وقد أسس المعتزلة مذهبهم على خمسة أصول رنانة ، وشعارات فتانة ، اغتر بها كثير من المسلمين في الماضي وكثير من العلمانيين في الحاضر ، فالأصل الأول من أصولهم أطلقوا عليه التوحيد : وزعموا أنهم أهلُ التوحيد وخاصتُه وخلاصة رأيهم في التوحيد ، هو أن الله تعالى منزه عن الشبيه والمثيل ( ليس كمثله شيء ) ، وهذا حق لا مرية فيه ولكنهم بنوا على ذلك نفي الصفات وتعطيل الآيات واستحالة رؤية الله تعالى بعد الممات ، وهو والله توحيد السفهاء وتوحيد يسخر منه جميع العقلاء ، فالعقلاء يمدون ويحدون ربهم بإثبات الصفات ، والمعتزلة يمدحون ربهم وهم في حقيقة أمرهم يذمونه ويصفونه بصفات النقص التي لا يرضاه عاقل لنفسه ، وقد أداهم توحيدهم هذا إلي القول بأن بخلق القرآن وزعموا أنه مخلوق كسائر المخلوقات لنفيهم عنه سبحانه وتعالي صفة الكلام .
الأصل الثاني عندهم العدل : والعدل معناه على رأيهم أن الله لا يخلق أفعال العباد ، فعطلوا قوله تعالى : ( وَاللهُ خَلقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) (الصافات:96) ، فستروا تحت شعار العدل نفي التقدر وعلم المقادير ، وقالوا : إن الله لا يخلق الشر ولا يقضي به ، إذ لو خلقه ثم عذبهم عليه ، كان ذلك جورا ، والله تعالى عدل لا يجور ، وقد يفتن العامة بأصلهم هذا كما فعل العلمانيون والماديون ، الذين لا يؤمنون بالتقدير وجريان المقادير ، وأن ما قدر سوف يكون ، أو كما هي العبارات المنتشر التي يرددها الفاسقون ، كقول بعضهم : ( قدر أحمق الخطي سحقت هامتي خطاه ) وهذه الكلمة كفيلة وحدها بإخراجه من الملة ، أو كقول بعضهم : ( إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر ) لا فرق بين كلام هؤلاء وكلام المعتزلة ، فهذا الأصل الفاسد الذي رفعوا فيه شعار العدل ، يلزمهم فيه أن الله تعالى يكون في ملكه ما لا يريده ، فيريد الشيء ولا يكون ، ولازمه وصفه بالعجز في مقابل وصفهم بممثل د من الحرية والاختيار ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، وقد قال تعالى : ( هُوَ الذِي خَلقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (التغابن:2) وسوف نتحدث بإذن الله تعالى عن موضع القضاء والقدر في محاضرات مستقلة نستوفي فيها كل هذه الشبه ونرها ونناقشها مناقشة مستفيضة .
الأصل الثالث هو المنزلة بين المنزلتين : ويقصدون به هو حكم مرتكب الكبيرة في الدنيا عندهم ، فمرتكب الكبيرة عندهم في منزلة بين الإيمان والكفر ، فليس بمؤمن ولا كافر ، وقد قرر هذا واصل بن عطاء شيخ المعتزلة كما تقدم .
الأصل الرابع هو إنفاد الوعيد : ويقصدون به هو حكم مرتكب الكبيرة في الآخرة ، ويعني عندهم أن يجب على الله أن يعاقب مرتكب الكبيرة من المسلمين ، ويخلده في النار أبد الآبدين ، ولا يجوز أن يخرجه من النار بشفاعة سيد الأنبياء والمرسلين أو غيره من المؤمنين الصالحين ، فهم يشبهون الخوارج في قولهم : إذا توعد الله بعض عبيده وعيدا فلا يجوز أن لا يعذبهم ويخلف وعيده ، لأنه لا يخلف الميعاد ، فلا يعفو عمن يشاء ولا يغفر لمن يشاء ، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا .