
27-12-2009, 03:33 PM
|
 |
نـجــم الـعـطــاء
|
|
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
|
|
( الحَمْدُ لِلهِ الذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ، ثُمَّ الذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ) ، ( وَقُلِ الحَمْدُ لِلهِ الذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً ) ، ( قُلِ الحَمْدُ لِلهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الذِينَ اصْطَفي آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ) (النمل:59) ، ( الحَمْدُ لِلهِ الذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ) (سبأ:1) ، ( الحَمْدُ لِلهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ المَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الخَلقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (فاطر:1) اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد ، أنت قيّم السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد ، أنت الحق ووعدك حق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد صلى الله عليه وسلم حق والساعة حق وأن الله يبعث من في القبور .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، ( يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) ، ( يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) ، أما بعد .
فمحاضرة اليوم تدور حول المقارنة بين عقيدة أبى الحسن الأشعري وبين مذهب الأشعرية في قضية العلو والفوقية فمذهب الأشعرية كما هو معلوم مقرر على المعاهد الأزهرية ، وفي الكليات التابعة للجامعات الأزهرية ، كما أنه معتمد في مناهج العقيدة عند كثير من المؤسسات التعليمية في البلاد الإسلامية ، وأغلب من يدرِّسون هذا المنهج أو يدرسون ، يظنون أنهم على عقيدة الإمام أبى الحسن الأشعري ، وأن الأشعري يوافقُهم فيما يعتقدون ، وهو في الحقيقة برئ مما يدرسون ، ولذلك أردنا أن نبين الفرق بين عقيدة الأشعري ومذهب الأشعرية ؟ في أبرز قضية من القضايا الاعتقادية ، وهى قضية العلو والاستواء والفوفية ، ماذا يقول أبو الحسن الأشعري في استواء الله على عرشه ؟ وماذا يقول الأشعرية في علو الله على خلقه ؟ ماذا يوجد في تحفة المريد شرح جوهرة التوحيد ، الكتاب المقرر على المعاهد الأزهرية ؟ ، ماذا يوجد في كتاب الدين الخالص الذي يدرس في معاهد إعداد الدعاة في الجمعيات الشرعية ؟
أولا : لابد أن نبين أن السلف الصالح اعتمدوا في اعتقادهم على الاستسلام لأمر الله وتنفيذه على وجه الكمال والتصديق بخبره وإثبات ما أثبته الله لنفسه وما أثبته رسوله s من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل ، فالله أعلم بنفسه ووصفه منا ونحن ما رأيناه وما رأينا له مثيلا فكيف نحكم عليه بعقولنا القاصرة ؟ ، وليس هناك من خيار أمام من يدافع بإصرار عن استخدام عقله في وصف ربه إلا أن يقع في المحذور ويستخدم أقيسة التمثيل والشمول ، فيقول : لو كان الله كذا لكان كذا ، ويجب عليه كذا لأجل كذا ، ولو قلنا في وصفه بكذا لكان كذا وكذا .
وهو في حقيقة مبدئه يعتبر ربه فردا من أفراد هذا القياس ينطبق عليه ما ينطبق على سائر الناس ، ولذلك كان مذهب السلف في التوحيد قطع الطريق على هؤلاء بمنع الأقيسة العقلية المبنية على اجتهادات فكرية في التعرف على الغيبيات أو كيفية الذات والصفات ، سواء كانت أقيسة تمثيلية أو شمولية ، وقد تقدم ذلك في ذكر العناصر الأساسية لمذهب السلف الصالح في توحيد الصفات ، لكن إصرار الأشعرية على استخدام حصيلتهم العقلية في وصف الله ، وأن هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة ، أداهم إلى أن يقسموا التوحيد إلى ثلاثة أنواع أساسية لا زالت تدرس في المعاهد الأزهرية :
1- أن الله واحد في ذاته لا قسيم له .
2- أن الله واحد في صفاته لا شبيه له .
3- أن الله واحد في أفعاله لا شريك له .
والسؤال الذي يطرح نفسه على العقلاء : على أي أساس عقلي قسم هؤلاء التوحيد إلى ثلاثة أنواع ؟ هل استندوا إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم ؟ أو أنهم استندوا إلى عقول الصحابة والتابعين وأئمة السنة المقبولين عند جميع المسلمين كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم ؟ هل استندوا لشيء نتركه لهم الإمام أبو الحسن الأشعري ؟ في الحقيقة أنهم لم يستندوا في تقسيمهم للتوحيد لا إلى هذا ولا إلى ذاك ، وإنما جعلوا الأمر بعد أبى الحسن الأشعري مشاعا عقليا لكل من يدلى بدلوه في الموضوع ، فأشبه الأمر استفتاءا شعبيا واستبيانا فكريا لسائر العقلاء في صناديق الاقتراع ، كان مضمونه : أيها العقلاء الذين لم تروا ربكم ولم تروا له مثيلا ، خمنوا وبينوا لنا ما يجب في حق الله وما يجوز له وما يستحيل عليه ، وسنأخذ في النتيجة النهائية برأي الأغلبية ، لأننا نعلم أنه من المستحيل اتفاق الكل على استفتاء عادى فضلا عن استفتاء فكرى ولكن سنعتبر رأي الأغلبية أصولا عقلية ، ثم نعتبرها بعد ذلك أصولا لديننا وعقيدتنا .
فقبلت مجموعة كبيرة من الدارسين تراث عقلاء اليونان الكافرين ، من كبار المتكلمين العقلاء المشاركة في هذا الاستفتاء ثم خرج بعضهم بنتيجة غريبة لا يعرف فيها مقياس لفرز الآراء ولا عدد الذين اتفقوا عليها من ذوى الأصوات الصحيحة ، لكن المهم أن رأيا عاما ظهر في هذه النتيجة ، ونسبوه ظلما وزورا إلى أبى الحسن الأشعري ، ظنوا أنه شارك معهم في هذا الاستفتاء ، والواقع أنه لم يكن معهم أصلا في ظهور هذه الآراء ، لكنهم على كل حال توصلوا إلى هذه النتيجة واعتبروا أنها تمثل الدستور الحق في باب الاعتقاد ، وأن من دان بها فهو من أهل الحق وأهل السنة والجماعة ، فكان من بنود هذا الاتفاق على تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أنواع عقلية باطلة النوع الأول : أن الله واحد في ذاته لا ينقسم ، وليس له أجزاء وأبعاض ، النوع الثاني : أن الله واحد في صفاته لا شبيه له ، النوع الثالث : أن الله واحد في أفعاله لا شريك له ، هذا هو التوحيد الذي نتج عن هذا الاستفتاء من قبل أصحاب الدين الخالص من عقلاء المتكلمين من الأشعرية ، وقد اعتبروها أصول الدين والفيصل المبين في النظر إلى كتاب الله وسنة رسوله s ، فما وافق تلك الأصول من النصوص والآيات فهو دليل لهم ، يقدمونه فقط عند الكتابة في المؤلفات أو عند المحاجة في المخاصمات والمناظرات حتى يشعر المخاطب أنهم يعتمدون على نصوص الوحي في إثبات الصفات والاعتقادات ، وما خالف أصولهم وتقسيمهم للتوحيد فينبغي التعامل معها بأي وسيلة وأن يبذل لها المرء كل حيلة ، بادعاء مجاز أو تأويل أو تهوين وتعطيل أو تقبيحها في نفس السامع حتى تبدو ضربا المستحيل ، المهم أن يقر بأن ظهارها الذي ورد في التنزيل باطل ومستحيل ويجب صرفه إلى شيء آخر .
