الرسالة الرابعة : اللطف الباطني
بسم الله ، والحمد لله ،
والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
أما بعد .. أحبتي في ربي ...
أسأل الله تعالى أن يرزقنا حبه وحب من يحبه ، ويرزقنا عملا صالحًا يقربنا إلى حبه ،
اللهم الطف بنا في تيسير كل عسير
، فإنَّ تيسير كل عسير عليك يسير ، الهم الطف بنا وارحمنا واعفُ عنَّا
واجعلنا من أحب عبادك لك بمنك وفضلك يا أكرم من سئل .
كما تواعدنا على مذاكرة هذا المعنى النفيس في لطف الرحمن
الرحيم ، لنغرس اليقين باسمه اللطيف فنزداد له حبًا ونزداد له قربًا ،
ونتعبده بهذا الاسم واقعيًا بصورة جديدة .
قد لا تتفهموا خطورة ما يقوله ابن القيم من أول وهلة ، ولكن والله كل
من جرب وعرف الطريق إلى الله تعالى ، وعانى فيه ، سيدرك الخطر
، فالقصة قصة قلب ،
ولطف من الله لتلك البواطن ، لو تفهمون ؟؟؟؟
قال ابن القيم في " الفوائد " : " العبد دائما متقلب بين أحكام الأوامر
وأحكام النوازل ، فهو محتاج بل مضطر إلى العون عند الأوامر ، وإلى
اللطف عند النوازل ، وعلى قدر قيامه بالأوامر يحصل له من اللطف
عند النوازل ، فإنْ كمل القيام بالأوامر ظاهرا وباطنا ناله اللطف ظاهرا
وباطنا ، وإن قام بصورها دون حقائقها وبواطنها ناله اللطف في الظاهر
وقلَّ نصيبه من اللطف في الباطن " أهـ
فهذا معنى " تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة " تعرف له
بطاعتك له في الظاهر ، يلطف بك فيما خفي عليك من أمور ، تعرف
له ليس بالصلاة والصيام والذكر الذي هو من أعمال الظاهر فقط ، بل
تعرف له بخشوعك ومراقبتك له ، بتحسس قلبك ، ولكننا للأسف لما
أهملنا قلوبنا واهتممنا بظاهر الأعمال ، غاب عنَّا اللطف الباطني ،
ومن هنا نشتكي من قسوة القلب ، والفتور والانتكاس ، وقلة
الاستقامة ، ودوام زيغ القلب ، فإذا سألت ما العلاج ،
قيل لك : أن يلطف بك اللطف الباطني .
قال ابن القيم : " فإن قلت : وما اللطف الباطن ؟
فهو ما يحصل للقلب عند النوازل من السكينة والطمأنينة وزوال القلق
والاضطراب والجزع فيستخذى بين يدي سيده ذليلا له مستكينا ،
ناظرا إليه بقلبه ساكنا إليه بروحه وسره ، قد شغله مشاهدة لطفه
به عن شدة ما هو فيه من الألم ، وقد غيبه عن شهود ذلك معرفته
بحسن اختياره له ، وأنه عبد محض يجري عليه سيده أحكامه ، رضى
أو سخط ، فإن رضى نال الرضا ، وإن سخط فحظه السخط ، فهذا
اللطف الباطن ثمرة تلك المعاملة الباطنة يزيد بزيادتها وينقص بنقصانها "
يعني أن من يكون الحال مع الله تعالى ، ويعامل ربه بقلبه ، ويكون له
صلة بالله تعالى صلة خفية تحصل له تلك الألطاف الإلهية ، فيرزقك
سكون القلب واستقامته ، ويدفع عنك القساوة ، وتراك في حال غير
الحال ، ومن هنا تعرف أن الأنبياء لم يكونوا يشعرون بشدة الابتلاء
لسلامة بواطنهم ، وإن نالهم في الظاهر الأذى ، هل تفهمون ؟؟
هذه عدة إيمانية واجبة ، كيف نستنزل اللطف الباطني :
أولاً : تحسس قلبك ، وراقب ما فيه ، وليكن أعظم ما تهتم به .
ثانيًا : لا تفتر عن الدعاء ب ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك )
ثالثًا : تدبر القرآن من باب تنزيله على القلب ، واستشعار المعاني دون
الاهتمام البالغ بالألفاظ لمجرد التلاوة وأخذ الأجر
( نزل به الروح الأمين على قلبك )
فواجب عملي الآن :
تدبر سورة الفجر ، لأنها السورة التي نزل فيها
فضل أيام عشر ذي الحجة ، صلوا بها يوميًا قيام الليل من الآن فصاعدًا
، عسى أن ينور الله قلوبنا بمعانيها وأسرارها ، فينزل اللطف من
اللطيف الخبير .
رابعًا : تعلموا المناجاة كيف تكون ؟ لأنها من موجبات المعاملة الباطنة
، مناجاة في خفاء تستنزل اللطف الخفي .
استمعوا إلى حلقة ودرس : ( وقربناه نجيًا ) لتعلم كيفية ذلك .
http://www.manhag.net/droos/details.php?file=353
http://www.manhag.net/droos/details.php?file=260
خامسًا :تذكروا من أعظم أسباب اللطف الذل والانكسار ، فتضاعف ما
استطعت فإنَّ اللطف مع الضعف أكثر .
تنبيه :
تطالبونني بالأعمال ، وقد عودتكم على ذلك ، ولكن بالله......
كم منكم يستجيب في الحال ويطبق الواجب??
، ولا يتكاسل ولا يتقاعس ، ومن منكم يبالي ولا تأخذه مشاغله ؟
ومن منكم لا يصده الكبر عن الإذعان لما يؤمر به ؟
اللهم الطف بنا
طهروا القلوب من معاصيها لتستقيم لكم أعمالكم .
محبكم في ربكم
هاني حلمي