عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 24-12-2009, 12:18 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

والبراهمة يجرون في أوّل كلّ شهر قمري سرّادات مشتركة عن أرواح سلفائهم عموماً ويقدّمون تقدمة يومية، ويقيمون كلّ شهر أو كلّ سنة سرّادات خصوصية لأقربائهم. وقد ورد في كتاب مانو تفصيل شريعة السرادّة عندهم، وذكر فيه أنَّ الذي يقدّم لأرواح الموتى أرزاً مسلوقاً في الحليب وعسلاً وزبدة مصفاة في أحد الأيام القمرية عندما يكون ظلّ الفيل متجهاً نحو الشرق يرضيها سنة كاملة والتقديمات الأخرى ترضيها شهرين أو ثلاثة أو أكثر حسب أنواعها، وتسر الأرواح مسرّة أبدية إذا قدّم لها لحم وحيد القرن أو سرطان البحر أو ما عزَّ صوفه يضرب إلى الحمرة أو عسل أو حبوب أكل منها ناسك، وبين هذه العوائد الهندية والعوائد اليونانية والرومانية مشابهة كلية، ولا يدعو الهنود إلى الوضائم سوى أشخاص طاهرين ومن الضرورة حضور برهميّ حاو كلّ الشروط المقتضاة، وحضور رجل واحد عارف بالكتب الدينية أفضل من حضور مليون رجل لا يعرفون بها وإذا لـم يكن للمتوفي ابن فالولد الذي يكون قد تبناه يتمّم فروض السرادّة وهذا مما يزيد تبنيه ثبوتاً.

6 ـ المرأة عند الهندوس: لم تتمتع المرأة في المجتمع الهندوسي بأي مكانة، بل كانت مسلوبة الحرية والحقوق بكل انواعها، وقد ورد في بعض النصوص في شرعهم أنه «لا تليق الحرية المطلقة بالمرأة قط، بل يجب أن يرعاها أبوها في صغرها وزوجها بعد ذلك وابنها في كبرها».

كما يجب عليها سواء كانت « صغيرة وشابّة أو مسنَّة ألا تعمل عملاً، ولو داخل دارها بمطلق إرادتها وحريتها، بل يجب أن تكون في صغرها تابعة لأبيها، وفي صباها لزوجها، وإذا مات زوجها فلإبنها، ولا تكون مطلقة الحرية».

كما فرضت الشريعة الهندوسية نظاماً سيئاً على المرأة جعلها أسيرة زوجها في شتى وجوه حياتها، وعليها أن تطيعه حتى لو كان منحرفاً وغير صالح، كما صورها المجتمع الهندوسي بأنها فاسدة ومفسدة حيث لامكان عندها للقيم والأخلاق، وبذلك دعا للتعامل معها بحذر«قد فطر النساء على إغراء الرجال، فعلى العقلاء أن يحذروهن، إنَّ في استطاعة النساء استهواء حتّى العلماء من الرجال، وجعلهم عبيد الهوى والغضب، بل الجهلاء منهم.

وتدعو الهندوسية الرّجل إلى عدم مواقعة زوجته، وهي في الحيض، لأن "وطء الحائض يذهب العقل والنشاط والقوّة والجمال، وبالاختصار إنَّه يضيع الحياة كلّها، أما اجتنابها وهي في حالة الحيض، فإن ذلك يزيد العقل والنشاط والقوّة والعمر.

والمرأة عند الهندوس لا تتاح لها فرصة التحصيل العلمي خاصة للفلسفة، لأنَّها لا تطيق ذلك ويقودها إلى الجنون. وكذلك يحرّمونها دراسة كتب الفيدا والويدا المقدسة عندهم. ينقل ديورانت في هذا: «ففي المهابهاراثا إذا درست المرأة كتب الفيدا كانت هذه علامة الفساد في المملكة. ويروي المجسطي عن أيام شاندرا جوبتا: إنَّ البراهمة يحولون بين زوجاتهم وبين دراسة الفلسفة؛ لأنَّ النساء إن عرفن كيف ينظرن إلى اللذّة والألـم، والحياة والحوت، نظرة فلسفية، أصابهن مسٌّ من جنون، أو أبَيْنَ بعد ذلك أن يظلّن على خضوعهن».

والهندوس ـ كما جاء في منوسمرتي ـ بشجعون على الزواج المبكر، ويعتبرون عدم الزواج عاراً، ومنذ الصغر يهتم الأهل بإتمام زواج أولادهم. والزواج يربط المرأة بزوجها رباطاً أبدياً، لذلك انتشر عندهم إذا مات الزوج قبل الزوجة أن تحرق الأرملة مع جثمان زوجها لأنَّه خير لها أن لا تبقى بعده.

ويدعون للتباعد في الزواج بحيث لا يتزوج الإنسان من قريباته، إن لجهة الأم أو الأب، ويضعون شروطاً قاسية تتعلق باختيار الزوجة.

وإذا كان موضوع حرق المرأة الأرملة مع جثمان زوجها قد توقف بشكل شبه نهائي بعد قانون أصدره المستعمرون الإنكليز سنة 1830، فإنَّ المرأة ظلّت محرومة من ميراث أبويها حتّى سنة 1956، حيث صدر قانون في الهند يعطيها هذا الحقّ ، إلاَّ أنَّ المرأة لـم تنتهِ معاناتها بعد في مجتمع الهند حيث لازالت مشكلة "الدوطة" التي على الأهل تأمينها تقف عائقاً أمام زواجها، وبعد تطوّر الفحص الجنيني قبل وضع الحمل لمعرفة جنس الجنين، ساعد على انتشار حركة وأد خطيرة للمولود الأنثى إمّا بالإجهاض أو بالدفن لحظة الولادة. وهذا ما تطلب من البرلمان الهندي أن يصدر في آب (أغسطس) من عام 1994م قانوناً يحظِّر إجراء الفحوص الطبية لتحديد نوع الجنين قبل ولادته.

وتعطي الهندوسية للرّجل حقَّ تطليق زوجته، وهذا الحقّ غير معطى لها، أمّا الأمور التي تبرّر له هذا الطلاق، فهي بحسب شرعهم في منُّوسَمَرتي محدّدة بالنص التالي: «يحقّ للرّجل أن يطلّق زوجته إذا ما ظهر له فيها عيب أو مرض أو أنَّها غير بكر، أو أنَّها أعطيت له بخدعة».

7 ـ من شرائع وتقاليد الهندوس: إنَّ تتبع نصوص شرع مانو أو منُّوسَمَرتي تبيِّن أنَّ الهندوس حريصون على نظام أخلاقي دقيق يتميَّز بالاحترام والفضائل، ومعظم ما يطرحونه في هذا الباب غير مخالف لما تأمر به الرسالات السَّماوية.

أول ذلك ما يأمرون به من احترام شديد لكبير السنّ، وما يطلبونه من الصغير من آداب يتعاطى من خلالها مع من هم أكبر منه،بأن يبدأ الكبار عندما يلقيهم بالسَّلام وأن يعرفهم نفسه، ومن لا يعرف ألفاظ السَّلام يستخدم مع الكبير تعبير تَمسْكار؛ أي أنحني أمامك.

ولم يقتصر هذا التكريم على العمر فقط، بل يتسع ليشمل الأمر مجموعة كبيرة من الأشخاص، «قف وعظِّم خالك وعمّك وحماك والعلماء الذين يقومون بالأعمال الدينية وأستاذك ولو كانوا أصغر منك سناً»..

وأعطى التشريع الهندوسي مكانة عظيمة للأبوين لما لهما من فضل في إعداد الأولاد وتربيتهم «ليس بالمستطاع مكافأة الأبوين، حتّى ولا بمئة سنة، على ما يقاسيانه من العذاب في نسل الأولاد... على التلميذ أن يقوم على خدمة الأبوين والأستاذ بما يرضيهم، وبذلك ينال ثواب عباداته كلّها... إنَّ طاعة هؤلاء الثلاثة هي خير العبادات، فعلى التلميذ ألاّ يقوم بعبادة ما رجاء الثواب وزيادة الحسنات إلاَّ بإذنهم».