وقول الأشعرية في التوحيد إن الله واحد في ذاته لا قسيم له ، وواحد في صفاته لا شبيه له ، وواحد في أفعاله لا شريك له ، وهذا الكلام ضرب من التلبيس والتدليس الذي اختلط فيه الحق بالباطل لأن الإنسان لو أقر بما يستحقه الرب تعالى من الصفات ونزهه عن كل ما ينزه عنه ، وأقر بأنه وحده خالق كل شىء ، لم يكن موحدا بل ولا مؤمنا حتى يشهد أن لا إله إلا الله ، ويقر بأن الله وحده هو الإله المستحق للعبادة ويلتزم بعبادة الله وحده لا شريك له .
فإنهم إذا قالوا : واحد في ذاته لا قسيم له ولا جزء له ولا شبيه له ، فهذا اللفظ وإن كانت نيتهم تحمل معنى صحيحا فإن الله ليس كمثله شيء في ذاته أو صفاته أو أفعاله ، وهو سبحانه منزه عن تفرق ذاته أو فسادها أو تحولها إلى ذات أخرى ، بل هو أحد صمد ، والصمد هو الذي لا جوف له وهو السيد الذي كمل سؤدده .
لكنهم يدرجون تحت هذا التوحيد المزعوم وتحت شعار أنه لا ينقسم نفي علو الله على خلقه ومباينته لمصنوعاته ونفي ما ينفونه من صفاته ، ويقولون إن إثبات ذلك يقتضي أن يكون مركبا منقسما مشابها للحوادث ، يقول الرازي وهو من أعمدة المذهب الأشعري في نفي علو الله على خلقه وتعطيل استوائه على عرشه : ( لو كان الله مختصا بالمكان لكان الجانب الذي في يمينه يلي ما على يساره ، فيكون مركبا منقسما فلا يكون أحدا في الحقيقة ، فيبطل قوله : } قل هو الله أحد ) ، وهم لما نفوا الاستواء وعطلوا علو الفوقية بهذه الحجج العقلية ساءت سمعتهم عند عامة المسلمين ، فالله يقول صراحة هو على العرش وهم يقولون صراحة ليس على العرش ، فما المخرج من هذه الورطة التي وضعوا أنفسهم فيها ؟ والجواب في قول أحدهم : ( لو سئلنا عن قوله تعالى : ( الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ) ، لقلنا المراد بالاستواء القهر والغلبة والعلو ، ومنه قول العرب استوى فلان على المملكة أي استعلى عليها واطردت له ، ومنه قول الشاعر : قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق )
انظروا ماذا يقول أحدهم عضد الدين الإيجي في حكم الاستدلال بالظواهر الموهمة بالتجسيم من الآيات والأحاديث نحو قوله تعالى الرحمن على العرش استوى وجاء ربك والملك صفا صفا فإن استكبروا فالذين عند ربك إليه يصعد الكلم الطيب تعرج الملائكة والروح إليه هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى وحديث النزول وقوله الخرساء أين الله فأشارت إلى السماء فقرر فالسؤال والتقرير يشعران بالجهة ظواهر ظنية لا تعارض اليقينيات الدالة على نفي المكان والجهة ، ومهما تعارض دليلان وجب العمل بهما ما أمكن فتؤول الظواهر ، فنقول الاستواء الاستيلاء نحو قد استوى عمرو على العراق والعندية بمعنى الاصطفاء والإكرام كما يقال فلان قريب من الملك وجاء ربك أي أمره وإليه يصعد الكلم الطيب أي يرتضيه فإن الكلم عرض يمتنع عليه الانتقال و من في السماء أي حكمه أو سلطانه أو ملك موكل ، ثم يقول والله ليس في جهة من الجهات ولا في مكان من الأمكنة وخالف فيه المشبهة وخصصوه بجهة الفوق اتفاقا ) .
