عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 27-12-2009, 02:54 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

وكان أصحاب الخبر يكتبون إلي العسكر ، والبريد يتواصل كل يوم ، وجاء بنوا هاشم فدخلوا عليه ، وجعلوا يبكون عليه ، وجاء قوم من القضاة وغيرهم ، فلم يؤذن لهم ، ودخل عليه شيخ فقال : اذكر وقوفك بين يدي الله ، فشهق أبو عبد الله ، وسالت دموعه ، وأشار إلي أهله أن يوضئوه ، فجعلوا يوضئونه ، وهو يشير إليهم أن خللوا أصابعي ، وهو يذكر الله عز وجل في جميع ذلك ، فما أكملوا وضوءه توفي رحمه الله ، فصاح الناس بالدعاء ، وعلت الأصوات بالبكاء ، حتى كأن الدنيا قد ارتجت ، والشوارع السكك قد امتلات ، والناس يدعون له ، ويترحمون عليه فرحمه الله رحمة واسعة ، وقد أمر الخليفة أن يبعثوا له الكفن ، فردها أولاد الإمام وقالوا : إن أمير المؤمنين كان قد أعفاه في حياته مما يكره ، وأبوا أن يكفنوه بهذه الأكفان ، وكفنوه بثوب غزلته جاريته ، وخرج الناس بنعشه ، والخلائق من حوله ، الرجال والنساء ، لا يعلم عددهم إلا الله ، وقد اجتمع عليه من الناس قرابة المليونين ونصف للصلاة عليه ، وقد أعاد جماعة عند القبر بعد أن دفن الصلاة عليه ، وذلك لعدم وجود المكان .
ولم يتسقر في قبره رحمه الله إلا بعد صلاة العصر ، وذلك لكثرة الخلق الذين اجتمعوا من كل مصر ، وكان أحمد رحمه الله يقول : قولوا لأهل البدع بيننا وبينكم يوم الجنائز ، يعني أن أهل العلم يحمدون عند موتهم ، بذكر موقفهم من التمسك بالسنة ، ومحاربة البدع والتفاف الناس حول آرائهم ، وقد بدا ذلك جليا يوم موت الإمام أحمد ، حيث صلي عليه جمع من المسلمين ، لم يجتمع في جنازة من قبله لا في الجاهلية ولا في الإسلام ، قال عبد الوهاب الوراق : ما بلغنا أن جمعا في الجاهلية ولا في الإسلام ، اجتمعوا في جنازة ، أكثر من الجمع الذي اجتمع على جنازة أحمد بن حنبل .
قال أحد جيران الإمام أحمد : يوم مات أحمد بن حنبل ، وقع المأتم والنواح في المسلمين ، واليهود والنصارى والمجوس ، وأسلم يوم مات عشرون ألفا ، وقد جاء كتاب المتوكل على الله إلي نائبه في بغداد ، بالعزاء وتعزية أولاده وأمر بحمل كتبه إلي دار الخلافة ، فأبي أولاده وبقيت عندهم .
قال محمد بن خزيمة : لما مات أحمد بن حنبل ، اغتممت غما شديدا ، فرأيته في المنام وهو يتبختر في مشيته ، فقلت له : يا أبا عبد الله أي مشية هذه ؟ فقال : مشية الخدام في دار السلام ، فقلت : ما فعل الله بك ؟ فقال : غفر لي وتوجني ، وألبسني نعلين من ذهب ، وقال لي : يا أحمد هذا بقولك القرآنُ كلامي ، يا أحمد هذه الجنة ، قم فادخلها ، فدخلت فإذا أنا بسفيان الثوري ، وله جناحان أخضران ، يطير بهما من نخله إلي نخلة ، ومن شجرة إلي شجرة ، وهو يقول : ( الحَمْدُ للهِ الذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ العَامِلينَ ) (الزمر:74) هذا إكرام الله للمؤمنين ، وإنعامه على الموحدين ، أكرمهم في الدنيا والآخرة .
والآن ، كيف يكون انتقام الله لأهل الإيمان ، من أهل الظلم والطغيان ؟ دخل عبد العزيز الكناني على الخليفة المتوكل فقال : يا أمير المؤمنين ، ما رأيت أعجب من أمر الواثق ، قتل أحمد بن نصر الخزاعي ، وكان لسانه يقرأ القرآن ، فوجل المتوكل من كلامه ، وساءه ما سمع في أخيه الواثق ، فلما دخل عليه وزيره محمد بن عبد الملك بن الزيات ، قال له المتوكل : في قلبي شيء من قتل أحمد بن نصر ، فقال يا أمير المؤمنين أحرقني الله بالنار ، إن أمير المؤمنين الواثق قتله كافرا مرتدا ، ودخل عليه هرثمة ، فقال قال له المتوكل : في قلبي شيء من قتل أحمد بن نصر ، فقال هرثمة : يا أمير المؤمنين ، قطعني الله إربا إربا ، إن أمير المؤمنين الواثق قتله كافرا مرتدا ، ودخل عليه الخبيث أحمد بن أبي داؤد فقال قال له المتوكل : في قلبي شيء من قتل أحمد بن نصر ، فقال : يا أمير المؤمنين ، ضربني الله بالفالج بالشلل إن أمير المؤمنين الواثق قتله كافرا مرتدا .
