عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 26-12-2009, 12:25 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

وكثير ممن سلك نهج المأمون وجدوا طريق العقل غير مأمون ، تركوا جميع ما قرروه ورجعوا إلي دين العامة الذي عليه العجائز والأعراب ، كما قال أبو المعالي الجوينى عند موته : ( لقد خضت البحر الخضم وخليت أهل الإسلام وعلومهم ودخلت في الذي نهوني عنه ، والآن إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لابن الجويني وها أنا ذا أموت على عقيدة أمي ) فالعامة أعلم بالله وأشد تعظيما لكتاب الله من المأمون المبتدع وفرقته أهل الضلال ، ومما يدل على اعتقاد العامة أن القرآن كلام الله المنزل على محمد صلي الله عليه وسلم وليس من كلام البشر ، هذا الفرق الواضح بين تعظيمهم للقرآن وهو بين أيديهم يقرؤونه على طهارة ونظرتهم لأي كتاب من تأليف البشر وهم يقرأونه على جنابة ، فلا وجه للمقارنة على الإطلاق ، فمن هم فأهل الجهالة والعمي الذين وصفهم المأمون بقوله :
( أهل جهالة بالله وعمي عنه ، وضلالة عن حقيقة دينه ، وتوحيده والإيمان به ، ونكوب عن واضحات أعلامه ، وواجب سبيله ، وقصور أن يقدروا الله حق قدره ، ويعرفوه كنه معرفته ، ويفرقوا بينه وبين خلقه ) والله إن أهل الجهالة هم الذين تركوا كتاب الله وارتضوا غيره من أحكام العقول الفاسدة بديلا ، ( قُل هَل يَسْتَوِي الأَعْمَي وَالبَصِيُر ) ( الرعد:16) .
نتابع كلام المأمون في رسالته لامتحان الناس وسب وصفهم بالجالة والضلالة يقول : ( وذلك أنهم ساووا بين الله تبارك وتعالي وبين ما أنزل من القرآن ، فأطبقوا مجتمعين ، واتفقوا غير متعاجمين على أنه قديم أول ، لم يخلقه الله ويحدثه ويخترعه ، وقد قال الله عز وجل في محكم كتابه ، الذي جعله لما في الصدور شفاء ، وللمؤمنين رحمة وهدي : ( إِنَّا جَعَلنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً ) (الزخرف:3) فكل ما جعله الله فقد خلقه ، وقال : ( الحَمْدُ للهِ الذِي خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَل الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ) (الأنعام:1) ، وقال عز وجل : ( كَذَلكَ نَقُصُّ عَليْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ ) (طه:99) فأخبر أنه قصص لأمور أحدثه بعدها ، وتلا به متقدمها ، وقال : ( الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلتْ مِنْ لدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) (هود:1) ، وكل محكم مفصل فله محكم مفصل ، والله محكم كتابه ومفصله ، فهو خالقه ومبتدعه )
ذكرنا إن مذهب المأمون والمعتزلة أنهم ينفون أوصاف الله عز وجل تحت مسمي التوحيد ونفي التشبيه ، ولما أصر أهل الاعتزال على نفي صفة الكلام وقعوا في إشكال هام ، وهو : إذا كان الله لا يتكلم ، فمن الذي تكلم بهذا القرآن ؟ فأداهم العقل إلي القول بأن الذي تكلم به محمد ، ومحمد مخلوق فكلامه مخلوق ، فهذا القرآن مخلوق خلقه الله كما خلق سائر الأشياء ، وهو لم يستندوا في اعتقاد هذا الكلام إلي قرآن أو سنة وليس منهجهم هو الاعتماد على القرآن والسنة في الأساس ، ولكنهم لما أصلوا أصولهم وسلموا لما قررته عقولهم ، وساقتهم إلي الضلال أهواؤهم ، ووجدوا أن عامة الناس لن يسلموا لهم أو يعتقدوا في كلامهم إلا بدليل من قرآن أو سنة ، نظروا في كتاب الله ليجدوا دليلا يقوي بزعمهم آراءهم ، ويخدعوا العامة بأنهم يعتمدون على الكتاب والسنة ، وهم في حقيقة أمرهم على استعداد لأن يضربوا بكلام ربهم وسنة نبيهم عرض الحائط ، فاستدلوا بالآيات التي كتبها المأمون في رسالته ، وهي قوله تعالى : ( إِنَّا جَعَلنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً ) ، فقالوا : كل ما جعله الله فقد خلقه .
وهذا كلام باطل يدل على جهلهم بكتاب الله ولغة العرب ، لأن جعل في قوله تعالى : ( إِنَّا جَعَلنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً ) ليست بمعني خلق ، فلفظ جعل قد يضاف إلي الله وقد يضاف إلي المخلوق ، فإذا أضيفت إلي الله فهي على معنيين : المعني الأول هو المعني الكوني معني الخلق والتقدير والتكوين والتدبير ، الذي يقع لا محالة ، كقوله تعالى : ( أَلمْ نَجْعَل الأَرْضَ مِهَادًا وَالجِبَال أَوْتَادًا وَخَلقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا وَجَعَلنَا الليْل لبَاسًا وَجَعَلنَا النَّهَارَ مَعَاشًا وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا وَجَعَلنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا ) (النبأ13) ( وَجَعَل الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ) (الأنعام: 1) ، وقوله تعالى :
( وَجَعَلنَا مِن َالمَاءِ كُل شيء حَي أَفَلا يُؤْمِنُونَ ) (الأنبياء:30) ، ( وَجَعلنَا في الأَرْضِ رَوَاسِي أَن تَمِيدَ بِهَمْ وَجَعَلنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلا لعَلهُمْ يَهْتَدُونَ ) ( الأنبياء: 31) ، وقوله : ( وَجَعَلنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا ) (الأنبياء:32) .
المعني الثاني لجعل إذا أضيفت إلي الله ، هو المعني الشرعي الديني الذي يحتوي على منهج المكلفين وشريعة المسلمين ويبين طريق عبادتهم وصلاح دنيتهم ، وهذا قد يقع وقد لا يقع ، والأمثلة على ذلك كثير ، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .