عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 26-12-2009, 04:51 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

ثم توجه إلي إسحاق بن إبراهيم إلي أحد العلماء وهو على بن مقاتل فسأله عن قوله وعقيدته في القرآن ، فقال على : هو كلام الله ، وإن أمرنا أمير المؤمنين بشيء سمعنا وأطعنا ، ثم قال على بن مقاتل : قد يكون قوله كاختلاف أصحاب الرسول صلي الله عليه وسلم في الفرائض والمواريث ولم يحملوا الناس عليها ، فأشهده على الرقعة التي فيها أشهد أن الله واحد أحد فرد صمد لم يكن قبله شيء ولا بعده شيء ولا يشبهه شيء من خلقه في معني من المعاني ولا وجه من الوجوه ، وقال له : أتشهد على ما في هذه الرقعة قال : نعم ، فقال إسحاق لكاتبه : أكتب ما قال .
ثم توجه إلي أبي حسان الزيادي وسأله عن القرآن ، فقال أبو حسان : القرآن كلام الله ، والله خالق كل شيء وما دون الله مخلوق ، وأمير المؤمنين قلده الله أمرنا يقيم حجنا وصلاتنا ، ونؤدي إليه زكاة أموالنا وإن أمرنا ائتمرنا وإن نهانا انتهينا ، قال إسحاق بلا لف ولا دوران : القرآن مخلوق ؟ فأعاد أبو إسحاق ما قاله ، قال إسحاق : إن هذه مقالة أمير المؤمنين ، قال أبو حسان : قد تكون مقالة أمير المؤمنين ولا يأمر بها الناس ولا يدعوهم إليها ، إن أخبرتني أن أمير المؤمنين أمرك أن أقول بخلق القرآن قلت به ، قال إسحاق : ما أمرني أن أبلغك شيئا إنما أمرني أن أمتحنك ، فأشهده على الرقعة فشهد وكتب جوابه .
ثم جاء دور الإمام أحمد في محنته ، وهو قوي بسيف الحق في حجته ، صريح في دليله ومقولته ، لا يلمح ولا يلوح ، ظاهره ينبئ عن باطنه ، لا يستخدم الحيدة أو التأويل ، فهو بحول الله على الحق قائم ، لا يخشي في الله لومة لائم ، فقال له إسحاق : ما تقول في القرآن ؟ قال أحمد : هو كلام الله ، قال إسحاق : أمخلوق هو ؟ قال أحمد : هو كلام الله ولا أمثل د على ذلك .
قال إسحاق بن إبراهيم أتوافق على الرقعة التي فيها أشهد أن الله واحد أحد فرد صمد لم يكن قبله شيء ولا بعده شيء ولا يشبهه شيء من خلقه في معني من المعاني ولا وجه من الوجوه ؟ قال الإمام أحمد : أقول : ( ليْسَ كَمِثْلهِ شيء وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) (الشوري:11) ورفض ما في الرقعة لاشتمالها على حق وباطل .
ونلاحظ هنا أن التزام الإمام أحمد بن حنبل بهذه الآية جعله في حصن منيع ، من لوازم قولهم الباطل بنفي صفة الكلام ، فقد نفي المماثلة والمشابهة بين الله وخلقه ، ووحد الله وأفرده عن سائر الخلق بقوله تعالى : ( ليْسَ كَمِثْلهِ شيء) ، ثم أثبت الصفات لله كما أثبثها الله لنفسه دون تعطيل لقوله تعالى : ( وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ) ، فمذهب السلف وسط بين التمثيل والتعطيل ، وقد قال شيخ الإسلام : ( ما من شيئين إلا وبينهما قدر مشترك وقدر فارق فمن نفي القدر المشترك فقد عطل ، ومن نفي القدر الفارق فقد مثل ) وقد التزم إمام أهل السنة بمنهج أهل السنة ، فأثبت القدر الفارق ولم يمثل وأثبت القدر المشترك ولم يعطل ، وأمسك عن عبارة : ولا يشبهه أحد من خلقه في معني من المعاني ولا وجه من الوجوه .
قال أحد الحاضرين من المعتزلة ينبئ عن جهله بصفات الله عز وجل يقال له ابن البكاء الصغير ، قال لإسحاق : يا أمير إنه يقول سميع بأذن بصير بعين ، قال إسحاق لأحمد : ماذا أردت بقولك وهو السميع البصير ؟ قال أحمد مفحما لهما : أردت منها ما أراده الله ورسوله ، ثم اختبرهم رجلا رجلا وكتب ما كان منهم ، وبعث جوابهم إلي المأمون بن هارون .