تعالوا نرى ماذا يقول المعاصرون ، اسمعوا أحد المعاصرين من الأشعرية من دعاة الجمعية الشرعية ؟ يقول في كتابه حق الله على العباد وحق العباد على الله :
( قوله تعالى : ( الرحمن على العرش استوى ) ( طه : 5 ) يقول فيه السلف : هو مصروف عن ظاهره ويفوضون علم المراد منه إلى الله تعالى ، والخلف يقولون : هو مصروف عن ظاهره والمراد من استوى استولى ) ، ( ويقولون في قول النبي صلى الله عليه وسلم للجارية : أين الله ؟ فقالت : في السماء ، هو مصروف عن ظاهره ، وإنما اكتفي صلى الله عليه وسلم منها بقولها في السماء ، لأنه كان يكفي في صدر البعثة بالنسبة للعامة اعتقاد وجود الله تعالى ووحدانيته ، فعامل الجارية بما ألفته وأقرها على اعتقاد وجود الله تعالى وانفراده بالإلهية ، ولما أشارت إلى السماء علم النبي صلى الله عليه وسلم أنها تعظم الله تعالى وتعتقد وحدانيته وتنفر من آلهة الأرض التي كانوا يعبدونها ) .
( وهنا سؤال : هل الله سبحانه وتعالى في السماء ؟ احتج المشبهة بهذه الآية على إثبات المكان لله وهى قوله تعالى : ( أأمنتم من في السماء ) ( الملك : 16 ) والجواب : أن هذه الآية لا يمكن إجراؤها على ظاهرها باتفاق المسلمين لأن كونه سبحانه في السماء يقتضى كون السماء تحيط به من جميع الجوانب ، فيكون سبحانه أصغر من السماء والسماء أصغر من العرش بكثير بل وأصغر من الكرسي الذي وسع السماوات والأرض ، فيلزم أن يكون شيئا صغيرا بالنسبة إلى العرش وذلك محال لأنه تعالى قال : ( قل من رب السماوات والأرض قل الله ) ( الرعد : 16 ) .
وقال تعالى : ( وهو الله في السماوات وفي الأرض ) ( الأنعام : 3 ) فهل يعقل أن تكون الذات الواحدة في مكانين في آن واحد ؟ إذن يجب صرف هذه الآية وأمثالها عن ظاهرها ) ( والمراد من كونه تعالى في السماوات وفي الأرض نفاذ أمره وقدرته وجريان مشيئته في السماوات والأرض ) فهو سبحانه ليس في جهة من الجهات لأن ذلك من صفات الأجسام ) ( وليت شعري أيثبت هؤلاء الجاهلون كل ما ورد من تلك الظواهر ؟ فيقولون : إن الله في السماء بمقتضى قوله تعالى : ( أأمنتم من في السماء ) ( الملك : 16 ) ، أم على العرش بمقتضى قوله تعالى : ( الرحمن على العرش استوى ) ( طه : 5 ) أم في الأفاق بمقتضى قوله تعالى : ( وهو معكم أينما كنتم ) ( الحديد : 4 ) ) ( وأما رفع الأيدي إلى السماء في الدعاء فلكونها محل البركات وقبلة الدعاء كما أن الكعبة قبلة الصلاة ) .
( وماذا يضيرنا لو قلنا : إننا نؤمن بالله وبوجوده المتيقن المؤكد وبهيمنته على الخلق ولكننا لا ندرى أين هو ؟! وهل لو سألني سائل عن رئيس من الرؤساء أموجود هو ؟ فقلت هو موجود يأمر وينهى ويصرف الأمور فإذا سألني وأين هو ؟ فقلت لا أدرى ، غير أنى أؤمن أنه موجود أيكون جوابي هذ1حكما بعدم وجود الرئيس المسئول عنه ؟ اللهم إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) .
