·النظر في آيات الله الكونية والنفس البشرية:
والحق سبحانه وتعالى يدعوا عباده إلى النظر في آياتة الكونية، والمخلوقات المرئية، بما في ذلك النفس البشرية، فهى في حقيقتها صفحات كونية وأدلة عقلية في كتاب الله الكونى، ودور الإنسان الذي أمر الله به في القرآن هو التفكر والاعتبار والنظر في الآثار، فالأثر يدل على المسير والبعرة تدل على البعير، سماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج ألا تدل على اللطيف الخبير، فدور العقل هنا البحث في المخلوقات وما فيها من حكم وآيات، فإن المفعولات دالة على الأفعال، والأفعال دالة على الصفات، فالمفعول يدل على الفاعل، والمخلوق يدل على الخالق، وذلك يدل باللزوم على وجود الله وقدرته وعلمه ومشيئته.
ثم ما في المخلوقات من أنواع التغييرات، وما فيها من تنوع في الأشكال والجمال والحسن والكمال، يدل على وجود إرادة للحق في إدارة الملك، كما أن ما فيها من المصالح والغايات والحكم البينات الواضحات، يدل على حكمته وإتقان صنعته، وغير ذلك مما دعانا الله تعالى إلى النظر فيه فقال سبحانه تعالى:
(إِنَّ فِي خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ الليْل وَالنَّهَارِ وَالفُلكِ التِي تَجْرِي فِي البَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَل اللهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُل دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ المُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) البقرة/164.
ثالثا: من الأمور التي يدرك بها العقل حقائق الأشياء أيضا المتواترات.
وكذلك خبر العدل الضابط الصادق كعلمنا بوجود مكة والمدينة، فإن العلم بوجودهما علم يقيني، وكذلك بعثة النبي العلم بها علم يقينى، لما ورد فيها من تواتر الأخبار وحملة الآثار.
وقد اتفق علماء الحديث على أن الأحاديث المتواترة تدل على اليقين وهى التي رواها جمع يستحيل اتفاقهم على الكذب عن جمع آخر يستحيل اتفاقهم على الكذب إلى نهاية الإسناد إلى رسول الله صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ.
ويحصل اليقين أيضا بخبر الواحد المعروف معرفة شخصية بطول العشرة والمعهود عنه العدالة الضبط وعدم المبالغة في القول كالراوي الثقة الذي لم يعرف بارتكاب كبيرة ولا إصرار على الصغيرة. فربما يحدث خبره من اليقين ما لايحدثه خبر التواتر.
ولم يختلف أحد من الأمم في أن رسول الله صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بعث إلى الملوك رسولا واحدا يدعوهم إلى الإسلام، واحدا واحدا مفردا إلى كل مدينة وقبيلة، كصنعاء وحضرموت ونجران وتيماء والبحرين وعمان وغير ذلك من البلدان، وكان كل رسول يُعَلم الناس أحكام دينهم كلها، عقيدة وشريعة، وافترض النبي صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ على كل جهة قبول رواية أميرهم ومعلمهم؛ فصح قبول خبر الواحد الثقة عن مثله مبلغا إلى رسول الله صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ.
روى البخاري عَنْ البَرَاءِ أنه قَال: (لمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ المَدِينَةَ صَلى نَحْوَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلى الكَعْبَةِ فَأَنْزَل اللهُ تَعَالى (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلةً تَرْضَاهَا) فَوُجِّهَ نَحْوَ الكَعْبَةِ وَصَلى مَعَهُ رَجُلٌ العَصْرَ ثُمَّ خَرَجَ فَمَرَّ عَلى قَوْمٍ مِنْ الأَنْصَارِ فَقَال هُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ صَلى مَعَ النَّبِيِّ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ وَأَنَّهُ قَدْ وُجِّهَ إِلى الكَعْبَةِ فَانْحَرَفُوا وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلاةِ العَصْرِ).