فمكث القوم تسعة أيام ثم دعا بهم إسحاق بن إبراهيم وإلي الخليفة على بغداد وقد ورد كتاب المأمون الثاني جاء فيه : ( بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فقد بلغ أميرَ المؤمنين كتابُك ، جوابَ كتابه إليك ، فيما ذهب إليه متصنعة أهل القبلة وملتمسو الرئاسة ، فيما ليسوا له بأهل من أهل الملة ، وما كان من قولهم في القرآن ، لما أمرك أمير المؤمنين بامتحانهم وتكشيف أحوالهم ، فأما ما قاله المغرور بشر بن الوليد في نفي التشبيه ، وما أمسك عنه من أن القرآن مخلوق ، وادعاء تركه الكلام في ذلك ، واستعهاده أمير المؤمنين ، يعني قول بشر لإسحاق : ( لا أحسن غير ما قلت وقد استعهدت أمير المؤمنين ألا أتكلم فيه وليس عندي غير ما قلت) يقول المأمون فقد كذب بشر في ذلك وكفر ، وقال الزور والمنكر ، ولم يكن جري بين أمير المؤمنين وبينه في ذلك ولا في غيره عهد ولا نظر ، أكثر من إخباره أمير المؤمنين من اعتقاده كلمة الإخلاص ، والقول بأن القرآن مخلوق ، فادعه إليك وأعلمه ما أعلمك به أمير المؤمنين من ذلك ، وأنصصه عن قوله في القرآن ، واستتبه منه ، فإن أمير المؤمنين يري أن تستتيب من قال بمقالته ، إذ كانت تلك المقالة الكفر الصريح والشرك المحض عند أمير المؤمنين ، فإن تاب منها فأشهر أمره وأمسك عنه ، وإن أصر على شركه ، ورفض أن يكون القرآن مخلوقا بكفره وإلحاده ، فاضرب عنقه وابعث إلي أمير المؤمنين برأسه إن شاء الله ، وكذلك إبراهيم بن المهدي فامتحنه بمثل ما تمتحن به بشرا فإنه كان يقول بقوله ، فإن قال إن القرآن مخلوق فأشهر أمره وأكشفه وإلا فاضرب عنقه وابعث إلي أمير المؤمنين برأسه إن شاء الله ، وأما أحمد بن حنبل وما تكتب عنه فأعلمه أن أمير المؤمنين قد عرف فحوي تلك المقالة وسبيله فيها واستدل على جهله وآفته ، وسمي المأمون في خطابه رجلا رجلا ثم قال :
( ومن لم يرجع عن شركه ممن سميت لأمير المؤمنين في كتابك وذكره أمير المؤمنين لك أو أمسك عن ذكره في كتابه هذا ولم يقل إن القرآن مخلوق بعد بشر بن الوليد وإبراهيم بن المهدي فاحملهم أجمعين موثقين إلي عسكر أمير المؤمنين مع من يقوم بحفظهم وحراستهم في طريقهم حتى يؤديهم إلي عسكر أمير المؤمنين ويسلمهم إلي من يؤمن بتسليمهم إليه لينصحهم أمير المؤمنين فإن لم يرجعوا ويتوبوا حملهم جميعا على السيف إن شاء الله ولا قوة إلا بالله ، وقد أنفذ أمير المؤمنين كتابه هذا في خريطة بندارية ، ولم ينتظر اجتماع الكتب الخرائطية ، يعني الرسائل العادية ، معجلا به تقربا إلي الله عز وجل بما أصدر من الحكم ، ورجاء ما اعتمد ، وإدراك ما أمل ، من جمثل ل ثواب الله عليه ، فأنفذ لما أتاك من أمر المؤمنين وعجل إجابة أمير المؤمنين بما يكون منك خريطة بندارية مفردة عن سائر الخرائط لتعريف أمير المؤمنين ما يعلم شاء الله ) .
عند ذلك أدرك المحدثون أن الخليفة قد أجمع أمره ، وأنه فوض نائبه في بغداد إسحاق بن إبراهيم بقطع الرقاب وأن الأمر شديد فأجابوا مكرهين متأولين قول الله تعالى : ( إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلبُهُ مُطْمَئِنٌ بِالإِيمانِ ) (النحل/106) أجاب القوم كلهم إلي أن القرآن مخلوق حين دعاهم إسحاق وأعاد امتحانهم ، ولم يمتنع إلا أربعة نفر منهم الإمام أحمد بن حنبل والحَسَنُ بْنُ حَمَّادٍ الحَضْرَمِيُّ المكني بسجادة ، وعبيد الله بن عمر القواريري ، ومحمد بن نوح .
فأمر إسحاق بن إبراهيم باعتقالهم وشدهم في الحديد ووضعهم في السجن ، في اليوم الثاني دعاهم جميعا ، فأتي بهم يساقون في الحديد فأعاد عليهم المحنة فأجابه سجادة الحَسَنُ بْنُ حَمَّادٍ الحَضْرَمِيُّ إلي أن القرآن مخلوق فأمر بإطلاق قيده وخلي سبيله وأصر الآخرون على قولهم ، فلما كان من بعد الغد عاودهم أيضا فأعاد عليهم القول فأجاب عبيد الله بن عمر القواريري إلي أن القرآن مخلوق ، فأمر بإطلاق قيده وخلي سبيله ، وأصر أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح على قولهما ولم يرجعا فشدهما جميعا في الحديد ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ماذا حدث بعد ذلك ؟ نستكمل ذلك في المحاضرة القادمة إن شاء الله ، فيا رب عاملنا بما أنت أهله ، من الجود والرحمي وإن لم نكن أهلا ، وصل على مسك الختام محمد أتم صلاة تملأ الحزن والسهلا ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
رد مع اقتباس