ويروى عن يحي الرازي وقد قيل له : ( أخبرنا عن الله تعالى فقال : إنه واحد ، فقيل : كيف هو ؟ فقال : ملك قادر فقيل : أين هو ؟ فقال : بالمرصاد ، قال السائل : لم أسألك عن هذا ؟ ، فقال : ما كان غير هذا فهو صفة المخلوق فأما صفته فما أخبرت عنه ، وقال جعفر الصادق رضي الله عنه من زعم أن الله سبحانه وتعالى في شيء أو من شيء أو على شيء فقد أشرك بالله ، إذ لو كان على شيء لكان محمولا ولو كان من شيء لكان محصورا ولو كان من شيء لكان محدثا تعالى الله عن ذلك ، وقال بعض العلماء لتلميذ يمتحنه : لو قال لك أحد : أين معبودك ؟ فأي شيء تقول ؟ قال : كنت أقول : حيث لم يزل قال : فإن قال لك : فأين كان في الأزل ؟ فأي شيء تقول ؟ قال أقول : حيث هو الآن ولا مكان فهو الآن على ما عليه كان ، قال التلميذ : فارتضى الشيخ ذلك .
وسوف نرد على هذه الشبه الكلامية جملة جملة ولكن لنرى الآن عقيدة الأشعري في الاستواء ، فلا زلنا نقارن بين عقيدة الأشعري وعقيدة الأشعرية لنين للناس أن ما يدرس في المعاهد والجامعات الأزهرية وغيرها من المؤسسات التعليمية يختلف تماما عن عقيدة أبى الحسن الأشعري العقيدة السلفية ، فماذا قال الأشعري مسألة علو الفوقية أو استواء الله على عرشه بعد أن علمنا قول الأشعرية ، يقول أبو الحسن الأشعري في كتابه الإبانة :
( إن قال قائل : ما تقولون في الاستواء ؟ قيل له : نقول : إن الله عز وجل يستوي على عرشه ، استواء يليق به كما قال : ( الرحمن على العرش استوى ) ، وقد قال تعالى : (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) ، وقال تعالى : (بل رفعه الله إليه) ، وقال تعالى : (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه) ، وقال تعالى حاكيا عن فرعون لعنه الله : (يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا) ، كذب موسى عليه السلام في قوله : إن الله سبحانه فوق السماوات ، وقال تعالى : (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض) ، فالسماوات فوقها العرش ، فلما كان العرش فوق السماوات قال : (أأمنتم من في السماء) لأنه مستو على العرش الذي فوق السماوات ، وكل ما علا فهو سماء ، والعرش أعلى السماوات ، وليس إذا قال : (أأمنتم من في السماء) يعني جميع السماوات ، وإنما أراد العرش الذي هو أعلى السماوات ، ألا ترى الله تعالى ذكر السماوات ، فقال تعالى : (وجعل القمر فيهن نورا) ، ولم يرد أن القمر يملأهن جميعا ، وأنه فيهن جميعا ، ورأينا المسلمين جميعا يرفعون أيديهم إذا دعوا نحو السماء ، لأن الله تعالى مستو على العرش الذي هو فوق السماوات ، فلولا أن الله عز وجل على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو العرش ، كما لا يحطّونها إذا دعوا إلى الأرض .
وقد قال قائلون من المعتزلة والجهمية والحرورية : إن معنى قول الله تعالى : (الرحمن على العرش استوى) أنه استولى وملك وقهر ، وأن الله تعالى في كل مكان ، وجحدوا أن يكون الله عز وجل مستو على عرشه ، كما قال أهل الحق ، وذهبوا في الاستواء إلى القدرة .
ولو كان هذا كما ذكروه كان لا فرق بين العرش والأرض السابعة ، لأن الله تعالى قادر على كل شيء والأرض لله سبحانه قادر عليها ، وعلى الحشوش ، وعلى كل ما في العالم ، فلو كان الله مستويا على العرش بمعنى الاستيلاء ، وهو تعالى مستو على الأشياء كلها لكان مستويا على العرش ، وعلى الأرض ، وعلى السماء ، وعلى الحشوش ، والأقدار ، لأنه قادر على الأشياء مستول عليها ، وإذا كان قادرا على الأشياء كلها لم يجز عند أحد من المسلمين أن يقول إن الله تعالى مستو على الحشوش والأخلية ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، لم يجز أن يكون الاستواء على العرش الاستيلاء الذي هو عام في الأشياء كلها ، ووجب أن يكون معنى الاستواء يختص بالعرش دون الأشياء كلها .
