً و قال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربى حقا 00 وقد أحسن لى إذ أخرجنى من السجن – و جاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بينى و بين إخوتى – إن ربى لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم ) (3)
و بعد كل هذه الأحداث أراد الله سبحانه وتعالى أن يجمع شمل يعقوب بولديه يوسف و بنيامين – فشد يعقوب و أولاده و أسرهم رحالهم إلى مصر تاركين أرض كنعان وراءهم- و قيل : كان عدد النفوس يوم دخولهم مصر ستة و ستون و قيل – سبعون نفسا – و قيل أيضا اثنان و سبعون نفسا ما بين رجل و امرأة ( 4)
و سكنوا فى أرض جاسان – و هى شمال بلبيس – سفط الحنة – لأنها كانت ارض مراعى و هم رعاة ماشية ( 5) و جاء فى التوراة أنهم نزلوا ارض السدير فى شرق النيل – بالشرقية 0
ـــــــ
1- سورة يوسف ( آية 95 )
2- سورة يوسف ( آية 96 )
3- سورة يوسف ( أيه 99 )
4- سورة يوسف ( آية 99 )
5- سورة يوسف ( آية 100 )
استقبل يوسف أبواه و إخوته عند مجيئهم مصر 00 و لما التقيا عانق كل واحد منهما صاحبه و بكيا 00 فقال يوسف ( ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين )( 1)– ( فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه )( 2) يعقوب و خالته ليا ( تسمى الخاله أماً – لأن أمه راحيل كانت قد ماتت و هو صغير السن – و رفعهما على العريش اى السرير ( و خروا له سجدا – و قال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربى حقا 00 و قد أحسن بى إذ اخرجنى من السجن و جاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بينى
و بين اخوتى إن ربى لطيف لما يشاء انه هو العليم الحكيم ( 3)
قال ابن اسحق : كان أبوه و أمه يعيشان و لم يقم دليل على موت أمه – و ظاهر القرآن – يدل على حياتها 00 و قال يوسف لأبيه يعقوب ( يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربى حقا )
أى صحيحة صدقاً – يذكر نعم الله عليه – ( و قد أحسن بى إذ أخرجنى من السجن و جاء بكم من البدو ) ( 4) أى البادية ( من بعد أن نزغ الشيطان بينى و بين إخوتى إن ربى لطيف لما يشاء ) ( 5)
أى إذا أراد أمرا قيض له أسبابه و قدره و يسره انه هو العليم – بمصالح عباده – الحكيم فى أقواله
و أفعاله – و قيل كان بين رؤيا يوسف و تأويلها أربعون سنة – و قيل ثمانون سنة – و قد ألقى يوسف فى الجب ثمانين سنة – و عاش بعد ذلك ثلاث و عشرين سنة – و مات و له عشرون ومائه سنة ( 6)
و قال مجاهد : خرج يوسف عند يعقوب و هو ابن ست سنين و لم يثغر و جمع الله بينهما و هو ابن أربعين سنة – و هو الأقرب إلى الصواب – و روى عن عبد الله بن مسعود قال : دخل بنو إسرائيل مصر و هم ثلاثة و ستون إنسانا و خرجوا منها و هم ستمائة ألف و سبعون ألفاً و قيل غير ذلك –
و الله أعلم 0
ــــــــ
1- سورة يوسف ( أيه 99 )
2- سورة يوسف ( آية 99 )
3- سورة يوسف ( آية 100 )
4- سورة يوسف آية 100
5- سورة يوسف آية 100
6- قصص الأنبياء : النيسابورى
و روى أن يعقوب لما حضرته الوفاة جمع إليه بنوه و قال : " ما تعبدون من بعدى " – قالوا نعبد إلهك و إله آباءك إبراهيم وإسماعيل و إسحاق إلها واحدا و نحن له مسلمون ) ( 1) ثم قال ( يا بنى إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا و أنتم مسلمون ) ( 2) ثم أوصي إلى يوسف أن يحمل جسده إلى الأرض المقدسة حتى يدفن عند أبيه اسحق و جده إبراهيم عليهما السلام 0
و ذكرت التوراة عن وفاة يعقوب عليه السلام ووصيته ليوسف بنقل جثمانه و دفنه فى مقبره آباءه – ووعد يوسف بذلك و تحنيطه جثته بعد الوفاة و صعود يوسف بإذن الملك مع جميع اخوته فى موكب عظيم جدا إلى ارض كنعان و دفن يعقوب فى مغارة ( المكفيلة ) ( 3) و عند وفاة يعقوب عليه السلام نقله يوسف فى تابوت من ساج و خرج معه هو إخوته 0 و عظماء أهل مصر – إلى بيت المقدس – ووافق ذلك يوم وفاة العيص – ثم دفنا فى يوم واحد و كان عمرهما جميعا مائة و سبعا و أربعين سنة – لأنهما ولدا فى بطن واحد و قبرا فى قبر واحد ( 4) 0 و قد بارك يعقوب قبل وفاته أبنى يوسف عليه السلام ( افرايم – منسي ) و دعا لهما –و دعا أولاده و باركهم و تنبأ لهم بما سيلاقي كل واحد منهم و نسله ( إجمالا 0 و أوصاهم بالاستمساك بالدين )( 5) 0 و عاش يوسف إلى أن بلغ عشراً و مائه سنة – و روى أن يوسف عليه السلام لما حضرته الوفاة جمع إليه قومه من بنى إسرائيل و هم ثمانون رجلاً و أعلمهم بحضور أجله و نزول أمر الله تعالى به – فقالوا : يا نبي الله تحب أن تعرف كيف تتصرف الأحوال بنا بعد خروجك من بين أظهرنا 00 و إلى ما يؤل إليه أمرنا ، و ديننا و ملتنا – فقال لهم – أمركم يستقيم على ما أنتم عليه و تستقيمون على دينكم إلى أن يبعث رجل جبار عات من القبط يدعى الربوبية فيقهركم و يذبح أبناءكم و يستحى نساءكم و يسومكم سوء العذاب00 فتمد أيامه مدة مريدة ثم يخرج من بنى إسرائيل من ولد لاوى بن يعقوب رجل اسمه موسي بن عمران – رجل طويل جعد الشعر – آدم اللون – فينجيكم الله من أيدي القبط على يديه – قال – فجعل كل من ولد لأحد من بنى إسرائيل يسمى ابنه عمران و يسمى عمران ابنه موسي(6) ثم مات يوسف عليه السلام و كان قد أوصي إلى أخيه يهوذا و استخلفه على بنى إسرائيل – فتوفاه الله طيبا طاهراً و دفن فى النيل فى صندوق من رخام 00و كان قبره فى النيل إلى أن حمله موسي عليه السلام معه حين خرج من مصر ببنى إسرائيل فنقله إلى الشام – و دفنه بأرض كنعان – حيث هو الآن 0 ( 7 )
ــــــــ
1- سورة البقرة ( آية 133 ) 2- سورة البقرة : ( آية 132 )
3- قصص الأنبياء : عبد الوهاب النجار 4- تاريخ بنى إسرائيل من أسفارهم – محمد عزة دروزة
5- قصص الأنبياء : عبد الوهاب النجار 6- قصص الأنبياء : عبد الوهاب النجار
7- قصص الأنبياء : عبد الوهاب النجار
__________________
|