**********************************
`الإحسان : ضد الإساءة ، والحسن كل مبهج مرغوب فيه ، والإحسان يقال على وجهين (1) :
أحدهما : الإنعام على الغير ، كقوله تعالى : } إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ {[النحل/90] ، وقوله سبحانه : } وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْك َ{[القصص/77] ، وكقوله e من حديث بن عباس t: " أريت النار ، فإذا أكثر أهلها النساء ، يكفرن ، قيل : أيكفرن باللَّه ؟ قال : يكفرن العشير ، ويكفرن الإحسان ، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ، ثم رأت منك شيئا ، قالت ما رأيت منك خيرا قط ) (2) .
الثانى : الإحسان فى الفعل ، وذلك إذا علم علما حسنا ، أو عمل عملا حسنا كقوله تعالى : } وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْك َ{[القصص/77] ، وقوله : } الَّذِي ــــــــــــــــــــ
= الوصال المعبر عنه بتواتر التجليات الحقية ، لا يكون إلا فى حق الضعفاء المحجوبين وأما الكامل ، فإن زاته منزهة عن تجلى صفات الغير عليها ، بل هو المتجلى فى ذاته بصفاته فالفصال أعلى من الوصال ، لأن الحق إذا فصلك عن تجلياته أبقاك بذاته ) ، انظر المناظر الإلهية ص161 .
1. المفردات ص119 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب الإيمان (29) 1/104 .
أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِين ٍ{[السجدة/7] ، ومنه قوله e من حديث شداد بن أوس t: " إن اللَّه كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ، وليحد أحدكم شفرته فليرح ذبيحته " (1) .
وللإحسان معنى اصطلاحى شرعى ، وضع على درجة يبلغها العبد أعلى من درجة الإيمان ، كما نص على ذلك القرآن فى قوله تعالى :
} لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين َ{[المائدة/93] ، ففرق اللَّه بين التقوى المبنية على درجة الإيمان والتقوى المبنية على درجة الإحسان ، وقد حدد النبى e للإحسان معنى دوام المراقبة لله ، فى الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة ، فقال أبو هريرة t: " كان النبي e بارزا يوما للناس ، فأتاه جبريل فقال : ما الإحسان ؟ ، قال : أن تعبد اللَّه كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " (2) .
` الإحسان فى الاصطلاح الصوفى :
والإحسان فى اصطلاح الصوفية ، هو تهذيب القصد بعلم الشريعة والطريقة فيكون قصده مطابقا للأمر ، مبرأ عن شوب الرياء والغرض ، وإحكامه بالجزم ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه مسلم فى كتاب الصيد والذبائح (1955) 3/1548 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب الإيمان (50) 1/140 .
وتوطين النفس على ثبات العزم ، وعدم الفتور فيه ، وتصفيته عن النظر إلى غير المقصود بشهود المعبود ، وعدم الالتفات إلى الغير ولو نفسه ، فيعبد اللَّه معتقدا أنه بمرأى من اللَّه متوجها إليه كأنه يراه بقلبه (1) ، وهذا المعنى إلى هذا الحد قرآنى خالص يدل عليه الأصل النبوى ، الوارد فى حديث جبريل السابق ، إذ جعله الرسول e أعلى درجات الدين بعد الإسلام الإيمان ، ويؤكد السراج الطوسى (ت:387هـ) ، أن معنى الإحسان الوارد فى الحديث ، هو المعنى عند الصوفية وأن معنى قوله : أن تعبد اللَّه كأنك تراه ، يكون بدوام المراقبة والمشاهدة بالإيمان واليقين ، وينكر على من قال بخلاف ذلك ، يقول : ( بلغنى عن جماعة من أهل الشام ، أنهم يدعون الرؤية بالقلوب فى دار الدنيا ، كالرؤية بالعيان فى دار الآخرة ، ولم أر أحدا منهم ، ولا بلغنى عن إنسان ، أنه رأى منهم رجلا له محصول ) (2) ، ثم يبين أن الصوفية أشاروا برؤية القلوب ، إلى التصديق والمشاهدة بالإيمان وحقيقة اليقين ، وأنه ينبغى أن يعلم العبد أن كل شئ رأته العيون فى الدنيا من الأنوار ، أن ذلك مخلوق ، ليس بينه وبين اللَّه تعالى شبه ، وليس ذلك صفة من صفات اللَّه ، بل جميع ذلك مخلوق (3) .
ويذكر الكاشانى (ت:735هـ) للإحسان فى عرف الصوفية ، معنى مغايرا للمعنى السابق البسيط ، ينبثق من مدرسة وحدة الوجود ، فالإحسان عندهم ــــــــــــــــــــ
1. معجم اصطلاحات الكاشانى ص286 .
2. اللمع 544 .
3. السابق 545 .
يدل على رؤية الرب نفسه فى عبده ، ورؤية العبد نفسه فى ربه ، كالمرآة يرى الناظر فيها نفسه ، والمحسن هو الذى يرى الحق موصوفا بصفات العبد ، فيراه العبد وراء حجب صفاته بعين صفاته ، لأنه فى عين اليقين ، فلا يرى الحقيقة بالحقيقة ، لأنه تعالى هو الرائى وصفه بوصفه (1) .
يقول الكاشانى : إنما يكون الرائى هو الحق ، ولا يكون للعبد أثر حيث يبسلبه أثار أوصافه عنه بأوصافه ، بأنه الفاعل فيه منه لا هو ، وإذا استحال أن ترى شيئا سواه غير قائم به ، فالكل تعيناته ، فلا شئ يوصف مما سواه ، بأنه عينه أو أنه غيره (2) ، فنقلوا المعنى من رؤية المراقبة ، إلى رؤية الله متعينا فى جميع الأشياء (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. معجم اصطلاحات الصوفية للكاشانى ص53 ، وكلام الكاشانى فيه إجحاف وتنقيص لحق أوائل الصوفية ، حيث عمم الاصطلاح على الكل ، لأن معنى الإحسان عندهم يتوافق مع الأصول القرآنية والنيوية ، بل انكروا على من قال بخلافه كما حكى ذلك السراج الطوسى فيما تقدم .
2. مثل المرآة من الأمثلة المتكررة للتعبير عن فلسفة وحدة الوجود ، وفكرته أن الله خلق العالم كمرآة يرى فيها نفسه حتى يعرف ، لأن من ير نفسه بمرآه ، أكمل ممن يراها بغيرها فالإنسان والعالم عند أصحاب الوحدة ، صورة للحق حقيقة لا خيال ، كما أن صورة المرآة حقيقة معبرة عن ذات المرئ ، وعلى ذلك فإن الله يرى نفسه فى الكافر والمؤمن وصاحب الوحدة يرى الكافر ربا والمؤمن كذلك ، ويرى الصوفى نفسه ربا باعتبار ظهر الحق فيه وهكذا تبدو هذه الزندقة ، قارنفصوص الحكم ص15:11 .
3. لطائف الإعلام 1/178 ، وانظر السابق ص53 .