وزعمت المعتزلة والحرورية والجهمية أن الله تعالى في كل مكان ، فلزمهم أنه في بطن مريم وفي الحشوش والأخلية ، وهذا خلاف الدين . تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا .
ويقال لهم : إذا لم يكن مستويا على العرش بمعنى يختص العرش دون غيره ، كما قال ذلك أهل العلم ، ونقله الأخبار ، وحملة الآثار ، و إذا كان الله عز وجل في كل مكان فهو تحت الأرض التي السماء فوقها ، وإذا كان تحت الأرض والأرض فوقه ، والسماء فوق الأرض فيلزمكم أن تقولوا إن الله تحت التحت ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
ومما يؤكد أن الله عز وجل مستو على عرشه دون الأشياء كلها ، ما نقله أهل الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، روى عفان ، قال : ثنا حماد بن سلمة ، قال : حدثنا عمرو بن دينار ، عن نافع ، عن جبير ، عن أبيه رضي الله عنهم أجمعين ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (ينزل ربنا عز وجل كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول : هل من سائل فأعطيه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ حتى يطلع الفجر) ، روى عبيد الله بن بكر قال : ثنا هشام بن أبي عبد الله ، عن يحيى بن كثير ، عن أبي جعفر ، أنه سمع أبا حفص يحدث أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا بقى ثلث الليل ينزل الله تبارك وتعالى فيقول : من ذا الذي يدعوني فأستجيب له ؟ من ذا الذي يستكشف الضر فأكشفه عنه ؟ من ذا الذي يسترزقني فأرزقه ؟ حتى ينفجر الفجر ) ، وروى عبد الله بن بكر السهمي ، قال : ثنا هشام بن أبي عبد الله عن يحيى بن كثير ، عن هلال بن أبي ميمونة ، قال : ثنا عطاء بن يسار أن رفاعة الجهني حدثه قال : فكنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كفا بالكديد - أو قال بقديد - حمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : ( إذا مضى ثلث الليل - أو قال ثلثا الليل - نزل الله عز وجل إلى السماء ، فيقول : من ذا الذي يدعوني أستجيب له ؟ من ذا الذي يستغفرني أغفر له ؟ من ذا الذي يسألني أعطيه ؟ حتى ينفجر الفجر ) ، نزولا يليق بذاته ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
دليل آخر : قال الله تعالى : ( يخافون ربهم من فوقهم ) ، وقال تعالى : ( تعرج الملائكة والروح إليه ) ، وقال تعالى : ( ثم استوى إلى السماء وهي دخان ) ، وقال تعالى : ( ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا ) .
وقال تعالى : ( ثم استوى على العرش مالكم من ولي ولا شفيع ) ، فكل ذلك يدل على أنه تعالى في السماء مستو على عرشه ، والسماء بإجماع الناس ليست الأرض ، فدل على أنه تعالى منفرد بوحدانيته ، مستو على عرشه استواء منزها عن الحلول والاتحاد .
وروت العلماء أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم بأمة سوداء فقال : يا رسول الله إني أريد أن أعتقها في كفارة فهل يجوز عتقها ؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : أين الله ؟ قالت : في السماء ، قال فمن أنا ؟ قالت : أنت رسول الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أعتقها فإنها مؤمنة ، وهذا يدل على أن الله تعالى على عرشه فوق السماء .
ولنا لقاء آخر إن شاء الله والسلام عليكم ورحمة الله .
|