ولما وقع الخليفة العباسي المأمون بن هارون الرشيد ، لما وقع بجهله في شباكهم فرض على الناس هذه البدعة الكبرى ، بدعة القول بخلق القرآن ، وانقسم الناس وقتها إلي فريقين :
الفريق الأول : فريق يتابع الخليفة المأمون في رأي المعتزلة وينفون صفة الكلام عن الله ، ويتنكرون لكلام الله في القرآن ، ويعتقدون أن القرآن مخلوق ، ومن قال بغير ذلك فهو عندهم كافر مشبه ، ضال مضل ، يستوجب السيف والقتل ، وهؤلاء هم أهل القوة والمكانة ، وأتباع الخليفة والسلطان ، فالمأمون استخدم قوة الدولة في تأييد هذا الرأي ، وإلزام الناس بهذه البدعة ، وأصبحت آراء المعتزلة قضية على رأس القضايا في اهتمامات الدولة ، بل من أولي الاهتمامات في الخلافة الإسلامية ، فالمسألة لم تعد كلاما فاسد ، يطوف على ألسنة الناس بين متأفف ومستحسن ، بل أصبح الأمر خطرا داهما يهدد كافة المسلمين في كل مكان ، يوجه فيه أضعف الناس قوة السلطان .
الفريق الثاني : فريق مستضعف يمثلون علماء أهل السنة والجماعة ، وعامة الناس من الضعفاء وغيرهم ، وهؤلاء يقولون بأن القرآن كلام الله غير مخلوق ، ويؤمنون بما ورد من صفات الله في كتاب الله وسنة رسوله ، من غير تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل ولا تحريف ، عامة الناس لا يجرؤون على تحريف الكلم عن مواضه بالتأويلات الممقوتة التي ألفها أهل البدعة ، وقد اشتدت المواجهة بين الفريقين إلي أن امتحن فيها الناس أشد امتحانا ، فلم يبق أحد من فقيه ولا محدث ، ولا مؤذن ولا معلم ، إلا أخذ بالمحنة ، وهرب كثير من الناس فرارا بدينهم ، وملئت السجون بمن أنكر على أهل البدعة ، المعتزلة أتباع الخليفة ، وقد وصل التحدي إلي أن أمر الخليفة المأمون ، أن يكتب على أبواب المساجد : ( لا اله إلا الله رب القرآن المخلوق ) ، ومنع المأمون الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي وأحمد من الجلوس للفتيا في المساجد وتبليغ العلم ، لأنهم خالفوا المأمون خليفة المسلمين وصرحوا بأنه يعيش في وهم ، فاعتبر المأمون ذلك منهم معارضة لسياسة الدولة .
|