:
إثبات كل صفة وصف الله ﺑﻬا نفسه، أو وصفه ﺑﻬا رسوله
محمد، صلى الله عليه وسلم، لكن إثباتاً بلا تكييف ولا تمثيل،
ولا تحريف، و لا تعطيل، سواء كانت هذه الصفة من الصفات
الذاتية أم من الصفات الفعلية
.
فإذا قال قائل
: فرقوا لنا بين الصفات الذاتية والصفات
الفعلية
.
قلنا
: الصفات الذاتية هي التي تكون ملازمة لذات
الخالق أي انه متصف ﺑﻬا أز ً لا وأبدًا
.
والصفات الفعلية هي التي تتعلق بمشيئته فيفعلها الله
تبعاً لحكمته
– سبحانه وتعالى -.
أسماء الله وصفاته وموقف أهل السنة منها
١٦
مثال الأول
:
صفة الحياة صفة ذاتية، لأن الله لم يزل
ولا يزال حيًا، كما قال الله تعالى
: ﴿هُوَ الأوَّ ُ ل وَالأخِر﴾
(
الحديد:الآية ٣) وفسرها النبي، صلى الله عليه وسلم، بقوله:
(
أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك
شيء
). وقال تعالى: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ
.
( وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ﴾ (الفرقان: الآية ٥٨
كذلك السمع، والبصر، والقدرة كل هذه من
الصفات الذاتية، ولا حاجة إلى التعداد لأننا عرفناها بالضابط
:
(
كل صفة لم يزل الله ولا يزال متصفًا ﺑﻬا فإﻧﻬا من الصفات
الذاتية
) لملازمتها للذات، وكل صفة تتعلق بمشيئته يفعلها الله
حيث اقتضتها حكمته فإﻧﻬا من الصفات الفعلية مثل
: استوائه
على العرش، ونزوله إلى السماء الدنيا، فاستواء الله على العرش
من الصفات الفعلية لأنه متعلق بمشيئته، كما قال تعالى
:
أسماء الله وصفاته وموقف أهل السنة منها
١٧
﴿إنَّ رَبَّ ُ كمُ اللَّهُ الَّذِي خََلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ َأيَّامٍ
ُثمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾
(الأعراف: الآية ٥٤ ). فجعل الفعل
معطوفًا على ما قبله ب
(ثم) الدالة على الترتيب، ثم الترول إلى
السماء الدنيا وصفه به أعلم الخلق به رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، حيث قال
: "يترل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى
ثلث الليل الآخر فيقول
: "من يدعوني فأستجيب له، من
يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له
". وهذا الترول من
الصفات الفعلية لأنه متعلق بمشيئة الله تعالى، فأهل السنة
والجماعة يؤمنون بذلك، ولكنهم في هذا الإيمان يتحاشون
التمثيل، أو التكييف، أي أﻧﻬم لا يمكن أن يقع في نفوسهم أن
نزوله كترول المخلوقين، أو استوائه على العرش كاستوائهم،
أو إتيانه للفصل بين عباده كإتياﻧﻬم لأﻧﻬم يؤمنون بأن الله ليس
كمثله شيء وهو السميع البصير، ويعلمون بمقتضى العقل
أسماء الله وصفاته وموقف أهل السنة منها
١٨
مابين الخالق والمخلوق من التباين العظيم في الذات،
والصفات، والأفعال، ولا يمكن أن يقع في نفوسهم كيف
يترل؟ أو كيف استوى على العرش؟ أو كيف يأتي للفصل بين
عباده يوم القيامة؟ أي أﻧﻬم لا يكيفون صفاته مع إيماﻧﻬم بأن لها
كيفية لكنها غير معلومة لنا، وحينئذٍ لا يمكن أبدًا أن يتصوروا
الكيفية، ولا يمكن أن ينطقوا ﺑﻬا بألسنتهم أو يعتقدوها في
قلوﺑﻬم
. يقول تعا لى: ﴿وَلا تَقْفُ مَا َليْسَ َلكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ
وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوَلئِكَ َ كا َ ن عَنْهُ مَسْؤُو ً لا﴾
(
الإسراء: ٣٦ ). ويقول: ﴿ُق ْ ل إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الَْفوَاحِشَ مَا َ ظهَرَ
مِنْهَا وَمَا بَ َ طنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وََأنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا
َلمْ يُنَزِّ ْ ل بِهِ سُلْ َ طانًا وََأنْ تَُقوُلوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعَْلمُو َ ن﴾
.( (
الأعراف: ٣٣
أسماء الله وصفاته وموقف أهل السنة منها
١٩
ولأن الله أجل و أعظم من أن تحيط به الأفكار قال
تعالى
: ﴿يَعَْلمُ مَا بَيْنَ َأيْدِيهِمْ وَمَا خَْلَفهُمْ وَلا يُحِيطُو َ ن بِهِ
.(
عِلْمًا﴾ (طه: ١١٠
و أنت متى تخيلت أي كيفية فعلى أي صورة
تتخيلها؟
! إن حاولت ذلك فإنك في الحقيقة ضال، ولا يمكن
أن تصل إلى حقيقة لأن هذا أمر لا يمكن الإحاطة به، و ليس
من شأن العبد أن يتكلم فيه أو أن يسأل عنه
. و لهذا قال
الإمام مالك
– رحمه الله – فيما اشتهر عنه بين أهل العلم
حين سأله رجل فقال
: يا أبا عبد الله: (الرحمن على العرش
استوى
) كيف استوى؟ فأطرق مالك برأسه حتى علاه
الرحضاء
– يعني العرق و صار يترف عرقًا – لأنه سؤال
عظيم
. ثم قال تلك الكلمة المشهورة: (الاستواء معلوم
والكيف مجهول، والإيمان واجب، والسؤال عنه بدعة
) وروي
عنه أنه قال
: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول،
أسماء الله وصفاته وموقف أهل السنة منها
٢٠
والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة
).
فإذن نحن نعلم معاني صفات الله، ولكننا لا نعلم
الكيفية، ولا يحل لنا أن نسأل عن الكيفية ولا يحل لنا أن
نكيف، كما أنه لا يحل لنا أن نمثل أو نشبه لأن الله تعالى يقول
في القرآن
: ﴿َليْسَ َ كمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ اْلبَصِيرُ﴾
(
الشورى:الآية ١١ ). فمن أثبت له مثي ً لا في صفاته فقد كذب
القرآن، وظن بربه ظن السوء وقد تنقص ربه حيث شبهه وهو
الكامل من كل وجه بالناقص، وقد قيل
:
ألم تر أن السيف ينقص قدره
إذا قيل إن السيف أمضى من العصا
وأنا أقول
: هذا على سبيل التوضيح للمعنى وإلا ففرق
عظيم بين الخالق والمخلوق، فرق لا يوجد مثله بين المخلوقات
بعضها مع بعض
.
أسماء الله وصفاته وموقف أهل السنة منها
٢١
المهم أيها الأخوة أنه يجب علينا أن نؤمن بكل ما
وصف الله به نفسه وما وصفه به رسوله، صلى الله عليه
وسلم، سواء كانت تلك الصفة ذاتية أم فعلية، ولكن بدون
تكييف، وبدون تمثيل
.
التكييف ممتنع، لأنه قول على الله بغير علم، وق د قال
.(
الله تعالى: ﴿وَلا تَقْفُ مَا َليْسَ َلكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ (الإسراء: ٣٦
والتمثيل ممتنع، لأنه تكذيب لله في قوله
: ﴿َليْسَ َ كمِثْلِهِ شَيْءٌ
وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾
(الشورى:الآية ١١ ). وقول بما لا يليق
بالله تعالى من تشبيهه بالمخلوقين.