انظروا إلي انتقام الله من الظالمين في الدنيا قبل عذاب الآخرة : أمر الخليفة المتوكل على الله ، بالقبض على الوزير ابن الزيات وزير الواثق ، أمر بالقبض عليه بسرعة ، فطلبه الجند ليحضر إلي الخليفه ، فركب إليه بعد غدائه ، وهو يظن أن الخليفة بعث إليه ، فانتهي به الرسول إلي دار أمير الشرطة ، فاعتقلوه وقيدوه وأخذوه على الفور إلي منزله ، وأخذوا جميع ما فيها من الأموال ، واللآلئ والجواهر ، والجواري والأثاث ، ووجدوا في مجلسه الخاص ، آلات الشرب وكاسات الخمر ، وأمر المتوكل أيضا بمصادرة أمواله ومحاصيله وضياعه بمدينة سري من رأي ، وأمر جنده أن يعذبوه ، كما عذب العلماء ، وساهم في ضربهم وقتلهم ، وصلبهم وتعليق رؤوسهم ، ثم منعوه من الكلام ، ونخسوه بالحديد كلما أراد أن ينام ، ومكث على هذا الحال عدة أيام ، ثم وضعوه بعد ذلك على خشب فيه مسامير ، وأوقفوه عليه ، ومنعوه من الجلوس أو النوم ، ثم أحرقوه في فرن أو تنور ، ثم أخرجوه من التنور مشويا ، وكان فيه رمق فضرب على بطنه ، ثم على ظهره حتى مات ، ثم سلموا جثته إلي أولاده فدفنوه ، فنبشت الكلاب جثته ، فأكلت ما بقي من لحمه وجلده ، وقد سبق أن الخليفة المتوكل ، سأله عن قتل أحمد بن نصر الخزاعي : فقال : يا أمير المؤمنين أحرقني الله بالنار ، إن أمير المؤمنين الواثق قتله كافرا مرتدا ، يقول المتوكل : فأنا أحرقته بالنار .
ماذا حل بالظالمين الذين أرادوا أفسدوا على المسلمين عقيدتهم ، بأهوائهم وبدعتهم ، وبعد مهلك الوزير ابن الزيات ، أخرج الخليفة المتوكل رأس الفتنة أحمد ابن أبي داؤد ، أخرجه من مدينة سر من رأي إلي بغداد ، وذلك بعد أن أشهد عليه نفسه ، ببيع ضياعه وأملاكه ، ورد أمواله إلي بيت المال ، يرد جميع الأموال التي سرقها من بيت المال ، فاهتم واغتم وأصابه الشلل ، وأصبح عبرة للناس ببدعته ، لا يجد من يقوم على خدمته ، أو مساعدته في قضاء حاجته ولم يزل مشلولا أربعة أعوام ، وكل من يراه يقول انتقام ، انتقام الله للإمام ، العالم الجليل أحمد بن حنبل ، والشهيد الكبير أحمد بن نصر ، ظل هذا الخبيث الذي أذاق الأمة ألوان الابتلاءات ، ظل يصارع الألم والمرض حتى مات ، وهو الذي قال : أصابني الله بالشلل ، إن أمير المؤمنين الواثق قتله كافرا مرتدا ، لما سأله الخليفة المتوكل عن قتل أحمد بن نصر الخزاعي .
ولما رأي هرثة المعتزلي ما حدث لرفقائه في المذهب الاعتزالي ، فر ها ربا متخفيا ، فمر دون أن يدري بقبيلة خزاعة القبيلة التي منها أحمد بن نصر الخزاعي ، فعرفه رجل من الحي ، فقال بأعلى صوته : يا معشر خزاعة ، هذا هو الذي قتل ابن عمكم أحمد بن نصر ، وقطع رأسه ، فاجتمعوا عليه وقطعوه إربا إربا ، قطعوا أوصاله ولم يتركوا شيا من جثته ، وصدق الله تعالى في قوله : ( وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ ليَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِليْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء )
فالقرآن الكريم له منزلة في قلوب المسلمين لا يزعزعها قوة ، ولا يزلزلها بدعة ، مهما فعل المفتونون ، ومهما أيدهم الظالمون ، فالقرآن الكريم هو كلام الله المعجز ، المنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين ، بواسطة الأمين جبريل عليه السلام ، المكتوب في المصاحف ، المنقول إلينا بالتواتر ، المتعبد بتلاوته ، والمبدوء بسورة الفاتحة ، والمختتم بسورة الناس ، وقد تلقاه النبي صلي الله عليه وسلم بحروفه وألفاظه عن رب العزة ، هذه مسألة مسلمة عند جميع الصحابة والتابعين وأئمة السلف الصالحين ، فالقرآن له مكانة عظيمة في قلوب المسلمين ، والسلف جميعا يؤمنون بأنه كلام رب العالمين ، تكلم به إلي جبريل الأمين ، ونقله بحروفه إلي سيد الأنبياء والمرسلين .
بدعة كبري زعموا فيها أن الله لا يتكلم ولم يتكلم بالقرآن ، وأن الذي تكلم بحروفه وأصواته هو جبريل أو محمد صلي الله عليه وسلم ، وبنوا على هذا الأصل الفاسد أن القرآن مخلوق لأن كلام المخلوق مخلوق ، كانت بداية المحنة التي فرضها خلفاء السوء من المعتزلة سنة 218 هـ ، واستمرت أيام الخليفة المأمون والمعتصم والواثق ثم رفعت في عهد المتوكل سنة 232هـ ، هذا الخليفة الذي انتصر لأهل السنة ، وأكرم إمامهم الذي عذبوه أحمد بن حنبل ، وأنهي عهد البؤس ، الذي سيطرت فيه المعتزلة على الحكم ، وفرضوا عقائدهم بالقوة والظلم ، بدعة كبري قيل فيها : ( أبو بكر ليوم الردة وعمر ليوم السقيفة وأحمد ليوم البدعة ) .
فأخطر شيء على دين الله البدعة وترك السنة ، يقول بعض التابعين : كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قبل الصلاة ، فإذا خرج مشينا معه إلي المسجد ، فجاءنا أبو موسي الأشعري فقال : أخرج عليكم أبو عبد الرحمن بعد ، يقصد عبد الله بن مسعود ، قلنا : لا ، فجلس معنا حتى خرج ، فلما خرج قمنا إليه جميعا ، فقال : يا أبا عبد الرحمن أني رأيت في المسجد آنفا أمرا أنكرته ، ولم أر والحمد لله إلا خيرا ، قال فما هو ؟ قال : إن عشت فستراه ، قال : رأيت في المسجد قوما حُلُقَاً جُلُوساً ، ينتظرون الصلاة ، في كل حلقة رجل ، وفي أيديهم حصي فيقول : كبروا مائة فيكبرون مائة فيقول هللوا مائة فيهللون مائة فيقول سبحوا مائة فيسبحون مائة ، قال ابن مسعود لأبي موسي الأشعري ، فماذا قلت لهم ؟ قال : ما قلت لهم شيئا ، انتظرك رأيك أو انتظر أمرك ، فقال : أفلا أمرتهم أن يعدوا سيآتهم ، فأنا أضمن لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء ، ثم مضي ومضينا معه ، حتى أتي حلقة فوقف عليهم ، فقال : ما هذا الذي أراكم تصنعون ؟
قالوا : يا أبا عبد الرحمن حصى نعد به التكبير والتهليل ، والتسبيح والتحميد ، قال : فعدوا سيئاتكم ، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء ، ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكَتُكُم ، هؤلاء أصحابة متوافرون ، وهذه ثيابه لم تبل ، وآنيته لم تكسر ، والذي نفسي بيده ، إنكم لعلى ملة هي أهدي من ملة محمد أو مفتتحوا باب ضلالة ، قالوا : والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير ، فقال : وكم من مريد للخير لن يصيبه ، إن رسول الله صلي الله عليه وسلم حدثنا أن قوما يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، وأيم الله لا أدري لعل أكثرهم منكم ، ثم تولي عنهم ، يقول عمرو بن سلمة : رأينا عامة أولئك يطاعنونا يوم النهر مع الخوارج .
تفوز بنا المنون وتستبد ويأخذنا الزمان ولا يرد - وانظر ماضيا في أثر ماض لقد أيقنت أن الأمر جد - رويدا بالفرار من المنايا فليس يفوتها الساري المجد - فأين ملوكُنا الماضون قُدُمَا اعدوا للنوائب واستعدوا - أعارهم الزمان نعيم عيش فيا سرعان ما استلبوا ورُدُّوا - هم فرط لنا في كل يوم ، نمدهم وإن لم يُسْتَمَدُّوا .
إخواني في الله ، إخواني ذهبت الأيام ، وكتبت الآثام ، ولا ينفع الملام ، وعظتنا بمرها الأيام ، فيا ليت شعري كيف يتقي المرء ، والرامي له الموت ، والخطوب سهام ، منهل واحد ، أسبابه شتي ، عليه للواردين ازدحام ، نتلاشاه ما استطعنا ، وتجررنا إليه الأيام والأعوام ، أوقوفا على غَرُورٍ ، وقد زلت قبلنا الأقدام ، ووراء هذه الأجداثِ دارٌ يكون فيها المقام ، فكن عبد الله متيقظا والسلام ، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .
رد مع اقتباس