**********************************
` الاتصال : ارتباط الأشياء بعضها ببعض ، كاتحاد طرفى الدائرة ، ويضاده الانفصال ، ويستعمل الوصل على نوعين (1) :
(1- الاتصال فى الأعيان ، كقوله تعالى : } فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ {[هود/70] ، ونحو حديث أسماء رضى اللَّه عنها ، قالت : " سألت امرأة النبي eفقالت : يا رسول اللَّه ، إن ابنتي أصابتها الحصبة فامرق شعرها وإني زوجتها ، أفأصل فيه ؟ فقال : لعن اللَّه الواصلة والموصولة " (2) .
(2- الاتصال فى المعانى ، وهو الشاهد لمصطلح الاتصال ، كقوله عز وجل : } وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمْ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون َ{[القصص/51] أى أكثرنا لهم القول موصولا بعضه ببعض ، وقالت خديجة رضي اللَّه عنها لرسول اللَّه e : " واللَّه ما يخزيك اللَّه أبدا ، إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق " (3) ، وعن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنه ، أن النبي e واصل ، فواصل الناس فشق عليهم ، فنهاهم ، قالوا : ـــــــــــــــــــ
1. المفردات ص525 ، لسان العرب مادة (وصل) 11/726 بتصرف .
2. أخرجه البخارى فى كتاب اللباس 10/391 (5941) .
3. أخرجه البخارى فى كتاب بدء الوحى 1/37 (4) .
إنك تواصل ؟ قال : " لست كهيئتكم إني أظل أطعم وأسقى " (1) .
والوصيلة أطلقت على ما تعارف عليه أهل الجاهلية ، أن أحدهم كان إذا ولدت له شاته ذكرا أو أنثى ، قالوا : وصلت أخاها ، فلا يذبحون أخاها من أجلها ، وهو ما عناه الحق فى قوله تعالى : } مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ {[المائدة/103] (2) ، وقال أبو هريرة t: " الوصيلة الناقة البكر ، تبكر في أول نتاج الإبل ، ثم تثني بعد بأنثى ، وكانوا يسيبونها لطواغيتهم ، إن وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينهما ذكر " (3) .
`الاتصال فى الاصطلاح الصوفى :
ومصطلح الاتصال فى عرف الصوفية أو الواصل ، موضوع على معنى تجيزه الأصول القرآنية والنبوية ، وإن لم يرد اللفظ فى القرآن والسنة على المعنى الصوفى ، فالواصل عندهم ، هو من كان على صلة بربه ، فلا يرى بسره معنى التعظيم غيره ، ولا يسمع الأمر إلا منه (4) ، وهذا معنى شرعى محمود ، ثابت بمجمل الأصول الداعية إلى صلة العبد بربه .
ـــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الصوم (1922) 4/211 .
2. فتح البارى شرح صحيح البخارى 8/134 .
3. البخارى فى كتاب تفسير القرآن (4623) 8/132.
4. التعرف ص108 ، وقارن مع ما ذكره عبد الله الأنصارى الهروى فى كتابه منازل السائرين ، وتقسيمه الاتصال إلى ثلاث درجات ، انظر منازل السائرين ، طبعة دار الكتب العلمية سنة 1988م ص122 وما بعدها .
وروى عن يحى بن معاذ الرازى (ت:258هـ) أنه قال عن الواصل : ( من لم يعم عينه عن النظر إلى ما تحت العرش ، لم يصل إلى ما فوق العرش ) (1) .
يعنى لم يلحق ما فاته من مراقبة الذى خلق العرش ، وكلامه يدل على الدعوة إلى التعلق بالله ، وترك ما سواه ومثله وعن أبى يزيد البسطامى (ت:261هـ) قال : ( الواصلون فى ثلاثة أحرف ، همهم فى اللَّه وشغلهم فى اللَّه ، ورجوعهم إلى اللَّه ) (2) ، وينسب إلى أبى بكر الشبلى (ت:334هـ) أنه قال فى إظهار معنى التواضع لمن جاهد فى الوصول إلى الإيمان بربه ، من خلال المراقبة والصدق مع الله : ( من زعم أنه واصل ، فليس له حاصل ، وسبب الحرمان من الوصول والاتصال، انعدام المراقبة ) (3) ، وروى أيضا عن عبد الله بن خفيف الشيرازى (ت:371هـ) أنه قال : ( الواصل ، من اتصل بمحبوبه دون كل شئ سواه وغاب عن كل شئ سواه ) (4) ، ويذكر الكلاباذى (ت:380هـ) فى معنى الاتصال عند الصوفية ، أن ينفصل العبد بسره عما سوى اللَّه (5) .
ويرون كما سبق أن الاتصال يوجب الافتقار فيه ، فلا يظن العبد أنه قد وصل وإلا فليتقين أنه انفصل (6) .
والاتصال بالمعنى الصوفي ، وإن كان قائما فى بدايته على أصول القرآن والسنة التى دعت إلى دوام مراقبة اللَّه عز وجل ، ومتانة الصلة بين العبد وربه ، وأداء ــــــــــــــــــــ
1. اللمع للسراج الطوسى ص433 . 2. عوارف المعارف للسهروردى ص 516 .
3. اللمع ص433 . 4. طبقات الصوفية للسلمى ص466 .
5. التعرف ص108 . 6. اللمع ص433 .
العبودية لله على وجه الكمال ، إلا أنه أخذ بمعنى آخر ، فعند الحلاج ، الاتصال يؤدى إلى مفارقة الشريعه ، واعتقادها هوسا كما قال : ( اعلم أن العبد قائم على بساط الشريعة ما لم يصل إلى التوحيد ، فإذا وصل إليه سقطت من عينه وصارت عنده هوسا ) (1) ، والاتصال عند ابن عربى وتلاميذ مدرسته أخذ على معنى ملاحظة العبد عينه ، متصلا بالوجود الأحدى ، بقطع النظر عن تقيد وجوده بعينه وإسقاط إضافته إليه ، فيرى اتصال مدد الوجود ونفس الرحمن إليه على الدوام بلا انقطاع ، حتى يبقى موجودا به (2) ، ويرى عبد الكريم الجيلى أن الاتصال فى دوام الوصلة بلا انقطاع ، ولا فتور حيث تتواتر تجليات الحق تعالى على العبد فى هذا المشهد ، من غير رجوع إلى النفس فالوصال هو لحوق العبد بالله تعالى (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخبار الحلاج نشرة لويس ماسينيون وبول كراوس ص55 .
2. معجم اصطلاحات الصوفية للكاشانى ص50 ، وانظر لطائف الأعلام فى الكشف عن مصطلح اتصال الوجود ، واتصال الانفصال 1/165، وقارن أيضا بين مصطلح اتصال الشهود فى اللطائف الموضع السابق ، وما ذكره عبد الكريم الجيلى فى كتابه المناظر الإلهية عن مصطلح التمكين ص119 ، وانظر جامع الأصول للكمشخانوى أحمد ضياء الدين طبعة دار الكتب العربية سنة1331هـ ص59 ، ص66 فى المقارنة بمصطلح القرب والخلة .
3. المناظر الإلهية ص 160 ، لاحظ معنى وحدة الوجود ، الذى يتبدى فى ثنايا كلام الجيلى إذ يعتبر الوصال ، آفة مشعرة بالغرية والاثنينية ، والأمر منزه عنده عن ذلك فالواصل محجوب عن الوحدة ، إذ لا وصول لأنه لا فراق ولذا يقول : ( واعلم أن =