فالوالدان والأستاذ هم أكثر من يحسن للإنسان ويسهم في تشكيل شخصيته، لذلك وجب عليه أن يبادلهما الإكرام والإجلال، وهذا الاحترام يعبَّر عنه بأسلوب المخاطبة وبالهيئة عند التخاطب مع الأستاذ.

والهندوسي عليه أن يسعى إلى النعيم الأخروي، وبذلك عليه أن يتحمّل الأذى في الدنيا، وأن لا يردّ الإساءة بمثلها.

وفي الهندوسية جملة وصايا تصبّ كلّها في مجرى اتباع الفضائل، وقد ركزت النصوص عندهم على عدم إذية الغير ولو أوذي، وأن لايحسدهم على ما آتاهم الله من فضله.

وتُحرّم الهندوسية القمار، وتطالب الحاكم أن يمنع القمار وكلّ أشكال الرهانات، وأن يعمل على معاقبة من يُمارس ذلك، ويعدون القمار كسباً غير مشروع، وهو من جملة أنواع السرقة.

وتستمر الهندوسية في تحريم ومحاربة النفاق والتدليس، وتحظّر التنجيم والارتزاق من خلاله، كما أنَّها تعاقب من لا يمارس عمله، خاصة الأطباء، بصدق وأمانة، وتطالب الحاكم بأن يلاحق هؤلاء وينـزل بهم العقاب المناسب لاستئصال الفساد من المجتمع، كما تحرم الرشوة والمكر والتدليس والمقامرة وسلوك طريق الخبث والنفاق والعيش بالتنجيم والشعوذة والمومسة والسرقة والغش، وتحرم إلى جانب ذلك السرقة والغش، وتعاقب على ارتكاب أي مما ورد من هذه الأمور.

وتحرِّم الهندوسية الخمر، لأنَّه نجس ومصدر للخبث «إنَّ الخمر نجسة كالإثـم، فعلى المولودين ثانية ألا يشربوها».

إنَّ ما ذكرناه، وهو يشكل بعض مواقف الشرع الهندوسي في مسألة الخلق والفضيلة والضبط الاجتماعي، يُظهر جلياً أنَّ الهندوسية تتمتع بنظام أخلاقي متقدّم وموضوعي ومفيد في ضبط المجتمع، ويلتقي في أغلب أسسه مع رسالات السَّماء.

وهكذا يمكننا أن نستنتج أن الهندوس يعتقدون بوجود ثالوث يعتبرون فيه أن برهم هو الأقنوم الأول الذي ينبثق من نفسه ثلاثة أقانيم كل مرة في أقنوم، وهذه الأقانيم تتجسد ببرهما وفيشنو وشيفا، وبعد ذلك بعددٍ لا حصر له من الآلهة، إلاَّ أنَّهم يقرّون لبرهما بأنَّه الأساس وأنَّه الخالق. أما من الناحية المجتمعية فإن الهندوسية تتميز بنظام طبقي جائر ومغلق، ينتمي فيه الأبناء حكماً إلى الطبقات التي ينتمي إليها الآباء، ما يجعل مسألة تكافؤ الفرص معدومة في هذا المجتمع ، وبالتالي تغيب عنه كلياً العدالة الاجتماعية، وأسوأ ما فيه هو تلك النظرة الدونية التي تنطلق من رؤيتهم لأصل الخلق الذي يجعل فئة الشودر في أدنى الهرم فيُصنفون عندهم كالعبيد ومهمتهم الخدمة، وبعبارة أخرى يشكلون طبقة المنبوذين في المجتمع، ولذلك جرت العديد من المحاولات لانصاف هؤلاء الشودر، ولكنها باءت بالفشل، ولم تحقق الآمال المرجوة منها.

ومما يجدر ذكره هو أن الهندوسية تحوي نظاماً أخلاقياً يتمسك بكثير من القيم والفضائل التي تدنو كثيراً مما تدعو له الرسالات السماوية، أو قل إنه يتمتع بمسحة انسانية عامة تجعل باب الحوار مفتوحاً للآخر الذي يعيش هم إرساء الفضيلة والقيمة.